تفسير سورة البقرة من آية 125 إلى 126
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
من تفسير الإمام النسفي (ت 710 هـ) مدارك التنزيل وحقائق التأويل:
{وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ} أيِ الكَعْبَةَ، وهوَ اسْمٌ غَالِبٌ لَها كالنَّجْمِ لِلثُّرَيّا
{مَثَابَةً لِّلنَّاسِ} مبَاءَةً ومَرجِعًا للحُجَّاجِ والعُمّارِ يتَفَرَّقُونَ عَنهُ ثم يَثُوبُونَ إلَيهِ
{وَأَمْنًا} ومَوضِعَ أَمْنٍ فَإنَّ الجَانيَ يَأوِي إلَيهِ فَلا يُتَعرَّضُ لهُ حتى يَخرُجَ، (وهوَ دَلِيلٌ لَنَا في الْمُلتَجِىء إلى الحَرَم.)
{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} وقُلنَا اتَّخِذُوا مِنهُ مَوضِعَ صَلاةٍ تُصَلُّونَ فِيهِ.
وعَنهُ علَيهِ السَّلامُ أنَّهُ أَخَذَ بِيَدِ عُمرَ فقَالَ " هَذا مَقَامُ إبراهِيمَ " رواه أبو نُعَيم. فقَالَ عُمَرُ "أَفَلَا نَتَّخِذُه مُصَلَّى" فقَال علَيهِ السَّلامُ " لم أُؤمَرْ بذَلِكَ ". فَلَم تَغِبِ الشَّمسُ حَتّى نزَلَتْ.
وقِيلَ: مُصَلًّى مُدَّعًى، ومَقَامُ إبرَاهِيمَ الحَجَرُ الذي فيهِ أثَرُ قَدَمَيْهِ.
(وقِيلَ: الحَرَمُ كُلُّهُ مَقَامُ إبرَاهِيمَ.)
واتَّخَذُوا شَاميٌّ ونَافِعٌ بلَفظِ الماضي عَطفًا على جَعَلْنَا أي واتّخَذَ النّاسُ مِن مَكَانِ إبراهِيمَ الذي وُسِمَ بهِ لاهتِمَامِه بهِ وإسكَانِ ذُرّيّتِه عِندَهُ قِبْلَةٌ يُصَلُّونَ إلَيهَا
{وَعَهِدْنَآ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ} أمَرنَاهُما
{أَنْ طَهِّرَا بَيْتِىَ} أيْ بأَنْ طَهِّرَا، أو أيْ طَهِّرَا، والمعنَى طَهِّرَاهُ مِنَ الأوثَانِ والخَبائِثِ والأنْجَاسِ كُلِّهَا
{لِلطَّآئِفِينَ} لِلدَّائِرِينَ حَولَهُ
{وَالْعَاكِفِينَ} المجَاوِرِينَ الذينَ عَكَفُوا عِندَهُ أي أقَامُوا لا يَبْرَحُونَ، أو المعتَكِفِينَ.
وقِيلَ: لِلطَّائِفِينَ لِلنُّزَّاعِ إلَيهِ مِنَ البِلَادِ، والعَاكِفِينَ والْمُقِيمِينَ مِن أَهلِ مَكَّةَ.
{وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125] والْمُصَلِّينَ جَمْعَا رَاكِعٍ وسَاجِدٍ.
{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا} أي اجْعَلْ هَذَا البَلَدَ أو هذَا المكَانَ {بَلَدًا ءَامِنًا} ذَا أَمْنٍ كعِيْشَةٍ رَاضِيَةٍ أو آمِنًا مَنْ فِيهِ .
{وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ} لأَنَّهُ لَم يَكُن لَهم ثَمرَةٌ. ثمّ أُبدِلَ
{مَنْ ءَامَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} مِنْ أَهْلِهِ بدَلَ البَعْضِ مِنَ الكُلِّ أيْ وارْزُقِ المؤمنِينَ مِن أَهْلِه خَاصَّةً. قَاسَ الرِّزْقَ على الإمَامَةِ فَخَصَّ المؤمنِينَ بهِ. قالَ اللهُ تَعَالى جَوابًا لهُ
{وَمَنْ كَفَرَ} أي وَأرْزُقْ مَنْ كَفَرَ
{فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا} تَمتِيعًا قَلِيلًا أو زَمَانًا قَلِيلًا إلى حِينِ أَجَلِهِ.
{ثُمَّ أَضْطَرُّهُ} أُلجِئُهُ
{إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [البقرة: 126] المرجِعُ الذي يَصِيرُ إلَيهِ النّارُ فَالْمَخصُوصُ بالذَّمِّ مَحذُوفٌ.
https://www.islam.ms/ar/?p=529