تفسير سورة يس من الآية 69 إلى الآية 75
الحمدُ للهِ ربّ العالمين لهُ النِعْمَةُ وَلَهُ الفَضْلُ وَلَهُ الثَّنَاءُ الحَسَن
وَصَلَوَاتُ اللهِ البَرّ الرَّحيم والملائِكَةِ الْمُقرَّبينَ عَلَى سَيِدِنَا مُحَمَّدٍ أشْرَفِ الـمُرسَلِين وحَبِيبِ رَبّ العَالمين
وعلى جميعِ إخوانِهِ مِنَ النّبيينَ والـمُرسَلِين وَءَالِ كُلٍ والصَّالِحين وسلامُ اللهِ عليهم أجمعين
يقولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالى ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْءَانٌ مُبِينٌ {69} لِيُنْذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ القَوْلُ عَلَى الكَافِرِينَ {70} أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِيْنَآ أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ {71} وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأكُلُونَ {72} وَلَهُم فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ {73} وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللهِ ءَالِهَةً لَّعَلَّهُم يُنْصَرُونَ {74} لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُّحْضَرُونَ {75}﴾
إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقولُ عنِ القُرءَانِ الكرِيم
﴿إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْءَانٌ مُبِينٌ﴾ أَيْ مَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ مِنَ اللهِ يُوعَظُ بِهِ الإنْسُ وَالجِن وَمَا هُوَ إِلَّا قُرْءَانٌ كِتَابٌ سَمَاوِيٌّ يُقْرَأُ فِي الـمحَارِيب وَيُتْلَى فِي الـمُتَعـبَّدَات وَيُنَالُ بِتِلَاوَتِهِ وَالعَمَلِ بِه فَوْزُ الدَّارَين فَكَم بِيْنَهُ وَبَيْنَ الشِعْرِ الذِي هُوَ مِن هَمَزَاتِ الشّيَاطِين
﴿لِيُنْذِرَ﴾ القُرْءَان، أَوِ الرَّسُول
﴿مَن كَانَ حَيًّا﴾ عَاقِلًا مُتَأمِلًا، لِأَنَّ الغَافِلَ كَالـمَيّت. أَوْ حَيًّا بِالقَلْب
﴿وَيَحِقَّ القَوْلُ﴾ وَتَجِبَ كَلِمَةُ العَذَاب
﴿عَلَى الكَافِرِينَ﴾ الَّذِينَ لَا يَتَأَمَّلُون وَهُم فِي حُكْمِ الأموَات
﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِيْنَآ أَنْعَامًا﴾ أَيْ مِمَّا تَوَليْنَا نَحنُ إِحدَاثَهُ وَلَم يَقْدِر عَلَى تَوَلِيهِ غَيْرُنَا
﴿فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ﴾ أَيْ خَلَقْنَاهَا لِأَجْلِهِم فَمَلَّكْنَاهَا إِيَّاهُم فَهُم مُتَصَرِفُونَ فِيهَا تَصَرُّفَ الـمَلَّاك مُختَصُّونَ بِالانتِفَاعِ بِهَا. أَوْ فَهُم لَهَا ضَابِطونَ قَاهِرُون
﴿وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ﴾ وَصَيَّرْنَاهَا مُنْقَادَةً لهُم وَإِلَّا فَمنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَيْهَا لَولَا تَذلِيلُهُ تَعَالَى وَتَسْخِيرُهُ لهَا، وَلِهَذَا أَرْشَدَ اللهُ سُبْحَانَه الرَّاكِبَ أَنْ يَشكُرَ هَذِهِ النِعْمَة وَيُسَبِحَ بِقَوْلِه "سُبْحَانَ الّذي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِين" أَيْ مُطِيقِين. فَاللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَرْشَدَ الرَّاكِبَ إِلَى تَسْبِيحِه وَدَعَاهُ إِلَى ذَلِك وَهَذَا شُكْرٌ لِهَذِهِ النِعْمَة مَعَ أَنَّهُ يُوجَدُ حَيَوَانٌ لَا يُمكِنُنَا رُكُوبُه مَعَ كَوْنِهِ أَصْغَرَ مِنهُ حَجْمًا كَالأسَد وَكَذَلِكَ الضَّبع لَيْسَ مُذَلَّلًا لَنَا وَلَا الفَهْد
﴿فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ﴾ وَهُوَ مَا يُركَب
﴿وَمِنْهَا يَأكُلُونَ﴾ أَيْ سَخَّرْنَاهَا لَهُم لِيَرْكَبُوا ظَهْرَهَا وَيَأكُلُوا لَحْمَهَا
﴿وَلَهُم فِيهَا مَنَافِعُ﴾ مِنَ الجُلُودِ وَالأوْبَارِ وَغَيْرِ ذَلِك
﴿وَمَشَارِبُ﴾ مِنَ اللبَن وَهُوَ جَمْعُ مَشْرَب وَهُوَ مَوْضِعُ الشّرْب أَوِ الشَّرَاب
﴿أَفَلَا يَشْكُرُونَ﴾ أَيْ أَفَلا يَشْكُرُونَ اللهَ عَلَى إِنْعَامِ الأنعَام، وَشُكرُهُ بِعِبَادَتِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَتَصْدِيقِهِ بِنَبِيِه
﴿وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللهِ ءَالِهَةً لَّعَلَّهُم يُنْصَرُونَ﴾ أَيْ لَعَلَّ أَصْنَامَهُم تَنْصُرُهُم إِذَا حَزَبَهُم أَمر
﴿لَا يَسْتَطِيعُونَ﴾ أَيْ ءَالِــهَتَهُم
﴿نَصْرَهُمْ﴾ نَصْرَ عَابِدِيهِم
﴿وَهُمْ لَهُمْ﴾ أَيْ الكُفَّارُ للأَصْنَام
﴿جُنْدٌ﴾ أَعْوَانٌ وَشِيعَةٌ
﴿مُّحْضَرُونَ﴾ يَخْدِمُونَهُم وَيَذُبُّونَ عَنْهُم، أَوِ اتَّخَذُوهُم لِيَنْصُرُوهُم عِنْدَ اللهِ وَيَشْفَعُوا لَهُم وَالأمرُ عَلَى خِلَافِ مَا تَوَهَّمُوا حَيْثُ هُم يَوْمَ القِيَامَةِ جُنْدٌ مُّعَدُّونَ لَهُم مُحْضَرُونَ لِعَذَابِهِم لِأَنَّهُم يُجْعَلُونَ وَقُودَ النَّارِ، الأوْثَانُ تَصِيرُ وَقُودَ النَّار
وَسُبْحَانَ اللهِ وَالحَمْدُ لِلَّهِ رَبّ العَالَمين، رَبَّنَا ءَاتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَة وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَة وَقِنَا عَذَابَ النَّار
اللهُمَّ اغْفِر لِلمؤمِنِينَ وَالـمؤمِنَات الأحيَاءِ مِنْهُم وَالأمْوَات، اللهُمَّ اجعَلنَا مِن عِبَادِكَ الـمُتَوَاضِعِين التَّوَابِينَ الأوَّابِينَ الشَّكُورِينَ
يَا أرْحَمَ الرَّاحمِين وَءَاخِرُ دَعْوَانَا أنِ الحَمْدُ لِلَّهِ رَبّ العَالمِين
https://www.islam.ms/ar/?p=618