معفوات النجاسات، نجاسة الكلب والخنزير، الوشم
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد الأمين وبعد،
قَالَ الْجُرْدَانِيُّ فِي مُرْشِدِ الأَنَامِ فِيمَا يُعْفَى عَنْهُ مِنَ النَّجَاسَاتِ مَا نَصُّهُ: «مِنْ ذَلِكَ مَا لا يُدْرِكُهُ الْبَصَرُ الْمُعْتَدِلُ وَلَوْ مِنْ مُغَلَّظٍ [كَالْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ] وَمِنْهُ الدَّمُ وَالْقَيْحُ عَلَى تَفْصِيلٍ فِيهِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُمَا إِمَّا أَنْ يُدْرِكَهُمَا الطَّرْفُ أَيِ النَّظَرُ الْمُعْتَدِلُ أَوْ لا، فَإِنْ لَمْ يُدْرِكْهُمَا عُفِيَ عَنْهُمَا مُطْلَقًا، وَإِنْ أَدْرَكَهُمَا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَا مِنْ مُغَلَّظٍ أَوْ لا فَإِنْ كَانَا مِنْهُ لَمْ يُعْفَ عَنْهُمَا مُطْلَقًا، وَإِنْ لَمْ يَكُونَا مِنْهُ فَإِمَّا أَنْ يَتَعَدَّى بِتَضَمُّخِهِ بِهِمَا [بِأَنْ يَتَعَمَّدَ تَلْوِيثَ نَفْسِهِ] أَوْ لا فَإِنْ تَعَدَّى بِذَلِكَ لَمْ يُعْفَ عَنْهُمَا مُطْلَقًا، وَإِنْ لَمْ يَتَعَدَّ فَإِمَّا أَنْ يَخْتَلِطَا بِأَجْنَبِيٍّ غَيْرِ ضَرُورِيٍّ [كَأَنْ يَتَعَمَّدَ صَبَّ الْمَاءِ عَلَى النَّجَاسَةِ] أَوْ لا فَإِنِ اخْتَلَطَا بِهِ لَمْ يُعْفَ عَنْهُمَا مُطْلَقًا، وَإِنْ لَمْ يَخْتَلِطَا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَا مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَا مِنْ غَيْرِهِ عُفِيَ عَنِ الْقَلِيلِ مِنْهُمَا وَكَذَا الْكَثِيرُ إِذَا كَانَ مِنْ دَمِ الْبَرَاغِيثِ وَنَحْوِهَا كَمَا سَيَأْتِي (قالَ ابنُ حَجَرٍ: فعُلِمَ أنّ العَفْوَ عن قَلِيلِ دَمِ جمِيع المنَافِذ هوَ المنقُولُ الذي علَيهِ الأصحَابُ ومحَلُّ العَفْو عن قَلِيلِ دَمِ الفَرْجَينِ إذا لم يَخرُج مِن مَعدِنِ النّجَاسَةِ كالْمَثَانَةِ ومحَلِّ الغَائطِ، حواشي الشَّرْواني (2/ 161).
وَإِنْ كَانَا مِنْ نَفْسِهِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَا مِنَ الْمَنَافِذِ كَالْفَمِ وَالأَنْفِ وَالأُذُنِ وَالْعَيْنِ أَوْ لا فَإِنْ كَانَا مِنْهَا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَا كَثِيرَيْنِ أَوْ قَلِيلَيْنِ فَإِنْ كَانَا كَثِيرَيْنِ لَمْ يُعْفَ عَنْهُمَا بِاتِّفَاقِ الشَّيْخَيْنِ الرَّمْلِيِّ وَابْنِ حَجَرٍ ( ذكره الشَّبرَامَلِّسِي في حاشِيَتِه على نهاية المحتاج (2/ 267).
وَإِنْ كَانَا قَلِيلَيْنِ عُفِيَ عَنْهُمَا عِنْدَ ابْنِ حَجَرٍ فَقَطْ (قال ابن حجر في شرح المنهاج: فيعفى عنه حيث لم يُعصر مطلقًا وإن عصره يعفى عن قليله فقط، حواشي الشرواني (2/ 128). قال الرملي في نهاية المحتاج (2/ 33): الخارج من عينه أو لثته أو أنفه أو قبله أو دبره لم يعف عن شىء منه.)
لِأَنَّ اخْتِلاطَهُمَا بِرُطُوبَةِ الْمَنَافِذِ ضَرُورِيٌّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي هَذَا الْبَابِ لِأَنَّهُ مَقَامُ عَفْوٍ وَسُهُولَةٍ، وَإِنْ كَانَا مِنْ غَيْرِ الْمَنَافِذِ كَالْخَارِجِ مِنَ الدَّمَامِيلِ وَالْقُرُوحِ وَالْبَثَرَاتِ وَالْبَاقِي بِمَوْضِعِ الْفَصْدِ وَالْحَجْمِ بَعْدَ سَدِّهِ بِنَحْوِ قُطْنَةٍ فَيُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِمَا وَكَثِيرِهِمَا مَا لَمْ يَكُونَا بِفِعْلِهِ أَوْ يُجَاوِزَا مَحَلَّهُمَا، وَإِلَّا عُفِيَ عَنِ الْقَلِيلِ فَقَطْ وَإِنِ اقْتَضَى كَلامُ الرَّوْضَةِ الْعَفْوَ عَنْ كَثِيرِ دَمِ نَحْوِ الدُمَّلِ وَإِنْ عُصِرَ، (روضة الطالبين (1/ 281).
وَاعْتَمَدَهُ ابْنُ النَّقِيبِ وَالأَذْرَعِيُّ كَمَا فِي «فَتْحِ الْمُعِينِ» (هو كتاب فتح المعين بشرح قرة العين للشيخ زين الدين المليباري)، وَفِي «القَلْيُوبِيِّ عَلَى الْجَلالِ» [الْجَلالُ يَعْنِي بِهِ الْجَلالَ الْمَحَلِّيَّ شَارِح مِنْهَاجِ الطَّالِبِينَ] أَنَّ تَصْحِيحَ الْعَفْوِ عَنِ الْكَثِيرِ الْمَعْصُورِ خِلافُ الْمُعْتَمَدِ. هَذَا وَمِثْلُ فِعْلِهِ فِعْلُ غَيْرِهِ بِرِضَاهُ فَيَضُرُّ، نَعَمْ لا يَضُرُّ الْفِعْلُ فِي الْفَصْدِ وَالْحَجْمِ لِأَنَّهُ لِحَاجَةٍ.
وَتُعْرَفُ الْقِلَّةُ وَالْكَثْرَةُ بِالْعَادَةِ الْغَالِبَةِ، فَمَا يَقَعُ التَّلَطُّخُ بِهِ غَالِبًا وَيَعْسُرُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَقَلِيلٌ وَمَا زَادَ عَلَيْهِ فَكَثِيرٌ وَمَا شُكَّ فِي كَثْرَتِهِ لَهُ حُكْمُ الْقَلِيلِ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّمْلِيِّ (نهاية المحتاج (1/ 30). لِأَنَّ الأَصْلَ فِي هَذِهِ النَّجَاسَاتِ الْعَفْوُ إِلَّا إِذَا تَيَقَّنَا الْكَثْرَةَ، وَقِيلَ الْكَثِيرُ مَا بَلَغَ حَدًّا يَظْهَرُ لِلنَّاظِرِ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ وَإِمْعَانٍ، وَقِيلَ إِنَّهُ مَا زَادَ عَلَى الدِّينَارِ، وَقِيلَ إِنَّهُ قَدْرُ الْكَفِّ فَصَاعِدًا وَقِيلَ مَا زَادَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ إِنَّهُ الدِّرْهَمُ الْبَغْلِيُّ أَيْ قَدْرُهُ (ذكر المارودي في الأحكام السلطانية (ص/195): "أن عمر لما رأى اختلافَ الدراهم قال انظروا الأغلب مما يتعامل به الناس من أعلاها وأدناها فكان الدرهم البغليُ والدرهم الطبري).، وَقِيلَ مَا زَادَ عَلَيْهِ وَقِيلَ مَا زَادَ عَلَى الظُّفْرِ، ذَكَرَ هَذِهِ الأَقْوَالَ الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ فِي «شَرْحِ مَنْظُومَةِ ابْنِ الْعِمَادِ» [هَذِهِ الْمَنْظُومَةُ أَلَّفَهَا ابْنُ الْعِمَادِ الشَّافِعِيُّ فِي الْمَعْفُوَّاتِ وَشَرَحَهَا شِهَابُ الدِّينِ الرَّمْلِيُّ وَالِدُ شَمْسِ الدِّينِ الرَّمْلِيِّ].
قَالَ الْعَلَّامَةُ الْجَمَلُ فِي «تَقْرِيرِهِ» [هُوَ كِتَابُ «تَقْرِيرِ الْجَمَلِ عَلَى شَرْحِ مَنْظُومَةِ ابْنِ الْعِمَادِ»] وَغَرَضُهُ بِذَلِكَ جَوَازُ تَقْلِيدِهَا كُلِّهَا لِأَنَّهُ مَقَامُ عَفْوٍ وَمُسَامَحَةٍ اهـ.
وَلَوْ تَفَرَّقَ الدَّمُ الْقَلِيلُ فِي مَوَاضِعَ مِنْ نَحْوِ ثَوْبٍ وَلَوْ جُمِعَ كَثُرَ كَانَ لَهُ حُكْمُ الْقَلِيلِ عِنْدَ الإِمَامِ [أَيْ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْجُوَيْنِيِّ كَانَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَهُ وَالِدٌ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بنُ يُوسُفَ بنِ مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ مِنَ أَكَابِرِ الشَّافِعِيَّةِ مِنْ أَصْحَابِ الْوُجُوهِ قَالَ فِيهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: «لَوْ كَانَ بَعْدَ الرَّسُولِ نَبِيٌّ لَكَانَ أَبُو مُحَمَّدٍ نَبِيًّا» وَمَعَ هَذِهِ الْجَلالَةِ فِي الْعِلْمِ ابْنُهُ كَانَ يَرُدُّ عَلَيْهِ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ، يُغَلِّطُهُ] فَيُعْفَى عَنْهُ وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ الرَّمْلِيِّ، (قال الرملي: "وشمَل قولُه قليلُ دم الأجنبيّ مَا لو كانَ القَليلُ متَفرّقًا ولو جُمِعَ لَكَثُرَ وهو الرّاجحُ قالَ الشَّبرامَلّسِي أي فيُعفى عنه، حاشية الشبراملسي (2/ 33).) وَلَهُ حُكْمُ الْكَثِيرِ عِنْدَ الْمُتَوَلِّي وَالْغَزَالِيِّ وَغَيْرِهِمَا فَلا يُعْفَى عَنْهُ وَرَجَّحَهُ بَعْضُهُمْ.
وَمِنْ جُمْلَةِ مَا بِفِعْلِهِ مَا يَقَعُ مِنْ فَجْرِ الدُّمَّلِ بِنَحْوِ إِبْرَةٍ لِيَخْرُجَ مَا فِيهِ وَوَضْعُ نَحْوِ لَصُوقٍ عَلَيْهِ لِيَكُونَ سَبَبًا فِي فَتْحِهِ وَإِخْرَاجِ مَا فِيهِ فَيُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ دُونَ كَثِيرِهِ، قَالَ الشَّبْرَامَلِّسِيُّ «وَأَمَّا مَا يَقَعُ كَثِيرًا مِنْ أَنَّ الإِنْسَانَ قَدْ يَفْتَحُ رَأْسَ الدُّمَّلِ بِآلةٍ قَبْلَ انْتِهَاءِ الْمُدَّةِ فِيهِ مَعَ صَلابَةِ الْمَحَلِّ ثُمَّ تَنْتَهِي مُدَّتُهُ بَعْدُ فَيَخْرُجُ مِنَ الْمَحَلِّ الْمُنْفَتِحِ دَمٌ كَثِيرٌ أَوْ نَحْوُ قَيْحٍ فَهَلْ يُعْفَى عَنْ ذَلِكَ وَلا يَكُونُ بِفِعْلِهِ لِتَأَخُّرِ خُرُوجِهِ عَنْ وَقْتِ الْفَتْحِ أَوْ لا لِأَنَّ خُرُوجَهُ مُتَرَتِّبٌ عَلَى الْفَتْحِ السَّابِقِ، فِيهِ نَظَرٌ وَالأَقْرَبُ الثَّانِي» [أَيْ أَنَّهُ لا يُعْفَى عَنْهُ].
وَالْمُرَادُ بِمُجَاوَزَةِ الْمَحَلِّ أَنْ يَنْتَقِلَ عَمَّا يَنْتَشِرُ إِلَيْهِ عَادَةً، وَقَالَ بَعْضُهُمُ الْمُرَادُ بِمَحَلِّهِ مَحَلُّ خُرُوجِهِ وَمَا يَغْلِبُ السَّيَلانُ إِلَيْهِ عَادَةً كَمِنَ الرُّكْبَةِ إِلَى قَصَبَةِ الرِّجْلِ وَمَا حَاذَاهُ مِنَ الثَّوْبِ مَثَلًا فَيُعْفَى عَنْهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا فَإِنْ جَاوَزَهُ عُفِيَ عَنِ الْمُجَاوِزِ إِنْ قَلَّ، وَلَوْ سَالَ فِي الثَّوْبِ وَقْتَ الإِصَابَةِ مِنْ غَيْرِ انْفِصَالٍ فِي أَجْزَاءِ الثَّوْبِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَالْبَدَنِ أَيْ فَيُعْفَى عَنْهُ، وَلَوِ انْفَصَلَ مِنَ الْبَدَنِ أَوِ الثَّوْبِ ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِ كَانَ أَجْنَبِيًّا فَيُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ فَقَطْ.( وَمِنَ الأَجْنَبِيِّ مَا يَنْتَشِرُ مِنَ الذَّبِيحَةِ إِلَى بَدَنِ الذَّابِحِ أَوْ ثَوْبِهِ).
وَيُعْفَى عَنْ دَمِ الْبَرَاغِيثِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ كَالْقَمْلِ وَالْبَقِّ وَالْبَعُوضِ أَيِ النَّامُوسِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا، بَلْ وَلَوْ تَفَاحَشَ حَتَّى طَبَقَ الثَّوْبَ أَيْ مَلَأَهُ وَعَمَّهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ بِشَرْطِ أَنْ لا يَخْتَلِطَ بِأَجْنَبِيٍّ غَيْرِ ضَرُورِيٍّ وَأَنْ لا يَكُونَ بِفِعْلِهِ وَأَنْ يَكُونَ فِي مَلْبُوسٍ يَحْتَاجُهُ وَلَوْ لِلتَّجَمُّلِ، فَإِنِ اخْتَلَطَ بِأَجْنَبِيٍّ غَيْرِ ضَرُورِيٍّ لَمْ يُعْفَ عَنْ شَىْءٍ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ بِفِعْلِهِ كَأَنْ قَتَلَ الْبَرَاغِيثَ مَثَلًا فِي ثَوْبِهِ عُفِيَ عَنِ الْقَلِيلِ فَقَطْ، وَكَذَا إِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْمَلْبُوسِ الْمَذْكُورِ كَأَنْ حَمَلَ ثَوْبًا فِيهِ دَمُ بَرَاغِيث وَصَلَّى فِيهِ أَوْ فَرَشَهُ وَصَلَّى عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُعْفَى عَنِ الْقَلِيلِ فَقَطْ، «وَلَوْ نَامَ فِي ثَوْبِهِ فَكَثُرَ فِيهِ دَمُ الْبَرَاغِيثِ الْتَحَقَ بِمَا يَقْتُلُهُ مِنْهَا عَمْدًا لِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ مِنَ الْعُرْيِ عِنْدَ النَّوْمِ [الْمُرَادُ بِالْعُرْيِ كَشْفُ مَا سِوَى الْعَوْرَةِ]. ذَكَرَهُ ابْنُ الْعِمَادِ بَحْثًا وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى عَدَمِ احْتِيَاجِهِ لِلنَّوْمِ فِيهِ» [لِأَنَّهُ أَحْيَانًا يَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يَكُونَ لابِسًا مَا يَعُمُّ أَسَافِلَ الْبَدَنِ وَالأَعَالِي] كَمَا فِي شَرْحِ الرَّمْلِيِّ، أَمَّا عِنْدَ احْتِيَاجِهِ بِأَنْ لَمْ يَكُنِ الْعُرْيُ مِنْ عَادَتِهِ أَوْ خَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ الضَّرَرَ إِذَا نَامَ عُرْيَانًا فَإِنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ.
وَلا يَضُرُّ اخْتِلاطُ دَمِ الْقَمْلَةِ أَوِ الْبُرْغُوثِ بِقِشْرَةِ نَفْسِهِ وَقْتَ قَتْلِهِ حَيْثُ لَمْ تَكْثُرِ الْمُخَالَطَةُ بِأَنْ قَصَعَ الْقَمْلَةَ عَلَى ظُفْرِهِ [فِي الْقَامُوسِ: قَصَعَ الْقَمْلةَ بِالظُّفْرِ: قَتَلَهَا]، فَإِنْ كَثُرَتِ الْمُخَالَطَةُ بِأَنْ مَرَتَهَا بَيْنَ أَصَابِعِهِ ضَرَّ [أَيْ لا يُعْفَى عَنْهَا] وَكَذَا يَضُرُّ الِاخْتِلاطُ بِقِشْرَةِ غَيْرِهِ كَأَنْ قَتَلَ بُرْغُوثًا أَوْ قَمْلَةً فِي الْمَحَلِّ الَّذِي قَتَلَ فِيهِ الأُولَى وَاخْتَلَطَ دَمُ الأُولَى بِقِشْرَةِ الثَّانِيَةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ بِالْعَفْوِ عَنِ الْقَلِيلِ مِنْ ذَلِكَ كَمَا فِي «نِهَايَةِ الأَمَلِ» [هُوَ كِتَابُ «نِهَايَةِ الأَمَلِ لِمَنْ رَغِبَ فِي صِحَّةِ الْعَقِيدَةِ وَالْعَمَلِ» لِلشَّيْخِ مُحَمَّدٍ أَبِي خُضَيْرٍ الدِّمْيَاطِيِّ الشَّافِعِيِّ].
وَمَرَّ عَنْ «رَحْمَةِ الأُمَّةِ» [هُوَ كِتَابُ «رَحْمَةِ الأُمَّةِ فِي اخْتِلافِ الأَئِمَّةِ» لِلشَّيْخِ صَدْرِ الدِّينِ الدِّمَشْقِيِّ الْعُثْمَانِيِّ] أَنَّ دَمَ الْقَمْلِ وَالْبُرْغُوثِ وَالْبَقِّ طَاهِرٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ. وَأَمَّا نَفْسُ قِشْرَةِ الْبُرْغُوثِ أَوِ الْقَمْلَةِ أَوِ الْبَقَّةِ أَوْ نَحْوِهَا فَنَجِسَةٌ غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهَا، فَلَوْ صَلَّى بِشَىْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَصَلاتُهُ بَاطِلَةٌ عَلِمَ بِهِ أَوْ لا، وَبَعْضُهُمْ قَالَ بِالْعَفْوِ إِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ [أَيْ قَبْلَ الصَّلاةِ] وَكَانَ مِمَّنِ ابْتُلِيَ بِذَلِكَ، وَنُقِلَ عَنِ الْحَفْنِيِّ وَالْعَزِيزِيِّ أَنَّ الشَّخْصَ لَوْ وَجَدَ بَعْدَ فَرَاغِ صَلاتِهِ قِشْرَ قَمْلٍ فِي طَيِّ عِمَامَتِهِ أَوْ فِي غَرْزِ خِيَاطَةِ ثَوْبِهِ لا إِعَادَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا حَالَ الصَّلاةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُكَلَّفًا بِالتَّفْتِيشِ فِي كُلِّ صَلاةٍ، قَالا: وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ،[وَقَالَ مَالِكٌ: مَا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ لا يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَدَاوُدَ]: وَتَقَدَّمَ عَنِ الْقَفَّالِ أَنَّهُ قَالَ تَبَعًا لِمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ «إِنَّ مَيْتَةَ مَا لا يَسِيلُ دَمُهَا طَاهِرَةٌ كَالْقَمْلِ وَالْبَرَاغِيثِ وَالذُّبَابِ»، فَيَجُوزُ لِلإِنْسَانِ أَنْ يُقَلِّدَهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ كَمَا فِي «حَاشِيَةِ الْمَيْهِيِّ عَلَى شَرْحِ السِّتِّينَ مَسْأَلَة» [هُوَ كِتَابُ «حَاشِيَة الميهيّ عَلَى شَرْحِ السِّتِّينَ مَسْأَلَة لِلرَّمْلِيِّ فِي فُرُوعِ الْفِقْهِ الشَّافِعِيِّ» لِلشَّيْخِ أَحْمَدَ الْمَيْهِيِّ النُّعْمَانِيِّ].
وَاعْلَمْ أَنَّهُ لا يَضُرُّ فِي الْعَفْوِ عَنْ هَذِهِ الدِّمَاءِ اخْتِلاطُهَا وَانْتِشَارُهَا بِعَرَقٍ أَوْ مَاءِ وُضُوءٍ أَوْ غُسْلٍ وَلَوْ لِلتَّبَرُّدِ أَوِ التَّنَظُّفِ، أَوْ مَا تَسَاقَطَ مِنَ الْمَاءِ حَالَ شُرْبِهِ، أَوْ مِنَ الطَّعَامِ حَالَ أَكْلِهِ، أَوْ بُصَاقٍ فِي ثَوْبِهِ، أَوْ مَا عَلَى ءَالَةِ نَحْوِ الْفَصْدِ مِنْ رِيقٍ وَدُهْنٍ وَنَحْوِهِمَا لِأَنَّ ذَلِكَ ضَرُورِيٌّ [فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَصَقَ مَرَّةً فِي ثَوْبِهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ رَدَّ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ لِأَنَّ الْبَصْقَ فِي الْقِبْلَةِ مَكْرُوهٌ وَكَذَلِكَ عَنِ الْيَمِينِ إِلَّا الْبَصْقَ عَنِ الْيَسَارِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى أَمَّا الْبَصْقُ فِي الْمَسْجِدِ فَخَطِيئَةٌ وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا هَذَا إِذَا كَانَ الْمَسْجِدُ مَفْرُوشًا بِالْحَصَى يَقْلِبُ الْحَصَى عَلَى الْبُصَاقِ أَمَّا فِي هَذِهِ الْمَسَاجِدِ الْمَفْرُوشَةِ بِالسَّجَاجِيدِ وَالْحُصُرِ فَالأَمْرُ عَلَى خِلافِ ذَلِكَ يَبْصُقُ فِي الْمِنْدِيلِ أَوْ فِي طَرَفِ ثَوْبِهِ ثُمَّ يَمْسَحُ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ]. وَكَذَا كُلُّ مَا يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ كَالْمَاءِ الَّذِي يُبَلُّ بِهِ الشَّعَرُ لِأَجْلِ سُهُولَةِ حَلْقِهِ فَلَوْ جَرَحَ رَأْسَهُ حَالَ حَلْقِهِ وَاخْتَلَطَ الدَّمُ بِذَلِكَ الْمَاءِ عُفِيَ عَنْهُ كَمَا فِي الْكُرْدِيِّ وَاسْتَقْرَبَهُ [أَيْ وَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ] الشَّبْرَامَلِّسِيُّ عَلَى الرَّمْلِيِّ [هُوَ كِتَابُ «حَاشِيَةٌ عَلَى نِهَايَةِ الْمُحْتَاجِ شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِلرَّمْلِيِّ» لِلشَّبْرَامَلِّسِيِّ] بِخِلافِ الْمَاءِ الَّذِي يُغْسَلُ بِهِ الرَّأْسُ بَعْدَ الْحَلْقِ فَلا يُعْفَى عَنْهُ كَمَا فِي الشَّرْقَاوِيِّ، وَلا يَضُرُّ الِاخْتِلاطُ بِمَاءِ الْوَرْدِ وَالزَّهْرِ وَإِنْ رَشَّهُ بِنَفْسِهِ كَمَا اعْتَمَدَهُ الرَّشِيدِيُّ لِأَنَّ الطِّيبَ مَطْلُوبٌ، وَلا يَضُرُّ مَسْحُ وَجْهِهِ الْمُبْتَلِّ بِطَرَفِ ثَوْبِهِ [أَيْ ثَوْبِهِ الَّذِي عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ مَعْفُوٌّ عَنْهَا]، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ كَمَا فِي الشَّبْرَامَلِّسِيِّ عَلَى الرَّمْلِيِّ.
ثُمَّ إِنَّ مَحَلَّ الْعَفْوِ عَمَّا ذُكِرَ إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّلاةِ وَنَحْوِهَا كَالطَّوَافِ لا لِمَاءٍ قَلِيلٍ وَمَائِعٍ فَلَوْ لاقَاهُمَا مَا فِيهِ ذَلِكَ نَجَّسَهُمَا، نَعَمْ لَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي إِنَاءٍ لِلأَكْلِ مِنْهُ مَثَلًا وَهِيَ مُلَوَّثَةٌ بِذَلِكَ لَمْ يَضُرَّ بَلْ يُعْفَى عَنْهُ إِنْ كَانَ نَاسِيًا، فَإِنْ كَانَ عَامِدًا لَمْ يُعْفَ عَنْهُ بَلْ يُنَجِّسُ مَا أَصَابَهُ، هَذَا هُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الْحَفْنِيُّ خِلافًا لِمَنْ أَطْلَقَ الْعَفْوَ. ذَكَرَهُ الشَّرْقَاوِيُّ [فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى تُحْفَةِ الطُّلَّابِ]، وَقَوْلُهُ «خِلافًا لِمَنْ أَطْلَقَ الْعَفْوَ» هُوَ ابْنُ قَاسِمٍ عَلَى ابْنِ حَجَرٍ كَمَا بِهَامِشِهِ، وَعِبَارَتُهُ كَمَا فِي الشَّبْرَامَلِّسِيِّ «قَوْلُهُ لَمْ يَحْتَجْ لِمُمَاسَّتِهِ لَهُ إِلَخ أَخْرَجَ الْمُحْتَاجَ لِمُمَاسَّتِهِ فَيُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ إِنَاءً فِيهِ مَاءٌ قَلِيلٌ أَوْ مَائِعٌ أَوْ رَطْبٌ لإِخْرَاجِ مَا يَحْتَاجُ لإِخْرَاجِهِ لَمْ يَنْجُسْ» قَالَ الشَّبْرَامَلِّسِيُّ بَعْدَ مَا ذُكِرَ «وَمِنْ ذَلِكَ مَاءُ الْمَرَاحِيضِ وَإِخْرَاجُ الْمَاءِ مِنْ زِيرِ الْمَاءِ مَثَلًا [وَهُوَ الْجَرَّةُ الْكَبِيرَةُ الَّتِي فِيهَا الْمَاءُ] فَتَنَبَّهْ لَهُ» [فِي الْمَاضِي كَانَ يُوضَعُ مَاءٌ فِي الْحَجَرِ فِي الأَخْلِيَةِ ثُمَّ حِينَ يُرِيدُ الشَّخْصُ الِاسْتِنْجَاءَ يَأْخُذُ بِيَدِهِ وَيَصُبُّ عَلَى مَحَلِّ الِاسْتِنْجَاءِ. وَكَلامُ الْمُؤَلِّفِ هُنَا لَيْسَ عَنِ النَّجَاسَةِ الْمُسْتَقِّرَةِ فِي الْحُفْرَةِ أَمَّا الْمَاءُ الَّذِي فِي حُفْرَةِ الْمِرْحَاضِ الْمَعْرُوفِ فِي أَيَّامِنَا فَلا يُعْفَى عَنْهُ لِأَنَّهُ لا يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ] اهـ.
وَمِمَّا يُعْفَى عَنْهُ رَوْثُ الذُّبَابِ وَكُلِّ مَا لا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ وَإِنْ كَثُرَ. وَمِثْلُ ذَلِكَ بَوْلُ الْخُفَّاشِ وَرَوْثُهُ كَمَا فِي «فَتْحِ الْمُعِينِ» وَعِبَارَتُهُ: «وَعَنْ وَنِيمِ ذُبَابٍ أَيْ رَوْثِهِ، وَبَوْلِ وَرَوْثِ خُفَّاشٍ أَيْ وَطْوَاطٍ فِي الْمَكَانِ وَكَذَا الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ، وَإِنْ كَثُرَتْ أَيِ الْمَذْكُورَاتُ مِنْ وَنِيمِ الذُّبَابِ وَبَوْلِ وَرَوْثِ الْخُفَّاشِ فَلا فَرْقَ فِي الْعَفْوِ عَنْهَا بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَلا فَرْقَ أَيْضًا بَيْنَ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ كَمَا فِي «التُّحْفَةِ» لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ لِكَوْنِهِ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى» اهـ بِزِيَادَةٍ مِنْ حَاشِيَتِهِ. وَمِثْلُ الْخُفَّاشِ فِيمَا ذُكِرَ الْخُطَّافُ وَكُلُّ مَا تَكْثُرُ مُخَالَطَتُهُ لِلنَّاسِ(كالحَمَام) كَمَا فِي «نِهَايَةِ الأَمَلِ» وَنَصُّ عِبَارَتِهِ: وَمِمَّا يُعْفَى عَنْهُ وَنِيمُ الذُّبَابِ وَبَوْلُ الْفَرَاشِ وَالْخُفَّاشِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِالْوَطْوَاطِ، وَالْخُطَّافِ وَهُوَ الَّذِي يَسْكُنُ الْبُيُوتَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْعَامَّةِ بِعُصْفُورِ الْجَنَّةِ، وَكَذَا كُلُّ حَيَوَانٍ تَكْثُرُ مُخَالَطَتُهُ لِلنَّاسِ كَالزُّنْبُورِ (وهو الدَّبُور)، وَرَوْثُ كُلٍّ مِنْ ذَلِكَ كَبَوْلِهِ، فَيُعْفَى عَنِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فِي الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ وَالْمَكَانِ فِي الْمَسْجِدِ وَالْبُيُوتِ اهـ.
وَأَمَّا بَقِيَّةُ الطُّيُورِ غَيْرُ مَا ذُكِرَ فَذَكَرَ فِي «فَتْحِ الْمُعِينِ» أَنَّهُ يُعْفَى عَمَّا جَفَّ مِنْ زَرْقِهَا فِي الْمَكَانِ إِذَا عَمَّتِ الْبَلْوَى بِهِ ثُمَّ قَالَ: وَقَضِيَّةُ كَلامِ الْمَجْمُوعِ الْعَفْوُ عَنْهُ فِي الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ أَيْضًا اهـ وَذَكَرَ الْبَاجُورِيُّ أَنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ بِقُيُودٍ ثَلاثَةٍ:
الأَوَّلُ أَنْ يَشُقَّ الاِحْتِرَازُ عَنْهُ بِحَيْثُ لَوْ كُلِّفَ الْعُدُولَ عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ لَشَقَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَعُمَّ الْمَحَلَّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ.
الثَّانِي أَنْ لا يَتَعَمَّدَ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ بِأَنْ لا يَقْصِدَ مَكَانَهُ بِالْوُقُوفِ فِيهِ مَعَ إِمْكَانِهِ فِي مَكَانٍ خَالٍ عَنْهُ.
الثَّالِثُ عَدَمُ رُطُوبَةٍ مِنَ الْجَانِبَيْنِ بِحَيْثُ لا تَكُونُ رِجْلُهُ مُبْتَلَّةً وَلا الزَّرْقُ رَطْبًا.
قَالَ: وَذَكَرَ الرَّمْلِيُّ [فِي شَرْحِ مَنْظُومَةِ ابْنِ الْعِمَادِ] أَنَّ زَرْقَ الطَّيْرِ إِذَا عَمَّ الْمَمْشَى عُفِيَ عَنِ الْمَشْيِ عَلَيْهَا مَعَ الرُّطُوبَةِ لِلضَّرُورَةِ كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ عَطِيَّةُ اهـ. [وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ]
(قالَ الرّملِيُّ في شَرحِ مَنظُومَةِ ابنِ العِمَادِ (ص/29): " (ورَوثُ طَيرٍ على حُصُرِ الْمَسَاجِدِ مَا في العَفوِ عَنهُ خِلافٌ مِن مَشَقَّتِه) أيْ لأَجْلِ مشَقَّتِه لأنّهُ كُلَّمَا غُسِلَ عَادَ فَتَركُوه علَيهَا للمَشَقَّةِ"، قالَ الرّشِيدِيُّ في حَاشِيَتِه (ص/29): "يُعفى عنهُ بشُرُوطٍ ثَلاثَةٍ الأَوّلُ مَا ذَكَرَه لا إنْ عَامِدًا إلخ، والثّاني أن لا يَكُونَ هُنَاكَ رُطُوبَةٌ مِن أحَدِ الجَانِبَينِ نَعَم إنْ لم يَجِد مَعدِلًا عَنهُ ولا طَريقًا غَيرَه كالْمُشَاةِ في مَطْهَرَة المسجِد عُفِيَ عنهُ معَ الرُّطُوبَةِ كمَا قَالَهُ ابنُ عبدِ الحقّ، قالَ عَليّ الشَّبرَامَلّسِي وهوَ قَرِيبٌ للمَشَقَّةِ. والثّالِثُ أنْ يَشُقَّ الاحترازُ عَنهُ" اهـ.
وَرَأَيْتُ بِهَامِشِ حَاشِيَةِ الشَّرْقَاوِيِّ مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ إِنِ اسْتَقَرَّ الشَّخْصُ بِمَحَلٍّ فِيهِ زَرْقُ طَيْرٍ فَإِنْ كَانَ قَدْ تَعَمَّدَهُ مَعَ عِلْمِهِ بِمَا فِيهِ لَمْ يُعْفَ عَنْهُ وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ ثَمَّ جِهَةٌ خَالِيَةٌ عَنْهُ رَأْسًا [أَيْ بِالْمَرَّةِ] فَكَذَلِكَ وَإِلَّا عُفِيَ عَنْهُ، وَلا يُكَلَّفُ الِانْتِقَالَ لِلْمَحَلَّاتِ الْخَالِيَةِ عَنْهُ الَّتِي بِخِلالِهِ لِلْمَشَقَّةِ فِي تَتَبُّعِهَا بِخِلافِ مَا إِذَا كَانَ الْخَالِي عَنْهُ جِهَةً مُسْتَقِلَّةً فَإِنَّهُ لا مَشَقَّةَ فِي قَصْدِهَا، وَهَذَا كُلُّهُ عَامٌّ فِيمَا قَبْلَ الإِحْرَامِ وَبَعْدَهُ، فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّ ثَمَّ جِهَةً خَالِيَةً عَنْهُ رَأْسًا وَجَبَ قَصْدُهَا وَتَبَيَّنَ عَدَمُ انْعِقَادِ الصَّلاةِ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الشُّرُوطِ بِمَا فِي نَفْسِ الأَمْرِ اهـ.
وَيُعْفَى عَنِ الْمَاءِ الْخَارِجِ مِنْ فَمِ النَّائِمِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ نَجِسٌ [عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهُ خَارِجٌ مِنَ الْمَعِدَةِ]، وَعَنِ الدَّمِ الْبَاقِي عَلَى اللَّحْمِ حَتَّى لَوْ طُبِخَ وَصَارَ الْمَاءُ مُتَغَيِّرًا بِهِ لا يَضُرُّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ سَوَاءٌ كَانَ وَارِدًا أَوْ مَوْرُودًا، نَعَمْ إِنْ لاقَاهُ مَاءٌ لِغَسْلِهِ اشْتُرِطَ زَوَالُ أَوْصَافِهِ قَبْلَ وَضْعِهِ فِي الْقِدْرِ، وَمِنْ ذَلِكَ يُعْلَمُ أَنَّ مَا يَفْعَلُهُ الْجَزَّارُونَ الآنَ مِنْ صَبِّهِمُ الْمَاءَ عَلَى اللَّحْمِ لإِزَالَةِ الدَّمِ عَنْهُ مُضِرٌّ لِعَدَمِ زَوَالِ الأَوْصَافِ، وَحِينَئِذٍ فَيَجِبُ عَلَى مَنْ يَأْخُذُ مِنْ هَذَا اللَّحْمِ أَنْ يَغْسِلَهُ قَبْلَ وَضْعِهِ فِي الْقِدْرِ حَتَّى تَصْفُوَ الْغُسَالَةُ فَلْيُتَنَبَّهْ لِذَلِكَ، وَقِيلَ يَجِبُ غَسْلُهُ مُطْلَقًا وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ مَاءٌ، وَقِيلَ يُعْفَى عَنْهُ وَإِنِ اخْتَلَطَ بِأَجْنَبِيٍّ، وَقِيلَ إِنَّهُ طَاهِرٌ. (ولَو وُضِعَ اللَّحْمُ في الماءِ على النّارِ للطَّبْخ فتَغَيَّر لَونُ الماءِ يُعفَى عنهُ وكَذَا لو شُوِيَ اللَّحْمُ فَبُسَّ مَا يَنِزُّ مِنهُ بالخُبْزِ وأُكِلَ الخُبْزُ)
ما قيل في الوشم ونجاسة الكلب في الشارع
وَيُعْفَى عَنْ مَحَلِّ الْوَشْمِ الْمَعْرُوفِ الآنَ بِالدَّقِّ وَهُوَ غَرْزُ الْجِلْدِ بِنَحْوِ إِبْرَةٍ حَتَّى يَبْرُزَ الدَّمُ ثُمَّ يُذَرُّ عَلَيْهِ نَحْوُ نِيلَةٍ لِيَزْرَقَّ بِهِ أَوْ يَخْضَرَّ هَذَا إِذَا فَعَلَهُ لِحَاجَةٍ لا يَصْلُحُ لَهَا غَيْرُهُ، أَوْ كَانَ وَقْتَ الْفِعْلِ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ مُكْرَهًا أَوْ جَاهِلًا بِالتَّحْرِيمِ مَعْذُورًا [أَيْ إِنْ كَانَ قَرِيبَ عَهْدٍ بِالإِسْلامِ أَوْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنِ الْعُلَمَاءِ] أَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى إِزَالَتِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ يُبِيحُ التَّيَمُّمَ، فَإِنْ فَعَلَهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ أَوْ لِحَاجَةٍ يَصْلُحُ لَهَا غَيْرُهُ وَهُوَ مُكَلَّفٌ مُخْتَارٌ عَالِمٌ بِالتَّحْرِيْمِ وَجَبَ عَلَيْهِ إِزَالَتُهُ إِنْ قَدَرَ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ يُبِيحُ التَّيَمُّمَ وَلا يَصِحُّ لَهُ وُضُوءٌ وَلا غُسْلٌ وَلا صَلاةٌ مَا دَامَ ذَلِكَ مَوْجُودًا بِهِ [لِأَنَّهُ حَامِلٌ نَجَاسَةَ الدَّمِ الَّذِي اخْتَلَطَ بِهَذَا الَّذِي يُذَرُّ الأَخْضَرُ أَوِ الأَزْرَقُ فَهُوَ كَنَجَاسَةٍ عَلَى ظَاهِرِ الْجَسَدِ لِذَلِكَ تَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّلاةِ]، وَإِذَا مَسَّ بِهِ شَيْئًا مَعَ الرُّطُوبَةِ نَجَّسَهُ، وَهُنَاكَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ عِنْدَنَا وَمُعْتَمَدٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ مَحَلَّ الْوَشْمِ يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ وَإِنْ لَمْ يَزُلِ اللَّوْنُ كَمَا أَفَادَهُ الْعَلَّامَةُ الْحُلْوَانِيُّ فِي رِسَالَتِهِ الْمُسَمَّاةِ «بِالْوَسْمِ» [هُوَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ بنُ إِسْمَاعِيلَ الْحُلْوَانِيُّ، مَوْلِدُهُ وَوَفَاتُهُ فِي «رَأْسِ الْخَلِيجِ» قُرْبَ دِمْيَاط، لَهُ مُؤَلَّفَاتٌ عَدِيدَةٌ مِنْهَا: الْوَسْمُ فِي الْوَشْمِ، تُوُفِّيَ 1308 هـ].
قال شيخنا رحمه الله: الوشم لا يؤثر على الغسل ولا على الوضوء لأنّه صار باطنًا.
وَيُعْفَى عَنْ طِينِ مَحَلِّ مُرُورٍ مُتَيَقَّنٍ نَجَاسَتُهُ وَلَوْ مِنْ مُغَلَّظٍ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ النَّجَاسَةُ مُسْتَهْلَكَةً فِيهِ [أَيْ مُخْتَلِطَةً بِهِ بِحَيْثُ لا تَتَمَيَّزُ عَنْهُ] أَمَّا إِذَا تَمَيَّزَتْ فَلا يُعْفَى عَنْهُ مَا لَمْ تَعُمَّهُ فَإِنْ عَمَّتْهُ عُفِيَ عَنْهَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا فِي الشَّبْرَامَلِّسِيِّ خِلافًا لِابْنِ حَجَرٍ حَيْثُ اسْتَوْجَهَ عَدَمَ الْعَفْوِ، (قالَ في فَتحِ الجَواد (ص/31): " (فرَوثَةُ الكَلْبِ والخِنزِيرِ إنْ وَقَعَتْ في شَارِعٍ أَطْلَقُوا عَفوًا لطِينَتِه) قالَ بَعضُهُم: وهوَ الْمُتَّجِهُ لا سِيَّمَا في مَوضِعٍ تَكثُرُ فيهِ الكِلابُ لِعُمُومِ الْمَشَقَّةِ ولأنَّ الشّوارِعَ مُعَدَّةٌ لِطَرْح النّجَاسَاتِ ومَطرَحُ الغُسَالاتِ فوَجَبَ استِوَاءُ جمِيعِها فِيها" اهـ.) وَلا فَرْقَ فِي مَحَلِّ الْمُرُورِ بَيْنَ الشَّارِعِ وَغَيْرِهِ [الْمُرَادُ بِهِ مَحَلُّ الْمُرُورِ الَّذِي عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى بِاخْتِلاطِهِ بِالنَّجَاسَةِ قَالَهُ الرَّشِيدِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ] كَدِهْلِيزِ بَيْتٍ وَحَمَّامٍ وَمَا حَوْلَ الْفَسَاقِيِّ مِمَّا لا يُعْتَادُ تَطْهِيرُهُ [أَيْ إِذَا تَنَجَّسَ]، أَمَّا مَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِحِفْظِهِ وَتَطْهِيرِهِ إِذَا أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ فَلا يُعْفَى عَنْهُ بَلْ مَتَى تُيُقِّنَتْ نَجَاسَتُهُ وَجَبَ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، وَمِنْهُ مَمْشَاةُ الْفَسَاقِيِّ [الْفَسَاقِيُّ الْحيَاضُ الصِّغَارُ الْمَوْضُوعَةُ فِي الْمَدَارِسِ وَالْبُيُوتِ، وَمِنْ جُمْلَةِ الْفَسَاقِيِّ مَغْطسُ الْحَمَّامِ وَبِرَكُ الْمَسَاجِدِ وَنَحْوُهَا مِمَّا لَمْ يَكُنْ جَارِيًا] الْمُسَمَّاةُ بِالطَّهَارَةِ فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ، أَفَادَهُ [أَيْ ذَكَرَهُ كَفَائِدَةٍ] الشَّبْرَامَلِّسِيُّ [فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى نِهَايَةِ الْمُحْتَاجِ].
وَيُعْفَى عَنِ الطِّينِ الْمَذْكُورِ وَلَوْ مَشَى فِيهِ حَافِيًا فَلا يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُ رِجْلَيْهِ، وَلَوِ انْتَقَلَ إِلَى مَحَلٍّ فَتَلَوَّثَ عُفِيَ عَنْهُ إِذَا كَانَ غَيْرَ مَسْجِدٍ وَإِلَّا فَلا يُعْفَى عَنْهُ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ يُصَانُ عَنِ النَّجَاسَةِ وَيَمْتَنِعُ تَلْوِيثُهُ بِهَا.
وَمِثْلُ الطِّينِ فِيمَا ذُكِرَ الْمَاءُ كَمَاءِ الْمَطَرِ النَّازِلِ فِي الشَّوَارِعِ النَّجِسَةِ وَالْمَاءِ الَّذِي تُرَشُّ بِهِ أَيَّامَ الصَّيْفِ، وَمَحَلُّ الْعَفْوِ عَنْ ذَلِكَ إِذَا وَصَلَ إِلَى الشَّخْصِ بِنَفْسِهِ أَمَّا لَوْ تَلَطَّخَ كَلْبٌ بِطِينِ الشَّارِعِ وَانْتَفَضَ عَلَى إِنْسَانٍ أَوْ رُشَّ السِّقَاءُ عَلَى الأَرْضِ النَّجِسَةِ أَوْ عَلَى ظَهْرِ كَلْبٍ فَتَطَايَرَ مِنْهُ شَىْءٌ عَلَى شَخْصٍ فَإِنَّهُ لا يُعْفَى عَنْهُ، قَالَ الرَّشِيدِيُّ فِي «حَاشِيَتِهِ عَلَى شَرْحِ مَنْظُومَةِ ابْنِ الْعِمَادِ»: وَنُقِلَ بِالدَّرْسِ عَنِ الشَّيْخِ سَالِمٍ الشَّبْشِيرِيِّ الْعَفْوُ عَمَّا تَطَايَرَ مِنْ طِينِ الشَّوَارِعِ عَنْ ظَهْرِ الْكَلْبِ لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ الْبِرْمَاوِيُّ أَيْضًا وَخَالَفَ الشَّبْرَامَلِّسِيُّ عَلَى الرَّمْلِيِّ فَمَالَ إِلَى عَدَمِ الْعَفْوِ اهـ. وَفِي «حَاشِيَةِ الْقَلْيُوبِيِّ عَلَى الْجَلالِ» مَا نَصُّهُ: وَسَوَاءٌ أَصَابَهُ الطِّينُ الْمَذْكُورُ مِنْ شَارِعٍ أَوْ مِنْ شَخْصٍ أَصَابَهُ أَوْ مِنْ مَحَلٍّ انْتَقَلَ إِلَيْهِ وَلَوْ مِنْ نَحْوِ كَلْبٍ انْتَفَضَ كَمَا مَالَ إِلَيْهِ شَيْخُنَا ءَاخِرًا، وَلا يُكَلَّفُ التَّحَرُّزَ فِي مُرُورِهِ عَنْهُ وَلا الْعُدُولَ إِلَى مَكَانٍ خَالٍ مِنْهُ اهـ. وَإِنَّمَا يُعْفَى عَنِ الْقَدْرِ الَّذِي يَعْسُرُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ غَالِبًا وَإِنْ كَثُرَ عُرْفًا وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلافِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالصِّفَةِ، فَيُعْفَى فِي الشِّتَاءِ عَمَّا لا يُعْفَى عَنْهُ فِي الصَّيْفِ، وَفِي الذَّيْلِ وَالرِّجْلِ عَمَّا لا يُعْفَى عَنْهُ فِي الْكُمِّ وَالْيَدِ، وَفِي حَقِّ الأَعْمَى زِيَادَةً عَنِ الْبَصِيرِ، أَمَّا مَا لا يَعْسُرُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ غَالِبًا بِأَنْ يُنْسَبَ صَاحِبُهُ إِلَى تَقْصِيرٍ كَأَنْ تَرَكَ التَّحَفُّظَ حِينَ الْمَشْيِ أَوْ سَقَطَ فَتَلَوَّثَ فَلا يُعْفَى عَنْهُ.
وَيُعْلَمُ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمَدَارَ هُنَا عَلَى عُسْرِ الِاحْتِرَازِ وَعَدَمِهِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِكَثْرَةٍ وَلا قِلَّةٍ وَإِلَّا لَعَظُمَتِ الْمَشَقَّةُ، وَقَدْ أَفَادَ الشَّبْرَامَلِّسِيُّ عَلَى الرَّمْلِيِّ [فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى نِهَايَةِ الْمُحْتَاجِ] أَنَّهُ يُعْفَى عَنِ اللَّوْثِ الْحَاصِلِ مِنْ طِينِ الشَّارِعِ فِي جَمِيعِ أَسْفَلِ الْخُفِّ وَأَطْرَافِهِ وَإِنْ مَشَى فِيهِ بِلا نَعْلٍ بِخِلافِ مِثْلِهِ مِنَ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ أَيْ لِكَثْرَةِ الْمَشَقَّةِ فِي التَّحَرُّزِ بِالنِّسْبَةِ لِلنَّعْلِ اهـ وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ أَبُو خُضَيْرٍ فِي «نِهَايَةِ الأَمَلِ» أَنَّهُ لَوْ حَصَلَ فِي نَعْلِهِ شَىْءٌ مِنْ طِينِ الشَّوَارِعِ أَوْ قَلِيلٌ مِنْ تُرَابِ الْمَقْبَرَةِ الْمَنْبُوشَةِ أَوِ الرَّمَادِ النَّجِسِ عُفِيَ عَنْهُ، وَكَذَا لَوْ عَرِقَتِ الرِّجْلُ فِي النَّعْلِ أَوِ اتَّسَخَتْ أَيْ وَإِنْ كَثُرَ الْوَسَخُ كَمَا يَحْصُلُ لِلتَّرَّاسِينَ [التُّرْسُ جَمْعُهُ أَتْرَاسٌ وَتِرَسَةٌ وَتِرَاسٌ وَتُرُوسٌ، وَالتَّرَّاسُ: صَاحِبُهُ وَصَانِعُهُ، وَالتِّرَاسَةُ: صَنْعَتُهُ] وَنَحْوِهِمْ فَإِنَّهُ يُعْفَى عَنْ وَسَخِ نِعَالِهِمُ الَّذِي يَكُونُ فِي أَرْجُلِهِمْ، وَلَوْ أَصَابَ وَسَخُ النَّعْلِ [أَيِ النَّجِسُ] ثَوْبًا عُفِيَ عَنْهُ« انْتَهَى، بِزِيَادَةٍ مِنْ «تَقْرِيرِ الْجَمَلِ عَلَى شَرْحِ مَنْظُومَةِ ابْنِ الْعِمَادِ« وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمِنَ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ مَاءُ الْمَيَازِيبِ الْمَشْكُوكُ فِيهِ بَلِ اخْتَارَ النَّوَوِيُّ الْجَزْمَ بِطَهَارَتِهِ، فَلَوْ كَانَ الشَّخْصُ مَارًّا بِالطَّرِيقِ فَنَزَلَ عَلَيْهِ مَاءٌ مِنْ مِيزَابٍ جَهِلَهُ فَالأَوْلَى لَهُ عَدَمُ الْبَحْثِ عَنْ هَذَا الْمَاءِ هَلْ هُوَ طَاهِرٌ أَوْ نَجِسٌ لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِطَهَارَتِهِ عَمَلًا بِالأَصْلِ مَا لَمْ يُعْلَمْ خِلافُهَا، وَمِثْلُ ذَلِكَ الْمَاءُ الَّذِي يُصَبُّ مِنَ الشَّبَابِيكِ فَالأَوْلَى عَدَمُ الْبَحْثِ عَنْهُ بَلْ قَالُوا إِنَّ الْبَحْثَ عَنْهُ بِدْعَةٌ.
وَلا يُعْفَى عَمَّا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنَ طُلُوعِ الْكِلابِ عَلَى الأَسْبِلَةِ وَرُقَادِهِمْ فِي مَحَلِّ وَضْعِ الْكِيزَانِ وَهُنَاكَ رُطُوبَةٌ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ.
وَلَوْ وَقَعَ حَيَوَانٌ مُتَنَجِّسُ الْمَنْفَذِ غَيْرُ ءَادَمِيٍّ فِي مَائِعٍ أَوْ مَاءٍ قَلِيلٍ وَأُخْرِجَ حَيًّا عُفِيَ عَمَّا عَلَى مَنْفَذِهِ فَلا يُنَجِّسُ الْمَائِعَ وَلا الْمَاءَ الْقَلِيلَ، أَمَّا إِذَا مَاتَ فِيهِمَا فَإِنَّهُ يُنَجِّسُهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ مِمَّا لا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ كَمَا سَيَأْتِي.
وَمِثْلُ الْمَنْفَذِ رِجْلُ الطَّائِرِ وَفَمُهُ بَلْ وَسَائِرُ أَعْضَائِهِ كَمَا فِي الْبُجَيْرِمِيِّ نَقْلًا عَنْ بَعْضِهِمْ، وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ نَزَلَ طَائِرٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ طُيُورِ الْمَاءِ فِي مَاءٍ وَزَرَقَ فِيهِ أَوْ شَرِبَ مِنْهُ وَعَلَى فَمِهِ نَجَاسَةٌ عُفِيَ عَنْهُ لِتَعذُّرِ الِاحْتِرَازِ عَنْ ذَلِكَ اهـ واللَّهُ أَعْلَمُ.
وَذَكَرَ الرَّشِيدِيُّ فِي «حَاشِيَتِهِ عَلَى شَرْحِ مَنْظُومَةِ ابْنِ الْعِمَادِ» أَنَّ الْقِطَّ وَالْحَيَوَانَاتِ وَالطُّيُورَ إِذَا تَنَجَّسَ فَمُهَا أَوْ رِجْلُهَا فَإِنْ غَابَتْ غَيْبَةً يُمْكِنُ وُرُودُهَا فِيهَا مَاءً كَثِيرًا [أَيْ قُلَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ] حَكَمْنَا عَلَيْهَا بِالنَّجَاسَةِ مَعَ احْتِمَالِ طَهَارَتِهِ وَعَلَى مُصَابِهَا (كأن لعقت يد شخص) بِالطَّهَارَةِ لِأَنَّا لا نُنَجِّسُ بِالشَّكِّ وَإِنْ لَمْ تَغِبْ حَكَمْنَا عَلَيْهَا بِالنَّجَاسَةِ قَطْعًا وَكَذَا عَلَى مُصَابِهَا لَكِنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ اهـ.
وَيُعْفَى عَنْ قَلِيلِ دُخَانِ نَجَاسَةٍ (لأن دخان النجاسة نجس)، وَعَنْ قَلِيلِ شَعَرٍ نَجِسٍ إِذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ مُغَلَّظٍ، وَعَنِ الْكَثِيرِ فِي حَقِّ الرَّاكِبِ وَالْقَصَّاصِ [أَيِ الَّذِي يَجُزُّ الشَّعَرَ]. (وقالَ بَعضُهُم إنّ شَعَرَ الهرِّ المنفَصِلِ عَنهُ طَاهِرٌ)
وَيُعْفَى عَنْ غُبَارِ الطَّرِيقِ النَّجِسِ، وَعَنْ غُبَارِ السِّرْجِينِ [وَهُوَ الزِّبْلُ. الْمِصْبَاح الْمُنِير] حَتَّى لَوْ أَصَابَ عُضْوَهُ الْمُبْتَلَّ أَوْ غَيْرَهُ مِنْ رَطْبٍ أَوْ مَائِعٍ لَمْ يَضُرَّ هَذَا إِنْ كَانَ قَلِيلًا عُرْفًا، نَعَمْ يُعْفَى عَنْ كَثِيرِ غُبَارِ السِّرْجِينِ فِي حَقِّ الْفَرَّانِ اهـ.
وَلَوْ بَالَ الْحَيَوَانُ أَوْ رَاثَ فَوْقَ كَوْمِ الْحُبُوبِ حَالَ الدِّرَاسَةِ [أَيْ فَصْلِ الْقَمْحِ عَنْ قِشْرِهِ] عُفِيَ عَنْهُ [هَذَا الْبَوْلُ الَّذِي يَنْزِلُ مِنَ الْبَقَرِ عِنْدَمَا يُدْرَسُ الْحَبُّ يُعْفَى عَنْهُ إِذَا كَانَ لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ تَقْذِيرٌ حَتَّى لِلأَكْلِ لا يُؤَثِّرُ إِنْ كَانَ جَفَّ وَلَمْ تَظْهَرْ فِيهِ رَائِحَةٌ لا يَكُونُ الْحَبُّ مُسْتَقْذَرًا. بَوْلُ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ عَدَدٌ مِنَ الأَئِمَّةِ يَعْتَبِرُونَهُ طَاهِرًا لَكِنْ لِشُرْبِهِ يُعَدُّ مُسْتَقْذَرًا وَمَعَ ذَلِكَ يَجُوزُ شُرْبُهُ لِلتَّدَاوِي. أُنَاسٌ مِنَ الْعَرَبِ الْمُشْرِكِينَ جَاءُوا إِلَى الْمَدِينَةِ وَأَسْلَمُوا ثُمَّ مَرِضُوا فَوَصَفَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَوْلَ الإِبِلِ وَحَلِيبَهُ فَشَرِبُوا مِنْهُ فَتَعَافَوْا فَلَمَّا تَعَافَوْا كَفَرُوا وَأَخَذُوا الإِبِلَ الَّتِي كَانُوا يَشْرَبُونَ مِنْ بَوْلِهَا وَحَلِيبِهَا حَتَّى صَحُّوا وَقَتَلُوا الرَّاعِيَ الَّذِي كَانَ مُوَكَّلًا بِالإِبِلِ فَلَحِقَهُمُ الْمُسْلِمُونَ فَأَدْرَكُوهُمْ وَسَمَلُوا (أي فَقَؤوا) أَعْيُنَهُمْ بِالْحَدِيدِ الْمُحْمَى وَقَطَعُوا أَطْرَافَهُمْ وَتَرَكُوهُمْ فِي الشَّمْسِ لِيَمُوتُوا لِأَنَّهُمْ فَعَلُوا بِالرَّاعِي مِثْلَ ذَلِكَ. حَلِيبُ الإِبِلِ وَبَوْلُهُ إِذَا خُلِطَا وَشُرِبَا لِمَنْ صَارَ فِيهِ اسْتِسْقَاءٌ فَسَادُ الْهَضْمِ فِيهِ شِفَاءٌ (والاستِسقَاءُ عِلَّةٌ في الكَبِدِ وهوَ ثَلاثَةُ أَنوَاع طَبْلِيٌّ ورِيْحِيٌّ وَزِقّي)].
وَلَوْ عَرِقَ مَحَلُّ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ وَانْتَشَرَ الْعَرَقُ عُفِيَ عَنْهُ [هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلَّذِي يَسْتَنْجِي بِالْحَجَرِ بَدَلَ الْمَاءِ لِلْمَخْرَجَيْنِ مَخْرَجِ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ. ثُمَّ هَذَا الشَّخْصُ إِذَا عَرِقَ هَذَا الْعَرَقُ لا يُنَجِّسُهُ، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ قَوْلٌ بِأَنَّ مَوْضِعَ الِاسْتِنْجَاءِ مَتَى مَا مُسِحَ بِالْحَجَرِ طَهُرَ قَالُوا هَذَا كَأَنَّهُ مَغْسُولٌ بِالْمَاءِ طَهُرَ هَذَا الْمَوْضِعُ هَذَا قَوْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، أَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لا يَطْهُرُ الْمَوْضِعُ لِأَنَّ الْحَجَرَ لا يُزِيلُ هَذَا الأَثَرَ بَلْ يَبْقَى مُتَنَجِّسًا لَكِنْ يُعْفَى عَنْهُ فَإِنْ عَرِقَ فَلا يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ. الصَّحَابَةُ أَكْثَرُهُمْ كَانُوا يَسْتَعْمِلُونَ الْحَجَرَ بَدَلَ الْمَاءِ لِأَنَّ الْمَاءَ لا يَتَيَسَّرُ فِي بِلادِهِمْ كَمَا يَتَيَسَّرُ فِي أَكْثَرِ الْبِلادِ]
ما لا دم له يسيل
وَكُلُّ مَيْتَةٍ لا دَمَ لَهَا سَائِلٌ إِذَا وَقَعَتْ فِي الْمَائِعِ أَوِ الْمَاءِ الْقَلِيلِ عُفِيَ عَنْهَا إِلَّا أَنْ غَيَّرَتْ مَا وَقَعَتْ فِيهِ وَلَوْ تَغَيُّرًا قَلِيلًا أَوْ طُرِحَتْ فِيهِ وَهِيَ مَيِّتَةٌ فَلا عَفْوَ، نَعَمْ لَوْ زَالَ التَّغَيُّرُ عَادَتِ الطَّهَارَةُ كَمَا فِي «فَتْحِ الْجَوَادِ» خِلافًا لِلرَّمْلِيِّ وَالْقَلْيُوبِيِّ، وَلَوْ صُفِّيَ مَا فِيهِ تِلْكَ الْمَيْتَةُ مِنْ خِرْقَةٍ عَلَى مَائِعٍ ءَاخَرَ لَمْ يَضُرَّ [الذُّبَابُ وَكُلُّ حَيَوَانٍ لَيْسَ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ لَوْ شُقَّ إِذَا وَقَعَ فِي مَاءٍ أَوْ شَرَابٍ كَالْحَلِيبِ فَمَاتَ فِيهِ لا يُنَجِّسُهُ يُعْتَبَرُ هَذَا الشَّرَابُ أَوْ هَذَا الْمَاءُ طَاهِرًا أَمَّا إِنْ رُمِيَتْ فِيهِ مَيْتَةُ هَذَا الْحَيَوَانِ فَإِنَّهَا تُنَجِّسُ الْمَاءَ الْقَلِيلَ أَيِ الَّذِي دُونَ قُلَّتَيْنِ وَسَائِرَ الْمَائِعَاتِ] وَلَوْ كَثُرَتْ فِي الْمَائِعِ فَأَخْرَجَ شَيْئًا مِنْهَا عَلَى رَأْسِ عُودٍ مَثَلًا فَسَقَطَ مِنْهُ فِي الْمَائِعِ ثَانِيًا بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ لَمْ يَضُرَّ وَلَهُ إِخْرَاجُ الْبَاقِي بِهَذَا الْعُودِ.
وَضَابِطُ مَا لا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ كُلُّ مَا لا يَسِيلُ دَمُهُ عِنْدَ شَقِّ عُضْوٍ مِنْهُ وَذَلِكَ كَالزُّنْبُورِ (أي الدَّبُّورِ وهوَ لَسَّاعٌ) وَالْعَقْرَبِ وَالْوَزَغَةِ وَالسُّحْلِيَةِ (كالشِّمَّيسَة وهيَ تُشبِهُ الوَزَغَ) وَالذُّبَابِ وَالدُّودِ وَالْفَرَاشِ وَالنَّمْلِ وَالْبُرْغُوثِ وَالْقَمْلِ وَالْبَقِّ وَالصُّرْصَارِ (دُوَيْبَّةٌ تحْتَ الأَرْضِ تَصِرُّ أَيّامَ الرَّبِيعِ) وَالْقُرَادِ (وهوَ الذي يَلْصَقُ على البَهائِم لِيَمتَصَّ دَمَها وحَجمُه صَغِيرٌ) وَالْخُنْفُسِ (دُوَيْبَّةٌ سَوْدَاءُ مُنْتِنَةُ الرِّيحِ ، وهيَ أَصْغَرُ مِنَ الجُعَل، تَكُونُ في أُصُولِ الحِيطَانِ). وَالنَّحْلِ وَبِنْتِ وَرْدَانَ (الصُّرصُور الأسود الذي على الشَّجَر) وَالْعَنْكَبُوتِ، وَمِمَّا يَسِيلُ دَمُهُ الْحَيَّةُ وَالضِّفْدِعُ وَالْفَأْرَةُ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي «شَرْحِ الْمُقَدِّمَةِ الْحَضْرَمِيَّةِ»: وَمَا شُكَّ فِي سَيْلِ دَمِهِ لَهُ حُكْمُ مَا يَتَحَقَّقُ عَدَمُ سَيَلانِ دَمِهِ وَلا يُجْرَحُ خِلافًا لِلْغَزَالِيِّ اهـ. وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ الشَّبْرَامَلِّسِيُّ حَيْثُ قَالَ: وَالْمُتَّجِهُ [أَيِ الأَقْرَبُ] أَنَّهُ لَوْ شَكَّ فِيهِ فَلَهُ الإِعْرَاضُ عَنِ اخْتِبَارِهِ وَالْعَمَلُ بِالطَّهَارَةِ حَيْثُ احْتَمَل أَنَّهُ مِمَّا لا يَسِيلُ دَمُهُ لِأَنَّا لا نُنَجِّسُ بِالشَّكِّ اهـ هَذَا وَلا تَنْسَ مَا تَقَدَّمَ لَكَ غَيْرَ مَرَّةٍ مِنَ الْقَوْلِ بِطَهَارَةِ تِلْكَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّ فِيهِ فُسْحَةً [قَوْلُ بَعْضِ الأَئِمَّةِ بِطَهَارَةِ مَيْتَةِ مَا لَيْسَ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ فُسْحَةٌ. شَخْصٌ في بِلادِنَا كَانَ عِنْدَهُ بَرْمِيلٌ كَبِيرٌ مِنْ الزَّيْتِ فَوَقَعَ فِيهِ فَأْرَةٌ فمَاتَت فَاسْتَفْتَانِي فَقُلْتُ لَهُ تَنَجَّسَ فَكَبَّهُ كُلَّهُ فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي التِّجَارَةِ لِأَنَّ الْفَأْرَةَ لَهَا دَمٌ سَائِلٌ إِذْ لَوْ جُرِحَ جِسْمُهَا يَطْلَعُ مِنْهُ دَمٌ سَائِلٌ وَبَعْضُ النَّاسِ لا يُبَالُونَ يَبِيعُونَهُ. وَرَجُلٌ كُتُبِيٌّ يَبِيعُ الْكُتُبَ كَانَ عِنْدَهُ كِتَابٌ اسْمُهُ مَنْبَعُ أُصُولِ الْحِكْمَةِ هَذَا الْكِتَابُ فِيهِ سِحْرٌ وَفِيهِ أَشْيَاءُ نَافِعَةٌ قُلْتُ لَهُ هَذَا الْكِتَابُ لا يَجُوزُ أَنْ تَبِيعَهُ وَلا أَنْ تَهَبَهُ قَالَ: مَاذَا أَفْعَلُ بِهِ ؟ قُلْتُ لَهُ: أَتْلِفْهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيَّ مِائَتَيْ نُسْخَةٍ فَأَخَذْنَاهَا إِلَى بُسْتَانٍ فَأَحْرَقْنَاهَا، هَذَا الرَّجُلُ لَوْلا أَنَّهُ يَخَافُ اللَّهَ مَا سَمَحَتْ نَفْسُهُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ يَطْلَعُ لَهُ مَبْلَغٌ كَبِيرٌ. هَذَا الْكِتَابُ فِيهِ أَشْيَاءُ نَافِعَةٌ وَفِيهِ سِحْرٌ وَكَهَانَةٌ مِثْلُ كِتَابِ شَمْسِ الْمَعَارِفِ الْكُبْرَى وَهُوَ كِتَابٌ يَجِبُ إِتْلافُهُ أَيْضًا لِأَنَّ فِيهِ دَعْوَةَ الْكَوَاكِبِ يَقُولُ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالْمِرِّيخُ وَعُطَارِدُ وَالْمُشْتَرِي وَزُحَلُ وَالزُّهْرَةُ كُلٌّ مِنْ هَؤُلاءِ لَهُ دَعْوَةٌ مَعْنَاهُ يُطْلَبُ مِنْهُ طَلَبٌ. لِقَضَاءِ الْحَاجَاتِ لِلشَّمْسِ يَقُولُ الْبَسْ لِبَاسَ كَذَا وَافْعَلْ كَذَا وَكَذَا وَقُلِ السَّلامُ عَلَيْكِ أَيَّتُهَا السَّيِّدَةُ الْمُنِيرَةُ افْعَلِي لِي كَذَا وَكَذَا، وَكِتَابُ مَنْبَعِ أُصُولِ الْحِكْمَةِ فِيهِ هَذَا أَيْضًا. كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَشْتَغِلُونَ بِهِ لِأَنَّ فِيهِ اخْتَلِ وَاقْرَأْ ءَايَةَ كَذَا بِعَدَدِ كَذَا أَوِ اسْمَ كَذَا بِعَدَدِ كَذَا يَحْصُلُ لَكَ كَذَا وَيُوهِمُهُ بِأَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ جَاهٌ أَوْ رِئَاسَةٌ أَوْ بِأَنَّهُ يَحْصُلُ عَلَى كَنْزٍ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَصِلُونَ إِلَى مَا يَذْكُرُهُ].
السرجين والإنفحة والدود
وَيُعْفَى عَنِ الْخُبْزِ الْمَخْبُوزِ بِالسِّرْجِينِ بِأَنْ وُضِعَ الرَّغِيفُ عَلَى نَفْسِ السِّرْجِينِ بَعْدَ إِيقَادِهِ أَوْ عَلَى عَرْصَةٍ عُجِنَتْ بِهِ فَيَجُوزُ أَكْلُهُ وَفَتُّهُ فِي نَحْوِ لَبَنٍ وَلَوْ بَقِيَ بِهِ شَىْءٌ مِنَ الرَّمَادِ، وَلا يَجِبُ غَسْلُ الْفَمِ إِذَا أَرَادَ الصَّلاةَ وَتَصِحُّ مَعَ حَمْلِهِ كَمَا قَالَهُ الْخَطِيبُ [نَقَلَهُ الْبُجَيْرِمِيُّ فِي تُحْفَةِ الْحَبِيبِ عَلَى شَرْحِ الْخَطِيبِ] وَخَالَفَهُ الْعَلَّامَةُ الرَّمْلِيُّ. قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْكَرِيْمِ الْمَطَرِيُّ فِي «حَاشِيَتِهِ عَلَى شَرْحِ السِّتِّينَ مَسْئَلَة»: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْجُبْنَ الْمَعْمُولَ بِالإِنْفَحَةِ أَيِ النَّجِسَةِ كَالْخُبْزِ فِي ذَلِكَ إِذْ لا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فَلْيُرَاجَعْ [وَالصَّوَابُ خِلافُ ذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِمَّا يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ] اهـ. (والإِنْفَحَةُ لا تَحْرُمُ بِالشَّكِّ لأِنَّهَا لَيْسَتْ لَحْمًا، وَلا تَتْبَعُ اللَّحْمَ وَإِنَّمَا هِيَ شَىْءٌ أَصْفَرُ يَتَجَمَّعُ فِي مَعِدَةِ السَّخْلَةِ وَهِيَ وَلَدُ الْغَنَمِ مِنَ الضَّأْنِ وَالْمَعَزِ سَاعَةَ وَضْعِهِ، فَمَا كُتِبَ عَلَيْهِ إِنْفَحَةٌ بَقَرِيَّةٌ لا يَحْرُمُ أَكْلُهُ بِالشَّكِّ إِلاَّ إِذَا تُيُقِّنَ أَنَّ مَا وُضِعَ فِيهِ مِنَ الإِنْفَحَةِ مِنْ مَيْتَةٍ. وَمَا كُتِبَ عَلَيْهِ جِيلاتِينُ بَقَرِيٌّ لا يَحْرُمُ أَكْلُهُ بِالشَّكِّ لأِنَّ هَذَا الْجِيلاتِينَ لَيْسَ مِنَ اللَّحْمِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الْعَظْمِ إِلاَّ إِذَا تُيُقِّنَ أَنَّهُ مِنْ مَيْتَتِةٍ.)
وَيُعْفَى عَنِ الْقَلِيلِ مِنْ نَقِيعِ السُّقُوفِ حَيْثُ تَحَقَّقَتْ نَجَاسَتُهُ بِأَنْ كَانَ السَّطْحُ مُلَيَّسًا بِتُرَابِ السِّرْجِينِ [هَذَا تَحَقَّقَتْ نَجَاسَتُهُ وَمَعَ هَذَا يُعْفَى عَنْ مَاءِ الْمَطَرِ الَّذِي يَتَقَاطَرُ مِنْهُ فَيُصِيبُ الْمَارِّينَ].
وَلَوْ سُلِقَتِ الْبَيْضَةُ بِالْمَاءِ النَّجِسِ تَنَجَّسَ ظَاهِرُهَا فَقَطْ دُونَ بَاطِنِهَا مِنَ الْبَيَاضِ وَالصُّفَارِ وَلا كَرَاهَةَ فِي أَكْلِهَا. وَلَوْ نُقِعَتْ حِمَّصَةٌ أَوْ زَيْتُونَةٌ فِي مَاءٍ نَجِسٍ طَهُرَتْ بِغَسْلِ ظَاهِرِهَا، وَلَوْ كَانَ عَلَى الْجِلْدِ [أَيْ جِلْدِ الْمَيْتَةِ] بَعْدَ دَبْغِهِ شَعَرٌ قَلِيلٌ عُفِيَ عَنْهُ [الدِّبَاغُ يَنْزَعُ الشَّعَرَ وَالْفَضَلاتِ لَكِنْ قَدْ يَبْقَى بَعْضُ الشَّعَرِ فَهَذَا الْبَعْضُ الْيَسِيرُ يُعْفَى عَنْهُ أَمَّا إِنْ كَانَ كَثِيرًا فَلا يُعْفَى عَنْهُ وَعِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ فِي الْمَذَاهِبِ الأُخْرَى يُعْفَى عَنِ الشَّعَرِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ. وَالدَّبْغُ الْمُطَهِّرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ هُوَ مَا يُزِيلُ بَقَايَا اللَّحْمِ الَّتِي عَلَى الْجِلْدِ وَالشَّعَرِ مَعَ الرُّطُوبَةِ الَّتِي فِي الْجِلْدِ لَكِنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ إِذَا بَقِيَ الْقَلِيلُ مِنَ الشَّعَرِ] وَتَقَدَّم عَنِ السُّبْكِيِّ [وَالسُّبْكِيُّ إِذَا أُطْلِقَ هُوَ تَقِيُّ الدِّينِ وَالِدُ تَاجِ الدِّينِ وَالْبَهَاءِ] أَنَّهُ اخْتَارَ طَهَارَتَهُ وَإِنْ كَثُرَ.
وَيُعْفَى عَنِ الدُّودِ الْمَيِّتِ فِي الْجُبْنِ وَالْمِشِّ وَالْخَلِّ وَالْفَاكِهَةِ وَيَجُوزُ أَكْلُهُ مَعَهُ لِعُسْرِ تَمْيِيزِهِ مَا لَمْ يُلْقِهِ فِيهِ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْهُ.
وَلَوْ تَنَجَّسَ الْجُبْنُ بِسَبَبِ وُقُوعِ فَأْرَةٍ فِي إِنَائِهِ طَهُرَ بِصَبِّ الْمَاءِ الطَّهُورِ عَلَيْهِ وَلا يَحْتَاجُ إِلَى عَصْرٍ، وَأَمَّا الْمِشُّ فَيَتَعَذَّرُ تَطْهِيرُهُ لِأَنَّهُ مَائِعٌ [وَالْمِشُّ مَعْنَاهُ اللَّبَنُ الْمُجَفَّفُ، وَهِيَ عَامِّيَّةٌ مِصْرِيَّةٌ. اللَّبَنُ الْمُجَفَّفُ يُذَابُ فِي الْمَاءِ وَيُؤْكَلُ وَأَحْيَانًا يُعْمَلُ كَالْجُبْنِ].
وَيُعْفَى عَنْ دُودِ الْقَزِّ إِذَا مَاتَ فِيهِ كَمَا قَالَهُ الْحَمَوِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ مُعَلِّلًا لَهُ بِأَنَّ الْحَرِيرَ لا يَخْرُجُ مِنْهُ إِلَّا بِإِلْقَائِهِ فِي الْمَاءِ وَإِغْلائِهِ فَدَعَتِ الضَّرُورَةُ إِلَى الْعَفْوِ [مَعْنَاهُ لا يُنَجِّسُ الْمَاءَ، أَمَّا رَمْيُهُ فِي الْمَاءِ الْمُغْلَى وَهُوَ حَيٌّ فَلا يَجُوزُ لِأَنَّهُ إِحْرَاقٌ لَهُ].
وَلَوْ صُنِعَ لِلنَّحْلِ كَوَّارَةٌ مِنْ رَوْثِ الْبَقَرِ أَوْ مِنْ رَمَادِ النَّجَاسَةِ عُفِيَ عَنْهَا فَيَجُوزُ الأَكْلُ مِنْ عَسَلِهَا. وَلَوْ حُلِبَتِ الْمَأْكُولَةُ فَأَصَابَ لَبَنَهَا وَقْتَ الْحَلْبِ شَىْءٌ مِنْ بَعَرِهَا أَوْ بَوْلِهَا عُفِيَ عَنْهُ [الَّذِي يَتَسَاقَطُ عِنْدَ الْحَلْبِ مِنَ الْبَوْلِ أَوْ مِنْ بَعَرِ الْبَهِيمَةِ لا يُنَجِّسُ هَذَا الْحَلِيبَ أَيْ لا يَجْعَلُهُ فِي حُكْمِ النَّجِسِ] وَكَذَا لَوْ كَانَ ضَرْعُهَا مُتَنَجِّسًا بِنَجَاسَةٍ تَمَرَّغَتْ فِيهَا أَوْ وُضِعَتْ عَلَى ثَدْيِهَا لِمَنْعِ وَلَدِهَا مِنْ شُرْبِهَا عُفِيَ عَنْهَا. وَلَوْ وُضِعَ إِنَاءٌ فِيهِ لَبَنٌ عَلَى نَارٍ نَجِسَةٍ لِتَسْخِينِهِ فَتَطَايَرَ شَىْءٌ مِنْهَا فِي اللَّبَنِ عُفِيَ عَنْهُ. وَلَوْ سُقِيَ الْبِطِّيخُ أَوْ نَحْوُهُ بِالنَّجِسِ حَتَّى نَمَا جَازَ أَكْلُهُ. وَلَوْ بُنِيَ الْمَسْجِدُ بِالآجُرِّ الْمَعْجُونِ بِالزِّبْلِ أَوْ فُرِشَتْ أَرْضُهُ بِهِ عُفِيَ عَنْهُ فَتَجُوزُ الصَّلاةُ عَلَيْهِ وَالْمَشْيُ عَلَيْهِ وَلَوْ مَعَ رُطُوبَةِ الرِّجْلِ اهـ.
القول في تطهير النار والشمس والريح والقول في جرة الحيوان وفم الصغير
وَيُعْفَى عَنِ الْجِرَارِ وَالأَزْيَارِ [فِي الْقَامُوسِ: «الزِّيْرُ: الدَّنُّ أَوِ الْحُبُّ» اهـ، وَقَالَ شَارِحُهُ وَهُوَ الزَّبِيدِيُّ: «وَالْجَمْعُ أَزْيَارٌ أَعْجَمِي» اهـ، وَالدَّنُّ: «الرَّاقُودُ الْعَظِيمُ أَوْ أَطْوَلُ مِنَ الْحُبِّ أَوْ أَصْغَرُ» قَالَهُ الْفَيْرُوزْءَابَادِي فِي الْقَامُوسِ، وَالرَّاقُودُ: «إِنَاءُ خَزَفٍ مُسْتَطِيلٌ مُقَيَّر» (انْظُرْ لِسَانَ الْعَرَبِ، وَالْحُبُّ: «الْجرَّةُ، أَوِ الضَّخْمَةُ مِنْهَا» قَالَهُ صَاحِبُ الْقَامُوسِ]
وَالأَبَارِيقِ وَالْقُلَلِ وَنَحْوِهَا الْمَعْجُونَةِ بِالطِّينِ الْمَخْلُوطِ بِالسِّرْجِينِ لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِذَلِكَ فَلا تُنَجِّسُ الْمَائِعَ وَلا الْمَاءَ الْقَلِيلَ إِذَا وُضِعَ فِيهَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ النَّارُ مُطَهِّرَةٌ فَرَمَادُ النَّجِسِ طَاهِرٌ عِنْدَهُ، وَحُكِيَ عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْحَضْرَمِيِّ مِنْ أَئِمَّتِنَا وَءَاخَرِينَ أَنَّ اللَّبِنَ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ إِذَا عُجِنَ بِعَيْنِ النَّجَاسَةِ وَطُبِخَ بِالنَّارِ يَطْهُرُ، وَحُكِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ الأَرْضَ الْمُتنَجِّسَةَ إِذَا لَمْ يَبْقَ لِلنَّجَاسَةِ طَعْمٌ وَلا لَوْنٌ وَلا رِيحٌ تَطْهُرُ بِالشَّمْسِ لَكِنْ لا يُتَيَمَّمُ مِنْهَا [وَأَكْثَرُ الأَصْحَابِ لَمْ يَعْمَلُوا بِهَذَا الْقَوْلِ وَهَذَا الْقَوْلُ مَحْكِيٌّ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَلَيْسَ مَذْهَبَهُ وَلا يَثْبُتُ عَنْهُ، وَأَمَّا مَا فِي الْقَدِيمِ وَالإِمْلاءِ مِمَّا حَمَلَهُ بَعْضُهُمْ كَالْمُهَذَّبِ وَشَرْحِهِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَلَيْسَ مَعْنَاهُ كَمَا ظَنُّوا بَلِ الطَّرِيقُ الْمُعْتَمَدُ أَنَّ الصَّحِيحَ الْقَطْعُ بِأَنَّ الأَرْضَ الْمُتَنَجِّسَةَ لا تَطْهُرُ بِمُجَرَّدِ الشَّمْسِ أَوِ الرِّيحِ وَمُرَادُ الشَّافِعِيِّ عَلَى مَا ذَكَرَ أَصْحَابُهُ أَرْضٌ مَضَتْ عَلَيْهَا السِّنُونَ وَأَصَابَهَا الْمَطَرُ. وَهَذَا الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي عَامَّةِ كُتُبِهِ كَمَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَصَاحِبُ الْمَجْمُوعِ]، وَعَنْ بَعْضِهِمْ وَبِالظِّلِّ أَيْضًا وَأَمَّا الثَّوْبُ إِذَا أَصَابَهُ الْبَوْلُ وَجُفِّفَ فِي الشَّمْسِ فَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لا يَطْهُرُ، وَقِيلَ بِطَرْدِ الْقَوْلَيْنِ فِي الأَرْضِ فِيهِ [يَعْنِي الْقَوْلانِ يَمْشِيَانِ فِيهِ]، قَالَ الْفُورَانِيُّ: فَإِنْ قُلْنَا يَطْهُرُ بِالشَّمْسِ فَهَلْ يَطْهُرُ بِالْجَفَافِ فِي الظِّلِ فِيهِ وَجْهَانِ اهـ قَالَ أَبُو الْفُتُوحِ الْعِجْلِيُّ بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ: وَلا خِلافَ أَنَّهُ لا يُكْتَفَى بِمُجَرَّدِ الْجَفَافِ بَلْ جَفَافٌ يَنْقَطِعُ مَعَهُ ءَاثَارُ النَّجَاسَةِ يَعْنِي الطَّعْمَ وَاللَّوْنَ وَالرِّيحَ ذَكَرَ ذَلِكَ الْعَلَّامَّةُ الْحُلْوَانِيُّ فِي رِسَالَتِهِ.
وَيُعْفَى عَنْ جِرَّةِ الْحَيَوَانِ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَهِيَ مَا يُخْرِجُهُ مِنْ جَوْفِهِ لِلْمَضْغِ ثَانِيًا ثُمَّ يَبْتَلِعُهُ، فَلَوْ أَصَابَ رِيقُهُ شَيْئًا أَوْ وَضَعَ فَمَهُ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ عُفِي عَنْهُ، وَأَمَّا قُلَّةُ الْبَعِيرِ [وَهِيَ مَا يُخْرِجُهُ مِنْ فَمِهِ] فَطَاهِرَةٌ لِأَنَّهَا مِنَ اللِّسَانِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ.
وَيُعْفَى عَنْ فَمِ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ وَإِنْ تَحَقَّقَتْ نَجَاسَتُهُ كَمَا «صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الصَّلاحِ [ابْنُ الصَّلاحِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَنِي عَنْهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ وَهُوَ الشَّيْخُ سُهَيْلٌ الزَّبِيبِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي مُوَظَّفٌ فِي الأَوْقَافِ إِنَّهُ لَمَّا نُبِشَ قَبْرُ ابْنِ الصَّلاحِ وُجِدَ جِسْمُهُ صَحِيحًا وَلِحْيَتُهُ كَمَا هِيَ ثُمَّ نُقِلَ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ لِأَنَّهُ كَانَ أُرِيدَ فَتْحُ شَارِعٍ إِلَى مَكَانٍ ءَاخَرَ، هُوَ مِنْ مُحَدِّثِي الشَّافِعِيَّةِ وَكَانَتْ وَفَاتُهُ قَبْلَ السَّبْعِمِائَةٍ لِلْهِجْرَةِ] حَيْثُ قَالَ: يُعْفَى عَمَّا اتَّصَلَ بِهِ شَىْءٌ مِنْ أَفْوَاهِ الصِّبْيَانِ مَعَ تَحَقُّقِ نَجَاسَتِهَا اهـ وَأَلْحَقَ غَيْرُهُ بِهَا أَفْوَاهَ الْمَجَانِينِ وَجَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ. قَالَ السَّيِّدُ أَبُو بَكْرٍ «وَنَقَلَ ابْنُ قَاسِمٍ عَنِ الرَّمْلِيِّ أَنَّهُ لَوْ تَنَجَّسَ فَمُ الصَّغِيرِ بِنَحْوِ الْقَىْءِ وَلَمْ يَغِبْ وَتُمُكِّنَ مِنْ تَطْهِيرِهِ بَلْ لَوِ اسْتَمَرَّ مَعْلُومَ التَّنَجُّسِ عُفِيَ عَنْهُ فِيمَا يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ كَالْتِقَامِ ثَدْيِ أُمِّهِ فَلا يَجِبُ عَلَيْهَا غَسْلُهُ، وَكَتَقْبِيلِهِ فِي فَمِهِ عَلَى وَجْهِ الشَّفَقَةِ مَعَ الرُّطُوبَةِ فَلا يَلْزَمُ تَطْهِيرُ الْفَمِ» اهـ، وَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلاحِ أَسْهَلُ وَبِهِ أَفْتَى ابْنُ حَجَرٍ.
ما قيل في ثياب الأطفال المتنجسة وما تلقيه الفيران في الأخلية وكي الحمصة
وَيُعْفَى عَنْ ثِيَابِ الأَطْفَالِ وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ عَلَيْهِمُ النَّجَاسَةَ (أي إنْ لم تُتَيَقَّن) حَتَّى لَوْ تَعَلَّقَ صَبِيٌّ بِمُصَلٍّ لَمْ يَضُرَّ، نَعَمْ لَوْ تَحَقَّقَتِ النَّجَاسَةُ فَلا عَفْوَ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُمْ فِي الصَّلاةِ، وَعِنْدَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يُعْفَى عَنِ الثِّيَابِ الْمَذْكُورَةِ وَإِنْ تَحَقَّقَتِ النَّجَاسَةُ، وَعِنْدَهُ أَيْضًا لَوِ احْتَاطَتِ الْمُرْضِعَةُ وَاحْتَرَزَتْ وَغَلَبَ عَلَى ثِيَابِهَا شَىْءٌ مِنْ بَوْلِ الصَّبِيِّ أَوْ رَوْثِهِ عُفِيَ عَنْهُ فَلَهَا الصَّلاةُ مَعَهُ مِنْ غَيْرِ نَضْحٍ وَلا غَسْلٍ لَكِنْ يُسَنُّ لَهَا أَنْ تَجْعَلَ لِلصَّلاةِ ثَوْبًا ءَاخَرَ وَهَذِهِ رُخْصَةٌ عَظِيمَةٌ.
وَمُقْتَضَى قَوَاعِدِ مَذْهَبِنَا مَعْشَرَ الشَّافِعِيِّينَ الْعَفْوُ أَيْضًا لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ لَكِنْ مَحَلُّهُ عِنْدَنَا إِذَا لَمْ تَقْدِرْ عَلَى ثَوْبٍ ءَاخَرَ أَوْ قَدَرَتْ وَحَصَلَ لَهَا مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ مِنْ غَسْلِهِ بِأَنْ كَانَتْ فِي الشِّتَاءِ، أَفَادَ ذَلِكَ نَظْمُ ابْنِ الْعِمَادِ وَشَرْحُهُ لِلرَّمْلِيِّ وَحَاشِيَةُ الرَّشِيدِيِّ عَلَيْهِ.
وَيُعْفَى عَمَّا تُلْقِيهِ الْفِيرَانُ فِي بُيُوتِ الأَخْلِيَةِ إِذَا كَانَ قَلِيلًا عُرْفًا وَلَمْ يَتَغَيَّرْ أَحَدُ أَوْصَافِ الْمَاءِ وَإِلَّا فَلا عَفْوَ، كَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو خُضَيْرٍ فِي «نِهَايَةِ الأَمَلِ»، وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ عَبْدِ الْكَرِيْمِ فِي «حَاشِيَتِهِ عَلَى شَرْحِ السِّتِّين»: قَالَ الشَّارِحُ فِي فَتَاوِيهِ يَعْنِي الرَّمْلِيَّ الْكَبِيرَ يُعْفَى عَمَّا تُلْقِيهِ الْفِيرَانُ مِنَ النَّجَاسَةِ فِي حِيَاضِ الأَخْلِيَةِ [وَالأَخْلِيَةُ هِيَ الْمَرَاحِيضُ]، وَمِثْلُهُ زَرْقُ الطُّيُورِ الْوَاقِعُ فِيهَا مُسْقَفَةً كَانَتْ أَوْ لا إِذَا كَثُرَ كُلٌّ مِنْهُمَا وَشَقَّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَلَمْ يَتَغَيَّرِ الْمَاءُ سَوَاءٌ كَانَ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ أَمْ لا فَإِنْ كَثُرَ وَلَمْ يَعْسُرِ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ لَمْ يُعْفَ عَنْهُ اهـ. وَذَكَرَ فِي «فَتْحِ الْمُعِينِ» أَنَّ الْفَزَارِيَّ بَحَثَ الْعَفْوَ عَنْ بَعْرِ الْفَأْرَةِ إِذَا وَقَعَ فِي مَائِعٍ [أَيْ غَيْرِ الْمَاءِ كَالزَّيْتِ وَنَحْوِهِ] وَعَمَّتِ الْبَلْوَى بِهِ، وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّ ابْنَ حَجَرٍ أَفْتَى بِالْعَفْوِ عَنْ رُطُوبَةِ الْبَاسُورِ لِمُبْتَلًى بِهَا، وَالْمُرَادُ بِهَا مَا يَخْرُجُ مِنْ دَمٍ وَنَحْوِهِ.
وَيُعْفَى عَنْ كَيِّ الْحِمَّصَةِ [هَذِهِ فِي مِصْرَ مَعْرُوفَةٌ فِي أَوْجَاعِ السَّاقِ يَسْتَشْفُونَ بِهَا] الْمَعْرُوفِ إِذَا كَانَ مَفْعُولًا لِحَاجَةٍ وَلا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ بِخِلافِ مَا إِذَا فُعِلَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ أَوْ لَهَا وَكَانَ غَيْرُهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فَلا يُعْفَى عَنْهُ، وَيُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الطَّبِيبِ الْعَدْلِ أَوْ مَعْرِفَةُ نَفْسِهِ، وَفِي كِفَايَةِ التَّجْرِبَةِ خِلافٌ [مَعْنَاهُ هَلْ يَكْفِي مُجَرَّدُ التَّجْرِبَةِ لِلشَّخْصِ نَفْسِهِ أَمْ لا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَى ذَلِكَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَى ذَلِكَ أَمَّا إِنْ كَانَ هُوَ لَهُ مَعْرِفَةٌ أَنَّهُ مُحْتَاجٌ لِذَلِكَ وَلَمْ يَجِدْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ فَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ]. وَمِثْلُ الْعَدْلِ غَيْرُهُ إِذَا وَقَعَ فِي الْقَلْبِ صِدْقُهُ.
وَيُعْفَى عَنِ الْحِمَّصَةِ الَّتِي تُوضَعُ فِيهِ وَتَصِحُّ الصَّلاةُ وَالإِمَامَةُ بِهَا، وَلا يَضُرُّ انْتِفَاخُهَا وَعِظَمُهَا فِي الْمَحَلِّ مَا دَامَتِ الْحَاجَةُ دَاعِيَةً إِلَيْهَا بِأَنْ كَانَتْ تَتَشَرَّبُ، وَيَجِبُ نَزْعُهَا(أي للصلاة) بَعْدَ انْتِهَاءِ الْحَاجَةِ إِلَيْهَا، فَإِنْ تَرَكَهَا بِلا عُذْرٍ ضَرَّ وَلا تَصِحُّ صَلاتُهُ حِينَئِذٍ [لِأَنَّهَا أَيِ الْحِمَّصَةَ تُلاقِي الْقَيْحَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ الْمَحَلِّ الَّذِي تُوضَعُ فِيهِ]. وَلا يَضُرُّ إِخْرَاجُهَا وَوَضْعُ غَيْرِهَا فِيهِ مَعَ بَقَاءِ أَثَرِ النَّجَاسَةِ مِنَ الأُولَى، كَمَا لا يَضُرُّ تَغْيِيرُ اللَّصُوقِ الْمُحْتَاجِ إِلَيْهِ وَإِنْ بَقِيَ أَثَرُ النَّجَاسَةِ مِنَ الأَوَّلِ مَا دَامَتِ الْحَاجَةُ دَاعِيَةً إِلَى ذَلِكَ، هَذَا كُلُّهُ إِذَا لَمْ يَقُمْ غَيْرُهَا مَقَامَهَا فِي مُدَاوَاةِ الْجُرْحِ وَالأَلَمِ وَإِلَّا لَمْ يُعْفَ عَنْهَا فَلا تَصِحُّ الصَّلاةُ وَهِيَ فِي الْجُرْحِ بَلْ يَجِبُ إِخْرَاجُهَا وَغَسْلُهُ عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ لا يَلْتَفِتُ الآنَ فِي اسْتِعْمَالِهَا إِلَى كُلِّ هَذِهِ الأَحْكَامِ، وَحِينَئِذٍ فَالأَوْلَى لَهُمْ أَنْ يُقَلِّدُوا مَا سَيَأْتِي عَنِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ.
ما قيل في روث المأكول وغير المأكول وما قيل فيما لا يدركه الطرف
هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمَعْفُوَّاتُ كَثِيرَةٌ وَتَنْقَسِمُ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ:
قِسْمٌ يُعْفَى عَنْهُ فِي الْمَاءِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ مَا لا يُدْرِكُهُ الطَّرْفُ أَيِ النَّظَرُ الْمُعْتَدِلُ.
وَقِسْمٌ يُعْفَى عَنْهُ فِي غَيْرِ الْمَاءِ مِنَ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ كَالدَّمِ الْقَلِيلِ وَأَثَرِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ.
وَقِسْمٌ يُعْفَى عَنْهُ فِي الْمَكَانِ فَقَطْ وَهُوَ زَرْقُ الطُّيُورِ بِالشُّرُوطِ الْمَارَّةِ.
وَقِسْمٌ يُعْفَى عَنْهُ فِي الْمَاءِ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ كَالْمَيْتَةِ الَّتِي لا دَمَ لَهَا سَائِلٌ بِالشُّرُوطِ الْمَارَّةِ أَيْضًا، وَمَا عَلَى مَنْفَذِ الْحَيَوَانِ غَيْرِ الآدَمِيِّ فَإِنَّهُ إِذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ لا يُنَجِّسُهُ [أَيْ إِذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ وَلَمْ يَمُتْ فِيهِ وَلاقَى مَنْفَذُهُ الْمَاءَ الْقَلِيلَ أَيِ الَّذِي دُونَ الْقُلَّتَيْنِ فَإِنَّهُ لا يُنَجِّسُهُ]، وَلَوْ حُمِلَ فِي الصَّلاةِ بَطَلَتْ، وَمِثْلُ الْمَاءِ الْمَائِعُ [أَيْ إِذَا وَقَعَ فِي الزَّيْتِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ لا يُنَجِّسُهُ بَلْ يُعْفَى عَنْهُ] وَالْمَنْفَذُ لَيْسَ بِقَيْدٍ كَمَا تَقَدَّمَ.
خَاتِمَةٌ: اعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَ الْحَنَفِيَّةِ فِي الْعَفْوِ أَوْسَعُ مِنْ مَذْهَبِنَا لِأَنَّهُمْ عَمَّمُوهُ فِي كُلِّ نَجَاسَةٍ لَمْ تَتَجَسَّدْ بِأَنْ كَانَتْ رَقِيقَةً لا جِرْمَ لَهَا يُشَاهَدُ بِالْبَصَرِ وَإِنْ شُوهِدَ أَثَرُهُ فَيُعْفَى عَنْهَا حِينَئِذٍ إِذَا كَانَتْ قَدْرَ عَرْضِ مُقَعَّرِ الْكَفِّ، وَطَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ أَنْ تَغْرِفَ الْمَاءَ بِالْيَدِ ثُمَّ تَبْسُطَهَا فَمَا بَقِيَ مِنَ الْمَاءِ فَهُوَ مِقْدَارُ عَرْضِ ذَلِكَ، وَكَذَا إِنْ تَجَسَّدَتْ وَلَمْ تَزِدْ عَلَى وَزْنِ مِثْقَالٍ وَهُوَ عِشْرُونَ قِيرَاطًا وَهَذَا الْمِثْقَالُ هُوَ الْمُسَمَّى بِالدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ نِسْبَةً إِلَى رَأْسِ الْبَغْلِ رَجُلٌ مِنَ الْملُوكِ ضَرَبَهُ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي الإِسْلامِ، لَكِنَّ الْعَفْوَ إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِصِحَّةِ الصَّلاةِ فَلا يُنَافِي أَنَّهُ يُسَنُّ غَسْلُ قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَمَا دُونَهُ، وَقِيلَ يُكْرَهُ قَدْرُ الدِّرْهَمِ تَحْرِيْمًا فَيَجِبُ غَسْلُهُ وَمَا دُونَهُ تَنْزِيهًا فَيُسَنُّ [هَذَا عَلَى قَوْلٍ عِنْدَهُمْ].
ثُمَّ هَذَا التَّفْصِيلُ فِي الْعَفْوِ إِنَّمَا هُوَ فِي النَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةِ عِنْدَهُمْ كَالدَّمِ الْمَسْفُوحِ مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ إِلَّا دَمَ شَهِيدٍ مَا دَامَ عَلَيْهِ، وَمَا بَقِيَ فِي لَحْمٍ مَهْزُولٍ أَوْ عُرُوقٍ مِنْ مُذَكَّاةٍ وَكَبِدٍ وَطِحَالٍ وَقَلْبٍ مَا لَمْ يَسِلْ، وَدَمَ سَمَكٍ وَلَوْ كَبِيرًا وَلَوْ سَالَ مِنْهُ، وَقَمْلٍ وَبُرْغُوثٍ وَبَقٍّ وَإِنْ كَثُرَ أَوْ تَعَمَّدَ إِصَابَتَهُ فَيُعْفَى عَنْ هَذِهِ الْمُسْتَثْنَيَاتِ كُلِّهَا، وَكَالْخَمْرِ وَكُلِّ مَا يَخْرُجُ مِنْ بَدَنِ الإِنْسَانِ مِمَّا يُوجِبُ الْغُسْلَ كَمَنِيِّهِ أَوِ الْوُضُوءَ كَقَيْئِهِ إِذَا مَلأَ الْفَمَ وَمَذْيِهِ وَوَدِيِّهِ وَعَذِرَتِهِ [وَهِيَ الْغَائِطُ] وَبَوْلِهِ وَلَوْ صَغِيرًا لَمْ يَطْعَمْ [عِنْدَهُمْ لا فَرْقَ بَيْنَ بَوْلِ الصَّبِيِّ وَغَيْرِهِ]، وَكَذَا بَوْلُ غَيْرِ الْمَأْكُولِ إِلَّا الْخُفَّاشَ فَطَاهِرٌ، وَمِثْلُ عَذِرَةِ الإِنْسَانِ زَرْقُ كُلِّ طَيْرٍ لا يَزْرِقُ فِي الْهَوَاءِ كَبَطٍّ أَهْلِيٍّ وَدَجَاجٍ، أَمَّا مَا يَزْرِقُ فِيهِ فَإِنْ كَانَ مَأْكُولًا فَطَاهِرٌ وَإِلَّا فَمُخَفَّفٌ وَسَيَأْتِي حُكْمُهُ. وَكَعَذِرَةِ الإِنْسَانِ أَيْضًا خَرْءُ كُلِّ حَيَوَانٍ غَيْرِ الطُّيُورِ وَغَيْرِ الْخُفَّاشِ إِذْ خَرْؤُهُ طَاهِرٌ كَبَوْلِهِ وَذَلِكَ كَرَوْثِ الْفَرَسِ وَالْبَقَرِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا يُؤْكَلُ وَكَرَوْثِ الْحِمَارِ وَالْفِيلِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا لا يُؤْكَلُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: خَرْءُ كُلِّ حَيَوَانٍ غَيْرِ الطُّيُورِ مُخَفَّفٌ اهـ وَطَهَّرَهُ مُحَمَّدٌ فِي قَوْلٍ ءَاخَرَ لِلبَلْوَى [مُحَمَّدُ بنُ الْحَسَنِ طَهَّرَ ذَلِكَ نَظَرًا لِعُمُومِ الْبَلْوَى أَيِ ابْتِلاءِ النَّاسِ بِهِ] فَرَوْثُ نَحْوِ الْحِمَارِ طَاهِرٌ عِنْدَهُ وَالرَّاجِحُ الأَوَّلُ، وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ «خَرْءُ كُلِّ حَيَوَانٍ» الْمُرَادُ بِالْحَيَوَانِ مَا لَهُ رَوْثٌ أَوْ خِثْيٌ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مَأْكُولًا كَالْفَرَسِ وَالْبَقَرِ أَوْ لا كَالْحِمَارِ وَإِلَّا فَخَرْءُ الآدَمِيِّ وَسِبَاعِ الْبَهَائِمِ مُتَّفَقٌ عَلَى تَغْلِيظِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ وَغَيْرِهِمَا فَافْهَمْ [فَتْحُ الْقَدِيرِ لِابْنِ الْهُمَّامِ وَالْبَحْرُ لِابْنِ نُجَيْمٍ. يُسَمُّونَهُ الْبَحْرَ الرَّائِقَ لَكِنْ هَذَا الْكِتَابُ الْبَحْرُ الرَّائِقُ كَأَنَّ فِيهِ أَنَّهُ يَجُوزُ كِتَابَةُ الْفَاتِحَةِ بِالْبَوْلِ وَالدَّمِ إِنْ عُلِمَ مِنْهُ شِفَاءٌ وَكِتَابَةُ الْفَاتِحَةِ بِالْبَوْلِ كُفْرٌ. نَحْوُ ثَلاثَةٍ مِنْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ فِيهَا هَذَا الشَّىْءُ وَالْعَجَبُ كَيْفَ سَكَتَ مَشَايِخُهُمْ عَنْ ذَلِكَ، فِي دِمْشَق مَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْهُمْ حَذَّرَ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا أَبَا سُلَيْمَانَ الزَّبِيبِيّ هُوَ حَذَّرَ، نِعْمَ الرَّجُلُ هُوَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَحَفِظَهُ، كَانَ لَهُ وَالِدٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو كَامِل قَالَ لِي كَانَ لِي دَيْنٌ عَلَى فِلَسْطِينِيٍّ كَانَ يَتْجَرُ فِي الْخُضْرَةِ فَتَعَسَّرَ عَلَيَّ اسْتِيفَاءُ دَيْنِي مِنْهُ فَذَهَبْتُ إِلَى فِلَسْطِينَ فَزُرْتُ الْخَلِيلَ فَوَجَدْتُ هُنَاكَ حَوْلَ الْقَبْرِ كُفَفَاءَ فَظَهَرَ سَيِّدُنَا إِبْرَاهِيمُ مِنَ الْقَبْرِ ثُمَّ احْتَجَبَ عَنِّي ثُمَّ مَدِينِي وَفَّانِي الدَّيْنَ، رَحِمَهُ اللَّهُ]، قَالَهُ ابْنُ عَابِدِينَ، وَذَكَرَ قَبْلَ ذَلِكَ أَنَّ الرَّوْثَ لِلْفَرَسِ وَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَالْخِثْيَ بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ لِلْبَقَرِ وَالْفِيلِ اهـ.
كلام المالكية والحنفية فيما يعفى عنه من النجاسات
وَأَمَّا النَّجَاسَةُ الْمُخَفَّفَةُ عِنْدَهُمْ وَهِيَ بَوْلُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَمِنْهُ الْفَرَسُ وَزَرْقُ الطَّيْرِ الَّذِي لا يُؤْكَلُ وَكَذَا خَرْءُ كُلِّ حَيَوَانٍ غَيْرِ الطُّيُورِ عَلَى مَا مَرَّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَيُعْفَى مِنْهَا عَمَّا دُونَ رُبُعِ الْعُضْوِ كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ إِنْ كَانَ الْمُصَابُ عُضْوًا، وَعَمَّا دُونَ رُبُعِ الثَّوْبِ إِنْ كَانَ الْمُصَابُ ثَوْبًا، وَالْمُرَادُ رُبُعُ طَرَفٍ أَصَابَتْهُ النَّجَاسَةُ كَالذَّيْلِ وَالْكُمِ. وَقِيلَ: بَلْ عَمَّا دُونَ رُبُعِ جَمِيعِ الْبَدَنِ أَوِ الثَّوْبِ [عِنْدَهُمْ قَوْلانِ فِي هَذَا فَعَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَهُمْ يُعْتَبَرُ رُبُعُ الذَّيْلِ أَيْ ذَيْلِ الْقَمِيصِ وَالإِزَارِ وَعَلَى الْقَوْلِ الآخَرِ رُبُعُ الْقَمِيصِ] وَرَجَّحَهُ فِي النَّهْرِ [هُوَ كِتَابُ «النَّهْرِ الْفَائِقِ بِشَرْحِ كَنْزِ الدَّقَائِقِ فِي فُرُوعِ الْحَنَفِيَّةِ لِأَبِي الْبَرَكَاتِ النَّسَفِيِّ» شَرَحَهُ سِرَاجُ الدِّينِ عُمَرُ بنُ نُجَيْمٍ الْحَنَفِيُّ] لَكِنَّ الْفَتْوَى عَلَى الأَوَّلِ، وَعَلَى كُلٍّ فَالرُّبُعُ هُوَ حَدُّ التَّفَاحُشِ الَّذِي لا يُعْفَى عَنْهُ [مَا كَانَ قَدْرَ الرُّبُعِ هُوَ الَّذِي لا يُعْفَى عَنْهُ]. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ: حَدُّهُ شِبْرٌ فِي شِبْرٍ، وَقَالَ غَيْرُهُ: ذِرَاعٌ فِي ذِرَاعٍ، وَالْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةٌ فِي كُتُبِهِمْ.
وَفِي «شَرْحِ التَّنْوِيرِ» [هُوَ شَرْحٌ عَلَى كِتَابِ «تَنْوِيرِ الأَبْصَارِ وَجَامِعِ الْبِحَارِ فِي الْفُرُوعِ» لِلشَّيْخِ شَمْسِ الدِّينِ مُحَمَّدٍ الْغَزِّيِّ الْحَنَفِيِّ الْمُتَوَّفَى سَنَةَ 1004 هـ] أَنَّ بَوْلَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَهَّرَهُ مُحَمَّدٌ، وَأَنَّ زَرْقَ الطَّيْرِ الَّذِي لا يُؤْكَلُ قِيلَ بِطَهَارَتِهِ كَذَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ الْحُلْوَانِيُّ فِي رِسَالَتِهِ مَعَ زِيَادَةٍ.
ثُمَّ قَالَ: «وَأَوْسَعُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ مَا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ مِنَ الْقَوْلِ بِأَنَّ إِزَالَةَ النَّجَاسَةِ مُطْلَقًا لا تَجِبُ(أي غَيرِ بَولِ الإنسانِ لأنَّ البَولَ لا يَجُوزُ التَّضَمُّخُ بهِ إجمَاعًا). قَالَ: وَيَحْضُرُنِي الآنَ فِي ذَلِكَ جَوَابُ سُؤَالٍ رُفِعَ إِلَى الْعَلَّامَةِ الشَّيْخِ يُوسُفَ الزَّيَّاتِ شَيْخِ الْمَالِكِيَّةِ بِالْجَامِعِ الأَحْمَدِيِّ أَثْنَاءَ هَذَا الْقَرْنِ مَا نَصُّهُ: مَا تَقُولُ السَّادَةُ الْمَالِكِيَّةُ فِيمَنْ صَلَّى مُتَلَبِّسًا بِالنَّجَاسَةِ مُتَعَمِّدًا مَا الْحُكْمُ فِي صَلاتِهِ؟ وَنَصُّ الْجَوَابِ أَنَّ فِي إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ عِنْدَنَا أَعْنِي الْمَالِكِيَّةَ خِلافًا عَلَى ثَلاثَةِ أَقْوَالٍ فَقِيلَ بِالْوُجُوبِ، وَقِيلَ بِالسُنِّيَّةِ، وَقِيلَ بِالِاسْتِحْبَابِ، وَالْقَوْلُ بِالسُّنِّيَّةِ قَوِيٌّ فِي الْمَذْهَبِ قَالَ بِهِ جُمْهُورُ الْمَالِكِيَّةِ، وَعَلَيْهِ فَمَنْ صَلَّى بِالنَّجَاسَةِ صَحَّتْ صَلاتُهُ، وَلا فَرْقَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ بَيْنَ الْمُغَلَّظَةِ وَالْمُخَفَّفَةِ وَلا يَرَوْنَ هَذَا التَّقْسِيمَ أَصْلًا، فَيَنْفَعُ لِمَنْ عَرَضَ لَهُ الْوَسْوَاسُ وَتَمَكَّنَ مِنْهُ أَنْ يُقَلِّدَ هَذَا الْقَوْلَ لِأَنَّهُ رَاجِحٌ فِي الْمَذْهَبِ، بَلْ رُبَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِهِ لِأَنَّ مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ ارْتِكَابَ أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ، وَلَوْ كَانَ هَذَا الْمُقَلِّدُ شَافِعِيًّا فَيَتَوَضَّأُ عَلَى مَذْهَبِهِ فَيَمْسَحُ بَعْضَ رَأْسِهِ وَيُقَلِّدُ الْمَالِكِيَّةَ فِي الْقَوْلِ بِسُنِّيَّةِ إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ لِصِحَّةِ صَلاتِهِ لِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ جَوَازُ التَّلْفِيقِ فِي الْعِبَادَةِ بَيْنَ مَذْهَبَيْنِ [عِنْدَهُمْ هَذَا الْقَوْلُ الرَّاجِحُ جَوَازُ التَّلْفِيقِ بَيْنَ مَذْهَبَيْنِ (بشَرْطِ أنْ لا يَكُونَ الحَاصِلُ على صُورَةٍ تُخَالِفُ الإجمَاعَ] كَمَا أَفْتَى بِهِ الْعَلَّامَةُ الْعَدَوِيُّ أَيْ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالدَّالِ نَفَعَنَا اللَّهُ بِهِ وَالتَّقْلِيدُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ جَائِزٌ وَلَوْ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَلا يُشْتَرَطُ فِي الْمُقَلِّدِ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ مُقَلَّدَهُ أَرْجَحُ بَلْ لَوِ اعْتَقَدَ أَنَّهُ رَاجِحٌ كَفَاهُ. وَلِلْمَالِكِيِّ وَمَنْ قَلَّدَه أَنْ يَأْكُلَ بِيَدِهِ مِنْ غَيْرِ غَسْلٍ وَلَوْ خَالَطَ بِهَا رِيقَ الْكَلْبِ وَلَهُ الصَّلاةُ بِمَا مَسَّهُ رِيقُ الْكَلْبِ مِنْ ثِيَابِهِ وَبَدَنِهِ، وَعَذِرَتُهُ وَبَوْلُهُ كَغَيْرِهِمَا مِنْ سَائِرِ النَّجَاسَاتِ فَيَجْرِي فِيهَا الْقَوْلُ بِالسُّنِّيَّةِ [مَعْنَاهُ إِنْ أَصَابَ الشَّخْصَ بَوْلُ الْكَلْبِ أَوْ غَائِطُهُ تَصِحُّ صَلاتُهُ بِدُونِ غَسْلِهَا عَلَى الْقَوْلِ بِسُنِّيَّةِ غَسْلِ النَّجَاسَةِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ]، وَبِالْجُمْلَةِ فَدِينُ اللَّهِ يُسْرٌ لا عُسْرٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [سُورَةَ الْحَج/78] الحَرَجُ يُفَسَّرُ بالضِّيْقِ فجَعَلَ اللهُ الدِّينَ واسِعًا حِينَ رَخَّصَ في التّيَمُّم عندَ فَقدِ الماءِ والجَمعِ والقَصرِ للصّلاةِ في السّفَرِ والفِطْرِ للمُسَافِر والمريضِ في رمضَانَ.
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بُعِثْتُ بِالشَّرِيعَةِ السَّمْحَةِ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ بِلَفْظِ: «بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ»] أَيِ الدِّينِ السَّهْلِ، فَيَنْبَغِي لِكُلِّ عَاقِلٍ أَنْ يَدْفَعَ الْوَسْوَاسَ عَنْ نَفْسِهِ بِقَدْرِ مَا يُمْكِنُهُ فَإِذَا حَدَّثَهُ بِبُطْلانِ صَلاتِهِ أَوْ وُضُوئِهِ كَذَّبَهُ فِي ذَلِكَ وَيَحْكُمُ بِصِحَّةِ ذَلِكَ». انْتَهَى الْجَوَابُ بِحُرُوفِهِ وَهُوَ نَفِيسٌ جِدًّا.
وَقَوْلُهُ: «فَيَتَوَضَّأُ عَلَى مَذْهَبِهِ فَيَمْسَحُ بَعْضَ رَأْسِهِ» مَبْنِيٌّ عَلَى مَشْهُورِ مَذْهَبِ مَالِكٍ مِنْ وُجُوبِ مَسْحِ جَمِيعِ الرَّأْسِ وَمُقَابِلُهُ الِاكْتِفَاءُ بِمَسْحِ ثُلُثِ الرَّأْسِ أَوْ مَسْحِ مُقَدَّمِهِ أَوْ مَسْحِ ثَلاثَةِ أَجْزَاءٍ مِنْ ثَلاثِ شَعَرَاتٍ أَوْ مَسْحِ بَعْضِ شَعْرَةٍ كَمَذْهَبِنَا انْتَهَى.
وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ الْعَلَّامَةِ ابْنِ الْعِمَادِ فِي مَنْظُومَتِهِ: [الْبَسِيط]
لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ فِي ذَا الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ لُطْفًا وُجُودًا عَلَى إِحْيَا خَلِيقَتِهِ
وَمَا التَّنَطُّعُ إِلَّا نَزْغَــةٌ وَرَدَتْ مِنْ مَكْرِ إِبْلِيسَ فَاحْذَرْ سُوءَ فِتْنَتِهِ
إِنْ تَسْتَمِعْ قَوْلَهُ فِيمَا يُوَسْوِسُهُ أَوْ نُصْحَ رَأْيٍ لَهُ تَرْجِعْ بِخَيْبَتِهِ
الْقَصْدُ خَيْرٌ وَخَيْرُ الأَمْرِ أَوْسَطُهُ دَعِ التَّعَمُّقَ وَاحْذَرْ دَاءَ نَكْبَتِهِ
وَالْحَرَجُ الضِّيقُ وَالْمَشَقَّةُ، وَالْقَصْدُ التَّوَسُّطُ، وَالتَّعَمُّقُ وَالتَّنَطُّعُ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ التَّشْدِيدُ فِي الطَّهَارَةِ وَالصَّلاةِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ أَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ، وَقَدْ قَالُوا إِنَّ لِلْمُوَسْوِسِينَ شَيْطَانًا يَضْحَكُ عَلَيْهِمْ وَيَسْتَهْزِئُ بِهِمْ نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى السَّلامَةَ مِنْهُ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ ءَامِينَ. انْتَهَى كَلامُ الْجُرْدَانِيِّ.
https://www.islam.ms/ar/?p=583