غزوةُ حُنينٍ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
كانت غزوةُ حُنينٍ في شوّالٍ سنة ثمانٍ للهجرة، وفيها نصر الله رسوله ومن معه من المؤمنين على المشركين أهل الشرك والباطل وقد كان من أمرها:
أن النبي صلى الله عليه وسلم بعدما أقام بمكة عام الفتح نصف شهر لم يزد على ذلك، جاءت هوازنُ وثقيفٌ فنزلوا "حنين" وهو وادٍ بين مكة والطائف، وهم يؤمئذٍ عامدون يريدون قتال النبي صلى الله عليه وسلم وكانت الرياسة في جميع عسكر المشركين لمالك بن عوف النّصريّ.
فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إليه عبد الله بن أبي حدردٍ الأسلميّ، وأمره أن يدخل في الناس فيقيم فيهم حتى يأتيه بخبرهم، فأتى وأخبر رسول الله بما شاهد فيهم. فعزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على قصدهم وخرج في اثني عشر ألفًا من المسلمين حتى أتى وادي "حنينٍ".
وكانت هوازن قد كمنت في جنبتي الوادي وذلك في غبش الصبح فحملت على المسلمين حملة رجلٍ واحدٍ فانهزم جمهور المسلمين وفرَّ قسمٌ فرارًا لم يكن بعيدًا، ولم يحصل من جميعهم وإنما كانت هزيمتهم فجأةً لانصبابهم عليهم دفعةً واحدةً ورشقهم بالسهام ونحو ذلك.
ولم يرد أن النبيّ صلى الله عليه وسلم انهزم وقد قالت الصحابة كلُّهم: إنه صلى الله عليه وسلم ما انهزم، ولم ينقل أحد قطٌّ أنه انهزم صلى الله عليه وسلم في موطنٍ من المواطن. وقد نقلوا إجماع المسلمين على أنه لا يجوز أن يعتقد انهزامه صلى الله عليه وسلم ولا يجوز ذلك عليه.
فقد ثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفرٌ من المهاجرين والأنصار وأهل بيته منهم أبو بكرٍ وعمر وعليّ والعباس لم ينهزموا.
وكان عليه الصلاة والسلام على بغلته الشهباء واسمها "دُلدُلُ" يقودها أبو سفيان بن الحارث والعباس عمُّ النبيّ.
وقد قال العلماء: إن ركوبه صلى الله عليه وسلم البغلة في موطن الحرب وعند اشتداد الناس هو النهاية في الشجاعة والثبات ولأنه يكون معتمدًا يرجع المسلمون إليه وتطمئنُّ قلوبهم به وبمكانه وإنما فعل هذا عمدًا وإلا فقد كانت له صلى الله عليه وسلم أفراسٌ معروفة.
فصار رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " أيها الناس أنا رسول الله وأنا محمد بن عبد الله" وأمر العباس وكان جهير الصوت أن ينادي : "يا معشر الأنصار، يا معشر المهاجرين، يا معشر الخزرج"، فلما سمعوا الصوت أجابوا: "لبيك، لبيك" فلما ذهبوا ليرجعوا كان الرجل منهم لا يستطيع أن ينفذ ببعيره لكثرة الأعراب المنهزمين فكان يأخذ سيفه ودرعه ويقتحم عن بعيره ويخلي سبيله ويكرُّ راجعًا على قدميه إلى رسول الله، حتى إذا اجتمع حواليه صلى الله عليه وسلم مائة رجلٍ أو نحوهم استقبلوا هوازن بالضرب.
واشتدت الحرب، وكثر الطعن والجلاد، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركائبه فنظر إلى مجتلد القوم (أي مكان جلادهم وعراكهم) فقال: "الآن حمي الوطيس". ونزل عن بغلته وجعل يقول: "أنا النبيُّ لا كذب، أنا ابن عبد المطَّلب" فما رئي من الناس أشدُّ منه، وقد غشاه المشركون، وهذه نهاية الثبات والشجاعة والصبر.
وقد أخبرت الصحابة بشجاعته في جميع المواطن وأنهم كانوا يتقون به في الحرب.
وقد أراد النبيُّ بقوله: "أنا النبيُّ لا كذب أنا ابن عبد المطلب" تذكيرهم وتنبيههم بأنه لا بد من ظهوره على الأعداء وأن العاقبة له، لتقوى نفوسهم، وأعلمهم أيضًا بأنه ثابتٌ ملازمٌ للحرب، وعرّفهم موضعه ليرجع إليه الراجعون.
وقذف الله عزَّ وجلَّ في قلوب هوازن الرعب حين وصلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك أنّ رسول الله إذا واجههم وواجهوه صاح بهم صيحةً ورمي في وجوههم بالحصا وقال: "شاهت الوجوه، شاهت الوجوه" فلم تبق عينٌ إلا دخلها من ذلك فلم يملكوا أنفسهم وولّوا مدبرين وفي ذلك يقول الله عزّ وجلّ: {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} [سورة الأنفال/17]
https://www.islam.ms/ar/?p=424