عمر بن الخطاب ثاني الخلفاء الراشدين
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الأمين
قال الله تعالى: ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ﴾ (الأحزاب).
أما بعد، فهذه حلقات في ذكر الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين وأمراء المؤمنين ورثة خير المرسلين وهم أربعة ومدة خلافتهم ثلاثون سنة وحديثنا اليوم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
هو أبو حفص عمر بن الخطاب بن نفيل، يلتقي بعمود النسب الشريف بكعب بن لؤي، وأمه حثمة بن هاشم، لقّبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفاروق لأنه يفرق بين الحق والباطل.
ولد رضي الله عنه بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنةً وأسلم في السنة الثالثة من البعثة وله حينئذٍ سبع وعشرون سنةً.
كان طويلاً أصلع الرأس، أبيض اللون، شديد الحمرة، كثّ اللحية، خفيف شعر العارضين، كثير شعر السبالين (أي الشاربين)، شديد حمرة العينين، كثير التواضع زاهدًا ورعًا متقشفًا.
ولي الخلافة بعهد من أبي بكر الصديق رضي الله عنه عنهما، وبويع له في حياته ثم قام بأمر الخلافة بالصدق والعدل وحسن التدبير والسياسة.
رتّب الجيوش للجهاد في سبيل الله وعزل خالد بن الوليد عن إمارة الجيوش بالشام وولّى أبا عبيدة شفقةً على الجيوش والعسكر لشدة بطش خالدٍ وهجماته.
فتح دمشق
ولما انقضى أمر اليرموك ساروا إلى دمشق فحاصروها سبعين ليلةً من نواحيها الأربع فاستغفل خالد بن الوليد ليلةً من الليالي وتسوّر السور بمن معه وقتل البوابين واقتحم بالعسكر وكبّر وكبّروا، ففزع أهل البلد إلى أمرائهم فنادوا بالصّلح فدخلوا من نواحيها صلحًا والتقوا مع خالد بن الوليد في وسط البلد فأجريت ناحية خالد على الصّلح أيضًا وذلك سنة أربع عشرة.
ثم سارت الجنود ففتحوا طبريّة وبيسان صلحًا وقيساريّة وغزة وسبسطية، وفتحوا نابلس والرملة، ولدّ، وعمواس، وبيت حبرون، ويافا وسائر تلك الجهات إلى غزة.
فتح بيت المقدس
ثم سار أبو عبيدة إلى الأردن فجمع الجيوش وقصد بيت المقدس وكتب لهم كتابًا ثم انتظرهم، فأبوا أن يأتوه فسار إليهم ونزل بهم وحاصرهم فلما اشتد عليهم الحصار طلبوا منه الصلح فقبل منهم فقالوا: أرسل إلى خليفتكم فيكون هو الذي يعطينا عهد الصلح.
فكتب أبو عبيدة إلى أمير المؤمنين يخبره بذلك فجمع عمر كبار الصحابة وشاورهم في المسير فأشاروا كلهم بالمسير، فجمع العساكر وخرج واستخلف على المدينة المنورة عليّ ابن أبي طالب رضي الله عنه.
دخل أمير المؤمنين إلى بيت المقدس وحينئٍذ وقع الصلح بين المؤمنين وبين رؤساء أهل بيت المقدس على الجزية وشروط معلومة وكتب لهم كتابًا على ما تمّ عليه الصلح.
ولما دخل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بيت المقدس بالجيش العظيم من المسلمين كشف عن الصخرة وأمر ببناء مسجد، ومضى نحو محراب داود وهو على باب البلد في القلعة فصلى فيه وقرأ سورة "ص" وسجد، ثم حوّل قبلة المسجد لجهة الكعبة وحينئِذ فتحت لتك الجهات من البلاد الشامية كلها.
ثمّ ولّى علقمة بن حكيم على نصف فلسطين وجعل مركزه الرملة، وولّى علقمة بن محرز على النصف الثاني وأسكنه بيت المقدس.
ثم رجع عمر رضي الله عنه إلى المدينة المنورة، ولما رأى ما صنعه خالد بن الوليد قال: يرحم الله أبا بكر، لقد كان أعلم مني بالرجال. وفتح أبو عبيدة قنّسرين ثم سار إلى حلب وحاصرها فصالحه أهلها على الجزية ثم أسلموا أكلّهم. ثم سار إلى أنطاكية وكان لها شأنٌ عظيمٌ وفيها جمع عظيم فهزمهم أبو عبيدة ثم صالحوه على الجزية. ثم فتحوا منبجًا وعينتاب والموصل وكامل الجزيرة وذلك في السنة الخامسة عشرة ثم بعد ذلك استأذن عمرو بن العاص أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في فتح مصر فأرسل معه الزبير بن العوام وبعد قتال شديد قبل أهلها الصلح والجزية.
معركة القادسية
بعد أن توجه خالد بن الوليد من العراق إلى الشام، وبقي المثنى بن حارثة مع جيشه، أما بالحيرة ورتب الأمور، وأرسل كسرى ثلاثة عشر إلى الحيرة عليهم هرمز، فاقتتلوا هناك قتالاً شديدًا وانهزم الفرس وقتل هرمز، وكان قاتله المثنى.
وندب عمر بن الخطاب الناس إلى أن يتوجهوا إلى العراق مددًا للمثنّى، فانتدب أبو عبيد بن مسعود، فبعثه عمر في جيش فكان أول جيش أرسله إلى العراق، فاجتمع أبو عبيد مع المثنّى، وكان هناك جمع عظيم من الفرس عليه رستم فحصلت وقعة يقال لها "وقعة الجسر" قتل فيها من المسلمين نحو أربعة ءالاف.
وبقي من المسلمين نحو ثلاثة ءالاف فأخبروا عمر رضي الله عنه بالوقعة وخبرها، فندب رضي الله عنه الناس واستنفرهم، فاجتمع من القبائل جمعٌ عظيمٌ وأمّر عليهم جرير بن عبد الله البجليّ، وبعثهم مددًا للمثنّى وأبي عبيد، فاجتمع المسلمون بمكانٍ يقال له "العذيب" مما يلي الكوفة وهناك عساكر من الفرس عند الفرات فباشروا الحرب والتحم القتال فانهزمت الفرس شر هزيمة، وقتل من الفرس ما يزيد عن مائة ألف.
وفي هذه السنة حجّ عمر رضي الله عنه سنة ثلاثة عشر واستنفر الناس فجاءته أفواج العرب إلى المدينة المنورة، فلمّا اجتمعت عنده الأمداد استخلف على المدينة عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه وجمع العساكر واستشار الناس في المسير إلى العراق فأشاروا عليه بالمقام بالمقام بالمدينة وأن يبعث رجلاً من الصحابة بهذه الجنود يعتمد عليه، فقبل ذلك منهم وعيّن سعد بن أبي وقاص أحد العشرة الكرام وولاه حرب العراق، وأوصاه وبعثه في أربعة ءالاف فيهم عمرو بن معدي كرب وأمثاله من الشجعان والأبطال ثم أمده بأربعة ءالاف.
سار سعد بالجيوش وبلغه في الطريق أن المثنّى قد توفي من جراحته. وكانت جمع المثنّى سبعة ءالاف ولحقه الأشعث بن قيس ومعه ثلاثون ألفًا، فعبأ سعد الكتائب والساقة والطلائع والمجنبات ورتب الأمراء وجعل على كل عشرة عريفًا، ورتب المقدمة وتوجه بالعساكر كلها حتى أتى القادسية فوصلت أخبارهم يزدجر، وأرسل سعد نفرًا من العسكر فقدموا على يزدجر فأحضرهم وقال لترجمانه: سلهم ما جاء بكم وما حملكم على غزونا، أمن أجل أنا تشاغلنا عنكم اجترأتم علينا ؟
فتكلم النعمان بن مقرن بعد أن استأذن أصحابه وقال ما معناه: إن الله تعالى قد رحمنا وأرسل إلينا رسولاً صفته كذا وكذا يدعونا إلى الإيمان والإحسان، ويعد الطائعين بالجنة، فأجابه قوم وتباعد عنه قوم، ثم أمرنا بأن نجاهد من خالفه من العرب فدخلوا معه على وجهين مكره وطائع حتى إذا اجتمعنا عليه وعرفنا فضل ما جاء به أمرنا بجهاد من يلينا من الأمم ندعوهم إلى الإنصاف.
فقال يزدجرد: لا أعلم أمة في الأرض كانت أشقى ولا أقل عددًا ولا أسوأ ذات بين منكم، فإن كان بكم جهد أعطيناكم قوتًا وكسوة وملكّنا عليكم ملكًا يرفق فيكم. فقال له قيس بن زرارة: اختر إما الجزية عن يد وأنت صاغر أو السيف، وإلا فنج نفسك بالإسلام.
فقال يزدجرد: لو قتل أحد الرسل لقتلتكم، ثم استدعى بحملٍ من ترابٍ، وقال لأصحابه حمّلوه لسيدهم، ثم قال للنعمان ومن معه: ارجعوا إلى صاحبكم وأعلموه أني مرسل رستم حتى يدفنكم أجمعين في خندق القادسية ثم يدوخ بلادكم.
فقام عاصم بن عمر فقال: أنا سيدهم وجعل التراب على عنقه ورجع إلى سعد وقال: أبشر فقد أعطانا الله تراب أرضهم. سار رستم إلى ساباط ومعه من الجنود نحو مائتي ألف وثلاثة وثلاثون فيلاً فنزل القادسية بعد ستة أشهر يطاول (طاوله في الأمر أي ماطله كذا في مختار الصحاح) خوفًا وكسرى يحثه على السير، وأرسل إلى زهرة بن حويه فوقف معه وعرض له بالصلح وقال: كنتم جيراننا نحسن إليكم ونحفظكم، فقال زهرة: قد كنا كما ذكرت إلى أن بعث الله فينا رسولاً دعانا إلى دين الحق فأجبناه، فقال: وما دين الحق ؟ فقال: الإسلام، قال: فإن أجبنا إلى هذا ترجعوا ؟ فقال: إي والله.
ورتّب يزدجرد عساكره بين المدائن والقادسية لتأتي إليه أخبار رستم، وأخذ المسلمون مصافهم وأشرف سيدنا سعد على الجنود وخطبهم وحثهم على الجهاد وذكّرهم بوعد الله. وكان ذلك في المحرم سنة أربع عشرة، ثمّ أمر بقراءة سورة الأنفال فنزلت السكينة على المسلمين. فلما فرغ من قراءة السورة قال: الزموا مواقفكم فإذا صليتم الظهر فإني أكبر تكبيرةً فكبّروا واستعدوا، فإذا سمعتم الثانية فكبّروا وأتموا عدتكم، فإذا سمعتم الثالثة فكبروا ونشطوا الناس، فإذا سمعتم الرابعة فازحفوا حتى تخالطوا عدوّكم وقولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله.
فلما كبّر الثالثة هاج الناس وبرز الأبطال، ثم كبّر سعد الرابعة وزحف المسلمون مكبّرين ودارت رحى الحرب واشتد عواء الفيلة ووقعت الصناديق عن الفيلة وهلك من كان عليها ودام ذلك إلى الليل. وأول من أُسِرَ هرْمز من ملوك الفرس أسره غالب بن عبد الله الأسدي ودفعه إلى سعد.
فلما أصبحوا دفنوا القتلى وسلّموا الجرحى إلى النساء، فلما انتصف النهار زحف الناس ودارت رحى الحرب إلى نصف الليل وقتل عامة رؤساء الفرس فأصبحوا في اليوم الثالث على مواقفهم، واشتد القتال واختلط المسلمون بالعدو وانقطعت الأخبار والأصوات عن سعد وهبّت رياح النصر فانقلب سرير رستم فقام من سريره يستظل بظل بغلٍ فضربه هلال بن علقمة وقتله وجرّه من رجله وصعد على السرير ينادي: "قتلت رستم، ورب الكعبة، إليّ، إليّ"، فكبّروا تكبيرةً واحدةً وجزّوا رأسه وطافوا به فانهزم قلب العدو وتفرقوا، وأخذ ضرار بن الحطاب ابن مرداس الفهري راية كسرى وأمر سعد القعقاع وشرحبيل بأن يتبعوا العدو، وكتب سعد إلى أمير المؤمنين يبشره بالفتح وأقام المسلمون بالقادسية ينتظرون أمر أمير المؤمنين.
فتح بلاد فارس
بعد موقعة القادسية، جاء الأمر من أمير المؤمنين بأن يسير المسلمون إلى المدائن عاصمة الكسروية فذهبوا ولحقوا ببابل وكان الفرس لما انهزموا من القادسية لجأوا إلى بابل فحصل قتال شديد وانهزم الفرس وافترقوا فرقتين، فالهرمزان دخل الأهواز بالعراق، والفيرزان دخل نهاوند بفارس وفيها كنوز كسرى، ثم توجهوا حتى نزلوا شهر شير من المدائن ولما عاينوا الإيوان وهو قصر كسرى كبّروا وقالوا: هذا الأبيض لأن حجارته كانت بيضاء هذا ما وعد الله ورسوله، وكان نزولهم في ذي الحجة سنة خمس عشرة، فحاصروا المدائن ثلاثة أشهر ثم اقتحموها يقولون: "نستعين بالله ونتوكل عليه، حسبنا الله ونعم الوكيل لا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم". وساروا في دجلة وخيولهم سابحة فلما رأى الفرس ذلك خرجوا هاربين إلى حلوان من غير قتال، وكان كسرى يزدجر قبل ذلك فرّ بعياله، ونزل سعد الإيوان وصلّى فيه صلاة الفتح. وقرأ: (كم تركوا من جنتٍ وعيون) (سورة الدخان)، لأن الفرس تركوا ما كانوا فيه من نعيم للمسلمين، واتخذ الإيوان مسجدًا أي مكانًا للصلاة وصلّى فيه سعد بالناس. ثم استولوا على بيت مال كسرى وكان فيه ثلاثة ءالاف قنطار من الذهب دنانير والقنطار نوع من الأوزان يعدل على التقريب مائة كيلو.
وأخذوا حلية كسرى وثيابه ودرعه من الهاربين وأخذوا حمل بغل من السيوف، وحمل بغل من الدروع والمغافر، أخذوا درع هرقل، ودامر ملك الهند وسواري كسرى، وأحضرها كلها القعقاع إلى سعد، وخيره سعد في السيوف فاختار سيف هرقل وأعطاه درع "بهرام جور" وهو ملك فارسيّ من الأكاسرة.
بعث سعد إلى أمير المؤمنين سيف كسرى وتاجه وحليته وثيابه ليراها الناس في المدينة المنورة، وألبسوا سراقة بن مالك سواري المدلجيّ كسرى تصديقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: "كيف بك يا سراقة إذا لبست سواري كسرى".
وقسّم سعد بين المسلمين الغنيمة بعدما خمّساه فأصاب الفارس إثني عشر ألف دينار وكانوا ستين ألفًا، وقسّم المنازل والدور بين الناس وأنزلهم فيها، وأخذوا بساط كسرى وطوله ستون ذراعًا في مثلها وهو شبه بستان فيه زهور منسوجة بالذهب وطرق كالأنهار وتماثيل منقوشة بالدر والياقوت على حرير وجواهر متنوعة، كانت الأكاسرة تبسطه في الإيوان زمن الشتاء عند فقد الرياحين وتشرب عليه.
ولما قدمت الأخماس على أمير المؤمنين قسّمها في الناس، وقطع البساط قطعًا بين الصحابة وأعطى عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه قطعة باعها بعشرين ألف دينارٍ.
ثم أرسل سعد جندًا لفتح جلولاء وهي قريبة من حدود فارس، فقدموا عليها وحاصروها ثم حملوا حملةً واحدةً فانهزم الفرس وتفرقوا وقتل منهم يومئذ نحو مائة ألفٍ وتبعهم القعقاع بطليعة فانهزم أمامه كسرى يزدجر حتى وصل إلى الري بفارس.
ثم توجه بعض عساكر المسلمين نحو الأهواز والسوس ففتحوهما وأسروا الهرمزان إلى المدينة ثم أسلم وحسن إسلامه وفرض له أمير المؤمنين ألفين وأنزله بالمدينة.
ثم أصدر أمير المؤمنين أمرًا بأن تسير العساكر والجنود لفتح بلاد فارس. فتوجّهوا وفتحوا في طريقهم بلادًا كبيرةً كخراسان وشيراز وأصبهان وقزوين وكافة بلاد فارس والعجم.
ثم فتحوا نهاوند فيها غنائم كسرى العظيمة واقتسموها حتى وصلوا إلى مرْو الروذ وبها كسرى يزدجر فقاتل المسلمين وقاتلوه ثم انهزم هزيمة شديدة، وكان قد أرسل بريدًا إلى ملك الصين يستنجده ويستمده فرأى البريد راجعًا وهو منهزم ومعه كتاب يسأله ملك الصين أن يترجم له أحوال العرب ودعوتهم وأفعالهم وعيشتهم، فكتب إليه يزدجر عن دينهم ودعوتهم وكتابهم وصفتهم، فكتب إليه ملك الصين إذا كانت صفاتهم كما قلت فسالمهم وصالحهم على الجزية ولا تحاربهم فإنه لا يقوم لهم مقاوم، فضاقت عليه الأرض.
ولما كان أيام خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه ولّى عبد الله بن عامر بن كريْز وهو ابن خال عثمان على تكميل فتوحات بلاد العجم فوصلوا إلى حيث لجأ يزدجر ومعه فرقة من الفرس، فانهزم وتبعوه فالتجأ إلى جماعة هناك فقتلوا من كان معه وهرب يزدجر ماشيًا وحده إلى شط المرعاب فآوى إلى بيت رجل ينقر الأضراس، فلما نام قام إليه وقتله ورماه في نهر، ثم أخذوه من النهر ووضعوه في ناووس أي تابوت من حجر ودفنوه هناك في مرو، انقرضت دولة الأكاسرة والساسانية (ساسان: السلالة التي حكمت فارس قرونًا وكل كسرى من بني ساسان) من الأرض وظهرت معجزة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الله تعالى يمزقهم كل ممزق.
مقتل عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)
في سنة أربع عشرة أمر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ببناء البصرة والكوفة فبنوها أولاً بالقصب ثم استأذنوا عمر أن يبنوها باللبن فأذن لهم.
وفي سنة سبعة عشر توجه أمير المؤمنين عمر معتمرًا وأقام بمكة عشرين يومًا وفيها وسع المسجد الحرام، وفي هذه السنة تزوج عمر بن الخطاب أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب من فاطمة الزهراء.
وفي سنة ثمان عشرة حصل قحط شديد فسمّي ذلك العام عام الرمادة فاستسقى عمر رضي الله عنه، وخطب وأخذ العباس بن عبد المطلب وتوسّل به وجثا على ركبتيه وبكى يدعو إلى أن نزل المطر وأغيثوا، وفي هذه السنة كان طاعون عمواس ببلاد الشام بناحية الأردن أقام شهرًا ومات فيه نحو خمسة وعشرين ألفًا.
وفي سنة ثلاث وعشرين حجّ أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه ثم رجع إلى المدينة المنورة وفي ختامها طعنه أبو لؤلؤة فيروز المجوسي مملوك المغيرة بن شعبة بخنجر فقتله.
كان عمر رضي الله عنه قد خرج لصلاة الصبح وقد استوت الصفوف فدخل الخبيث أبو لؤلؤة بين الصفوف وبيده خنجر مسموم برأسين فطعنه به ثلاث طعنات إحداها تحت سرته فأمسكوه بعد أن أصاب من الصحابة أيضًا نحو اثني عشر رجلاً مات منهم ستة.
وسقط عمر رضي الله عنه على الأرض فقال لابنه انظر من ضربني، قال أبو لؤلؤة المغيرة قال: الحمد لله الذي لم يجعل قتلي على يد رجل سجد سجدة لله.
واستخلف عمر عبد الرحمن يصلي بالناس وحمل إلى بيته.
ثم بعث ابنه عبد الله إلى عائشة فقال: قل لها يقرأ عليك عمر بن الخطاب السلام ولا تقل أمير المؤمنين فيقول لك: أفتأذنين أن يدفن مع صاحبيه، فجاء عبد الله إلى عائشة فاستأذن أن يدفن مع صاحبيه، فبلّغها رسالة أمير المؤمنين فتأوهت وبكت، وقالت: بلّغ أمير المؤمنين مني السلام وقل له: إنها كانت قد ادّخرت ذلك لنفسها، ولكنها ءاثرتك اليوم على نفسها. فرجع عبد الله فقال له عمر: ما وراءك يا عبد الله ؟ قال: الذي تحب قد أذنت لك، قال: الحمد لله، فلم يزل يذكر الله تعالى إلى أن توفي رضي الله عنه ليلة الأربعاء لثلاث بقين من ذي الحجة عن ثلاث وستين من عمره فغسّل ووضع على سرير رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلى عليه صهيب ودفن في الحجرة الشريفة ورأسه عند كتفي أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكانت خلافته عشر سنين وستة أشهر إلا يومًا واحدًا.
https://www.islam.ms/ar/?p=432