مَتنُ العَقِيدَة النَّسَفِيَّة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد الأمين وبعد ،
قال النسفي رحمه الله: قَالَ أَهْلُ الحَقِّ:
حَقَائقُ الأشْياءِ ثَابِتَةٌ، والعِلْمُ بِها مُتَحقِّقٌ خلافا للسوفسطائية.
وأسْبَابُ العِلْمِ للخَلْقِ ثَلاثَةٌ : الحَوَاسُّ السَّلِيمَةُ، وَالخَبَرُ الصَّادِقُ، وَالعَقْلُ.
فالحَـوَاسُّ خـمْـسٌ : السَّمْعُ، والبَصَـرُ، والشَّـمُّ، واللَّمْـسُّ، والذَّوق، وبكُلِّ حَاسَّةٍ مِنـهَا يُـوقَفُ عَلَى مَا وُضِعَتْ هِـيَ لَهُ.
والخَبـَرُ الصَّـادِقُ عَـلَى نَوْعَينِ: (أحدهُما) الخَـبَرُ المُتَواتِرُ، وَهوَ الخَـبَرُ الثّابِتُ على أَلْسِنَةِ قَوْمٍ لا يُتصوَّرُ تَـواطُؤهُم، عَـلَى الكَذِبِ، وَهوَ مُوجِبٌ للعِلْمِ الضَّـرُورِيِّ، كالعِلْمِ بالمُلُوكِ الخَالِيَةِ في الأزْمِنَةِ المَاضِيَةِ والبُلدَانِ النَّائِيَةِ.
والنوع الثاني: خبرُ الرسولِ المؤيَّدِ بالمعجزةِ، وهو يُوجبُ العلمَ الاستدلاليَّ، والعلمُ الثابتُ بهِ يُضاهي العلمَ الثابتَ بالضرورةِ في التيقنِ والثباتِ.
وأما العقلُ: فهو سببٌ للعلمِ أيضًا، وما ثبتَ منه بالبديهةِ فهو ضروريٌّ كالعلمِ بأنَّ كلَّ الشىءِ أعظمُ من جزئِهِ، وما ثبتَ منهُ بالاستدلالِ فهو اكتسابيٌّ.
والعَالَم بجميعِ أجْزَائِهِ مُحْدَثٌ ؛ إذ هو أعيان وأعراض، فالأعيان ما له قيام بذاته، وهو إما مركب، أو غير مركب، كالجوهر، وهو الجزء الذي لا يتجزأ، والعرض ما لا يقوم بذاته، ويحدث في الأجسام والجواهر، كالألوان والأكوان والطعوم والروائح.
والمحدث للعالم هو الله تعالى، الواحد، القديم، الحي، القادر، العليم، السميع، البصير، الشائي، المريد، ليس بعرض، ولا جسم، ولا جوهر، ولا مصور، ولا محدود، ولا معدود، ولا متبعض، ولا متجزئ، ولا متناه، ولا يوصف بالماهية، ولا بالكيفية، ولا يتمكن في مكان، ولا يجري عليه زمان، ولا يشبهه شيء، ولا يخرج عن علمه وقدرته شيء.
وله صفات أزلية قائمة بذاته، وهي لا هو ولا غيره [أي صفاته ثابت لذاته لا تنفك عنه]. وهي العلم، والقدرة، والحياة، والقوة، والسمع، والبصر، والإرادة، والمشيئة، والفعل، والتخليق، والترزيق، والكلام، وهو متكلم بكلامٍ هو صفة له، أزلية، ليس من جنس الحروف والأصوات، وهو صفة مُنافية للسكوت والآفة، والله تعالى متكلم بها آمر ناه مخبر. والقرآن كلام الله تعالى غير مخلوق، وهو [أي اللّفظ المنزَّل الّذي يدُلُّ عليه] مكتوب في مصاحفنا، محفوظٌ في قلوبنا، مقروء بألسنتنا، مسموع بآذاننا، غير حال فيها. والتكوين صفة لله تعالى أزلية، وهو تكوينه تعالى للعالم ولكل جزء من أجزائه لا في الأزل، بل لوقت وجوده على حسب علمه وإرادته. وهو غيرُ المكوَّنِ عندنا. والإرادة صفة لله تعالى أزلية قائمة بذاته.
ورؤية الله تعالى جائزة في العقل واجبة بالنقل، وَرَدَ الدليل السمعي بإيجاب رؤية المؤمنين الله تعالى في دار الآخرة، فيُرى لا في مكانٍ ولا على جهة من مقابلة ولا اتصال شعاع ولا ثبوت مسافة بين الرائي وبين الله تعالى.
والله تعالى خالق لأفعال العباد كلها، من الكفر والإيمان والطاعة والعصيان، وهي كلها بإرادته ومشيئته وحُكْمِهِ وقضيتِهِ وتقديره.
وللعباد أفعال اختيارية يثابون بها ويعاقبون عليها. والحَسَنُ منها برضاء الله تعالى، والقبيح منها ليس برضاه.
والاستطاعة مع الفعل، وهي حقيقة القدرة التي يكون بها الفعل، ويقع هذا الاسم على سلامة الأسباب والآلات والجوارح، وصحة التكليف تعتمد هذه الاستطاعة. ولا يكلف العبد بما ليس في وسعه.
وما يوجد من الألم في المضروب عَقيبَ ضربِ إنسان، والانكسارِ في الزجاجِ عقيبَ كسرِ إنسانٍ، وما أشبهه، كل ذلك مخلوق لله تعالى، لا صُنع للعبد في تخليقه.
والمقتول ميت بأجله، والموت قائم بِالمَيِّت مَخلوق للّه تعالى لا صُنْع للعبد تَخليقًا ولا اكتِسابا، والأجَلُ واحد.
والحرام رزق، وكلٌّ يَسْتَوفي رِزْقَ نَفْسِهِ حلالاً كان أو حراماً، ولا يُتصور أن لا يأكل إنسانٌ رِزْقَهُ أو يأكلَ غَيرُهُ رزقَهُ.
والله تعالى يضل من يشاء ويهدي من يشاء. وما هو الأصلح للعبد فليس ذلك بواجب على الله تعالى.
وعذاب القبر للكافرين ولبعض عصاة المؤمنين، وتنعيم أهل الطاعة في القبر بما يعلمه الله تعالى ويريده، وسؤال منكر ونكير ثابت بالدلائل السمعية. والبعث حق، والوزن حق، والكتاب حق، والسؤال حق، والحوض حق، والصراط حق، والجنة حق، والنار حق، وهما مخلوقتان موجودتان باقيتان، لا تفنيان ولا يفنى أهلهما.
والكبيرة لا تخرج العبد المؤمن من الإيمان، ولا تدخله في الكفر. والله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء من الصغائر والكبائر. ويجوز العقاب على الصغيرة، والعفو عن الكبيرة إذا لم تكن عن استحلال، والاستحلال كفر.
والشفاعة ثابتة للرسل والأخيار في حق أهل الكبائر، وأهل الكبائر من المؤمنين لا يخلدون في النار.
والإيمان هو التصديق بما جاء به من عند الله تعالى والإقرار به. فأما الأعمال فهي تتزايد في نفسها، والإيمان لا يزيد ولا ينقص. والإيمان والإسلام واحد.
وإذا وجد من العبد التصديق والإقرار صحَّ له أن يقول : أنا مؤمن حقاً، ولا ينبغي أن يقول : أنا مؤمن إن شاء الله. والسعيد قد يشقى، والشقي قد يسعد، والتغيير يكون على السعادة والشقاوة دون الإسعاد والإشقاء، وهما من صفات الله تعالى، ولا تغير على الله تعالى ولا على صفاته.
وفي إرسال الرسل حكمة، وقد أرسل الله رسلاً من البشر إلى البشر مبشرين ومنذرين ومبينين للناس ما يحتاجون إليه من أمور الدنيا والدين. وأيدهم بالمعجزات الناقضات للعادات. وأول الأنبياء آدم عليه السلام، وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم، وقد روي بيان عددهم في بعض الأحاديث، والأولى أن لا يقتصر على عدد في التسمية ؛ فقد قال الله تعالى: {مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ}، ولا يُؤمَنُ في ذكر العدد أن يدخل فيهم من ليس منهم، أو يخرج منهم من هو فيهم، وكلهم كانوا مخبرين مبلغين عن الله تعالى، صادقين ناصحين. وأفضل الأنبياء عليهم السلام محمد صلى الله عليه وسلم.
والملائكة عباد الله تعالى العاملون بأمره، لا يوصفون بذكورة ولا أنوثة. ولله كتب أنـزلها على أنبيائه، وبيَّن فيها أمره ونهيه ووعده ووعيده.
والمعراج لرسول الله عليه الصلاة والسلام في اليقظة بشخصه إلى السماء، ثم إلى ما شاء الله تعالى من العلى حقٌ.
وكرامات الأولياء حق، فتظهر الكرامة على طريق نقض العادة للولي من قطع المسافة البعيدة في المدة القليلة، وظهور الطعام والشراب واللباس عند الحاجة، والمشي على الماء وفي الهواء وكلام الجماد والعجماء واندفاع المتوجه من البلاء وكفاية المهم من الأعداء، وغير ذلك من الأشياء، ويكون ذلك معجزة للرسول الذي ظهرت هذه الكرامة لواحد من أمته ؛ لأنه يظهر بها أنه ولي، ولن يكون ولياً إلا وأن يكون محقاً في ديانته، وديانته الإقرار برسالة رسوله.
وأفضل البشر بعد نبينا أبو بكر الصديق، ثم عمر الفاروق، ثم عثمان ذي النورين، ثم علي المرتضى، وخلافتهم على هذا الترتيب.
والخلافة ثلاثون سنة ثم بعدها ملك و وإمارة.
والمسلمون لا بد لهم من إمام، يقوم بتنفيذ أحكامهم، وإقامة حدودهم، وسد ثغورهم، وتجهيز جيوشهم، وأخذ صدقاتهم، وقهر المتغلبة والمتلصصة وقطاع الطريق، وإقامة الجمع والأعياد، وقطع المنازعات الواقعة بين العباد، وقبول الشهادات القائمة على الحقوق، وتزويج الصغار والصغائر الذين لا أولياء لهم، وقسمة الغنائم ونَحْو ذلك. ثم ينبغي أن يكون الإمام ظاهرا، لا مختفيا ولا منتظرا، ويكون من قريش ولا يجوز من غيرهم، ولا يختص ببني هاشم وأولاد عليّ رَضي الله عنه. ولا يشترط في الإمام أن يكون معصوما، ولا أن يكون أفضل أهل زمانه، ويشترط أن يكون من أهل الولاية المطلقة الكاملة، سائسا قادرا على تنفيذ الأحكام وحفظ حدود دار الإسلام وإنصاف المظلوم من الظالم. ولا ينعزل الإمام بالفسق والجور.
وتجوز الصلاة خلف كل بر وفاجر، ويصلى على كل بر وفاجر.
ويكف عن ذكر الصحابة إلا بخير. ونشهد للعشر المبشرة الذين بشرهم النبي عليه الصلاة والسلام.
ونرى المسح على الخفين في السفر والحضر، ولا نحرم نبيذ التمر.
ولا يبلغ الولي درجة الأنبياء، ولا يصل العبد إلى حيث يسقط عنه الأمر والنهي.
والنصوص على ظواهرها، فالعدول عنها إلى معانٍ يدعيها أهل الباطن إلحاد، وردُّ النصوص كفر، واستحلال المعصية كفر، والاستهانة بها كفر، والاستهزاء على الشريعة كفر، واليأس من الله تعالى كفر، والأمن من الله تعالى كفر، وتصديق الكاهن بما يخبره عن الغيب كفر.
والمعدوم ليس بشيء.
وفي دعاء الأحياء للأموات وتصدقهم عنهم نفع لهم. والله تعالى يجيب الدعوات ويقضي الحاجات.
وما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام من أشراط الساعة من خروج الدجال ودابة الأرض ويأجوج ومأجوج ونـزول عيسى عليه السلام من المساء وطلوع الشمس من مغربها فهو حق.
والمجتهد قد يخطئ ويصيب.
ورسل البشر أفضل من رسل الملائكة، ورسل الملائكة أفضل من عامة البشر، وعامة البشر أفضل من عامة الملائكة.
https://www.islam.ms/ar/?p=36