الإيمانُ باليومِ الآخر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد الأمين وبعد،
قولهُ عليهِ الصلاةُ والسلام في حديث جبريل الطويل : "الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليومِ الآخر" ....الحديث، اليوم الآخر هو يوم القيامة ويكونُ ابتداؤهُ من حينِ ينفخُ إسرافيلُ في الصور فيموتُ الأحياء من الإنسِ والجن والملائكة سوى من استُثني من الملائكةِ كحملة العرش وخازنة الجنة وخازنة النار ، كذلك حور العين والولدان المخلدون لا يموتون لأنهم في الجنة فوق السموات السبع ، ويومُ القيامةِ مقداره خمسونَ ألف سنة وهي خمسونَ موقفاً للحسابِ كلُ موقفٍ ألفُ سنة قالَ اللهُ تعالى: ﴿في يومٍ كانَ مقدارهُ خمسينَ ألف سنة﴾ وقد وردَ في الحديثِ الصحيح أن هذه السنين تكون على المؤمن التقي كأقلّ من وقت الصلاة المكتوبة وفي روايةٍ كتدلي الشمس لغروبها. وحسابُ الناسِ سيكونُ على الأرض المبدلة قال الله تعالى: ﴿يوم تبدلُ الأرض غيرَ الأرضِ﴾.
والقيامةُ لها علاماتٌ صغرى وعلاماتٌ كبرى ومن العلاماتِ الصغرى التطاولُ في البنيانِ من قبلِ الحُفاةِ العراةِ الفقراءِ الذينَ يرعونَ الغنمَ وقد حصلَ ذلك ، وتقاربُ الأسواقِ وقد حصلَ ذلك وكثرةُ الزلازلِ وكثرةُ القتلِ بلا سبب وكثرةُ شربِ الخمرِ وكثرةُ الزنى وكثرةُ الاستماعِ للموسيقى من آلات اللهو المحرمة وقد حصلَ ذلك ، وظهورُ النساءِ اللاتي يلبسنَ الثياب التي تظهرُ العورةَ بكثرة مع إمالتهنَ الرجالَ للزنى وقد حصلَ ذلك ، وءاخرُ العلاماتِ الصغرى ظهورُ المهديّ روى الترمذي وأبو داوود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "لا تقومُ الساعة حتى يملكَ رجلٌ من أهل بيتي يواطئ اسمهُ اسمي واسمُ أبيهِ اسم أبي يملأ الأرضَ قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجَوْراً " ، معناهُ : أن من علامات الساعة أن تمتلأ الأرضُ بالظلمِ والجَورِ وقد حصلَ ذلك ، ثم يظهرُ رجلٌ من أهل بيت الرسول اسمهُ محمدُ بن عبد الله مدنيٌ هو ووالداهُ اسمهُ عبد الله يخرجُ من المدينة المنورة إلى مكة حيثُ يبايعهُ ثلاثمائةٍ وثلاثةَ عشرَ ولياً ثمَ يذهبُ إلى برِ الشام ويعيشُ هناك ويحكمُ في الأرضِ بالعدلِ وورد في الأثر أنه يكونُ فوق رأسه ملكٌ يقول: أيها الناس هذا المهدي فاتبعوه وأنهُ حينَ ينزلُ سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام سيصلي المهدي فيه إماماً وذلك ليدل على أن عيسى المسيح يتبع شرع محمد صلى الله عليه وسلم. وتلي العلاماتِ الصغرى علاماتٌ كبرى منها ثلاثةُ خسوفٍ خسف في المشرقِ وخسف في المغربِ وخسف في جزيرةِ العرب ، ومنها ظهورُ الأعور الدجال ثم نزول المسيح ثم ظهور قوم يأجوجَ ومأجوج وهم كفارٌ من بني ءادم مخفيونَ في جهة من الأرض جعل ذو القرنينِ العبدُ الصالح بينهم وبين البشر سداً ورد في الحديثِ الصحيحِ أنهم كل يومٍ يأخذون منه قدراً فيبقى قدر ما يفتحُ في يومٍ واحد فيقولونَ غداً نتمهُ فيصبحون وقد عاد كما كان حتى يأتي اليومُ الذي شاء الله خروجهم فيه ويقولونَ غداً نتمهُ إن شاء الله فيصبحونَ ويفتحونهُ ويخرجون إلى الناس فيأكلونَ ما على وجه الأرض من الطعام الذي يمرونَ بهِ حتى إنهم يشربونَ بحيرة طبَرَيّا التي في فلسطينَ فيقولُ ءاخرُهم كان هنا ماء .
ومنها كما ذكرنا ظهورُ المسيح الدجال الموجود في جزيرةٍ في البحر قيدتهُ الملائكةُ بالسلاسل وهو كافرٌ يقولُ للناس أنا ربكم وهو أعور ويأمرُ الناس باتباعهِ على ذلك فيتبعهُ كثير لأن فتنتَهُ كبيرة يقولُ للأرضِ أخرجي نباتك فتخرج وللسماء أنزلي مطرك فتنزل وذلك ابتلاء من الله لعباده، قال عليه الصلاة والسلام : وإن معه ماءً وناراً فماؤهُ نارٌ ونارهُ ماء. ومنها كما ذكرنا نزول عيسى المسيح قال الله تعالى: ﴿وإنه لعلمٌ للساعةِ﴾ ، قال ابن عباس هو نزول المسيح عيسى وقد ورد في الحديثِ الصحيح أنه ينزل عند المنارة البيضاء شرقيّ دمشق على جناح ملكين وتوجدُ الآن منارة بيضاء شرقي دمشق في المطار وورد أنه يقتلُ المسيح الدجال عند باب لُدٍّ في فلسطين وأنه يدعو على يأجوج ومأجوج فيُبيدهم الله بتسليطِ دودٍ يدخلُ في رقابهم فيقتلهُم. وقد ورد أنه يعيش في الأرض أربعين عاماً وأنه سيتزوج وورد عن كعب الأحبار أنه سيدفن بجوار سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في حجرة السيدة عائشة المباركة.
ومنها نزولُ دُخَانٍ من السماء يغشى الناس فيصيبهم مثلُ الزكام.
ومن آخر العلامات الكبرى خروجُ دابةِ الأرض وهي دابةٌ عظيمةٌ تخرج من جبل الصفا لها خرطوم تَسِمُ المؤمن بعلامةٍ والكافر بعلامة فلا يتغير ذلك.
ومنها طلوع الشمس من مغربها وغروبها في المشرق ثلاثةَ أيام.
ومنها نارٌ تخرجُ من عدن في اليمن تسوقُ الناس إلى بر الشام وبرُّ الشامِ مِساحةٌ كبيرة من العريشِ إلى بالس في جهة العراق ويشملُ ذلك الأردن وفلسطين ولبنان وسوريا .
وتنتهي هذه العلامات كلها ببدء يوم القيامة وهو منذ النفخة الأولى في الصور حتى استقرار أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار ، فإن إسرافيل عليه السلام ينفخ في الصور فتموت الخلائق حتى هو يموت عزرائيل يقبضه ثم الله تعالى يقبض عزرائيل فيموت ملك الموت ثم يحيي الله إسرافيل فينفخ في الصور النفخة الثانية فتعاد تركيب الأجسام وتعود الأرواح إلى الأجسام فهذا هو الْبَعْثُ وَهُوَ خُرُوجُ الْمَوْتَى مِنَ الْقُبُورِ بَعْدَ إِحْيَائِهِمْ بِإِعَادَةِ الأَجْسَادِ وَإِعَادَةِ الأَرْوَاحِ إِلَيْهَا ، وأول من يبعث الأنبياء وأهل المدينة وأهل الطائف، فأما المؤمن التقي فيبعث كاسياً راكباً معززاً مكرماً وأما الكافر فيبعث عارياً جائعاً حافياً تجره الملائكة على وجهه ، البهائم عندما تبعث تنتقم من بعضها ثم تتحول إلى تراب فعندما يرى الكافر ذلك يقول "يا ليتني كنت تراباً" أي يا ليتني كنت في الدنيا بهيمة وكانت هذه آخرتي ولم أكفر بالله.
ثم الْحَشْرُ وَهُوَ أَنْ يُجْمَعَ الْخَلْقُ وَيُسَاقُوا بَعْدَ بَعْثِهِمْ إِلَى الْمَحْشَرِ وكل واحد يحشر خلف إمامه أي من كان يتبعه في الدنيا، ثم الْحِسَابُ بعَرْضِ أَعْمَالِ الْعِبَادِ عَلَيْهِمْ فحساب الأنبياء يكون بإظهار شرفهم عند الله وحساب الأتقياء يكون يسيراً بإظهار طاعتهم وعلمهم وحساب المسلم الفاسق الذي كان يغشى الكبائر ومات من دون توبة ولم يعف عنه الله يكون بمناقشته فقد قال صلى الله عليه وسلم: "من نوقش الحساب عذب"، وحساب الكافر يكون عسيراً، وكل الإنس والجن في الآخرة يسمعون كلام الله الذي هو ليس حرفاً ولا صوتاً ولا لغةً، يسمعون كلامه الذي هو صفة له فكلام الله أزلي أبدي ككل صفاته، لا يبدأ ولا ينتهي ولا يتقطع كما يتقطع كلامنا، الله تعالى قال في القرءان أنه أسرع الحاسبين فلو كان كلام الله ومحاسبته للخلق بالحرف والصوت لما كان أسرع الحاسبين بل لكان أبطأ الحاسبين، الله تعالى يفرغ من محاسبة الخلق في وقت يسير، فأما المؤمن التقي فيفهم من كلام الله حسن الخاتمة فيحصل عنده سرور عظيم وأما الكافر فيفهم من كلام الله سوء الخاتمة فيزيد همه هماً ورعبه رعباً وكربه كرباً، وَالْمِيزَانُ الَّذِي تُوزَنُ عَلَيهِ أَعْمَالُ الْعِبَادِ فأما الذي مات على الكفر فليس لديه حسنات فالكفة التي توضع عليها الحسنات تكون فارغة، ثم عبور الصِّرَاط وَهُوَ جِسْرٌ يُمَدُّ عَلَى ظَهْرِ جَهَنَّمَ فَيَرِدُهُ النَّاسُ جَمِيعًا فَمِنْهُمْ مَنْ يَنْجُو فيعبر الصراط طائراً أو ماشياً أو يحبو حبواً وَمِنْهُمْ مَنْ يَقَعُ فِيهَا ومنهم من يقع فتلمه كلاليب الصراط وترجعه إلى الصراط فلا يقع في النار، كل واحد يجري به عمله، ثم الْحَوْضُ وَهُوَ مَكَانٌ أَعَدَّ اللَّهُ فِيهِ شَرَابًا لأَهْلِ الْجَنَّةِ يَشْرَبُونَ مِنْهُ قَبْلَ دُخُولِ الْجَنَّةِ فَلا يُصِيبُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ ظَمَأٌ، وكل نبي له حوض وحوض نبينا صلى الله عليه وسلم أكبر الأحواض، النبي صلى الله عليه وسلم لا يسمح لأحد من غير أمته أن يشرب من حوضه.
تنبيهٌ مهم: يجبُ اعتقادُ أن الله تعالى ليس حجماً فلا يكونُ بينهُ وبينَ شئ من خلقه مقابلة لأن المقابلة إنما تكون بين الجِرمين أي الجسمين الموجودينِ في جهةٍ ومكان فحينَ نسمعُ قول النبي صلى الله عليه وسلم: « من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه » لا يجوز اعتقاد أن لقاء الله يكون بالمقابلة إنما معنى لقاء الله الموت ومعنى من أحب لقاء الله أن المؤمن التقي عند الموت يأتيه سيدنا عزرائيل فيقول له أبشر برحمة الله ورضوانه فيحبُ الموت وهذا التقي الله يحبه ومعنى الله يحبه الله يكرمهُ، أما الكافر فيأتيه سيدنا عزرائيل ملكُ الموت عند الموت فيقول له أبشر بعذاب الله وسخطه فيزداد كراهية للموت وهذا الكافرُ الله لا يحبهُ أي لا يكرمهُ فلا يجوزُ أن يقال الله يحبُ الكُلّ لأنه خلق الجميع قال الله تعالى: ﴿ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ﴾ [سورة آل عمران آية 32].
https://www.islam.ms/ar/?p=84