الدليل على وجوب قضاء الصلاة لمن فاتته
سواء كان تفويته للصلاة بعذر أو بغير عذر يجب عليه قضاء تلك الصلوات ولا يجوز ترك قضائها إلا أنه في حال العذر لا يجب قضاء الصلاة على الفور بل يجوز له أن يؤخرها صلاتين أو ثلاث وأما في حال عدم العذر فيجب عليه القضاء الفوري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وصلَّى الله على رسول الله وسلَّم وعلى ءاله وأصحابه الطيبين وبعد.
الصلاة المكتوبة إما أن يفوّتها الشخص (أي ينتهي وقتها ولم يصلها) بعذر أو بغير عذر: فالعذر كالسفر أو النوم أو النسيان وغير ذلك ، أما ما لا يُعدُّ عذراً فكالتشاغل عنها بأمور دنيوية كالعمل أو التهاون بها أو مشاهدة التلفاز أو كشخص يترك الصلاة لسنوات،
وفي كلتا الحالتين أي سواء كان تفويته للصلاة بعذر أو بغير عذر يجب عليه قضاء تلك الصلوات ولا يجوز ترك قضائها إلا أنه في حال العذر لا يجب قضاء الصلاة على الفور بل يجوز له أن يؤخرها صلاتين أو ثلاث وأما في حال عدم العذر فيجب عليه القضاء الفوري أي عليه أن يباشر بالقضاء فوراً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها متى ما ذكرها ليس لها كفارة إلا ذلك" فإذا كان النبي أخبر عن الصلاة الفائتة بعذر - النوم والنسيان - حيث قال "لا كفارة لها إلا ذلك" أي إلا قضاءها ، فكيف بصلاة تركها الإنسان متعمداً
قَالَ الإمام الشِّيرازي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في وجوب قضاء الصلاة لمن فاتته :
(مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ فَلَمْ يُصَلِّ حَتَّى فَاتَ الْوَقْتُ لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا} وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْضِيَهَا عَلَى الْفَوْرِ لِلْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ ، فَإِنْ أَخَّرَهَا جَازَ لِمَا رُوِيَ : ”أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الصُّبْحِ فَلَمْ يُصَلِّهَا حَتَّى خَرَجَ مِنْ الْوَادِي “ وَلَوْ كَانَتْ عَلَى الْفَوْرِ لَمَا أَخَّرَهَا. وَقَالَ أَبُو إسْحَاقَ إنْ تَرَكَهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا عَلَى الْفَوْرِ ؛ لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ فِي التَّأْخِيرِ [وَإِنْ فَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ] وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْضِيَهَا عَلَى التَّرْتِيبِ، {لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاتَتْهُ أَرْبَعُ صَلَوَاتٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَقَضَاهَا عَلَى التَّرْتِيبِ} فَإِنْ قَضَاهَا مِنْ غَيْرِ تَرْتِيبٍ جَازَ لِأَنَّهُ تَرْتِيبٌ اُسْتُحِقَّ لِلْوَقْتِ فَسَقَطَ بِفَوَاتِ الْوَقْتِ كَقَضَاءِ الصَّوْمِ . وَإِنْ ذَكَرَ الْفَائِتَةَ وَقَدْ ضَاقَ وَقْتُ الْحَاضِرَةِ لَزِمَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِالْحَاضِرَةِ لِأَنَّ الْوَقْتَ تَعَيَّنَ لَهَا فَوَجَبَتْ الْبِدَايَةُ بِهَا ، كَمَا لَوْ حَضَرَهُ رَمَضَانُ وَعَلَيْهِ صَوْمُ رَمَضَانَ قَبْلَهُ وَلِأَنَّهُ إذَا أَخَّرَ الْحَاضِرَةَ فَاتَتْ فَوَجَبَتْ الْبِدَايَةُ بِهَا) .
قال الإمام النووي في المجموع شرح المهذب في وجوب قضاء الصلاة لمن فاتته :
مَنْ لَزِمَهُ صَلَاةٌ فَفَاتَتْهُ لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا سَوَاءٌ فَاتَتْ بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِهِ ، فَإِنْ كَانَ فَوَاتُهَا بِعُذْرٍ كَانَ قَضَاؤُهَا عَلَى التَّرَاخِي وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْضِيَهَا عَلَى الْفَوْرِ قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ : وَقِيلَ : يَجِبُ قَضَاؤُهَا حِينَ ذَكَرَ الْحَدِيثَ ، وَاَلَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ . وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَإِنْ فَوَّتَهَا بِلَا عُذْرٍ فَوَجْهَانِ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْرِ ، وَيَجُوزُ التَّأْخِيرُ كَمَا لَوْ فَاتَتْ بِعُذْرٍ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الخراسانيين أَنَّهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْرِ ، وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَاتٌ مِنْهُمْ أَوْ أَكْثَرُهُمْ . وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ بِتَرْكِهَا.
(فَرْعٌ) أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ الَّذِينَ يُعْتَدُّ بِهِمْ عَلَى أَنَّ مَنْ تَرَكَ صَلَاةً عَمْدًا لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا وَخَالَفَهُمْ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلِيٌّ بْنُ حَزْمٍ فَقَالَ : لَا يَقْدِرُ عَلَى قَضَائِهَا أَبَدًا وَلَا يَصِحُّ فِعْلُهَا أَبَدًا قَالَ : بَلْ يُكْثِرُ مِنْ فِعْلِ الْخَيْرِ، وَصَلَاةِ التَّطَوُّعِ لِيَثْقُلَ مِيزَانُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى وَيَتُوبُ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مَعَ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ بَاطِلٌ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ، وَبَسَطَ هُوَ الْكَلَامَ فِي الِاسْتِدْلَالِ لَهُ، وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرَ دَلَالَةٌ أَصْلًا. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْقَضَاءِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ الْمُجَامِعَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ أَنْ يَصُومَ يَوْمًا مَعَ الْكَفَّارَةِ} أَيْ بَدَلَ الْيَوْمِ الَّذِي أَفْسَدَهُ بِالْجِمَاعِ عَمْدًا . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَرَوَى أَبُو دَاوُد نَحْوَهُ ، وَلِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَى التَّارِكِ نَاسِيًا فَالْعَامِدُ أَوْلَى.
قضاء الصلاة في المذهب المالكي
(فصلٌ) (ويجبُ عليهِ) ولا يُشترط للصحة (أنْ يرتّبَ فى قضاءِ ما فاتَهُ من الصلواتِ الواجبةِ) يسيرة كانت أم كثيرة واليسير خمس فما دونَ ذلك وسواءٌ تركها عامدًا أم ناسيًا (ويقدّمُها إن كانت قليلة على صاحبةِ الوقتِ) فلو نَسِىَ أن يُصَلّىَ الظهرَ أو تركَها عامدًا وضاق الوقت من غير أن يُصَلّيَهَا لزمه أن يبدأ بقضائها قبل أن يُصَلّىَ العصرَ الحاضرةَ.
https://www.islam.ms/ar/?p=6983