تفسير سورة البقرة من آية 41 إلى 43
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
من تفسير الإمام النسفي (ت 710 هـ) مدارك التنزيل وحقائق التأويل:
{وَآَمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ} يعني القرآنَ
{مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ} مِنَ التّوراةِ يَعني في العِبَادَةِ والتّوحِيدِ والنُّبُوّةِ وأَمْرِ محَمَّدٍ علَيهِ السَّلام (ليسَ في هَذا اختِلافٌ بينَ التّورَاةِ التي أُنزِلَت على مُوسَى وبَينَ القُرءانِ المنَزَّلِ على محمَّدٍ في العَقِيدَةِ، محمَّدٌ مَا جَاءَ بما يُخَالِفُ مَا كانَ علَيهِ موسَى)
{وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} أيْ أوّلَ مَن كَفَرَ بهِ، أو أوّلَ حِزْبٍ أو فَوجٍ كَافِرٍ بهِ ، أو ولا يَكُن كُلُّ واحِدٍ مِنكُم أوّلَ كَافِرٍ بهِ.
وهَذا تَعرِيضٌ بأَنّهُ كانَ يجِبُ أنْ يَكُونُوا أوّلَ مَن يؤمِنُ بهِ لِمَعرِفَتِهم بهِ وبصِفَتِه ، والضّميرُ في بهِ يَعُودُ إلى القُرآن.
{وَلَا تَشْتَرُوا} ولا تَستَبدِلُوا
{بِآَيَاتِي} بتَغيِيرِها وتَحرِيفِها.
{ثَمَنًا قَلِيلًا} قالَ الحَسَنُ : هوَ الدُّنيَا بحَذافِيرِها. (بالنّسبَةِ للآخِرَةِ الدُّنيَا كُلُّهَا شَيءٌ قَلِيلٌ ثَمنٌ قَلِيلٌ)
وقيلَ : هوَ الرّياسَةُ التي كانَت لهم في قَومِهم خَافُوا علَيهَا الفَواتَ لَوِ اتّبَعُوا رسولَ الله. (بَعضُ الرُّؤسَاءِ مِن هَذِه الأُمَّةِ أَيضًا يُعَانِدُونَ الحَقَّ لِئَلّا تَفُوتُهم وتَذهَبَ عَنهُمُ الرّئاسَةُ، البُخَاريُّ رَحمَه اللهُ عَكَّرَ عَلَيهِ شَيخٌ مَشهُورٌ في بَلدَةٍ جَاءَ البُخَاريُّ فَاسْتَقبَلَهُ النّاسُ قَبلَ المدِينَةِ قَبلَ وُصُولِ المدِينَةِ بمسَافَةٍ بَعِيدَةٍ فَغَارَ مِنَ البُخَاريّ عَمِلَ عَلَيهِ تَشوِيشًا فنُفِيَ مِن تِلكَ البَلدَةِ، الحَاكِمُ نَفَاهُ صَدَّقَ مَا يَقُولُه هَذا الشّيخُ كَانَ عَالما مَشهُورًا مِنَ المحَدّثِينَ)
{وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41)} ولا تتَعَرَّضُوا لِمَا يُوجِبُ سَخَطِي
{وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ} لَبَسَ الحَقَّ بالبَاطِلِ خَلَطَهُ.
والبَاءُ إنْ كانَت صِلَةً مِثلُها في قَولِكَ " لَبَسْتُ الشّيءَ بالشّيءِ " خَلَطْتُه بهِ ، كانَ المعنى ولا تَكتُبُوا في التّورَاةِ مَا لَيسَ مِنهَا فيَختَلِطَ الحَقُّ المنَزَّلُ بالبَاطِلِ الذي كَتَبتُم حتى لا يُمَيَّزَ بَينَ حَقِّهَا وبَاطِلِكُم.
وإنْ كانَت باءَ الاستِعَانَةِ كالتي في قولِكَ " كَتَبتُ بالقَلَم " ، كانَ المعنى ولا تَجعَلُوا الحقَّ مُلتَبِسًا مُشتَبِهًا ببَاطِلِكُم الذي تَكتُبُونَه.
{وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ} هوَ مَجزوم داخلٌ تَحتَ حُكمِ النَّهيِ بمعنى ولا تَكتُمُوا ، أو مَنصوبٌ بإضمارِ " أنْ " ، والواوُ بمعنى الجمع ، أي ولا تَجمَعُوا بَينَ لَبْسِ الحَقِّ بالبَاطِلِ وكِتْمَانِ الحَقِّ كقَولِكَ " لا تَأكُلِ السَّمَكَ وتَشرَبَ اللَّبَنَ " (إذَا قُرِئ بالفَتْح مَعنَاهُ لا تَأكُلِ السَّمَكَ معَ شُرْبِ اللَّبَن أي الحلِيبِ، أمّا إذَا قِيلَ لا تَأكُلِ السّمَكَ وتَشرَبِ اللَّبَنَ نَهيٌ عَنهُمَا لا تَفعَلْ هَذا ولا هَذَا، أمّا إذَا قِيلَ لا تَأكُلِ السّمَكَ وتَشرَبُ اللَّبَن مَعنَاهُ لكَ أنْ تَشرَبَ اللّبَنَ مِن دُونِ أن يَجْمَعَ بَينَهُما. لَمّا كانَ الإعرابُ عِندَ العَرَبِ بحِوَارِهِم كانَتِ الجُملَةُ الوَاحِدَةُ تُعطِي مَعَانيَ مُتَعَدّدَةً أمّا بَعدَ أنْ تُرِكَ الإعرابُ فالجُملَةُ بحَسَبِ لَفظِها لا تُعطِي إلا مَعنًى واحِدًا إنّما بحَسَبِ القَرِينَةِ يَفهَمُونَ).
وهُمَا أَمْرَانِ مُتَمَيّزَانِ ، لأنَّ لَبْسَ الحَقِّ بالبَاطِلِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ كَتْبِهِم في التَّورَاةِ مَا لَيسَ مِنهَا ، وكِتمَانِهمُ الحَقَّ أنْ يَقُولُوا لا نَجِدُ في التّورَاةِ صِفَةَ محَمَّدٍ أو حُكْمَ كَذَا
{وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42)} في حَالِ عِلمِكُم أنّكُم لابِسُونَ وكَاتِمونَ وهوَ أَقْبَحُ لهم لأنّ الجَهْلَ بالقَبِيحِ رُبّما عُذِرَ مُرتَكِبُه.
{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ} أي صَلاةَ الْمُسلِمِينَ وزَكَاتَهم.
{وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)} مِنهُم لأنّ اليَهُودَ لا رُكُوعَ في صَلاتِهم (هَذا مَشهُورٌ عِندَ المؤرّخِينَ أمّا في الحَدِيثِ فَلَم يَرِدْ أنّ اليَهُودَ مَا كانَ في صَلاتِهم ركُوعٌ لَكِنّهُ أَمرٌ مُحتَمِلٌ أمّا اركَعُوا معَ الرّاكِعِينَ على حَسَبِ هَذه الحِكَايَةِ اركَعُوا معَ الرّاكِعِينَ مِن أُمّةِ محَمَّدٍ ولَو لم يَكُن في شَرْعِكُم رُكُوعٌ في صَلاتِكُم أي أَسْلِمُوا واعْمَلُوا عَمَلَ أَهلَ الإسلَام.)
وجَازَ أنْ يُرَادَ بالرّكُوعِ الصّلاةُ كمَا يُعَبَّرُ عَنهَا بالسُّجُودِ ، وأنْ يَكُونَ أَمرًا بالصّلاةِ معَ الْمُصَلِّينَ يَعني في الجَمَاعَةِ ، أيْ صَلُّوهَا معَ الْمُصَلّينَ لا مُنفَرِدِينَ.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
من تفسير الإمام النسفي (ت 710 هـ) مدارك التنزيل وحقائق التأويل:
والهمزة في
{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ} للتّقرِيرِ معَ التّوبِيخِ والتَّعَجُّبِ مِن حَالِهم.(اللهُ تَعالى لا يتَعَجَّبُ إنّما العِبَادُ يَتعَجَّبُونَ)
{بِالْبِرِّ} أيْ سَعَةِ الخَيرِ والمعرُوفِ ومِنهُ البَرُّ لِسَعَتِه (البِرُّ والبَرُّ مِن مَادَّةٍ واحِدَةٍ والْمُنَاسَبَةُ بَينَهُمَا السَّعَةُ في الكُلّ)، ويَتنَاوَلُ كُلَّ خَيرٍ ومِنهُ قَولُهم " صَدَقْتَ وبَرِرْتَ " .
وكانَ الأحبَارُ يَأمُرُونَ مَن نَصَحُوهُ في السّرِّ مِن أقَارِبِهم وغَيرِهِم باتّبَاعِ محَمَّدٍ علَيهِ السّلامُ وَلا يَتْبَعُونَهُ (حتى لا تَذهَبَ علَيهِمُ الرّئاسَة،ُ لَكِن أَحْيَانًا يَقُولُونَ لأَتْبَاعِهِم هذَا محَمَّدٌ صَادِقٌ اتَّبِعُوهُ).
وقِيلَ : كَانُوا يَأمُرُونَ بالصَّدَقَةِ ولا يَتصَدَّقُونَ وإذَا أُتُوا بالصَّدَقاتِ لِيُفَرّقُوهَا خَانُوا فِيهَا. (فيَأكُلُونَها لأَنفُسِهِم)
{وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} وتَتركُونَها مِنَ البِرّ كالْمَنْسِيَّاتِ. (النّسيَانُ هُنَا مَعنَاهُ التَّرْكُ كالشَّىءِ الذي نُسِيَ )
{وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ} تَبكِيتٌ أي تَتلُونَ التّورَاةَ وفِيهَا نَعتُ محَمّدٍ علَيهِ السّلامُ أو فِيهَا الوَعِيدُ على الخِيَانَةِ وتَركِ البِرِّ ومُخَالَفَةِ القَولِ العَملَ. (هَذا تَجِدُونَهُ في التّورَاةِ انتَهُوا عن ذَلكَ)
أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44) أفَلَا تَفطِنُونَ لِقُبحِ مَا أَقْدَمتُم علَيهِ حتى يَصُدَّكُمُ اسْتِقبَاحُه عن ارتِكَابِهِ وهوَ تَوبِيخٌ عَظِيمٌ.
{وَاسْتَعِينُوا } على حَوائِجِكُم إلى اللهِ
{بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} أي بالجَمْعِ بَينَهُما وأنْ تُصَلُّوا صَابِرِينَ على تَكَالِيفِ الصّلاةِ مُحتَمِلِينَ لِمَشَاقِّهَا ومَا يَجِبُ فِيها مِن إخْلاصِ القَلْبِ ودَفْعِ الوَسَاوِسِ الشّيطَانيّةِ والهَوَاجِسِ النَّفسَانِيّةِ ومُرَاعَاةِ الآدَابِ والخُشُوعِ واسْتِحضَارِ العِلْمِ بأَنّهُ انتِصَابٌ بَينَ يَدَي جَبّارِ السّمَواتِ والأرض ، أو استَعِينُوا على البَلايا والنّوائِبِ بالصَّبْرِ علَيهَا والالْتِجَاءِ إلى الصَّلاةِ عِندَ وُقُوعِهَا ، وكانَ رَسولُ الله صَلّى الله عليهِ وسَلَّمَ إذَا حَزَبَه أَمرٌ فَزِعَ إلى الصّلاةِ. (ومعنى حَزَبَهُ أَمرٌ كَرَبَه،ُ أيْ لَمّا تُصِيبُه مُصِيبَةٌ يَفْزَعُ إلى الصّلاةِ أي يتَطَوَّعُ للهِ تَبارَك وتَعالى، فَزِعَ إلى الصّلاةِ أي يُصَلّيْ تَطَوُّعًا للهِ تَبارَكَ وتَعالى لِيَكْشِفَ الكَرْبَ عَنهُ ، فَالمطلُوبُ مِنّا أنْ نَقتَدِيَ برَسولِ اللهِ صَلّى اللهُ علَيهِ وسَلَّم ، فيَنبَغِي للمُسلِم والمسلِمَةِ أنْ يَفْزَعُوا إلى اللهِ تَبارك وتعالى إذَا كَرَبَهُم أمرٌ أي إذَا أصَابَتْهُم شِدّةٌ ومُصِيبَةٌ، لا يَنبَغِي أن يُسرِعُوا إلى الأطبّاءِ مِن غَيرِ ضَرُورَةٍ)
وعَن ابنِ عَبّاسٍ رضيَ اللهُ عَنهُما أنّهُ نُعِيَ إلَيهِ أَخُوه قُثَمُ وهوَ في سَفَرٍ فَاسْتَرجَعَ (وقَالَ إنّا للهِ وإنّا إلَيهِ رَاجِعُونَ) وصَلّى ركعتَينِ ثم قالَ : "واستَعِينُوا بالصَّبرِ والصَّلاةِ" .
وقِيلَ : الصَّبرُ الصَّومُ لأنّهُ حَبسٌ عن المفَطّراتِ ومِنهُ قِيلَ لشَهرِ رَمضَانَ شَهرُ الصَّبرِ.
وقِيلَ : الصّلاةُ الدُّعَاءُ أي استَعِينُوا على البَلايا بالصَّبرِ والالْتِجَاءِ إلى الدُّعَاءِ والابْتِهَالِ إلى اللهِ في دَفْعِهِ.
{وَإِنَّهَا} الضَّمِيرُ للصّلاةِ أو للاستِعَانَةِ.
{لَكَبِيرَةٌ} لَشَاقَّةٌ ثَقِيلَةٌ مِن قَولِكَ " كَبُرَ عَلَيَّ هَذا الأمرُ
{إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45)} لأنّهم يتَوقَّعُونَ مَا ادُّخِرَ لِلصَّابِرِينَ على مَتَاعِبِها فتَهُونُ علَيهِم
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
من تفسير الإمام النسفي (ت 710 هـ) مدارك التنزيل وحقائق التأويل:
{الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُوا رَبِّهِمْ} أي يَتَوقَّعُونَ لِقَاءَ ثَوابِهِ ونَيلَ مَا عِندَهُ ويَطمَعُونَ فِيهِ.
وفُسِّرَ يَظُنُّونَ بـ " يتَيَقَّنُونَ " لِقِراءَةِ عبدِ اللهِ (بنِ مَسعُودٍ) يَعلَمُونَ (لَكنَّها لَيسَتْ قِراءَةً مُتَواتِرَةً) ، أيْ يَعلَمُونَ أنّهُ لا بُدَّ مِن لِقَاءِ الجَزاءِ فَيَعمَلُونَ على حَسَبِ ذَلكَ ، وأمّا مَن لم يُوقِنْ بالجَزاءِ ولم يَرْجُ الثّوابَ كَانَت علَيهِ مَشَقّةً خَالِصَةً. (هُنَا يَظُنُّونَ مَعنَاهُ يتَيَقَّنُونَ الظَّنُّ يُستَعمَلُ في الغَالِبِ لِغَيرِ المتَيقَّنِ وقَدْ يُستَعمَلُ للمُتَيقَّنِ كَهذَا الموضِع) (أكْثَرُ النّاسِ عِندَمَا يُصَلُّونَ لا يَكُونُونَ فَرحِينَ بصَلاتِهم إنّما يَكُونُونَ كأَنَّهم يضَعُونَ مِن رقَابِهم مَا يُثقِلُهُم أمّا الأتقيَاءُ يَرتَاحُونَ في الصّلاة) (عُثمَانُ بنُ عَفّانَ رَضيَ اللهُ عَنه خَتَم القُرءانَ وهوَ قَائمٌ في ركعَةٍ واحِدَةٍ في لَيلَةٍ واحِدَةٍ. هُمُ الأنبياءُ والأولياءُ يجِدُونَ لَذّةً وفَرَحًا في العِبادَاتِ ولا سِيَّما الصّلاة. قُلُوبُهم يَحصُل لهم فيها فرَحٌ وانشِرَاحٌ لا يجِدُونَها في غَيرِ تِلكَ الحَالَةِ. الصّلاةُ تَكُونُ عندَهم أَلَذُّ مِن كُلِّ شَىء،)
والخُشُوعُ الإخْبَاتُ (الإخبَاتُ والخُشُوعُ بمعنًى واحِد) والتّطَامُنُ ( أي الاطمِئنَانُ والسَّكِيْنَةُ) وأمّا الخُضُوعُ فَاللِّيْنُ والانْقِيَادُ. (التّعظِيمُ الذي يَصحَبُه استِشعَارٌ بالخَوفِ هَذا هوَ الخُشُوع. الخُشُوعُ اسْتِحْضَارُ الخَوْفِ مِنَ اللهِ وَتَعْظِيمُ اللهِ وَمَحَبَّةُ اللهِ، التّعظِيمُ الذي يَصحَبُه استِشعَارٌ بالخَوف هذا هوَ الخُشُوع. الخُشُوعُ أنْ يَستَحضِرَ عَظَمَةَ اللهِ والخَوفَ مِنهُ خَوفَ إجْلال،ٍ الخشُوعُ هوَ الاسْتِشعَارُ بالخوفِ مِنَ الله خَوفَ إجلال، الخشُوعُ ليسَ الخَوفَ مِنَ العَذاب)
وفُسِّرَ اللّقَاءُ بالرُّؤيَةِ ومُلاقُو رَبِّهم بِمُعَايِنُوهُ بِلَا كَيفٍ. (بَعضُ المفَسِّرِينَ فَسَّرَ قَولَهُ تَعالى مُلَاقُوا رَبِّهم أي يرَونَهُ بِلا كَيفٍ أي مِن غَيرِ أنْ يَكُونَ في جِهَةٍ ومِن غَيرِ أنْ يَكُونَ في مَسَافَةٍ بَينَهُم وبَينَهُ لا مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ ولا مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ لأنّ ذلكَ لا يجُوز على اللهِ لأنّ الذي يَكُونُ على مَسَافَةٍ مِنكَ فَهوَ مَحدُودٌ والمحدُودُ يَحتَاجُ إلى مَن يَحُدُّهُ والإلهُ لا يَحتَاجُ إلى غَيرِه)
{وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (46)} لا يَملِكُ أَمرَهُم في الآخَرَةِ أحَدٌ سِوَاهُ.
يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} التّكرِيرُ للتّأكِيدِ
{وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ} أي اذكُرُوا نِعمَتيَ وتَفضِيْلِي.
{عَلَى الْعَالَمِينَ (47)} على الجَمْع الغَفِيرِ مِنَ النّاسِ يُقَالُ " رَأَيتُ عَالَمًا مِنَ النّاسِ " والمرَادُ الكَثْرَةُ. (مَعنَاهُ فَضَّلْنَاكُم على خَلقٍ كَثِيرٍ أي أجْدَادَكُم الذينَ كانُوا مُسلمِينَ اذكُرُوا ذلكَ وكُونُوا مِثلَهُم بالإيمانِ بمحَمَّدٍ، إنْ ءامَنتُم بمحَمَّدٍ صِرتُم مِثلَ أَجْدَادِكُم المؤمنِينَ، أمّا هؤلاءِ الذينَ اليَومَ والذينَ كَانوا في زَمَن النَّبيّ ثم عَانَدُوا فكَذَّبُوا أولئكَ لَيسَ لهم فَضلٌ بالمرَّة، إنّما الفَضْلُ لأَجْدَادِهِمُ الذينَ كَانُوا على اتّباعِ الأنبِياءِ أيّامَ مُوسَى الذينَ كَانُوا مُتَّبِعِينَ شَرِيعَةَ مُوسَى ومَا بَعدَه الذينَ كَانُوا متَّبِعِينَ للأنبياءِ الذينَ جَاؤوا بعدَ مُوسَى أولئكَ لَهم فَضلٌ لإيمانِهم باللهِ وأَنبِيائِه مَا كانُوا يُكَذّبُونَ، أولئكَ كَانُوا مِثْلَنَا يؤمِنُونَ بأنَّ كُلَّ نَبيٍّ مِنَ الأنبِيَاءِ صَادِقٌ جَاءَ بالحقّ، بَعضُ النّاسِ يتَوَهَّمُونَ مِن هَذه الآيةِ أنّ اليَهُودَ الذينَ هُم كُفّارٌ الذينَ هُم على وَجْه الأرضِ يُفَضَّلُون كَيفَ يَكُونُ هَذا، القُرءانُ إذا لم يُوضَعْ مَوضِعَه فِتنَةٌ لِمَن يَفعَلُ ذلكَ ولِمَن يَتْبَعُه لأنّ القُرءانَ ذُو وُجُوهٍ، اللهُ ابتَلَى عِبادَه بأنْ يَكُونَ بَعضُ عِبادِه يَعرِفُونَ مَواقِعَ الحَقّ فيَحمِلُونَ الآياتِ على مَواضِعِها ومَن لم يُوَفِّقْهُم يَحمِلُونَ القُرءانَ على غَيرِ مَواضِعِه فيَهلِكُونَ ويَخسَرُونَ.)
{وَاتَّقُوا يَوْمًا} أي يومَ القِيَامَةِ
{لَا تَجْزِي نَفْسٌ} مؤمنَةٌ.
{عَنْ نَفْسٍ} كَافِرَةٍ
{شَيْئًا} أي لا تَقضِي عَنها شَيئًا منَ الحُقُوقِ التي لَزِمَتْها. وشَيئًا مَفعُولٌ به أو مَصدَرٌ أي قَلِيلًا مِنَ الجَزاءِ ، والجُملَةُ مَنصُوبَةُ المحَلّ صِفةٌ لِيَومًا والعَائدُ مِنهَا إلى الموصُوفِ مَحذُوفٌ تَقدِيرُه لا تَجزِى فِيهِ
{وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ} والضّمِيرُ في مِنها يَرجِعُ إلى النَّفْسِ المؤمِنَةِ أي لا تُقبَلُ مِنهَا شفَاعَةٌ لِلكَافِرَةِ ، وقيلَ : كانَت اليَهُودُ تَزعُمُ أنّ آبَاءَهُمُ الأنبياءَ يَشفَعُونَ لهم فأُويِسُوا فهوَ كقَولِه : {فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَـاعَةُ الشَّـافِعِينَ} ، وتَشَبُّثُ المعتَزِلَةِ بالآيةِ في نَفيِ الشّفَاعَةِ للعُصَاةِ مَردُودٌ لأنّ الْمَنفِيَّ شَفاعَةُ الكُفّارِ، وقَد قال عليه السلام "شَفَاعَتي لأهلِ الكَبائرِ مِن أُمَّتي" رواه الحاكم.
{وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ} أي فِديَةٌ لأنّها مُعَادِلَةٌ للمَفدِيّ.
{وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (48)} يُعَاوَنُونَ وجُمِعَ لِدِلَالَةِ النَّفْسِ الْمُنكِرَةِ على النُّفُوسِ الكَثِيرَةِ ، وذُكِّرَ لِمَعنى العِبَادِ أو الأنَاسِيّ.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
من تفسير الإمام النسفي (ت 710 هـ) مدارك التنزيل وحقائق التأويل:
{وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ} أَصْلُ آلٍ أَهْلٌ ولِذَلكَ يُصَغَّرُ بأُهَيلٍ فأُبدِلَتْ هَاؤه ألِفًا وخُصَّ استِعمَالُه بأُولِى الخَطَرِ (أي الشَّأنِ، يُقَالُ خَطَرُ الرَّجُلِ بمَعنَى قَدرِه ومَنزِلَتِه) كالْمُلُوكِ وأَشْبَاهِهِم فَلا يُقَالُ آلُ الإسكَافِ والحَجّام ، وفِرعَونُ عَلَمٌ لِمَن مَلَكَ العَمَالِقَةَ كقَيصَر لِمَلِكِ الرُّومِ وكِسْرَى لِمَلِكِ الفُرْسِ.
{يَسُومُونَكُمْ} حالٌ مِن آلِ فِرعَونَ أيْ يُوْلُونَكُم مِن سَامَهُ خَسْفًا إذَا أَوْلَاهُ ظُلمًا ، وأَصْلُهُ مِنْ سَامَ السِّلْعَةَ إذَا طَلَبَها كأَنّها بمعنى يَبغُونَكُم
{سُوءَ الْعَذَابِ} ويُرِيدُونَكُم علَيه،ِ ومُسَاوَمَةُ البَيع مَزِيدَةٌ أو مُطَالَبَةٌ ،
يُقَالُ : أَعُوذُ باللهِ مِن سُوءِ الخُلُقِ وسُوءِ الفِعْلِ يُرَادُ قُبحُهُمَا ، ومَعنى سُوءِ العَذابِ ، والعَذَابُ كُلُّهُ سَيّءٌ أشَدُّه وأَفظَعُهُ.
{يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ} بَيَانٌ لقَولِه يَسُومُونَكُم ولِذَا تُرِكَ العَاطِفُ
{وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ} يَتركُونَ بنَاتِكُم أحيَاءً للخِدمَةِ ، وإنّما فَعَلُوا بِهم ذلكَ لأنّ الكَهَنَةَ أَنْذَرُوا فِرعَونَ بأنّهُ يُولَدُ مَولُودٌ يَزُولُ مِلكُهُ بِسَبَبِه كَمَا أَنْذَرُوا نُمرُودَ فَلَم يُغْنِ عَنهُمَا اجتِهَادُهُما في التَّحَفُّظِ وكانَ مَا شَاءَ اللهُ
{وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ} مِحنَةٌ إنْ أُشِيرَ بذَلِكُم إلى صُنْعِ فِرعَونَ ، ونِعمَةٌ إنْ أُشِيرَ بهِ إلى الإنْجَاءِ. (بلاءٌ يَأتي بمعنى النّعمَةِ بَلاءٌ عَظِيمٌ أيْ نِعمَةٌ عَظِيمَةٌ ويَأتي بمعنى المصِيبَةِ.)
{مِنْ رَبِّكُمْ} صِفَةٌ لِبَلَاءٍ.
{عَظِيمٌ (49)} صِفَةٌ ثَانيَةٌ
{وَإِذْ فَرَقْنَا} فَصَلْنَا بَينَ بَعضِه وبَعضٍ حتى صَارَت فِيهِ مَسَالِكُ لَكُم. وقُرىء فَرَّقْنا أي فَصَّلْنَا يُقَالُ : فَرَقَ بَينَ الشَّيئَينِ وفَرَّقَ بَينَ الأشيَاءِ لأنّ الْمَسَالِكَ كانَت اثْنَي عَشَرَ على عَدَدِ الأسبَاطِ.
{بِكُمُ الْبَحْرَ} كَانُوا يَسلُكُونَهُ ويَتفَرَّقُ الماءُ عندَ سُلُوكِهِم فكَأَنّما فُرِقَ بِهم ، أو فَرَقْنَاهُ بسَبَبِكُم ، أو فَرَقْنَاهُ مُلتَبِسًا بِكُم فيَكُونُ في مَوضِعِ الحَالِ.
رُوِيَ أنّ بَني إسرائيلَ قَالوا لموسى علَيهِ السّلامُ : أينَ أَصْحَابُنَا فنَحنُ لا نَرضَى حَتى نَراهُم ، فأَوحَى اللهُ إلَيهِ أنْ قُلْ بعَصَاكَ هَكَذَا ، فقَال بها على الحِيطَانِ فصَارَت فِيها كُوًى فَترَاءَوا وتَسَامَعُوا كَلامَهُم.
{فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50)} إلى ذلكَ وتُشَاهِدُونَهُ ولا تَشُكُّونَ فِيهِ.
{وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى} لأنَّ اللهَ تَعالى وَعَدَهُ الوَحْيَ ووَعْدُه هوَ المجِيءُ لِلمِيقَاتِ إلى الطُّور. لَمّا دَخَلَ بَنُو إسرائيلَ مِصرَ بَعدَ هَلاكِ فِرعَونَ ولم يَكُن لهم كِتَابٌ يَنتَهُونَ إلَيهِ ، وعَدَ اللهُ تَعالى مُوسَى أنْ يُنَزِّلَ علَيهِ التّورَاةَ وضَرَبَ لهُ مِيقَاتًا ذَا القَعدَةِ وعَشْرَ ذِي الحِجّةِ ، وقَالَ
{أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} لأنّ الشُّهُورَ غُرَرُها باللَّيَالي، وأَربَعِينَ مَفعُولٌ ثَانٍ لـ " وَاعَدْنَا لا ظَرفٌ لأنّهُ ليسَ مَعنَاهُ وَاعَدنَاهُ في أربَعِينَ لَيلَةً . "
{ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ} أي إلهًا، فحُذِفَ المفعول الثاني لـ " اتّخَذتُم
{مِنْ بَعْدِهِ} مِنْ بَعدِ ذَهَابِه إلى الطُّورِ
{وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (51)} أي بوَضْعِكُمُ العِبَادَةَ غَيرَ مَوضِعِها والجُملَةُ حَالٌ أي عبَدتُموهُ ظَالِمينَ.
{ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ} مَحَونَا ذُنُوبَكُم عَنكُم.
{مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} مِن بَعدِ اتّخَاذِكُمُ العِجْلَ.
{لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52)} لِكَي تَشْكُرُوا النّعْمَةَ في العَفْوِ عَنكُم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
من تفسير الإمام النسفي (ت 710 هـ) مدارك التنزيل وحقائق التأويل:
{وَإِذْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ} يَعني الجَامِعَ بَينَ كَونِه كِتَابًا مُنَزّلًا وفُرقَانًا يَفْرُقُ بَينَ الحَقّ والبَاطِلِ وهوَ التّورَاةُ، ونَظِيرُه " رأَيتُ الغَيْثَ واللَّيْثَ " تُرِيدُ الرّجُلَ الجَامِعَ بَينَ الجُودِ والجُرأَةِ.
أو التَّورَاةَ والبُرهَانَ الفَارِقَ بَينَ الكُفرِ والإيمانِ مِنَ العَصَا واليَدِ وغَيرِهما مِنَ الآيَاتِ ، أو الشَّرْعَ الفَارِقَ بَينَ الحَلالِ والحَرام.
وقِيلَ : الفُرقَانُ انفِلاقُ البَحْرِ أو النَّصْرُ الذي فَرَقَ بَينَه وبَينَ عَدُوّه
{لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53)} لِكَي تَهتَدُوا.
{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ} لَلّذِينَ عَبَدُوا العِجْلَ.
{يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ} مَعبُودًا
{فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ} هوَ الذي خَلَقَ الخَلْقَ بَرِيئًا مِنَ التّفَاوُتِ. (مَعنى التّفَاوُتِ الخُلُوُّ عن الحِكمَةِ).
وفِيهِ تَقرِيعٌ لِمَا كانَ مِنهُم مِن تَرْكِ عِبَادَةِ العَالِم الحَكِيم الذي برَأَهُم إبريَاءَ مِنَ التّفَاوُتِ إلى عِبَادَةِ البَقَرِ الذي هوَ مَثَلٌ في الغَبَاوَةِ والبَلادَةِ
{فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} قِيلَ : هوَ على الظّاهِرِ وهوَ البَخْعُ. (أيْ قَتْلُ الشَّخْصِ نَفسَهُ) وقِيلَ : مَعنَاهُ قَتْلُ بَعضِهِم بَعضًا.
وقِيلَ : أُمِرَ مَن لَم يَعبُدِ العِجْلَ أنْ يَقتُلُوا العَبَدَةَ فقُتِلَ سَبعُونَ أَلفًا.
{ذَلِكُمْ} التَّوبَةُ والقَتْلُ
{خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ} مِنَ الإصْرَارِ على المَعصِيَةِ.
{فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ} الْمِفضَالُ بقَبُولِ التَّوبَةِ وإنْ كَثُرَت
{الرَّحِيمُ (54)} يَعفُو الحَوبَةَ (أي الإثم) وإنْ كَبُرَت.
والفَاءُ الأُولَى لِلتَّسبِيْبِ لأنّ الظُّلْمَ سَبَبُ التّوبَةِ ، والثّانِيَةُ لِلتّعقِيبِ لأنّ المعنى فَاعْزِمُوا على التَّوبَةِ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُم إذِ اللهُ تَعالى جَعَلَ تَوبَتَهُم قَتْلَ أَنفُسِهِم ، والثّالثَةُ مُتَعلّقَةٌ بشَرْطٍ مَحذُوفٍ كأنّهُ قالَ فإنْ فعَلتُم فقَدْ تَابَ علَيكُم.
{وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} عِيَانًا ،
{فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ} أي الموتُ. قِيلَ : هِيَ نَارٌ جَاءَت مِنَ السّمَاءِ فأَحْرَقَتْهُم.
رُوِيَ أنّ السَّبعِينَ الذينَ كَانُوا معَ مُوسَى علَيهِ السَّلامُ عِندَ الانطِلاقِ إلى الجَبَلِ قَالُوا لهُ : نَحنُ لم نَعبُدِ العِجْلَ كَمَا عَبَدَه هؤلاءِ فأَرِنَا اللهَ جَهْرَةً.
فقَالَ مُوسَى : سَأَلتُه ذلكَ فأَبَاهُ عَلَيَّ.
فقَالُوا : إنّكَ رأَيتَ اللهَ تَعالى فلَنْ نُؤمِنَ لَكَ حَتى نَرَى اللهَ جَهْرَةً.
فَبَعَثَ اللهُ عَلَيهِم صَاعِقَةً فَأَحْرَقَتْهُم.
وتَعَلَّقَتِ المعتَزِلَةُ بهذهِ الآيةِ في نَفيِ الرّؤيَةِ لأنَّهُ لَو كَانَ جَائزَ الرُّؤيَةِ لَمَا عُذّبُوا بسُؤالِ مَا هوَ جَائزُ الثّبُوتِ.
قُلنَا : إنّما عُوقِبُوا بكُفرِهم لأنَّ قَولَهم : إنَّكَ رأَيتَ اللهَ فلَن نُؤمِنَ لَكَ حَتى نَرَى اللهَ جَهْرَةً كُفْرٌ مِنهُم.
ولأنَّهم امْتَنَعُوا عن الإيمانِ بموسَى بَعدَ ظُهُورِ مُعجِزَتِه حتى يَرَوا رَبَّهم جَهْرَةً ، والإيمانُ بالأنبِيَاءِ واجِبٌ بَعدَ ظُهُورِ مُعجِزَاتِهم ولا يَجُوزُ اقْتِراحُ الآيَاتِ عَلَيهِم. (أيْ بَعدَ ثُبُوتِ الْمُعجِزَةِ مَعنَاهُ الْمُعجِزَةُ الأُولَى تَكفِي أمّا لِزِيَادَةِ اليَقِينِ فَيَجُوزُ كمَا طَلَبَ أَصْحَابُ سَيّدِنا عِيسَى مِنهُ نُزُولَ المائِدَةِ ليسَ على وَجْهِ عَدَمِ الاكتِفَاءِ بالأولى، بَعدَ أن يُثبِتَ النَّبيُّ مُعجِزَةً لَيسَ لِلنّاسِ أنْ يَطْلُبُوا مِنهُ غَيرَها أمّا لِلأُولى فِلَأَنَّ النُّبُوَّةَ قَدْ يَدَّعِيْهَا كَذّابٌ لِمَجَرَّدِ دَعْوَاهُ لا يُصَدَّقُ)
ولأنّهم لم يَسأَلُوا سؤالَ اسْتِرشَادٍ بَل سُؤالَ تَعَنُّتٍ وعِنَادٍ.
{وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55)} إليهَا حِينَ نَزَلَت.
https://www.islam.ms/ar/?p=482