مَن قتَل نفسَه بشىءٍ عُذّبَ بهِ في نارِ جهَنّم. حديث
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
رَوَى البخاريُّ ومُسْلِمٌ في صَحِيحَيْهِمَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنهُ قالَ: « مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ شَرِبَ سَمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ».
هذا الحديثُ يُحمَلُ على الكافِرِ، فالكافرُ يُعَذَّبُ يومَ القيامةِ على كُفْرِهِ وعلى مَعَاصِيهِ، فهذَا الكافرُ الذي قتلَ نفسَهُ بتلكَ الحديدةِ يُعَذَّبُ بتلكَ الحديدةِ في نارِ جَهَنَّمَ على الدَّوَامِ، على الدَّوامِ يُطْعَنُ بتلكَ الحديدةِ في بَطْنِهِ، كذلكَ الذي قتلَ نفسَهُ بأنْ رَمَى بنفسِهِ مِنْ شَاهِقِ جَبلٍ حَتى مَاتَ بهَذا التَّرَدِّي يُفعَلُ بهِ في جَهَنَّمَ مِثلُ مَا فَعَلَ بنفسِهِ هذا للكافِرِ.
أمَّا المسلمُ الذي قَتَلَ نفسَهُ فهو يُعَذَّبُ في نارِ جَهَنَّمَ بما قَتَلَ بهِ نفسَهُ بُرْهَةً ثمَّ ينتهِي فيخرجُ مِنْ النَّار ثمَّ يدخلُ الجنَّةَ، ومنَ المسلمينَ الذينَ يقتلونَ أنفسَهُم مَنْ يُسَامحُهُم اللهُ فلا يُدْخِلُهُم جَهَنَّمَ.
أما الحديثُ الذي هو شاملٌ للمسلمِ والكافرِ الذي يقتلُ نفْسَهُ وهو حَديثٌ ءاخَرُ صَحِيحٌ أيضًا: « وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيءٍ عُذِّبَ بِهِ يَومَ القِيَامَةِ » رواه البخاريُّ. وفي حديث آخر: « وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ فِي الدُّنْيَا عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » هذا يَشْمَلُ المنتحِرَ المسلمَ والمنتحرَ الكافِرَ لأنهُ لم يَرِدْ فيهِ « خالدًا مخلدًا فيهَا أبدًا »
فائدة: روى مسلم في الصحيح، باب الدَّليل على أنَّ قاتل نفسِه لا يكفَّر:
أَنَّ الطُّفَيْلَ بنَ عَمْروٍ الدَّوسِيَّ هَاجَرَ إِلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم إِلَى المَدِينَةِ، وَهَاجَرَ مَعَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَاجْتَوَوُا المَدِيْنَةَ فَمَرِضَ فَجَزِعَ، فَأَخَذَ مَشَاقِصَ لَهُ فَقَطَعَ بِهَا بَرَاجِمَهُ، فَشَخَبَتْ يَدَاهُ حَتَّى مَاتَ، فَرَآهُ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْروٍ فِي مَنَامِهِ، فَرَآهُ وَهَيْئَتُهُ حَسَنَةٌ، وَرَآهُ مُغَطِّيًا يَدَيْهِ فَقَالَ لَهُ: مَا صَنَعَ بِكَ رَبُّكَ؟ فَقَالَ: غَفَرَ لِي بِهِجْرَتِي إِلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: مَا لِي أَرَاكَ مُغَطِّيًا يَدَيْكَ ؟ قَالَ: قِيلَ لِي: لَنْ نُصْلِحَ مِنْكَ مَا أَفْسَدْتَ. فَقَصَّهَا الطُّفَيْلُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: (اللَّهُمَّ وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ).
قوله: (فَاجْتَوَوُا المَدِيْنَةَ) أي كرهوا المقام بها لضجر ونوع من سقم. قال أبو عبيد والجوهريُّ وغيرهما: اجتويت البلد إذا كرهت المقام به، وإن كنت في نعمة.
وقوله: (فَأَخَذَ مَشَاقِصَ) وهي جمع مشقص، هو سهم فيه نصل عريض. وأمَّا البراجم فهي مفاصل الأصابع، واحدتها: برجمة.
وقوله: (فَشَخَبَتْ يَدَاهُ) أي: سال دمهما.
أمَّا أحكام الحديث: ففيه حجَّة لقاعدة عظيمة لأهل السُّنَّة أنَّ من قتل نفسه أو ارتكب معصية غيرها، ومات من غير توبة فليس بكافر ولا يقطع له بالنَّار بل هو في حكم المشيئة.
https://www.islam.ms/ar/?p=258