عثمان بن عفان ثالث الخلفاء الراشدين
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الأمين
قال الله تعالى: ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ﴾ (الأحزاب).
أما بعد، فهذه حلقات في ذكر الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين وأمراء المؤمنين ورثة خير المرسلين وهم أربعة ومدة خلافتهم ثلاثون سنة وحديثنا اليوم عن عثمان بن عفان رضي الله عنه.
هو أبو عمرٍو عثمان بن عفان بن أبي العاص أمّه أروى بنت كريز يلتقي بعمود النسب الشريف بعبد مناف. لقب بذي النورين لأنه تزوج بنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم: رقية وأم كلثوم.
كان ربعة، حسن الوجه، أبيض مشربًا بحمرةٍ، بوجهه علامات من أثر الجدري، وكان كثّ اللحية، بعيد ما بين المنكبين، طويل الذراعين، أصلع شعره كسا ذراعيه، قد شدّ أسنانه بالذهب، كان خاتمه خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم كأبي بكر وعمر رضي الله عنهم، فلما وقع الخاتم في بئر أريس (بئر مقابل مسجد قباء) اتخذ خاتمًا نقشه، عليه: "ءامنت بالذي خلق فسوّى".
ولد بالطائف (وهي بلدة مشهورة من جهة نجد كثيرة الورد والعنب) بعد عام الفيل بست سنين، أسلم قديمًا على يد أبي بكر رضي الله عنهما وعمره حينئذٍ تسع وثلاثون سنة.
شهد المشاهد كلّها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بدرًا لأن زوجته رقية كانت مريضة فأمره صلى الله عليه وسلم أن يقيم بالمدينة لمرضها وقد عدّه النبي صلى الله عليه وسلم من أهل بدٍر وأسهم له من غنائمها.
بويع له بالخلافة بعد دفن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بثلاث ليال سنة أربع وعشرين، فتحت في عهده بلاد كثيرة كأرمينيا وطرابلس الغرب. ثم إن عثمان جهز جيشًا لغزو إفريقيا وكان ملك تلك الجهات جرجير من قبل هرقل يرسل إليه الخراج كل سنة، فلما بلغه الخبر جمع مائة وعشرين ألفًا ولقيهم من سبيطلة دار ملكه فدعوه إلى الإسلام أو الجزية فاستكبر.
وأرسل عثمان عبد الله بن الزبير بمدد من الجند فسمع جرجير بوصول المدد وخاف والتحم القتال واشتدت الحرب وهجموا على خيام الروم فهزموهم وقتل منهم أناس كثير، وقتل عبد الله بن الزبير جرجير وفتحوا سبيطلة ثم صالحه أهل إفريقية على ألفي ألفٍ وخمسمائة ألف دينار.
وفي خلافة سيدنا عثمان رضي الله عنه ظهر الطعن في ولاته بالأمصار، وكانوا يأخذون بفلتات الأمراء باللحظات ويعظمونها، وفشت تلك المقالات بين بعض الأهالي فصاروا ينادون بالجور الظلم من أمراء وولاة عثمان في الجهات والنواحي وانتهت هذه المقالات إلى كبار الصحابة بالمدينة، فتكلموا مع عثمان وطلبوا منه عزل بعض الأمراء تسكينًا للفتنة، فبعث عثمان إلى الأمصار من يأتيه بصحيح الأخبار منهم محمد بن مسلمة إلى الكوفة، وأسامة بن زيد إلى البصرة، وعبد الله بن عمر إلى الشام، وعمار بن ياسر إلى مصر، فذهبوا ورجعوا فقالو: ما أنكرنا شيئًا.
كان رؤساء الفتنة الأشرار يبطنون ما في قلوبهم من الخبث ويموهون للناس أنهم يريدون إظهار الحق والعدل. وكان رئيسهم في ذلك الأمر عبد الله بن سبإ يعرف بإبن السوداء كان من يهود العراق نافق وأظهر الإسلام لإيقاع الفتن والانشقاق في الأمة الإسلامية، فلما عرفه أهل البصرة طردوه وأخرجوه منها، فذهب إلى الكوفة ثم إلى الشام فطرد منهما.
ذهب ابن السوداء إلى مصر واستوطنها فكثرت جماعته هناك، وكان يكثر الطعن في عثمان، ومراده شقّ كلمة المسلمين. وكثر الطعن والقيل والقال في المدينة وكتب رؤساء الفتنة إلى جماعتهم في الأمصار يستقدمونهم إلى المدينة، ودخلوا المدينة مظهرين الحج مجمعين باطنًا على السوء بعثمان رضي الله عنه. فحاصروه أربعين يومًا حتى منعوه الماء فغضب عليّ وأرسل له ماء، وأرسل الحسن والحسين وجماعة من أولاد الصحابة يحرسون بيت عثمان خوف الهجوم عليه، وهاج المنحرفون يقتحمون باب عثمان فمنعهم الحسن والحسين والزبير وطلحة وغيرهم، ثم تسوروا واقتحموا الدار من دار عمرو بن حزم فلم يشعر الذين على الباب.
ودخل محمد بن أبي بكر وتكلم مع عثمان فقال له عثمان: لو رءاك أبوك أبو بكر ما رضي ذلك، فاستحى وخرج نادمًا.
ثم دخل عليه سفهاء الفتنة فضربه أحدهم بالسيف، فأكبت عليه نائلة زوجته فقطعت أصابع يدها، ثم قتلوه رضي الله عنه وهاجت الفتنة وانتهبوا البيت.
ويقال: إن الذي تولى قتله كنانة بن بشر النجيي وعمرو بن الحمق، وذلك يوم الجمعة لثمان عشرة خلت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين.
وبقي في بيته ثلاثة أيام ثم جاء حكيم بن حزام وجبير ابن مطعم إلى عليّ فأذن بتجهيزه ودفنه، فدفن بين المغرب والعشاء في بستان كان اشتراه عثمان رضي الله عنه وأدخله في بقيع الغرقد. وكانت خلافته اثنتي عشرة سنةً إلا يومًا.
وكان عثمان رضي الله عنه قبل قتله قال: إني رأيت البارحة رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وأباب بكرٍ وعمر فقالوا لي: اصبر فإنك تفطر عندنا القابلة.
https://www.islam.ms/ar/?p=433