الخريدة البهية للإمام أحمد الدردير المالكي
بسم الله الرحمن الرحيم
مختصر شرح الخريدة البهية للإمام الفقيه العالم الولي الصالح أبو البركات أحمد بن محمد بن أحمد الدردير المالكي (1127 - 1201)
منظومة على بحر الرجز
يقول راجي رحمةَ القديرِ أي أحمدُ المشهورُ بالدرديرِ
الحمد لله العليِّ الواحدِ العالِمِ الفرْدِ الغنيِّ الماجدِ
وأفضل الصلاة والتسليمِ على النبيِّ المصطفى الكريمِ
وآله وصَحْبِهِ الأَطْهارِ لا سِيَّمَا رفيقُهُ في الغارِ
وهذه عقيدة سنية سميتها الخريدة البهية
لطيفة صغيرة في الحجم لكنّها كبيرة في العلم
تكفيك علما إن ترد أن تكتفي لأنّها بزُبدة الفنّ تفي
واللهَ أرجو في قبول العمل والنفع منها ثم غفر الزلل
أقسام حكم العقل لا محالة هي الوجوب ثم الاستحالة
ثم الجواز ثالث الأقسام فافهم منحت لذة الإفهام
وواجب شرعا على المكلف معرفة الله العليِّ فاعرفِ
أي يعرف الواجب والمحالا مع جائز في حقه تعالى
ومثل ذا في حق رُسْلِ الله عليهم تحِيَّة الإلهِ
فالواجبُ العقليُّ ما لم يقبلِ الاِنتفا في ذاته فابتهلِ
والمستحيلُ كل ما لم يقبلِ في ذاته الثُّبوتَ ضدَّ الأوَّلِ
وكل أمر قابل للانتفا وللثُّبوت جائزٌ بلا خفا
ثم اعلمنْ بأنَّ هذا العالما أي ما سوى الله العليِّ العالِما
من غير شكٍّ حادثٌ مُفْتَقِرُ لأنه قامَ بهِ التغيرُ
حدوثُه وجودُه بعد العدمْ وضدُّه هو المسمَّى بالقِدَمْ
فاعلم بأن الوصف بالوجود من واجبات الواحد المعبود
إذا ظاهر بأن كل أثرِ يهدي إلى مؤثر فاعتبرِ
وذي تسمى صفة نفسية ثم تليها خمسة سلبية
وهي القِدَمْ بالذات فاعلم والبَقَا قيامُه بالنَّفْسِ نِلْتَ التُّقَى
مخالفٌ للغير وحدانية في الذات أو صفاته العليَّةْ
فالفعلُ في التأثير ليس إلا للواحِدِ القَهَّار جلَّ وعَلا
ومن يقل بالطبع أو بالعلة فذاك كفر عند أهل الملة
ومن يقل بالقوة المودعةِ فذاك بدعي فلا تلتفتِ
لو لم يكن متصفا بها لزمْ حدوثه وهو محال فاستقم
لأنه يفضي إلى التسلسلِ والدورِ وهو المستحيل المنجلي
فهو الجليل والجميل والوليْ والظاهر القدوس والربُّ العليْ
منـزهٌ عن الحلولِ والجهةْ والاتصال الانفصالِ والسَّفَهْ
ثم المعاني سبعة للرائي أي علمه المحيط بالأشياءِ
حياته وقدرة إرادة وكل شيء كائن أرادَهْ
وإن يكن بضدِّه قد أمرا فالقصد غير الأمر فاطرحِ المِراْ
فقد علمت أربعا أقساما في الكائنات فاحفظِ المقاما
كلامه والسمع والإبصارُ فهو الإله الفاعل المختارُ
وواجب تعليق ذي الصفات حتما ودوما ما عدا الحياةِ
فالعلم جزما والكلام السامي تعلقا بسائر الأقسامِ
وقدرةٌ إرادةٌ تعلَّقا بالممكنات كلها أخا التُّقى
واجزم بأن سمعه والبصرا تعلقا بكل موجود يُرَى
وكلها قديمة بالذات لأنها ليست بغير الذاتِ
ثم الكلام ليس بالحروفِ وليس بالترتيب كالمألوفِ
ويستحيل ضدُّ ما تقدما من الصفات الشامخات فاعلما
لأنه لو لم يكن موصوفا بها لكان بالسوى معروفا
وكلُّ من قام به سواها فهو الذي في الفقر قد تناهى
والواحد المعبود لا يفتقر لغيره جلَّ الغَنِيْ المُقْتَدِرُ
وجائز في حقه الإيجاد والترك والإشقاء والإسعادُ
ومن يقُلْ فِعْلُ الصلاحِ وجَبا على الإله قد أساءَ الأدَبا
واجزم أَخِيْ بِرُؤية الإلهِ في جنَّةِ الخُلْدِ بلا تناهي
إذِ الوُقوعُ جائزٌ بالعقْلِ وقد أَتى فيهِ دليلُ النَّقْلِ
وَصِفْ جميعَ الرُّسْلِ بالأمانة والصدق والتبليغ والفطانة
ويستحيل ضدها عليهِمُ وجائزٌ كالأكلِ في حقهِمُ
إرسالهم تفضُّلٌ ورَحْمَةْ للعالَمينَ جَلَّ مُولِيْ النِّعْمَةْ
ويلزم الإيمان بالحسابِ والحشر والعقاب والثوابِ
والنشر والصراط والميزانِ والحوضِ والنيرانِ والجنانِ
والجنِّ والأملاك ثم الأنبيا والحور والوِلدانِ ثم الأوليا
وكل ما جاء من البشيرِ من كلِّ حكمٍ صار كالضروري
وينطوي في كلمة الإسلامِ ما قد مضى من سائر الأحكام
فأكْثِرَنْ من ذكرها بالأدبِ ترقى بهذا الذكر أعلى الرتبِ
وغَلَِبِ الخوفَ على الرجاء وسِرْ لمولاكَ بلا تناءِ
وجَدِّدِ التَّوبةَ للأوزارِ لا تيْاَسَنْ من رحمة الغفارِ
وكن على آلائِهِ شكورا وكن على بلائه صبورا
وكل أمرٍ بالقضاء والقدرْ وكل مقدورٍ فما عنه مفَرّْ
فكُنْ له مُسَلِّماً كَيْ تَسْلَما واتبع سبيل الناسكين العُلَما
وخَلِّصِ القلبَ من الأغيارِ بالجد والقيامِ في الأسحارِ
والفكر والذكرِ على الدوامِ مجتنباً لسائرِ الآثامِ
مراقبا لله في الأحوالِ لترتقي مَعالمَ الكمالِ
وقل بِذُلٍّ ربِّ لا تقطعني عنك بقاطعٍ ولا تحرمني
مِن سِرِّكَ الأبهى المُزيلِ للعَمَى واخْتِمْ بخيرٍ يا رحيمَ الرُّحَما
والحمد لله على التَّمامِ وأفْضَلُ الصلاة والسلامِ
على النبي الهاشميِّ الخاتَمِ وآلِهِ وصَحْبِهِ الأَكارِمِ
قال الله تعالى : ﴿إِنَّا كُلَّ شَىْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ [سورة القمر ءاية 49]. وقال الله تعالى: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً﴾ [سورة الفرقان ءاية 2].
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « سيكون في أمتي أقوامٌ يكفرون بالله وبالقرءان وهم لا يشعرون فقلت يا رسول الله كيف يقولون قال يُقِرّون ببعض القدر ويكفرونَ ببعض يقولون إن الخير من الله والشرَّ من الشيطان » رواه الإمام أحمد بن الحسين أبي بكر البيهقي رحمه الله بإسناده إلى رافع بن خَدِيج صاحبِ رسول الله صلى الله عليه وسلم
الإيمان بالقدر خيره وشره معناه الإيمان بأن كل ما دخل في الوجود من خير و شر هو بتقدير الله الأزلي ، فالخير من أعمال العباد بتقدير الله و محبته ورضاه، والشر من أعمال العباد بتقدير الله و خلقه و عِلْمِه ولكن ليس بمحبته ولا برضاه. الله خالق الخير والشرّ لكنه يرضى الخير ولا يرضى الشرّ. الله تعالى خالق أفعال العباد ونيّاتهم ومشيئتهم شرّها وخيرها.
الإنسان يكتسب أعماله فقط ولا يخلقها. قال الله تعالى: ﴿ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ﴾ فالإنسان لا يكون منه إلا ما قدَّرَ الله كما قال عليه الصلاة والسلام: « وقل اعملوا فكل ميَسَرٌ لما خلق له » وحظ العبد من فعله توجيه القصد نحو العمل ، والله يخلقه عند ذلك إن شاء ، فالعباد مظاهرٌ لاكتساب الأعمال لا حظ لهم في الخلق قال الله تعالى: ﴿ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّـهِ ﴾ معناه لا خالق إلا الله وروى ابن حبان أنه صلى الله عليه وسلم قال: « إن الله صانع كلِ صانعٍ وصنعتِه » أي صانع العبدِ وفعلِه. ومن أقوى الأدلة لأهل السنة أن الله هو خالق فعلِ العبد لا حظَّ للعبد في الخلق، قولُه تعالى: ﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ قَتَلَهُمْ ۚ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ رَمَىٰ ﴾[سورة الأنفال آية 17] معناه وما رميت يا محمدُ خلقاً، إذ رميت كسباً، ولكن الله رمى خلقاً.
قال الإمام الطحاوي رحمه الله وكلّهم يتقلّبون في مشيئته بين فضله وعدله: يعني أن العباد يتصرفون بمشيئة الله تبارك وتعالى، فإن تصرفوا بالخير فبفضل الله تعالى، وإن تصرفوا في المعاصي والشرور فبعدل الله تبارك وتعالى، وهذا فيه إبطال ما ذهبت إليه المعتزلة من أن العباد تصرفهم في الشر ليس بإرادة الله أما تصرفهم في الخير فبإرادة الله، فهذه التفرقة باطلة، والحق خلاف ذلك فالعباد مهما فعلوا من فعل خيراً كان أو شراً فبمشيئة الله، وفي ذلك بيان أنه ليس واجباً على الله أن يفعل لعباده ما فيه صلاحهم أو ما هو أصلح لهم ومن يدعي ذلك فقد خرج من الإسلام وهذا قول المعتزلة. أنظر: اللهُ خالقُ كُلّ شَىء: الأجسام وصفاتها
https://www.islam.ms/ar/?p=354