الصبر على البلاء. أنواع الصبر
بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم وفقك الله أنّ عَملُ الآخِرَةِ يحتاجُ إلى الصّبرِ على المشَقّاتِ والشّدائِدِ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « مَا أُعطِيَ أحَدٌ عَطاءً خَيرًا وأَوسَعَ مِنَ الصَّبرِ » رواه البيهقي. ورواه مالك وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان.
والصّبرُ أنْواعٌ صَبرٌ على مشَقّاتِ العِباداتِ، مَشقَّةِ طَلبِ العِلم الواجبِ وأداء سائرِ الفُروضِ التي فَرضَهَا اللهُ، والصّبرُ على كفِّ النّفسِ عن المعَاصِي، والصّبرُ على ما ابتلاكَ اللهُ به هذَا الصّبرُ الوَاجِبُ، ثم بَعدَ ذلكَ صَبرٌ ءاخرُ لأهْلِ الإرادَاتِ أي الذينَ يُريدُونَ أنْ يَصِيرُوا أتقياءَ صُلَحَاءَ، أولئكَ يحتَاجُونَ إلى مَزِيدِ صَبرٍ. قال بعضُهم:
ألا بالصّبرِ تَبلُغُ ما تُرِيدُ وبالتَّقْوى يَلِينُ لَكَ الحَدِيدُ
هذَا الصّبرُ لأهْلِ الخصُوصِيّاتِ الذينَ يُريدونَ أن يتَرقَّوا إلى دَرجَةِ الاستقَامةِ، درَجَةِ الوِلايةِ، لا يصِلُ الإنسانُ إلى الولايةِ إلا بعدَ أنواعِ الصّبرِ الثلاثةِ الأُوَلِ، ثم الصّبرُ عن كفِّ النّفسِ عن كثيرٍ مِنَ المبَاحاتِ، ولا يَصِيرُ الإنسَانُ وَليّا إلا بهذه الطّريقَةِ
ثم العِلمُ المكتَسَبُ يحصُلُ بالتّلقّي منَ العُلماءِ مع المداومَةِ على الصّبرِ أمّا العِلمُ اللّدنّيُّ فهوَ عِلمٌ غَيرُ مُكتَسَب، ذاكَ لا يكونُ إلا للوَليّ، أما الذي لا يَشتَغِلُ بعِلمِ الدّينِ الذي يَعرِفُ به الحلالَ والحرامَ مُستَحيلٌ أنْ يَصِلَ إلى الوِلايةِ.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن ناسا من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم، ولم يسأله أحدٌ إلا أعطاه حتى نفد ما عنده فقال لهم حين أنفق كلّ شىء بيده : « ما يكونُ عندِي مِن خَيرٍ لا أدَّخِرُه عَنكُم ، وإنّه مَن يَستَعفِف يُعِفُّه اللهُ ومَن يَستَغْنِ يُغنِه اللهُ ومَن يَتصَبّر يُصبِّرهُ اللهُ ولم تُعطَوا عطاءً خَيرًا وأوسَعَ مِنَ الصّبرِ ».
عن ثوبان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : « وإنّ المؤمن ليُحرَم الرّزقَ بالخطيئة يعملُها » رواه النّسائي في الرقائق. وقال أبو الفضل العراقي هذا حديث حسن
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « عَجَبًا لأمرِ المؤمنِ فإنّ أمرَه كلَّه لهُ خَير وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمنِ إنْ أصَابَتْهُ سَرّاءُ شكَرَ فكانَت خَيرًا لهُ وإنْ أصَابَتهُ ضَرَّاءُ صَبرَ فكَانَت خَيرًا لهُ » رواه أحمد ومسلم وابن حبان وغيرهم.
فالمؤمنُ إن أصابَتهُ سرّاءُ يَنبغي لهُ أن يشكُرَ اللهَ ويحمَدَه، وإن أصابتْه ضرّاءُ فعليهِ أن يصبِرَ ، كثرةُ البلاءِ للمؤمنِ علامةُ قوّةِ الإيمانِ لمن صَبر، الأنبياءُ هم أكثرُ النّاسِ بلاءً ، كثيرٌ منَ الأنبياءِ قتَلهُم الكفّارُ من بني إسرائيلَ والذينَ لم يُقتَلوا تحمّلُوا متاعبَ كثيرةً.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « مَن أُعْطِيَ فَشَكَرَ وابتُلِيَ فَصَبَرَ وظُلِمَ فغَفَرَ وظَلَمَ فاسْتَغفَرَ أولئكَ لهمُ الأَمنُ وهُم مُهتَدُونَ » رواه ابن حبانَ.
فالصّبرُ هو مَدَارُ النّجاحِ والفَلاحِ في الآخِرةِ، إذا اجتَمعت أنواعُ الصّبرِ الثّلاثةُ فَهِيَ أقْصَى المَراتِب، الصّبرُ على الطّاعةِ والصّبرُ عن المعصِيةِ والصّبرُ على الشّدائدِ والمصَائبِ .
وقَد رَوى البيهقيُّ حَدِيثا معنَاهُ أنّ النّاسَ يومَ القِيامةِ يَرونَ ما ينَالُه مَن ابتُلِيَ مِنَ المسلمينَ في الدُّنيا فصَبرَ منَ الأجرِ العَظِيم فيتمَنَّونَ أنْ لوْ كانُوا ابتُلُوا مِثلَهُم لِينَالُوا مثلَ أجْرِهم.
البلاءُ مَهما اشتَدَّ إذا كانَ معَ الصّبرِ عُلوُّ دَرجَةٍ.
الصّبر مِفتاحُ الفَرجِ. (الفَرجُ انكشَافُ الكَربِ وذهابُ الغَمّ)
اللهُ اللهُ ربِّي لا أُشرِكُ بهِ شَيئًا اتّخِذُوهُ وِرْدًا لِلْهَمِّ والغَمّ ، مائةَ مرَّةٍ أو أقلَّ أو أكثرَ، هذِه لها خُصوصِيّةٌ .
تَعبُ الأبدانِ في الدّنيا راحَةٌ في الآخِرةِ. (تعبُ الأبدانِ أي في أداءِ الواجباتِ واجتنابِ المحرّماتِ والصّبرِ على مَشقّاتِ ذلكَ في الدُّنيا).
https://www.islam.ms/ar/?p=51