خطبة الجمعة: فضل يوم الجمعة وعشر ذي الحجة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
إنَّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستغفره ونتوب إليه ونستهديه ونشكره، ونعوذُ بالله مِن شُرورِ أنفُسِنا ومن سَيّئاتِ أعمالنا، مَن يهْدِ الله فلا مُضِلّ له ومَنْ يُضْلِل فلا هاديَ له. وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شَريكَ له ولا مَثِيل له ولا شَبيه له، اللهمَّ أنتَ الأوّلُ فليسَ قبلَكَ شَىء وأنتَ الأخِرُ فليسَ بعدَك شَىء وأنتَ الظَّاهرُ فليسَ فوقَكَ شَىء وأنتَ الباطنُ فليسَ دونَك شىء، سبحانَه ليس كمثلِه شَىء وهو السَّميع البصير. وأشهدُ أنَّ سيدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقرةَ أعيُنِنَا محمّدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه. يا نورَ الحق يا محمد، يا حبيبَ الله يا محمّد، اللهمّ صلِّ على محمدٍ النبيِّ وأزواجِه أمّهاتِ المؤمنين وذرّيته وأهل بيته كما صليتَ على ءالِ إبراهيم إنك حميد مجيد.
أما بعدُ عبادَ الله، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العليّ القدير القائلِ في محكم كتابه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}. ويقول سيّدُنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم: ”إنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُم يَوْمَ الجمعةِ، فيهِ خُلِقَ ءادمُ، وفيه قُبِضَ ، وفيه النَّفخَةُ، وفيه الصَّعْقةُ فإذَا كانَ يومُ الجمعةِ فأكثِرُوا عَليَّ مِنَ الصَّلاةِ فيه فإنَّ صَلاتَكُم مَعْرُوضَةٌ عَليّ، قيل: وكيف تُعرضُ عَلَيْكَ صلاتُنا يا رَسُولَ اللهِ وَقَدْ أَرَمْتَ (أي بَلِيْتَ)؟ قال: إنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلى الأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الأَنْبِيَاء“. رواه الحاكم والبيهقي.
أيها الأحبة: لقد أمرَنا اللهُ تبارك وتعالى بالتزوُّدِ منَ الحسناتِ في سائر الأوقات، ورحِمنا بأن جعلَ لبعض الأيام مزايا عظيمةً وفضائلَ عَمِيْمَةً ليستْ لِسِوَاهَا مِنَ الأيام، فيُضَاعِفُ اللهُ فيها أجرَ الطائعينَ ويَزيدُ ثوابَ المحسنين. ومن هذه الأيامِ العظيمةِ يومُ الجمعة، وكذا أيامُ عَشْرِ ذي الحِجَّة التي نحن فيها الآن.
إخوةَ الإيمان، إنَّ يومَ الجُمُعَةِ هُو أفضَلُ أيَّام الأُسبوع وقد حثَّ الحبيبُ المصطفى صلى الله عليه وسلم على الإكثارِ مِنَ الصلاة عليه في هذا اليوم، فأكثروا مِنَ الصَّلاةِ والسَّلامِ على حَبِيْبِنا المصطفى الذي تَنحلُّ بهِ العُقَدُ وتَنْفَرِجُ بِهِ الكُرَبُ ويُسْتَسْقَى الغَمَامُ بِوَجْهِهِ الكريم.
ويُسَنُّ لمريدِ الجمُعةِ الغُسْلُ أي غُسلُ الجمُعة، والتَّبْكِيْرُ أيِ التبكيرُ للجمُعة، فعن أبي هريرةَ رضي الله عنه عنِ النبيِ صلى الله عليه وسلم: ”إذا كانَ يومُ الجمُعةِ كانَ على كلِّ بابٍ مِنْ أبوابِ المسجدِ ملائكةٌ يَكتُبُونَ الأوّلَ فالأوّلَ، فإذا خَرجَ الإمامُ طُوِيَتِ الصُّحُف”.
ومما وردَ في فضائلِ يومِ الجمعةِ ما رواهُ الترمذيُّ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ”مَنِ اغْتَسَلَ يومَ الجُمعَةِ وغَسَّل، وبَكَّر وابتكَرَ، ودَنا واستَمعَ وأَنْصَتَ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوةٍ يَخْطُوهَا أَجرُ سَنَةٍ صِيامُها وقيامُها“.
وروى الترمذيُّ أيضا أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ”إِنَّ في الجُمُعَةِ سَاعَةً لا يَسْأَلُ اللهَ العَبْدُ فِيهَا شَيئًا إِلَّا ءاتَاهُ اللهُ إِيَّاهُ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ أَيَّةُ سَاعةٍ هِيَ ؟ قَالَ: حِينَ تُقَامُ الصَّلاةُ إِلى الانْصِرَافِ مِنهَا“.
إخوةَ الإيمان والإسلام، ومنَ الأيام الفاضلةِ أيضا عَشْرُ ذيِ الحجةِ، فلَقَدْ جمعَ اللهُ فيهِ مِنْ خِصالِ الخيرِ الكثيرَ، ففيهِ أيامٌ مباركةٌ، فضَّلَهَا اللهُ علَى سائرِ الأيامِ، إنَّهَا عَشْرُ ذيِ الحجةِ، التِي خصَّهَا اللهُ تعالَى بمحامدَ كُبْرَى، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : ”مَا مِنْ أَيَّامٍ أَفْضَلُ عِنْدَ اللهِ مِنْ أَيَّامِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ“. وقَالَ صلى الله عليه وسلم: ”مَا مِنْ عَمَلٍ أَزْكَى عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلاَ أَعْظَمَ أَجْراً مِنْ خَيْرٍ تَعْمَلُهُ فِى عَشْرِ الأَضْحَى“، وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ إِذَا دَخَلَ أَيَّامُ الْعَشْرِ اجْتَهَدَ اجْتِهَادًا شَدِيدًا في الطَّاعَةِ حَتَّى مَا يَكَادُ يُقْدَرُ عَلَيْهِ.
ولذلكَ فإنَّهُ يُندبُ للمُسلمِ فِي هذهِ الأيامِ اغتنامُ هذهِ الأوقاتِ، فِي عملِ الباقياتِ الصالحاتِ، والإكثارِ مِنَ الطاعاتِ، وذِكْرِ اللهِ تعالَى والصيامِ والصدقاتِ.
وفي هذه الأيامِ يومُ عرفَةَ الذي قالَ فيه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ”أَفْضَلُ الدُّعَاءِ يَوْمُ عَرَفَة“. رواه الترمذيُّ وفي حديث ءاخرَ: ”مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنْ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ“ رواه مسلم، وكذلك يومُ عيدِ الأضحَى الذي هو بالنسبةِ للمُحرِم بالحجِّ يومُ الحجِّ الأكبر وسمي بالحجِّ الأكبرِ لأنَّ مُعظمَ أعمالِ الحجِّ تكونُ فيه كالطوافِ، والحلقِ أوِ التقصير، ورميِ جمرةِ العَقبة.
إخوةَ الإيمان، وروى الإمامُ أحمدُ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ”مَا مِنْ أيامٍ أعظمُ عندَ الله ولا أحبُّ إليه العَمَلُ فيهنَّ مِنْ هذه الأيام ِالعَشْرِ فأكثروا فيهنَّ مِنَ التَّهليلِ والتكبيرِ والتَّحمِيد“.
فَلْنُبَادِرْ إلى اغتنامِ الخيراتِ قبلَ الموت، فإنَّ أنفاسَنا معدودةٌ ولا بُدَّ أن يتمَّ العدد، والموتُ ءاتٍ لا رَيْب، والقبرُ يَنْتَظِرُنَا لا شَكّ، والسَّلامةُ لا يَعْدِلُها شىء، وطريقُ النَّجاةِ مَعروفٌ وهو التّمسكُ بعقيدةِ أهلِ الحقِّ معَ العِلمِ والعمَل.
نسألُ اللهَ تعالى أنْ يجعلَنَا مِنَ الذينَ يستمعونَ القولَ فيتَّبعونَ أحسنه.
هذا واستغفر الله لي ولكم .
https://www.islam.ms/ar/?p=568