تفسير سورة البقرة آية 255
اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ
255 - اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ («اللَّهُ» عَلَمٌ لِلذَّاتِ الْمُقَدَّسِ الْمُسْتَحِقِّ لِنِهَايَةِ التَّعْظِيمِ وَغَايَةِ الْخُضُوعِ والإِلَهُ مَنْ لَهُ الإِلَهِيَّةُ وَهِيَ الْقُدْرَةُ عَلَى الِاخْتِرَاعِ أَيْ إِبْرَازِ الْمَعْدُومِ إِلَى الْوُجُودِ وقالَ الْفَيُّومِيُّ اللُّغَوِيُّ [وَهُوَ فَقِيهٌ] فِي كِتَابِهِ الْمِصْبَاحُ الْمُنِيرُ: "الإِلَهُ الْمَعْبُودُ وَهُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ثُمَّ اسْتَعَارَهُ الْمُشْرِكُونَ لِمَا عَبَدُوهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى" اهـ، وَأَمَّا الْمُبَرِّدُ فَقَالَ: "الإِلَهُ مَنْ لَهُ الإِلَهِيَّةُ، وَالإِلَهِيَّةُ قُدْرَةُ الإِبْدَاعِ وَالاِخْتِرَاعِ" اهـ. فَلا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ الإِلَهُ هُوَ مَنْ يُعْبَدُ بِحَقٍّ أَوْ بِبَاطِلٍ. وَقَدْ عَدَّ الإِمَامُ أَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ الإِلَهَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ. وَكُلُّ هَذَا حُجَّةٌ عَلَى هَؤُلاءِ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ الإِلَهَ مَعْنَاهُ الْمَعْبُودُ إِنْ كَانَ بِحَقٍّ أَوْ بِبَاطِلٍ.)
وَهُوَ اللَّهُ الْحَيُّ الْبَاقِي الَّذِي لَا سَبِيلَ عَلَيْهِ لِلْفَنَاءِ. الْقَيُّومُ (ومعنى القَيُّوم الدّائمُ الذي لا يَزُولُ)، الدَّائِمُ الْقِيَامِ بِتَدْبِيرِ الْخَلْقِ، وَحِفْظِهِ. لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ نُعَاسٌ، وَهُوَ: مَا يَتَقَدَّمُ النَّوْمَ مِنَ الْفُتُورِ. وَلا نَوْمٌ عَنِ الْمُفَضَّلِ: السِّنَةُ: ثِقَلٌ فِي الرَّأْسِ، وَالنُّعَاسُ: فِي الْعَيْنِ، وَالنَّوْمُ: فِي الْقَلْبِ. وَهُوَ تَأْكِيدٌ لِلْقَيُّومِ ؛ لِأَنَّ مَنْ جَازَ عَلَيْهِ ذَلِكَ اسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ قَيُّومًا، وَقَدْ أَوْحَى إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: قُلْ لِهَؤُلَاءِ: إِنِّي أُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقُدْرَتِي، فَلَوْ أَخَذَنِي نَوْمٌ أَوْ نُعَاسٌ لَزَالَتَا.
لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مُلْكًا وَمِلْكًا
مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَشْفَعَ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَهُوَ بَيَانٌ لِمَلَكُوتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ، وَأَنَّ أَحَدًا لَا يَتَمَالَكُ أَنْ يَتَكَلَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا إِذَا أُذِنَ لَهُ فِي الْكَلَامِ. وَفِيهِ رَدٌّ لِزَعْمِ الْكُفَّارِ أَنَّ الْأَصْنَامَ تَشْفَعُ لَهُمْ.
يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مَا كَانَ قَبْلَهُمْ وَمَا يَكُونُ بَعْدَهُمْ. وَالضَّمِيرُ لِمَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ؛ لِأَنَّ فِيهِمُ الْعُقَلَاءَ.
وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ مِنْ مَعْلُومِهِ، يُقَالُ: فِي الدُّعَاءِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ عِلْمَكَ فِينَا، أَيْ: مَعْلُومُكَ. إِلا بِمَا شَاءَ إِلَّا بِمَا عَلِمَ. ("وَلا يُحِيطُونَ بِشَىْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ" فَمَعْنَاهُ أَنَّ أَهْلَ السَّمَوَاتِ وَهُمُ الْمَلائِكَةُ وَأَهْلَ الأَرْضِ مِنْ أَنْبِيَاءَ وَأَوْلِيَاءَ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِمْ لا يُحِيطُونَ بِشَىْءٍ مِنْ عِلْمِهِ أَيْ مَعْلُومِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ أَيْ إِلَّا بِالْقَدْرِ الَّذِي شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَعْلَمُوهُ، هَذَا الَّذِي يُحِيطُونَ بِهِ.)
وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ. السّمَاواتُ السَّبعُ والأرَضُونَ السَّبعُ كُلُّ واحِدَة ٍ بإزاءِ الأخرَى لَكَانَ الكُرسِيُّ أَوسعَ مِنهَا. رَوى ابنُ حِبّانَ أنّ رَسُولَ الله صلّى الله عليه وسلم قال: "مَا السّمَاواتُ السَّبعُ في جَنْبِ الكُرسيّ إلا كَحلْقَة مُلْقَاة في فَلاةٍ مِنَ الأر ، وفَضْلُ العَرش ِعلى الكُرسِيّ كفَضْلِ الفَلاةِ على الحَلْقَة". وسُمّي الكُرسِيُّ كُرسِيًّا لأنّهُ بالنّسبَة ِ للعَرشِ كالكُرسيّ الذي يَرتَقِيْهِ الشّخصُ للصُّعُودِ إلى السَّرِير ، ولا يَصِحُّ تَفسِيرُ الكُرسيّ بالعِلْم لأنّ ذَلكَ خَطأٌ في اللُّغَة. وأمّا العَرش فَهو سَريرٌ لهُ أربَع قوائِم ، وهوَ أكبَرُ جِسم خلَقَه اللهُ تعالى وهو سَقفُ الجنّة. والحكمَة مِن خَلق العرش والكُرسيّ إظهَارُ قُدرَة الله تعالى ، فقَد ذكرَ الإمام عبدُ القاهِر بنُ طاهر البغداديُّ في كتاب أصول الدِّين عن عليّ بنِ أبي طالب أنّه قال: "إنّ اللهَ خَلَق العرشَ إظهارًا لقُدرتهِ ولم يتَخِذْهُ مكَانًا لذَاتِهِ".
والكَراسِيُّ العُلَماءُ ، وسُمِّيَ العِلمُ كُرسِيًّا تَسمِيَةً بمَكَانِه الذي هوَ كُرسِيُّ العَالِم وهوَ كقَوله تعالى : { رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَىْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا }، أو مُلكُه تَسمِيَةً بمَكَانِه الذي هُوَ كُرسِيُّ الْمُلكِ، أو عَرشُه كَذا عن الحَسَن ، أو هوَ سَرِيرٌ دُونَ العَرشِ، في الحديث : "مَا السّماواتُ السَّبعُ في الكُرسيّ إلا كحَلْقَةٍ مُلقَاةٍ بفَلاةٍ وفَضلُ العَرشِ على الكُرسيّ كفَضلِ الفَلاةِ على تِلكَ الحَلْقَة" رواه ابن جرير، أَوْ قُدْرَتُهُ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَلا يَئُودُهُ وَلَا يُثْقِلُهُ، وَلَا يَشُقُّ عَلَيْهِ.
وسُمّي الكُرسِيُّ كُرسِيًّا لأنّهُ بالنّسبَة ِ للعَرشِ كالكُرسيّ الذي يَرتَقِيْهِ الشّخصُ للصُّعُودِ إلى السَّرِير ، ولا يَصِحُّ تَفسِيرُ الكُرسيّ بالعِلْم لأنّ ذَلكَ خَطأٌ في اللُّغَة. وأمّا العَرش ُ فَهو سَريرٌ لهُ أربَع ُ قوائِم ، وهوَ أكبَرُ جِسم خلَقَه اللهُ تعالى وهو سَقفُ الجنّة. والحكمَة مِن خَلق العرش والكُرسيّ إظهَارُ قُدرَة الله تعالى ، فقَد ذكرَ الإمام عبدُ القاهِر بنُ طاهر البغداديُّ في كتاب أصول الدِّين عن عليّ بنِ أبي طالب أنّه قال: "إنّ اللهَ خَلَق العرشَ إظهارًا لقُدرتهِ ولم يتَخِذْهُ مكَانًا لذَاتِهِ".
{وَلا يَؤودُهُ} ولا يُثقِلُه ولا يَشُقُّ علَيهِ {حِفْظُهُمَا} حِفظُ السّمَواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ فِي مُلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ، الْعَظِيمُ فِي عِزِّهِ وَجَلَالِهِ، أَوْ الْعَلِيُّ الْمُتَعَالِي عَنِ الصِّفَاتِ الَّتِي لَا تَلِيقُ بِهِ، الْعَظِيمُ الْمُتَّصِفُ بِالصِّفَاتِ الَّتِي تَلِيقُ بِهِ، فَهُمَا جَامِعَانِ لِكَمَالِ التَّوْحِيدِ، (الْعَلِىُّ مَعْنَاهُ عَلِىُّ الْقَدْرِ رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ مُسْتَقِرٌّ عَلَى الْعَرْشِ الَّذِى هُوَ مِنَ الْعَالَمِ الْعُلْوِىِّ وَلا عَلَى الْكُرْسِىِّ الَّذِى هُوَ جِرْمٌ عَظِيمٌ تَحْتَ الْعَرْشِ. لِأَنَّ عُلُوَّ الْجِهَةِ مُسْتَحِيلٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مِنْ صِفَاتِ الْخَلْقِ. قال القرطبي في تفسيره عند قولِه تعالى وهوَ العَلِيّ: والعَلِيُّ [أي مِن أسماءِ اللهِ تعالى] يُرَادُ بهِ عُلُوّ القَدْر والمنزِلَة لا عُلُوَّ المكانِ لأنَّ اللهَ مُنَزَّهٌ عن التّحَيُّزِ. والعَلِيُّ والعَالي القَاهِرُ الغَالِبُ للأشياء)
وَإِنَّمَا تَرَتَّبَتِ الْجُمَلُ فِي آيَةِ الْكُرْسِيِّ بِلَا حَرْفِ عَطْفٍ ؛ لِأَنَّهَا وَرَدَتْ عَلَى سَبِيلِ الْبَيَانِ، فَالْأُولَى: بَيَانٌ لِقِيَامِهِ بِتَدْبِيرِ الْخَلْقِ، وَكَوْنِهِ مُهَيْمِنًا عَلَيْهِ غَيْرَ سَاهٍ عَنْهُ. وَالثَّانِيَةُ: لِكَوْنِهِ مَالِكًا لِمَا يُدَبِّرُهُ. وَالثَّالِثَةُ: لِكِبْرِيَاءِ شَأْنِهِ. وَالرَّابِعَةُ: لِإِحَاطَتِهِ بِأَحْوَالِ الْخَلْقِ. وَالْخَامِسَةُ: لِسَعَةِ عِلْمِهِ، وَتَعَلُّقِهِ بِالْمَعْلُومَاتِ كُلِّهَا، أَوْ لِجَلَالِهِ، وَعِظَمِ قَدْرِهِ.
وَإِنَّمَا فُضِّلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ حَتَّى وَرَدَ فَى فَضْلِهَا مَا وَرَدَ، مِنْهُ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ -رِضَى اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إِلَّا الْمَوْتُ".
وَقَالَ: "مَا قُرِئَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي دَارٍ إِلَّا هَجَرَتْهَا الشَّيَاطِينُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَلَا يَدْخُلُهَا سَاحِرٌ وَلَا سَاحِرَةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً". وَقَالَ: "مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ عِنْدَ مَنَامِهِ بُعِثَ إِلَيْهِ مَلَكٌ يَحْرُسُهُ حَتَّى يُصْبِحَ". وَقَالَ: "مَنْ قَرَأَ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ حِينَ يُمْسِي حُفِظَ بِهِمَا حَتَّى يُصْبِحَ، وَإِنْ قَرَأَهُمَا حِينَ يُصْبِحُ حُفِظَ بِهِمَا حَتَّى يُمْسِيَ، آيَةُ الْكُرْسِيِّ وَأَوَّلُ حَمِ الْمُؤْمِنُ إِلَى إِلَيْهِ الْمَصِيرُ "؛ لِاشْتِمَالِهِمَا عَلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَعْظِيمِهِ، وَتَمْجِيدِهِ، وَصِفَاتِهِ الْعُظْمَى، وَلَا مَذْكُورَ أَعْظَمُ مِنْ رَبِّ الْعِزَّةِ، فَمَا كَانَ ذِكْرًا لَهُ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ سَائِرِ الْأَذْكَارِ. وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ أَشْرَفَ الْعُلُومِ عِلْمُ التَّوْحِيدِ.
("آيةُ الكُرسيّ سَيّدَةُ آيِ القُرآن". عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سورةُ البقَرة فيها آيةٌ سَيّدَةُ آيِ القُرآن لا تُقرأ في بيتٍ وفيهِ شَيطَانٌ إلا خرَج منهُ آيةُ الكرسيّ"رواه الحاكم والترمذي والبيهقي وأخرج البخاري عن أبي هريرة في قِصّةِ الصّدَقَةِ أنّ الجِنّيَّ قالَ لهُ: إذَا أوَيتَ إلى فِراشِكَ فَاقرأ آيةَ الكُرسيّ فإنّكَ لَن يَزالَ علَيكَ مِن اللهِ حَافِظٌ ولا يَقرَبَك شَيطانٌ حتى تُصبِحَ" فقال النّبي صلى الله عليه وسلم "أمَا إنّه صَدَقَكَ وهوَ كَذُوب")
https://www.islam.ms/ar/?p=1112