أبو بكر الصديق أول الخلفاء الراشدين
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الأمين
قال الله تعالى: ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ﴾ (الأحزاب).
أما بعد، فهذه حلقات في ذكر الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين وأمراء المؤمنين ورثة خير المرسلين وهم أربعة ومدة خلافتهم ثلاثون سنة وحديثنا اليوم عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه مدة خلافته سنتان وثلاثة أشهر وثلاثة عشر يوما ابتداء من سنة إحدى عشر هجرية من يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.
نسب أبو بكر الصديق واسمه وكنيته:
هو أبو بكر الصديق معدن الهدى والتصديق وهو عبد الله بن أبي قحافة القرشي.
ولد بعد الفيل بنحو ثلاث سنين كان من رؤساء قريش وعلمائهم محبباً فيهم زاهداً خاشعاً حليماً وقوراً مقداماً شجاعاً صابراً براً كريماً رؤوفاً رحيماً.
كان أبو بكر الصديق أبيض اللون نحيف الجسم خفيف العارضين ناتئ الجبهة أجود الصحابة أول من أسلم من الرجال وعمره سبع وثلاثون سنة عاش في الإسلام ستاً وعشرين سنة. بويع أبو بكر الصديق بالخلافة يوم وفاة النبيّ صلى الله عليه وسلم في السنة الحادية عشرة من الهجرة وأجمعت الصحابة كلهم على خلافته.
تجهيز أبو بكر الصديق الجيوش لنصرة الحق:
لمّا توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعظمت مصيبة المسلمين والإسلام كثر النفاق واشرأب المشركون وارتدت بعض القبائل، والبعض امتنع عن أداء الزكاة فأسرع أبو بكر رضي الله عنه لمداركة هذا الأمر العظيم فأمر بتجهيز الجيوش لقتال أهل الردة ومن منع الزكاة فتوجهت الجيوش وقاتلوا المرتدين، وقتل مسيلمة الكذاب، وهرب طليحة بن خويلد إلى أرض الشام وكان ادعى النبوة ثم أسلم في زمن عمر بن الخطاب، واستشهد من الصحابة نحو سبعمائة رجل أكثرهم من القراء ثم جمع أبو بكر الصديق رضي الله عنه القرءان وهو أول من سماه مصحفاً وقبل ذلك لم يكن مجموعا بل كان محفوظا في صدور القراء من الصحابة ومكتوباً في صحف مطهرة متفرقة.
وقعة اليرموك. معركة اليرموك
وفي السنة الثالثة عشرة جهز أبا عبيدة بن الجراح أميراً على جيوش بلاد الشام.
فكان المسلمون في وقعة اليرموك نحو ستة وثلاثين ألفاً، والعدو مائتان وأربعون ألفا.
اجتمعت عساكر أبي عبيدة باليرموك وهو مكان في فلسطين، وكانوا واحدًا وعشرين ألفًا، فأرسل هرقل عساكره يومئِذ وكانت أكثر من مائتي ألفٍ.
فكتبوا إلى أبي بكرٍ يخبرونه ويطلبون أن يمدّهم فكتب أبو بكرٍ إلى خالد بن الوليد أن يستخلف على العراق المثنى بن حارثة وأن يتوجه بمن معه إلى الشام وجعله أميرًا على جيوش الشام بدل أبي عبيدة وأمره بالإسراع فتوجه خالد ووصل إلى اليرموك، فالتحم القتال واشتدّت الحرب، حتى أنزل الله نصره. وانتهت هزيمة الروم إلى هرقل وكان بحمص فرجع إلى وراء حمص لتكون بينه وبين المسلمين ورضي بأن تكون حمص ودمشق لهم.
وبينما المسلمون في وقعة اليرموك حضر بريد من المدينة المنورة أخبر خالد بن الوليد أن الخليفة أبا بكر رضي الله عنه قد توفي وولّى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فلم يعلم أحدًا بالخبر لانشغالهم بالقتال.
وكانت وفاة أبي بكر الصديق رضي الله عنه في السنة الثالثة عشرة من ليلة الثلاثاء لسبعٍ بقين من جمادى الآخرة عن ثلاث وستين سنةً من عمره.
فضائل عظيمة لرجل عظيم "أبو بكر الصديق":
عن عمر بن الخطاب قال: " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق ووافق ذلك مالاً عندي فقلت اليوم أسبق أبا بكر أن سبقته يوما " قال فجئت بنصف مالي، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما أبقيت لأهلك ". قلت: مثله، وأتى أبو بكر بكل ما عنده قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما أبقيت لأهلك ": أبقيت لهم الله ورسوله فقلت: " لا أسابقك إلى شىء أبدا ". أخرجه الترمذي.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر ". فبكى أبو بكر وقال: هل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله. أخرجه أحمد.
وذكر أهل العلم والتواريخ والسير أن أبا بكر شهد مع رسول الله بدراً وجميع المشاهد وثبت مع رسول الله يوم أحد حين انهزم الناس ودفع إليه رسول الله رايته العظمى يوم تبوك وأنه كان يملك يوم أسلم أربعين ألف درهم فكان يعتق منها ويقوى المسلمين.
موعظة للخليفة الراشد أبو بكر الصديق:
ورد عن هشام بن عروة عن أبيه قال: لمّا ولي أبو بكر خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: " أما بعد أيها الناس قد وليت أمركم ولست بخيركم، ولكنّ الله أنزل القرءان، وسن النبيّ صلى الله عليه وسلم السنن فعلمنا، اعلموا أنّ أكيس الكيّس التقوى، وأن أحمق الحمق الفجور إن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ له بحقه، وإن أضعفكم عندي القوي حتى آخذ منه الحق، أيها الناس إنما أنا متبع ولست بمبتدع فإن أحسنت فأعينوني وإن زغت فقوموني ".
من جواهر كلام سيدنا أبو بكر الصّديق رضي الله عنه
قال سيدنا أبو بكر الصّديق رضي الله عنه : « العَجْزُ عن دَرَكِ الإِدْرَاكِ إِدْرَاكُ والبَحْثُ عن ذَاتِهِ كُفْرٌ وإِشْرَاكُ » [رواه بدر الدين الزركشي في تشنيف المسامع]. المعنى أنَّ الإنسانَ إذا عرفَ اللهَ تـعالى بأنه موجودٌ لا كالموجوداتِ، موجودٌ بلا مكانٍ ولا كيفيةٍ واقتصرَ على هذا ولم يبحثْ عن ذات الله تـعالى للوصولِ إلى حقيقة الله فهذا إيمانٌ هذا رُشْدٌ وإيمانٌ وصوابٌ، الذي يكتفي بأن الله تـعالى موجودٌ لا يُشبه الموجودات لا يتصوَّرُ في حقِّه مكانًا ولا هيئةً ولا كيفيةً بل اكتفى بأن يعتقدَ أن الله موجودٌ لا يُشبِهُ الموجودات موجودٌ بلا كيفيةٍ ولا مكانٍ اقتصرَ على هذا وقَنِعَ ورضيَ بذلك هذا يُقال: عرَفَ اللهَ.
أما الذي لا يكتفي بذلك يُريدُ أن يعرفَ حقيقتَه فيتصوَّرُه كإنسانٍ أو ككُتلَةٍ نورانيَّةِ أو نحوِ ذلكَ أو يتصوَّرُه جِسمًا قاعدًا على العرشِ فهذا كفرَ بالله تباركَ وتـعالى، هذا معناه، والبحثُ عن ذاته كفرٌ وإشراكُ.
وفاة أبو بكر الصديق رضي الله عنه:
وفاة أبي بكر الصديق رضي الله عنه كانت في السنة الثالثة عشرة عن ثلاث وستين سنة من عمره وكانت خلافته سنتين وثلاثة أشهر وثلاثة عشر يوما. ودفن في بيت عائشة ورأسه عند كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكانت خلافته سنتين وثلاثة أشهرٍ وثلاثة عشر يومًا. ودفن في بيت عائشة ورأسه عند كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان أبو بكر رضي الله عنه لما مرض جمع عنده طلحة وعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وغيرهم من كبار الصحابة وأخبرهم أنه يرى أن يكون عمر بن الخطاب خليفةً، فاستحسنوا ذلك وأثنوا على رأيه فأشرف على الناس وأخبرهم بأنه قد استخلف عمر وأمرهم بالسمع والطاعة، ثم دعا عثمان بن عفان وقال له: اكتب، ثم أمره فختمه بخاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج به عثمان وقرأه على الناس فبايعوا عمر بن الخطاب ورضوا به.
ولمّا توفي جاء علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه باكياً مسرعاً مسترجعاً حتى وقف بالباب وقال: يرحمك الله أبا بكر لقد كنت والله أول القوم إسلاما، صدقت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كذّبه الناس وواسيته حين بخلوا، وقمت معه حين قعدوا، وسماك الله في كتابه صديقا فقال: ﴿ وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ﴾ سورة الزمر.
اللهم احشرنا في زمرة الصديقين وأمتنا على محبتهم واجعلنا من أتباعهم.
والحمد لله رب العالمين
https://www.islam.ms/ar/?p=431