كتاب الاعتقاد للبيهقي باب القول في إثبات رؤية الله عز وجل في الآخرة بالأبصار
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وصلَّى الله على رسول الله وسلَّم وعلى ءاله وأصحابه الطيبين وبعد.
قال أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي (ت: 458هـ) :
باب القول في إثبات رؤية الله عز وجل في الآخرة بالأبصار قال الله عز وجل: (وجوه يومئذ) يعني: يوم القيامة، (ناضرة) يعني: مشرقة، (إلى ربها ناظرة)، وليس يخلو النظر من وجوه : إما أن يكون الله عز وجل عنى به نظر الاعتبار كقوله: (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت)، أو يكون عنى به نظر الانتظار كقوله: (ما ينظرون إلا صيحة واحدة)، أو يكون عنى به نظر التعطف والرحمة كقوله: (لا ينظر الله إليهم)، أو يكون عنى الرؤية كقوله: (ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت)، ولا يجوز أن يكون الله سبحانه عنى بقوله: (إلى ربها ناظرة) نظر التفكر والاعتبار ؛ لأن الآخرة ليست بدار استدلال واعتبار، وإنما هي دار اضطرار، ولا يجوز أن يكون عنى نظر الانتظار ؛ لأنه ليس في شيء من أمر الجنة انتظار ؛ لأن الانتظار معه تنغيص وتكدير، والآية خرجت مخرج البشارة، وأهل الجنة فيما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر من العيش السليم والنعيم المقيم، فهم ممكنون مما أرادوا وقادرون عليه، وإذا خطر ببالهم شيء أتوا به مع خطوره ببالهم، وإذا كان كذلك لم يجز أن يكون الله أراد بقوله : (إلى ربها ناظرة) نظر الانتظار ؛ ولأن النظر إذا ذكر مع ذكر الوجوه فمعناه : نظر العينين اللتين في الوجه كما قال تعالى : (قد نرى تقلب وجهك في السماء)، وأراد بذلك تقلب عينيه نحو السماء ؛ ولأنه قال : (إلى ربها ناظرة)، ونظر الانتظار لا يكون مقرونا بـ «إلى» لأنه لا يجوز عند العرب أن يقولوا في نظر الانتظار : «إلى»، ألا ترى أن الله عز وجل لما قال : (ما ينظرون إلا صيحة واحدة) لم يقل : «إلى» ؛ إذ كان معناه الانتظار، وقالت بلقيس فيما أخبر الله عنها (فناظرة بم يرجع المرسلون)، فلما أرادت الانتظار لم تقل : «إلى». قلنا : ولا يجوز أن يكون الله سبحانه أراد نظر التعطف والرحمة ؛ لأن الخلق لا يجوز أن يتعطفوا على خالقهم، فإذا فسدت هذه الأقسام الثلاثة صح القسم الرابع من أقسام النظر، وهو أن معنى قوله : (إلى ربها ناظرة) أنها رائية ترى الله عز وجل، ولا يجوز أن يكون معناه : إلى ثواب ربها ناظرة ؛ لأن ثواب الله غير الله، وإنما قال الله عز وجل : (إلى ربها)، ولم يقل : إلى غير ربها ناظرة، والقرآن على ظاهره وليس لنا أن نزيله عن ظاهره إلا بحجة، ألا ترى أنه لما قال : (فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون)، لم يجز أن يقال : أراد ملائكتي أو رسلي، ثم نقول: إن جاز لكم أن تدعوا هذا في قوله : (إلى ربها ناظرة) جاز لغيركم أن يدعيه في قوله : (لا تدركه الأبصار)، فيقول : أراد بها : لا تدرك غيره، ولم يرد أنها لا تدركه الأبصار، وإذا لم يجز ذلك لم يجز هذا، ولا حجة لهم في قوله : (لا تدركه الأبصار)، فإنه إنما أراد به : لا تدركه أبصار المؤمنين في الدنيا دون الآخرة، ولا تدركه أبصار الكافرين مطلقا، كما قال : (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون). فلما عاقب الكفار بحجبهم عن رؤيته دل على أنه يثيب المؤمنين برفع الحجاب لهم عن أعينهم حتى يروه،
ولما قال في وجوه المؤمنين : (وجوه يومئذ)، فقيدها بيوم القيامة ووصفها، فقال: (ناضرة) ثم أثبت لها الرؤية فقال : (إلى ربها ناظرة)، علمنا أن الآية الأخرى في نفيها عنهم في الدنيا دون الآخرة، وفي نفيها عن الوجوه الباسرة دون الوجوه الناضرة جمعا بين الآيتين حملا للمطلق من الكلام على المقيد منه، ثم قد قال بعض أصحابنا : إنما نفى عنه الإدراك دون الرؤية. والإدراك هو الإحاطة بالمرئي دون الرؤية، فالله يُرى ولا يُدرَك، كما يُعلَم ولا يُحاط به علما، ومما يدل على أن الله عز وجل يرى بالأبصار قول موسى الكليم عليه السلام (رب أرني أنظر إليك)، ولا يجوز أن يكون نبي من الأنبياء، قد ألبسه الله جلباب النبيين وعصمه مما عصم منه المرسلين، يسأل ربه ما يستحيل عليه، وإذا لم يجز ذلك على موسى عليه السلام فقد علمنا أنه لم يسأل ربه مستحيلا، وأن الرؤية جائزة على ربنا عز وجل، ومما يدل على ذلك قول الله عز وجل لموسى عليه السلام: (فإن استقر مكانه فسوف تراني)، فلما كان الله قادرا على أن يجعل الجبل مستقرا كان قادرا على الأمر الذي لو فعله لرآه موسى، فدل ذلك على أن الله قادر على أن يري نفسه عباده المؤمنين، وأنه جائز رؤيته، وقوله : (لن تراني) أراد به في الدنيا دون الآخرة بدليل ما مضى من الآية ؛ ولأن الله تعالى قال : (تحيتهم يوم يلقونه سلام)، واللقاء إذا أطلق على الحي السليم لم يكن إلا رؤية العين، وأهل هذه التحية لا آفة بهم ؛ ولأنه قال: (ولدينا مزيد)، وقال : (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة). وقد فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم المبين عن الله عز وجل، فمن بعده من الصحابة الذين أخذوا عنه، والتابعين الذين أخذوا عن الصحابة أن الزيادة في هذه الآية النظر إلى وجه الله تبارك وتعالى، وانتشر عنه وعنهم إثبات رؤية الله عز وجل في الآخرة بالأبصار، ونحن ذاكرون أقوال بعضهم على طريق الاختصار، فقد أفردنا لإثبات الرؤية كتابا، وبالله التوفيق
61 - أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن عمر بن برهان، وأبو الحسين بن بشران، في آخرين ببغداد قالوا : أنا إسماعيل بن محمد الصفار، ثنا الحسن بن عرفة، ثنا يزيد بن هارون، عن حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن صهيب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا دخل أهل الجنة الجنة نودوا : يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا لم تروه. قال : فيقولون : فما هو ألم يبيض وجوهنا ويزحزحنا عن النار ويدخلنا الجنة ؟ قال : فيكشف الحجاب فينظرون إليه، قال : فوالله ما أعطاهم الله عز وجل شيئا هو أحب إليهم منه. قال : ثم قرأ (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة). قال الأستاذ الإمام رحمه الله: ورواه هدبة بن خالد، عن حماد بن سلمة بإسناده ومعناه، إلا أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده ما أعطاهم شيئا هو أحب إليهم ولا أقر لأعينهم من النظر إلى وجه الله تبارك وتعالى. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو النضر الفقيه، ثنا محمد بن نصر المروزي، ثنا هدبة، ثنا حماد بن سلمة فذكره قال رحمه الله : وروينا عن أبي بن كعب، وكعب بن عجرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) قال: النظر إلى وجه الرحمن.
62 - أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو، ثنا أبو العباس الأصم، ثنا محمد بن الجهم، ثنا الفراء، حدثني أبو الأحوص، عن أبي إسحاق وأخبرنا أبو طاهر الفقيه، أنا أبو حامد بن بلال، ثنا أحمد بن منصور المروزي، ثنا عمر بن يونس، أنا محمد بن جابر، عن أبي إسحاق، عن عامر بن سعد، عن أبي بكر الصديق، رضي الله عنه في قوله (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) قال زيدوا النظر إلى ربهم وفي رواية أبي الأحوص قال: النظر إلى وجه الرب عز وجل، قال رضي الله عنه: تابعهما إسرائيل، عن أبي إسحاق وروينا هذا التفسير عن حذيفة بن اليمان وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهما
63 - أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا محمد بن إسحاق الصغاني، ثنا أبو الأشهب هوذة بن خليفة، حدثنا عوف، عن الحسن (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) قال: الجنة (وزيادة) قال: النظر إلى وجه الرب عز وجل. قال الأستاذ الإمام رحمه الله: وروينا عن سعيد بن المسيب، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وعبد الرحمن بن سابط، وقتادة، وغيرهم من التابعين معنى قول الحسن البصري في تفسيره الزيادة في هذه الآية بالنظر إلى وجه ربهم عز وجل.
64 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا محمد بن إسحاق، ثنا أبو نعيم، ثنا سلمة بن سابور، عن عطية، عن ابن عباس، (وجوه يومئذ ناضرة) يعني: حسنها (إلى ربها ناظرة) قال: نظرت إلى الخالق.
65 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أنا عبد الرحمن بن الحسن القاضي، ثنا إبراهيم بن الحسين، ثنا آدم بن أبي إياس، ثنا المبارك بن فضالة، عن الحسن في قوله عز وجل (وجوه يومئذ ناضرة) قال: حسنة، (إلى ربها ناظرة) قال: تنظر إلى ربها عز وجل حسنها الله بالنظر إليه، وحق لها أن تنضر وهي تنظر إلى ربها. قال رحمه الله: وروينا في ذلك، عن عكرمة وغيره من التابعين.
66 - وأخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد الحافظ، ثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ، ثنا يحيى بن محمد بن يحيى، ثنا مسدد، ثنا إسماعيل بن علية، ثنا أبو حيان، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما بارزا للناس فأتاه رجل فقال: يا رسول الله، ما الإيمان ؟ قال: الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتابه ولقائه ورسله، وتؤمن بالبعث الآخر، وذكر باقي الحديث قال الأستاذ الإمام رحمه الله: واللقاء المذكور في هذا الحديث هو لقاء الله عز وجل، فقد أفرد البعث بالذكر وقال في حديث دعاء التهجد: ووعدك حق ولقاؤك حق. وفي رواية أبي بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم: وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم. وفي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه في قصة الأنصار: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: اصبروا حتى تلقوا الله ورسوله. وفي الكتاب (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا).
67 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أنا أبو بكر الجراحي، ثنا يحيى بن ساسويه، ثنا عبد الكريم السكري، ثنا وهب بن زمعة، أخبرني علي بن الباشاني، قال: سألت عبد الله بن المبارك، عن قوله عز وجل (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا)، فقال عبد الله: من أراد النظر إلى وجه خالقه فليعمل عملا صالحا، ولا يخبر به أحدا.
68 - أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني، أنا أبو سعيد بن الأعرابي، ثنا الحسن بن محمد بن الصباح، ثنا وكيع بن الجراح، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن جرير بن عبد الله، قال: « كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال: أما إنكم ستعرضون على ربكم عز وجل فترونه كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا » وأخبرنا أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي، ثنا أبو العباس الأصم، حدثني أحمد بن يونس الضبي، ثنا يعلى بن عبيد، ثنا إسماعيل بن أبي خالد، فذكره بإسناده ومعناه، زاد عند قوله « وقبل غروبها » ثم قرأ (وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب). قال الشيخ الإمام أحمد رحمه الله: سمعت الشيخ الإمام أبا الطيب سهل بن محمد بن سليمان رحمه الله يقول فيما أملاه علينا في قوله: لا تضامون في رؤيته بضم التاء وتشديد الميم يريد لا تجتمعون لرؤيته من جهته، ولا يضم بعضكم إلى بعض لذلك فإنه عز وجل لا يرى في جهة كما يرى المخلوق في جهة ومعناه بفتح التاء لا تضامون لرؤيته مثل معناه بضمها، لا تضامون في رؤيته بالاجتماع في جهة وهو دون تشديد الميم من الضيم معناه: لا تظلمون في رؤيته برؤية بعضكم دون بعض وأنكم ترونه في جهاتكم كلها وهو يتعالى عن جهة، قال: والتشبيه برؤية القمر ليقين الرؤية دون تشبيه المرئي، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
69 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثني الحسين بن علي الدارمي، ثنا يحيى بن محمد بن صاعد، ثنا يوسف بن موسى، ثنا عاصم بن يوسف اليربوعي، ثنا أبو شهاب، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس، عن جرير، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنكم سترون ربكم عيانا.
70 - أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله بن بشران، ثنا أبو سهل بن زياد القطان، ثنا إبراهيم بن الهيثم البلدي، حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع، ثنا شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري، أخبرني سعيد بن المسيب، وعطاء بن يزيد الليثي أن أبا هريرة رضي الله عنه أخبرهما أن الناس قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل تمارون في رؤية القمر ليلة البدر وليس دونه سحاب ؟ قالوا : لا يا رسول الله، قال : «هل تمارون في الشمس ليس دونها سحاب» ؟ قالوا : لا يا رسول الله، قال : «فإنكم ترونه كذلك».
[قال صلى الله عليه وسلم: « إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر لا تَضامُّون في رؤيته » رواه مسلم، أي لا تشكّون في رؤيته كما لا تشكون في رؤية القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب. فالنبي صلى الله عليه وسلم شبه رؤيتنا لله من حيث عدم الشك برؤية القمر ليلة البدر، ولم يشبه الله تعالى بالقمر.
قال ابن منظور في كتابه لسان العرب: لا تَضامُّون في رؤيته، يعني رؤية الله عز وجل، أَي لا يَنْضَمُّ بعضُكم إلى بعضٍ، (لأنّ الله ليس في جهة ولا مكان) ويُروى: لا تُضامُّونَ، على صيغة ما لم يسم فاعله ويروى: تُضامُونَ، من الضَّيْم، وهو مذكور في موضعه ؛ قال ابن الأَثير: يروى هذا الحديث بالتشديد والتخفيف، فالتشديد معناه لا يَنْضَمُّ بعضكم إلى بعض وتَزْدحمون وقتَ النظر إليه، قال: ويجوز ضم التاء وفتحها على تُفاعَلون وتَفاعَلون، ومعنى التخفيف لا يَنالكم ضَيمٌ في رؤْيته فيراه بعضُكم دون بعض. والضَّيْمُ: الظُّلْم.]
71 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو زكريا يحيى بن إبراهيم بن محمد بن يحيى قالا، ثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب، ثنا محمد بن عبد الوهاب، أنا جعفر بن عون، أنا هشام بن سعد، ثنا زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، قال: قلنا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ قال: هل تمارون في رؤية الشمس في الظهيرة صحوا ليس فيها سحاب ؟ قال: قلنا: لا يا رسول الله قال: فهل تمارون في رؤية القمر ليلة البدر صحوا ليس فيه سحاب ؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال: ما تمارون في رؤيته يوم القيامة إلا كما تمارون في رؤية أحدهما قال الأستاذ الإمام رحمه الله: قوله تمارون: أصله تتمارون فأسقطت إحداهما وهو من المرية وهي الشك في الشيء والاختلاف فيه، يقول: ترون ربكم يوم القيامة بلا شك ولا مرية كما ترون الشمس والقمر في دار الدنيا بلا شك ولا مرية.
72 - أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، ثنا أبو الفضل محمد بن إبراهيم المزكي، ثنا أحمد بن سلمة، ثنا إسحاق بن إبراهيم، أنا عبد العزيز بن عبد الصمد العمي، ثنا أبو عمران الجوني، عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن» قال الأستاذ الإمام رضي الله عنه: قوله «رداء الكبرياء» هو ما يتصف به من إرادة احتجاب الأعين، عن رؤيته فإذا أراد إكرام أوليائه بها رفع ذلك الحجاب عن أعينهم بخلق الرؤية فيها ليروه بلا كيف، كما عرفوه بلا كيف، وقوله «في جنات عدن» يعني: والناظرون في جنات عدن «ولهذه الأخبار الصحيحة شواهد من حديث علي بن أبي طالب، وعمار بن ياسر، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن مسعود، وعبادة بن الصامت، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعدي بن حاتم، وأبي رزين العقيلي، وأنس بن مالك، وبريدة بن حصيب وغيرهم رضي الله عنهم، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال رضي الله عنه وروينا في إثبات الرؤية عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وحذيفة بن اليمان، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، وأبي موسى وغيرهم رضي الله عنهم، ولم يرو عن أحد منهم نفيها، ولو كانوا فيه مختلفين لنقل اختلافهم إلينا، وكما أنهم لما اختلفوا في الحلال والحرام والشرائع والأحكام نقل اختلافهم في ذلك إلينا، وكما أنهم لما اختلفوا في رؤيته بالأبصار في الدنيا نقل اختلافهم في ذلك إلينا فلما نقلت رؤية الله بالأبصار عنهم في الآخرة ولم ينقل عنهم في ذلك اختلاف يعني في الآخرة كما نقل عنهم فيها اختلاف في الدنيا علمنا أنهم كانوا على القول برؤية الله بالأبصار في الآخرة متفقين مجتمعين وبالله التوفيق
73 - أخبرنا أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي سمعت جعفر بن محمد بن الحارث، يقول: سمعت الحسن بن محمد بن بحر، يقول: سمعت المزني، يقول: سمعت ابن هرم القرشي، يقول: سمعت الشافعي، رحمه الله يقول في قول الله عز وجل (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) قال: فلما حجبهم في السخط كان هذا دليلا على أنهم يرونه في الرضا.
74 - وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، أنا علي بن عمر الحافظ قال: ذكر إسحاق الطحان المصري، ثنا سعيد بن أسد قال: قلت للشافعي رحمه الله: ما تقول في حديث الرؤية ؟ فقال لي: يا ابن أسد اقض علي حييت أو مت أن كل حديث يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني أقول به وإن لم يبلغني
https://www.islam.ms/ar/?p=85