أبو الحسن الأشعريّ وأبو منصور الماتريدي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد الأمين وبعد
في القَرن الثّالث الهجري كَثُرَ هؤلاء الفِرق الشّاذة ثم قَيّضَ الله تبارك وتعالى في أواخِر ذلك العصر إمامَين أحدُهما عربي والآخَر عجَميّ، العربي هو أبو الحسن الأشعري هو مِن ذريّة أبي موسى الأشعري صاحبِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم الذي كانَ الرّسولُ مُعجَبًا بحُسن صوتِه بالقرءان، قال في حقّه « لقَد أُوتيَ عبدُ الله بنُ قَيس مزمارًا مِن مزَاميرِ ءالِ داود » رواه البخاري ومسلم وغيرهما، يعني بالمزمار الصّوتَ الحسَن لا يعني هذا المزمار الذي يُنفَخ فيه، داودُ عليه السلام ما كان يَستَعمِلُ المزمار، هنا في هذا الحديث معنى المزمار الصّوت الحسَن، صوتُه في غايةِ الحُسن لذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم مِزمارًا مِن مزامير ءالِ داود، دلّ بقولِه مزمارًا مِن مزامير ءال داود ليسَ كداود لكن أقلّ مِن ذلك، داودُ لما يسبّح الله الطّيور تَطْرَب فتَرُدّ معَه مِن شِدّة طَربها مِن صوتِ داود، والجبَل كانَ يُسبّح الله، الله تعالى يخلُق فيهِ شعُورًا، الجمادُ إذا شاءَ الله تعالى أن يصيرَ فيه شعُور يصيرُ فيه شعورا، الحجَرُ وغيرُ ذلك.
كذلكَ جبَلُ الطّور الذي كان موسى عندَه الله تعالى خلَق فيه الإدراكَ فرأى الله، الجبَل رأى الله فاندَكّ، نزلَ الجبَل صارَ سَواءً مع الأرض منَ الهيبة، أمّا موسى طلَب مِن الله أن يُرِيه ذاته المقدس فلم يُعطِه لكن أعطَى الجبَل، الجبلُ رأى الله فاندكّ.
أبو الحسن الأشعريّ هو مِن ذريّة أبي موسى الأشعري صاحبِ رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كانّ الرّسولُ معجَبًا بحُسْن صوتِه بالقرءان، قال في حقّه "لقَد أُوتي عبدُ الله بنُ قَيس مزمارًا مِن مزامير ءالِ داود"، معناه الله أعطاهُ مِن حُسن الصّوت صوتًا يُشبه صوتَ داود النبيّ لكن أقلّ منهُ ليسَ مسَاويًا لهُ بل أقلَّ منه. فأبو الحسَن الأشعري مِن ذُرّية هذا الصحابي أبي موسى الأشعري، والآخر يقال له أبو منصور الماتريدي، أبو الحسن الأشعري كانَ ببغداد وأبو منصور الماتريدي كان ببلادِ فارس.
هذانِ الإمامانِ قرّرَا عقائدَ أهلِ السّنة وأوضحاهَا إيضاحًا تامّا مع الردّ على المخالفِين مِن معتزلةٍ ومشبّهةٍ وغيرِهم فصارَ كلُّ أهلِ السّنة بعدَ هذين الإمامين يُنسَبون إلى أحدِ هذين الإمامَين فيقالُ لبَعض أهلِ السّنة أشعريّ ولبَعضٍ ماتريديّ، هذا أشعريّ وهذا ماتريدي، وكِلا الفَريقين مِن أهل السّنة ليسَ بينَهُما اختلافٌ في أصولِ العقائد، بينَهما اختِلاف في بعضِ فروع العقائد وهذا لا يُعابانِ به، لأنّ الاختلافَ في فرُوع العقائد حصَل في الصّحابة، وذلكَ أنّ بعضَ الصّحابة نفَوا رؤيةَ النبي لله ليلةَ المعراج قالوا ما رأى، وبعضٌ منَ الصّحابة قال الرّسول رأى ربَّه ليلةَ المعراج، فمِنَ المثبِتين رؤيةَ النّبي لربّه ليلةَ المعراج عبدُ الله بنُ عبّاس رضي الله عنهما وأنسُ بنُ مالك وأبو ذرّ الغِفاريّ لكن أبا ذرّ قالَ رءاه بفؤاده ولم يرَه بعَينه، أمّا الذين نفَوا رؤيةَ النّبي لربّه تلكَ اللّيلة عبدُ بنُ مسعودٍ وعائشةَ رضي الله عنهما هذان قالا لم يرَ ربّه، فنَحنُ مَن قالَ رأى ربّه لا نقولُ خَالف عقيدةَ أهلِ السّنة ومَن قال لم ير ربّه كذلكَ لا نقول إنهم ليسُوا مِن أهل السّنة، بل نقول كلا الفَريقين مِن أهل السّنة لأنّ هذا اختلاف في فروع العقيدة، ليسَ في أصولِ العقيدة.
أصولُ العقيدة اعتقادُ أنّ الله موجودٌ لا يُشبه غيرَه بالمرّة بوجه منَ الوجوه وأنّه غيرُ متحيّز في جهةٍ ومكانٍ وأنّ لهُ صفاتٍ أزليةً أبدية كما أن ذاته أزليّ أبدي، ولهُ عِلمٌ أزلي أبدي، ولهُ قُدرةٌ وإرادة أزليّتان أبديّتان وسمْع وبصَر أزليّان أبديان وكلامٌ أزلي أبدي ليسَ حرفًا ولا صوتًا وهو باقٍ لا يلحَقُه الفناء كما لم يسبقْه العدَم وأنّ له حياةً ليست كحياةِ غيره أزليّة أبدية، كذلكَ مِن أصول العقيدة أنّ الله واحدٌ وأنّه لا يُشبِه شيئا، وأنّه مُستغنٍ عن كلّ شىء، ولهُ القِدَم أي ليس لوجودِه ابتداء، هؤلاء الصفات الثلاثَ عشْرة هيَ أصول العقيدة، هذانِ الإمامان وأتْباعُهما لا خِلاف بينَهُم في هذه الثلاثَ عشْرة.
أما رؤيةُ النبي لربّه ليلةَ المعراج هذه ليست مِن أصولِ العقيدة مَن أثبتَها ليسَ عليه حرج ومَن نفاها ليسَ عليه حَرج.
أما رؤيةُ الله في الآخرة هذه أهلُ السّنة اتّفَقوا عليها، وخالفَت المعتزلةُ قالت كيف يُرى، الشّىءُ الذي يُرى لا بدّ أن يكونَ جسمًا كبيرًا أو صغيرًا أو قريبًا أو بعيدًا، الله لا يجوزُ عليه هذا كيف يُقال يُرى لا يُرى هؤلاء المعتزلة بإنكارهِم لرؤية الله رؤية المؤمنينَ ربهم في الآخِرة ضَلّوا.
أهلُ السّنة يَرُدّون على المعتزلة يقولون يُرَى مِن غير أن يكونَ في مكانٍ مِن غيرِ أن يكونَ في جِهة فوق أو تحت أو يمين أو شمال أو أمام أو خَلْف يُرى لا مانعَ مِن أن يُرى بلا مكانٍ بلا جهة مِن غير مسَافة قريبة ومِن غير مسافةٍ بعيدة، يُرى لا كما يُرى الخلق هذا حُجّة أهلِ السّنة .
هنا وَقْفَة إذا قيل ما ذاتُ الله يقالُ حقيقتُه الذي ليسَ حجمًا كثيفا ولا حجمًا لطيفا، أما المخلوقُ إذا قيل ذاتُه فهو هذا الحجم الكثيف أو اللّطيف، ذاتُ الإنسان هذا الحجم الكثيف، أمّا ذاتُ النّور فهو هذا الحجم اللّطيف، أمّا إذا قيلَ ذاتُ الله فمعناه حقيقتُه الذي ليسَ حجمًا لطيفًا ولا حجما كثيفًا، فمَن قال إنّ ذاتَ الله جِسم لطيف أو كثيف فهو جعَله كخَلقه، جعَل لله أمثالا كثيرةً، الحجم الكثيف كثير والحجم اللطيف النّور والظلام والظّل هو الذي يَظهر لقامةِ الإنسان أو الشّاخص منَ الأشخاص الشّجر أو غير ذلك، في اللغة العاميّة يقال له فى بلا همزة، الفَىْء في اللغة الظّل الذي بعدَ الزوال، قبلَ الظّهر يوجَد ظل، قبلَ الظهر الظلّ إلى جهة المغرب لأنّ الشّمس لما تَطلُع منَ المشرق ظلّ الإنسان يكونُ إلى جهةِ الغَرب أمّا لما تأتي الشّمس إلى وسط السماء الظّل يكون في الوسط ثم إذا مالَت عن وسط السماء إلى جهة المغرب يتحوّل الظل إلى جِهة المشرق، الظلّ الذي بعدَ الزوال اسمُه الفَىْء يقال لهُ فَىء، ليسَ كلّ الظلّ فىء.
https://www.islam.ms/ar/?p=259