الماء أول المخلوقات
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
الماء هو أول المخلوقات، فهو أصل لغيره من المخلوقات واللهُ تعالى خلقه بقدرته من غير أصل، فبداية العالم إذًا من غير مادة ولا يحيل العقل السليم ذلك، والدليل الشرعيّ الذي استند إليه العلماء في أن أصل العالم هو الماء وهو أول المخلوقات خبرُ رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادق المصدوق الذي رواه ابن حبان وابن ماجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: « كلُّ شىء خلقَ من الماء »، ولفظ ابن حبان أن أبا هريرة قال: قلت: يا رسول الله إني إذا رأيتُك طابت نفسي وقرَّت عيني فأنبئني عن كل شىء، قال: « إن اللهَ تعالى خلقَ كلّ شىء من الماء »، وفي لفظ: « كل شىء خلق من الماء »، وروى السديُّ بأسانيد متعددة عن جماعة من الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إنَّ الله لم يخلق شيئًا مما خلقَ قبل الماء ». فيتبين بذلك أن الماءَ هو أصل جميع المخلوقات وهو أول الخلق، فمن الماء خلق اللهُ العالمَ.
وثاني المخلوقات بعد الماء العرشُ وهو أكبر الأجرام التي خلقها الله، ثم خلق الله القلم الأعلى، ثم اللوح المحفوظ. والذي يدلّ على أولية هذه المخلوقات الأربعة ما رواه البخاريّ وابن الجارود والبيهقي من حديث عمران بن الحصين قال: أتى أناسٌ من أهل اليمنِ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله جئناك لنتفقه في الدين فأنبئنا عن بَدء هذا الأمر ما كان، فقال: « كان اللهُ ولم يكن شىء غيرُه، وكان عرشُهُ على الماء وكتب في الذكر كلَّ شىء، ثم خلقَ السموات والأرض » وفي رواية البيهقي من طريق أبي معاوية: « كان الله قبلَ كل شىء » فهذا الوفد سأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن بدء هذا الأمر أي عن أول العالم فأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم أولاً بالأهم أي بأهمّ مما سألوا وهو أنه أثبتَ الأزليةَ لله وحده، ثم أجابهم عن سؤالهم وهو أول العالم وبدء الخلق، والأمر الأهم هو قوله صلى الله عليه وسلم:"كان اللهُ ولم يكن شىء غيرُه" أي كان الله في الأزل موجودًا وليس غيره معه، فأفادهم عليه الصلاة والسلام أن الأزلية المطلقة ليست إلا لله الخالق، وأن الموجود الذي لا ابتداء لوجوده هو الله سبحانه وتعالى فقط لا يشاركه في هذه الصفة شىء غيره من المخلوقات، لأن الألوهية لا تصح مع إثبات شىء غير الله مع الله تعالى في الأزل، وقد أثبت الله في القرءان الأزليةَ له وحده ليفهمنا أن هذا العالم كله مخلوق خلقه من العدم إلى الوجود، قال الله تعالى: {هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شىء عليم} (سورة الحديد/3) والأولُ إذا أطلق على الله معناه الذي لا بداية لوجوده. وقد أجمع علماء المسلمين قاطبة على تكفير الذين قالوا بأزلية العالم كابن سينا والفارابي ومن تبعهم، وسواء في الكفر الذين قالوا: إن العالم قديم بجنسه ونوعه، حادث مخلوق بأفراده، والذين قالوا إن العالم قديم أزلي بمادته وصورته أي تركيبه، فكلا الفريقين كفار، وممن نقل الإجماع على تكفيرهم الإمام الفقيه المحدث الأصوليّ بدر الدين الزركشيّ في كتابه تشنيف المسامع بشرح جمع الجوامع فقال بعد أن ذكر كلام الفريقين: "وضللهم المسلمون وكفروهم"، وممن نص على تكفيرهم الإمام المجتهد والحافظ اللغويّ تقي الدين السبكي الشافعي، والقاضي عياض المالكي، والحافظ ابن حجر العسقلاني شارح صحيح البخاري وغيرهم.
https://www.islam.ms/ar/?p=52