تفسير سورة يس من الآية 66 إلى الآية 68
الحمدُ للهِ ربّ العالمين لهُ النّعْمَةُ وَلَهُ الفَضْلُ وَلَهُ الثَّنَاءُ الحَسَن
صَلَوَاتُ اللهِ البَرّ الرَّحيم والملائِكَةِ الْمُقرَّبينَ عَلَى سَيّدِنَا مُحَمَّدٍ أشْرَفِ الـمُرسَلِين وحَبِيبِ رَبّ العَالمين
وعلى جميعِ إخوانِهِ مِنَ النَّبيينَ والـمُرسَلِين وَءَالِ كُلٍ والصَّالِحين وسلامُ اللهِ عليهم أجمعين
يقولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالى ﴿وَلَوْ نَشَآءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ {66} وَلَوْ نَشَآءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ {67} وَمَن نُّعَمّرْهُ نُنَكّسْهُ فِي الخَلْقِ أفَلَا يَعْقِلُونَ {68} وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ﴾[1]
إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقَول
﴿وَلَوْ نَشَآءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ﴾ أَي لأعمَيْنَاهُم وأَذْهبْنَا أَبْصَارَهُم. وَالطَّمْسُ تَعْفِيَتُ شِقّ العَيْن حَتَى تَعُودَ ممسُوحَةً كَأَنَّهَا لم تكن
﴿فَاسْتَبَقُوا الصّرَاطَ﴾ أَيْ فَاستَبَقُوا إلى الصّرَاط
﴿فَأَنَّى يُبْصِرُونَ﴾ فكَيْفَ يُبْصِرُونَ حِينئِذٍ وَقَدْ طَمَسْنَا أَعيُنَهُم
﴿وَلَوْ نَشَآءُ لَمَسَخْنَاهُمْ﴾ قِرَدَةً وَخَنَازِير أَوْ حِجَارَة
﴿عَلَى مَكَانَتِهِمْ﴾ أَيْ لَمَسَخْنَاهُم فِي مَنَازِلِهِم حَيْثُ يَجتَرِحُونَ الـمآثِم
﴿فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ﴾ فَلَم يَقدِروا عَلَى ذَهَابٍ وَلَا مجيء، أَوْ مُضِيًّا أَمَامَهُم وَلَا يَرجِعُونَ خَلْفَهُم
﴿وَمَن نُّعَمّرْهُ نُنَكّسْهُ فِي الخَلْقِ﴾ وَالتنكِيسُ جَعْلُ الشَّىْءِ أعْلَاهُ أَسْفَلَه، أَيْ نَقْلِبُهُ فِيه بِمَعْنَى مَن أَطَلْنَا عُمُرَهُ نَكَّسْنَا خَلْقَه فَصَارَ بَدَلَ القُوَّةِ ضَعْفًا وَبَدَلَ الشَّبَابِ هَرَمًا وَذَلِكَ أَنَّا خَلَقْنَاهُ عَلَى ضَعْفٍ فِي جَسَدِه وَخُلُوٍ مِن عَقْل وَعِلْم ثُمَّ جَعَلْنَاهُ يَتَزَايَدُ إِلَى اَنْ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَيَسْتَكمِلَ قُوَّتَه وَيَعقِلَ وَيَعْلَم مَا لهُ وَمَا عَلَيْه فَإذَا انتَهَى نَكَّسْنَاهُ فِي الخَلْق فَجَعَلنَاهُ يَتَنَاقَصُ حَتَّى يَرجِعَ إلَى حَالٍ شَبِيهَةٍ بِحَالِ الصَّبِيِ فِي ضَعْفِ جَسَدِه وَقِلَّةِ عَقْلِه وَخُلُوِهِ مِنَ العِلم كَمَا يُنَكَّسُ السَّهْمُ فَيُجْعَلُ أَعْلَاهُ أَسْفَلَه. قَالَ عَزَّ وَجَل ﴿وَمِنْكُم مَّنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ العُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا {5}﴾[سورة الحج]
﴿ أفَلَا يَعْقِلُونَ﴾ أَنَّ مَن قَدَرَ عَلَى أَن يَنْقُلَهُم مِنَ الشَّبَابِ إِلَى الهَرَمِ وَمِنَ القُوَّةِ إِلَى الضَّعْفِ وَمِن رَجَاحَةِ العَقْلِ إِلَى الخَرَف وَقِلَّةِ التَّمييز قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَطْمِسَ عَلَى أَعْيُنِهِم وَيَمسَخَهُم عَلَى مَكَانَتِهِم وَيَبْعَثَهُم بَعْدَ الـمَوْت
﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشّعْرَ﴾ أَيْ وَمَا عَلَّمْنَا النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَام قَوْلَ الشُّعَرَاء. أَوْ وَمَا عَلَّمنَاهُ بِتَعلِيمِ القُرْءَانِ الشِعْر عَلَى مَعْنَى أَنَّ القُرْءَانَ لَيْسَ بِشِعْر فَهُوَ كَلَامٌ مَوْزُونٌ مُقَفًّى يَدُلُّ عَلى مَعْنًى فَأَيْنَ الوَزْنُ وَأَينَ التَّقْفِيَةُ فَلَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشِعْر إِذَا حَقَّقْتَه
﴿وَمَا يَنبَغِي لَهُ﴾ وَمَا يَصِحُّ لَهُ وَلَا يَلِيقُ بِحَالِه وَلَا يُتَطَلَّبُ لَوْ طَلَبَه. أَيْ جَعَلْنَاهُ بِحَيْثُ لَوْ أَرَادَ طَرْدَ الشِعْرِ لَمْ يَتَأتَّى لَه وَلَم يَتَسَهَّل كَمَا جَعَلْنَاهُ أُمِيًّا لَا يَهْتَدِي إِلَى الخَط لِتَكُونَ الحُجَّةُ أَثْبَتَ وَالشُّبْهَةُ أَدْحَض. وَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَام "أَنَا النَّبِيُ لَا كَذِب أَنَا ابْنُ عَبْدِ الـمُطْلِب" رواه البخاري ومسلم. وَقَوْلُهُ "هَل أَنْتِ إِلَّا إِصْبَعٌ دَمِيْتِ وَفِي سَبِيلِ اللهِ مَا لَقِيتِ" رواه البخاري ومسلم والنسائي، فَمَا هُوَ إِلَّا مِن جِنْسِ كَلَامِهِ الذِي كَانَ يَرمِي بِهِ عَلَى السَّلِيقَة مِنْ غَيْرِ صَنْعَةٍ فِيهِ وَلَا تَكَلُّف إِلَّا أَنَّهُ اتَّفَقَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إِلَى ذَلِك وَلَا التِفَاتٍ مِنْهُ أَنْ جَاءَ مَوْزُونًا كَمَا يَتَّفِقُ فِي خُطَبِ النَّاسِ وَرَسَائِلِهِم وَمُحَاورَاتِهِم أَشْيَاءُ مَوْزُونَةٌ وَلَا يُسَمّيهَا أَحَدٌ شِعْرًا لِأَنَّ صَاحِبَهُ لَمْ يَقْصِدِ الوزْن وَلَا بُدَّ مِنْهُ.
الرَّسُولُ عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ ذَلِكَ لَـمَّا انجَرَحَت إِصْبَعُهُ وَهَذَا لَيْسَ شِعْرًا لِأَنَّ الرَّسُولَ لَم يَقْصِد أَنْ يَقُولَ شِعْرًا وَإِلَّا لَوْ قَالَهُ شَخْصٌ قَصْدًا لِلْشِعْرِ لَكَانَ شِعْرًا رَجَزًا كَامِلَ التَّفَاعِيل. فَالعَرَبُ لَا يَقُولُونَ لِهَذَا شِعْر لِأَنَّ الشّعْرَ عِنْدَهُم هُوَ مَا يَقْصِدُهُ الشَّخْصُ بِقَوْلِه
وَسُبْحَانَ اللهِ وَالحَمْدُ لِلَّهِ رَبّ العَالَمين رَبَّنَا ءَاتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَة وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَة وَقِنَا عَذَابَ النَّار،
اللهُمَّ اجْعَلْنَا هُدَاةً مَّهْدِيين غَيْرَ ضَآلّينَ وَلَا مُضِلِين،
اللهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِن قَوْلٍ وَعَمل وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِن قَوْلٍ وَعَمَل وَءَاخِرُ دَعْوَانَا أنِ الحَمْدُ لِلَّهِ رَبّ العَالمين
https://www.islam.ms/ar/?p=617