خطبة الجمعة: ما هي الأشهر الحرم وفضل العشر من ذي الحجة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مثيل له ولا ضد ولا ند له. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه وحبيبه، صلى الله على محمد وعلى كل رسول أرسله.
يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)} [سورة التوبة 119]
قال الله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ۚ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36) إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ ۖ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ ۚ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (37)} [سورة التوبة 36 - 37]
ما هي الأشهر الحُرم ؟
بيَّن الله سبحانه وتعالى لنا أن عددَ شهورِ العامِ في حكمه سبحانه -كما هو مسطور في اللوح المحفوظ- اثنا عشر من غير زيادة وهى: مُحَرَّمٌ (المُحَرَّمُ) وصَفَرٌ وربيعٌ الأولُ وربيعٌ الآخِرُ وجُمادَى الأُولَى وجُمادَى الآخِرة ورَجَبٌ وشَعبانُ ورَمَضَانُ وَشَوَّالٌ وَذُو القَعْدَةِ وَذُو الحِجَّةِ. فالله سمّاها بأسمائها على ما رتَّبها عليه يوم خلق السموات والأرض، وأنزل ذلك على أنبيائه في كتبه المنزلة. وقال العلماء إنَّ حفظَ هذه الشهور ومراقبةَ أهِلَّتِها فَرضُ كفايةٍ أي يجب على طائفة من المسلمين في ناحية من النواحي أن يحفظوها ويراقبوا ابتداءها وانتهاءها وإلا إن قصَّر الجميع في ذلك أثموا جميعا. فواجب على المسلمين أن يتخذوا هذا الحساب الصحيح -المرتكز على المراقبة الشهرية للأهلة- فى صومهم وحجهم وزكاتهم وأعيادهم وغير ذلك من سائر أحكام المسلمين المرتبة على الشهور.
﴿ مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ﴾ قال رسولُ الله ﷺ في حَجَّة الوَداع: ”ألَا إنَّ الزمانَ قد استدارَ كهيئته يومَ خَلق اللهُ السمواتِ والأرضَ. السنةُ اثنا عشَر شهْرًا. منها أربعةٌ حُرُمٌ، ثلاثةٌ [سَردٌ] متوالياتٌ: ذو القَعدة وذو الحِجة والمحرم، ورجبُ مُضَرَ الذي بين جُمادَى وشعبانَ.“ رواه الإمام أحمد وأخرجه البخاري في التفسير بتمامه. وسبب تسمية هذه الأشهر بالحرم أن العرب كانوا في الجاهلية يحرّمون على أنفسهم القتالَ فيها، حتى لو أن أحدَهم لقِىَ قاتلَ أبيه وابنه وأخيه في هذه الأشهر الأربعة لم يهيّـِجه. وكذلك لتعظيم انتهاك المحارم فيها أشد من تعظيمه في غيرها وكذلك تعظيم الطاعات فيها.
﴿ ذَلِكَ الدّينُ الْقَيّـِمُ ﴾ أي الدين المستقيم لا ما يفعله أهل الجاهلية يعنى أن تحريم الأربعة الأشهر هو الدين المستقيم ودينُ إبراهيمَ وإسماعيلَ. وكانت العرب تمسَّكت به فكانوا يعظّمونها ويحرّمون القتالَ فيها حتى أحدثت النَّسِىءَ فغيَّروا.
﴿ إِنَّمَا النَّسِىءُ زِيَادَةٌ فِى الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِـئوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ ﴾ أي فعلهم النسىء زيادة في كفرهم وهو تأخير حرمة الشهر إلى شهر ءاخر. وذلك أنهم كانوا أصحابَ حروب وغارات، فإذا جاء الشهرُ الحرام وهم محاربون شقَّ عليهم تركُ المحاربة فيحلونه ويحرّمون مكانه شهرًا ءاخر حتى رفضوا تخصيصَ الأشهر الحُرُم بالتحريم ، فكانوا يحرمون من بين شهور العام أربعة أشهر. فإذا أحلوا شهرًا من الأشهر الحرم عامًا رجعوا فحرموه في العام القابل ليوافقوا العدة التي هي الأربعة ولا يخالفوها. وقد خالفوا التخصيص الذي هو أحد الواجبين. فأحلوا بمواطأة العدة وحدها من غير تخصيص ما حرَّم اللهُ من القتال أو مِنْ تَرْكِ الاختصاص للأشهر بعينها.
أقول قولي هذا وأستغفر اللهَ لي ولكم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد. عباد الله اتقوا الله
أيها المسلمون. نحن في العشر الأوائل من شهر ذي الحجة. فأقبلوا على الطاعات وابتعدوا عن المعاصي. أدوا الواجبات من صلاة وتعلم للضروري من الدين وتعليم لطالبه. واجتنبوا المحرمات وأعظمها الكفر بالله كالاستهزاء بالله ورسوله ودينه قولا واعتقادا، وكذا تشبيه الله بخلقه بنسب المكان والأعضاء والحركات والتعب والولد والشريك له سبحانه باللسان والقلب. وكتحريم الحلال الظاهر وتحليل الحرام المجمع على تحريمه.
عن ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ: ”ما من أيامٍ العملُ الصالحُ فيها أحبُّ إلى الله من هذه الأيام (يعنى أيام العشر). قالوا: يا رسول الله ولا الجهادُ في سبيل الله ؟ قال: ولا الجهادُ في سبيل الله، إلا رجلٌ خرَج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشىء.“ رواه البخاري وأبو داود والترمذي وقال حسن صحيح غريب وابن ماجه. فالثواب للطاعات فيها أكبر مما هو في غيرها. وكذلك الإثم فيها أشد. فيستحب الإكثار من نوافل الطاعات فيه كالصيام وخاصة صيام يوم عرفة التاسع من ذي الحجة. فعن أبى قتادة رضى الله عنه قال: سئل رسول الله ﷺ عن صوم يوم عرفة قال: ”يُكَفّـِرُ السنةَ الماضيةَ والباقيةَ.“ رواه مسلم. أي يُكَفّـِر التي ءاخِرُها سَلْخُ (ءاخِر شهرِ) ذى الحِجّة والآتيةَ وأوَّلُها المُحَرَّمُ. والمُكفَّر صغائرُ الذنوب المتعلقةُ بحق الله. ثم صومُه إنما يندب لغير الحاجّ الواقف في عرفة نهارا. أما هو فالأفضل له الفطرُ اتّباعا لفعله ﷺ. ومثله صيام عاشوراء أي العاشر من محرم يكفّر ذنوبَ السنة الماضية.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات.
الخُطبةُ الثانيةُ:
إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُهُ ونستعينُه ونستهدِيه ونستغفِرُهُ ونشكرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا ومنْ سيّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهدِ اللهَ فلا مُضِلَّ لهُ ومَنْ يُضلِلْ فلا هاديَ لَهُ، والصلاةُ والسلامُ على محمّدٍ بنِ عبدِ اللهِ وعلى ءالِهِ وصحبِهِ ومَنْ والاهُ.
أما بعدُ عبادَ اللهِ، فإني أوصيكُمْ ونفسِي بتقوَى اللهِ العَلِيِّ العظيمِ، واعلَموا أنَّ اللهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ ، أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ ﴿إنَّ اللهَ وملائكتَهُ يصلُّونَ على النبِيِ يَا أيُّهَا الذينَ ءامَنوا صَلُّوا عليهِ وسَلّموا تَسْليمًا﴾ اللّـهُمَّ صَلّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيم وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، يقول الله تعالى: ﴿يا أيُّها الناسُ اتَّقـوا رَبَّكـُم إنَّ زلزَلَةَ الساعَةِ شَىءٌ عَظِيمٌ يومَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حملَها وَتَرَى الناسَ سُكارَى ومَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عذابَ اللهِ شَديدٌ﴾، اللّـهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّـهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا اللّـهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ اللّـهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ اللّـهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ. عبادَ اللهِ إنَّ اللهَ يأمرُ بالعَدْلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبَغي، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون. اذكُروا اللهَ العظيمَ يذكرْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.
https://www.islam.ms/ar/?p=574