العقل يشهد بصحة الإسلام. الرد على الملحدين
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
الحمدُ لله رب العالمين له النعمة والفضل وله الثناء الحسن صلوات الله البر الرحيم والملائكة المقربين على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين.
أما بعد يا أخي المسلم إن من الواجبات الكفائية معرفة العقائد الإيمانية بدلائلها النقلية الواردة في القرآن والحديث، والأدلة العقلية إلى الحد الكافي لرد الملحدين، أي يجب أن يكون في المسلمين من يعرف الأدلة الكافية لإبطال تمويهات الملحدين من الشيوعية ونحوهم من سائر أعداء الإسلام والمحرفين للدين المنتسبين إليه وهم ليسوا منه، والسعي في ذلك أمرٌ مهم عظيم في الدين.
قال الله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾ [سورة التوبة آية 122]
الإسلام هو الدين الوحيد الذي يوافق العقل
فكل الأديان غير الإسلام إما يعبدون صنما أو بقرا أو نارا أو ضوءا أو شمسا أو جسما يظنونه يسكن السماء أوغير ذلك من الأجسام والخيالات، وكل ذلك محدود ذو كمية يحتاج لمن حده بذلك المقدار والحد والجهة والمكان فهو مخلوق فالاحتياج يُنافي الألوهية والمحتاج لا يكون إلاها فهذه العقائد كلها مخالفة للعقل السليم. أما دين الإسلام مبني على عقيدة تنزيه الله عن المثيل والشبيه والحد والكمية والجهة والمكان فالله هو خالق المكان والزمان فهو موجود بلا كيف ولا مكان ولا يجري عليه زمان وهذه العقيدة الموافقة للعقل السليم وهي عقيدة كل الأنبياء من أولهم آدم إلى آخرهم محمد عليهم الصلاة والسلام.
يقول الله تعالى: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ الليْلِ وَالنهَارِ لآيَاتٍ لِأُوْلِي الألْبَابِ ﴾ [سورة آل عمران آية 190] ويقول كذلك: ﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [سورة الملك آية 10]. ويقول الله كذلك: ﴿ أَوَلَمْ يَنظُرُوا في مَلَكُوتِ السمـٰواتِ والأرضِ ﴾ [سورة الأعراف آية 185]. فالله يأمر باستعمال العقل للاستدلال على أن هذا العالم له خالق لا يشبهه بوجه من الوجوه. وهذه الآيات تدل على أن العقل شاهد للشرع وأن كل ما في الشرع لا يخالف العقل السليم مع أن أصل الشرع هو الكتاب والسنة.
إذ ليس مِحْوَر الاعتقاد على الوهم، بل على ما يقتضيه العقل الصحيح السليم الذي هو شاهد للشرع، والشرع لا يأتي إلا بمجوزات العقل، والشرع شرع الله.
وإنه مما لا يخفى عليك أخي المسلم أنك عندما تناقش واحدا من الملحدين وتريد أن تثبت له أن لهذا العالم خالقا وهو الله وأنه موجود لا يشبه الموجودات فعليك بيان ذلك بالدليل العقلي لأن الملحد لا يؤمن بالقرآن ولا بنبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
كيفية بيان أن الإسلام هو دين الحق والرد على الملحد
1- بيان سُبُل المعرفةِ للعبد. أسباب المعرفة
2- إثبات أن العالم مخلوق أي له بداية
3- إثبات وجود الله عقلاً
4- إثبات أن الله هو خالق العالم وأنه لا يشبه المخلوقات
5- إثبات وجود سيدنا محمد
6- إثبات أن سيدنا محمداً هو نبيّ ٌ
7- إثبات أنه صادق في جميع ما أخبر به وبلّغه عن الله
8- إثبات أن القرآن الكريم منزَلٌ من عند الله
بيان سُبُل المعرفةِ للعبد. أسباب المعرفة
قال النسفي نجم الدين عمر النسفي (ولد ـ460هـ )( توفي 537هـ) رحمه الله:
قالَ أهلُ الحقّ: حقائقُ الأشياءِ ثابتةٌ، والعلمُ بها مُتَحققٌ خلافًا للسوفسطائية. وأسبابُ العلمِ للخلقِ ثلاثةٌ: الحواسُّ السليمةُ، والخبرُ الصادقُ، والعقلُ. فالحواسُّ خمسٌ: السمعُ، والبصرُ، والشمُّ، والذوقُ، واللمسُ. وبكل حاسةٍ منها يُوقف على ما وُضِعَت هي له: كالسمعِ، والذوقِ، والشمِّ. والخبرُ الصادقُ على نوعين: (أحدهُما) الخبرُ المتواترُ، وهو الخبرُ الثابتُ على ألسنةِ قومٍ لا يُتصورُ تواطؤهُم على الكَذِبِ، وهو مُوجِبٌ للعلمِ الضروريّ، كالعلمِ بالملوكِ الخاليةِ في الأزمنةِ الماضيةِ والبُلدانِ النائيةِ، (والثاني) خبرُ الرسولِ المؤيَّدِ بالمعجزةِ، وهو يُوجبُ العلمَ الاستدلاليَّ، والعلمُ الثابتُ بهِ يُضاهي العلمَ الثابتَ بالضرورةِ في التيقنِ والثباتِ. وأما العقلُ: فهو سببٌ للعلمِ أيضًا، وما ثبتَ منه بالبديهةِ فهو ضروريٌّ كالعلمِ بأنَّ كلَّ الشىءِ أعظمُ من جزئِهِ، وما ثبتَ منهُ بالاستدلالِ فهو اكتسابيٌّ. والإلهامُ ليسَ من أسبابِ المعرفةِ بصحةِ الشىءِ عندَ أهلِ الحقِّ.
أ- الحواس السليمة سبب للمعرفة
أ- الحواس السليمة: وهي السمع والبصر والشم والذوق واللمس. لو قال لك أحدهم: " هذه الورقة بيضاء، كيف عرفنا أن ّ لونها أبيض ؟ عن طريق النظر وهو من الحواس.
ب- العقل السليم سبب للمعرفة
يقول الله تعالى: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ الليْلِ وَالنهَارِ لآيَاتٍ لِأُوْلِي الألْبَابِ ﴾ [سورة آل عمران آية 190] ويقول كذلك: ﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [سورة الملك آية 10]. ويقول الله كذلك: ﴿ أَوَلَمْ يَنظُرُوا في مَلَكُوتِ السمـٰواتِ والأرضِ ﴾ [سورة الأعراف آية 185]. فالله يأمر باستعمال العقل للاستدلال على أن هذا العالم له خالق لا يشبهه بوجه من الوجوه. وهذه الآيات تدل على أن العقل شاهد للشرع وأن كل ما في الشرع لا يخالف العقل السليم مع أن أصل الشرع هو الكتاب والسنة.
والله خلق العقل في الملائكة، والإنس، والجن. العقل هو صفة راسخة في الإنسان يميّز بها بين القبيح من الحسن. وذوو العقول ثلاثة: الملائكة، والإنس، والجن، وأما البهائم فليسوا من ذوي العقول.
إن العلم الحاصل بالعقل إما أن يكون بديهيا أي ضروريا أو اكتسابيا. فالعلم الضروري ما لم يقع عن نظر واستدلالٍ كالعلم الحاصل بالحواس الخمس وكالعلم بان الكل أعظم من جزئه وأما العلم الاكتسابي فهو الموقوف على النظر والاستدلال كالعلم بأن العالم حادث أي مخلوق.
إذا قال لك شخص إنه يوجد داخل هذه الساعة فيل طوله 4 أمتار وعرضه 3 أمتار، هل تصدقه ؟ هل تقول له دعني أفتح الساعة لأرى إن كان هناك فيل، كيف تعرف أن ذلك غير صحيح ؟ عن طريق العقل.
والحكم العقلي بالنسبة للوجود ثلاثة أقسام: وجوب واستحالة وجواز:
الواجب العقلي: ما لا يتصور في العقل عدمه وهو الله وصفاته.
المستحيل العقلي: ما لا يتصّور في العقل وجودُه كوجود الشريك لله.
الجائز العقلي: ما يتصوّرُ في العقل وجوده تارة وعدمه تارة أخرى كالبشر.
قال محمد بن أحمد ميارة المالكي (999 هـ / 1072 هـ) في كتابه الدر الثمين والمورد المعين (شرح المرشد المعين على الضروري من علوم الدين):
وَحكْمُنا العَقْلِى قَضِيَّةٌ بِلاَ وَقْفٍ عَلَى عَادَةٍ أَوْ وضْعٍ جَلاَ
أَقْسامُ مُقْتَضاهُ بِالْحَصْرِ تُمازْ وهِيَ الْوجُوبُ اِلاستِحالَةُ الْجَوازْ
فَوَاجِبٌ لاَ يَقْبَلُ النَّفْيَ بِحالْ ومَا أبَى الثّبُوتَ عَقْلاً الْمُحَالْ
وجَائِزاً مَا قَابَلَ الأَمْرَيْنِ سِمْ ولِلضَّرورِيْ والنَّظَرِي كُلُّ قُسِمْ
اعلم أن من أدرك أمراً من الأمور فإن تصور معناه فقط ولم يحكم بثبوته لأمرٍ ولا بنفيه عن أمر سمى هذا الإدراك في الاصطلاح تصوراً كإدراكنا مثلاً أن معنى الحدوث الوجود بعد العدم من غير أن نثبته لأمرٍ ولا أن ننفيه عنه وإن تصور مع ذلك ثبوت ذلك المعنى لأمرٍ أونفيه عنه فهذا الإدراك يسمى في الاصطلاح حكماً ويسمى تصديقاً كإثباتنا الحدوث مثلاً بعد تصورنا لمعناه للعوالم وهي ما سوى المولى تبارك وتعالى فنقول العوالم حادثة أونفينا له عمن وجب قدمه وهو مولانا جل وعز فنقول مولانا تعالى ليس بحادثٍ فإثبات أمر لأمرٍ أونفيه عنه هو المسمى حكماً وهو مراد الناظم بالقضية والله أعلم.
ثم اعلم أن الحكم ينقسم إلى ثلاثة أقسام شرعي وعادي وعقلي وذلك أن الثبوت أوالنفي اللذين في الحكم إن أسندا إلى الشرع بحيث لا يمكن أن يعلما إلا منه فهو الحكم الشرعي ولذا نسب إلى الشرع كقولنا في الإثبات الصلوات الخمس واجبة وقولنا في النفي صوم يوم عاشوراء ليس بواجب وإن لم يستند إلى الشرع فإن كفى العقل في إدراكه من غير أن يحتاج إلى تكرر ولا اختبار فهو الحكم العقلي ولما توصل إليه العقل من غير أن يتوقف على شيء آخر نسب إلى العقل وذلك كقولنا في الإثبات (العشرة زوج) وفي النفي (السبعة ليست بزوج) وإن لم يستند النفي أو الإثبات اللذان في الحكم إلى شرع ولا كفى العقل في التوصل إليهما بل احتاج إلى تكرر واختبار وعادةً فهو الحكم العادي نسب إلى العادة لأن بها تتوصل إليه لا بشرعٍ ولا بعقلٍ وذلك كقولنا في الإثبات شراب السكنجبين مسكن للصفراء وفي النفي الخبز الفطير ليس بسريع الانهضام ثم ينقسم هذا العادي إلى قسمين عادي قولي كرفع الفاعل ونصب المفعول ونحو ذلك من الأحكام النحوية أواللغوية وعادي فعلى كالمثالين المذكورين فقول الناظم قضية كالجنس يشمل جميع أقسام الحكم وقوله بلا وقفٍ على عادة فصل أخرج به الحكم العادي فإنه لم يثبت إلا بواسطة التكرير والتجربة حتى عرف أنه ليس باتفاق.
قال في شرح المقدمات فإن قلت ها نحن نثبت لشراب السكنجبين تسكين الصفراء تقليداً للأطباء وإن لم يتكرر عندنا ولا جربناه قلت إنما أثبتنا له هذا الحكم بواسطة التجربة التي صدقنا فيها الأطباء وليس من شرط التكرر والتجربة في الحكم العادي أن يكون من كل أحدٍ بل هو المستند لثبوت الحكم العادي وإن حصل من البعض الموثوق بتجربته
وقوله أو وضع أي جعل عطف على عادة وهو فصل أخرج به الحكم الشرعي قال في شرح المقدمات فإن قلت كيف يصح أن يقال في الحكم الشرعي أنه حصل بالوضع والجعل وهو خطاب الله تعالى وكلامه القديم والقديم ليس بوضع ومجعول قلت المراد بالحكم الشرعي هنا التعلق التنجيزي لخطاب الله القديم بأفعال المكلفين بعد وجودهم وتوفر شروط التكليف فيهم وهذا التعلق ليس بقديم والقديم إنما هو كلام الله تعالى وتعلقه العقلي الصلاحي بالمكلفين في الأزل وإطلاق الحكم الشرعي على التعلق التنجيزي الحادث مشهور عند الفقهاء والأصوليين اهـ.
أخبر أن أقسام مقتضى الحكم العقلي تتميز وتتبين بالحصر وتلك الأقسام هي الوجوب والاستحالة والجواز وبيان الحصر في الثلاثة أن كل ما يحكم به العقل إما أن يقبل الثبوت والانتفاء معاً أويقبل الثبوت فقط أو يقبل الانتفاء فقط فالأول هو الجائز ويسمى الممكن أيضاً والثاني الواجب والثالث المستحيل وإنما قال أقسام مقتضاه أي متعلقه ولم يقل أقسامه لأن الحكم العقلي ليس نفس هذه الثلاثة المذكورة فلا تكون أقساماً له لأن من شرط القسمة صدق اسم المقسوم على كل واحدٍ من أقسامه ولا يصدق على الوجوب أو الاستحالة أو الجواز اسم الحكم وإنما يصدق عليها أنها محكوم بها
قوله فواجب إلخ أخبر أن الواجب هو ما لا يقبل النفي أصلاً بحيث لا يدرك العقل عدمه وأن المحال هو ما امتنع ثبوته في العقل بحيث لا يدرك العقل ثبوته ووجوده وأن الجائز ما قبل النفي والثبوت بحيث لا يدرك العقل وجوده وعدمه فاللام في الأمرين للعهد والمعهود النفي والثبوت وجائزاً مفعول أول لسم وهو فعل أمر من وسم يسم سمة من السمة وهي العلامة وما قبل مفعول ثانٍ لسم على حذف الباء أي علم الجائز بما قبل الأمرين معاً النفي والثبوت
قوله للضروري والنظري كل قسم يعني أن كل قسمٍ من الثلاثة المتقدمة ينقسم إلى ضروري وهو ما يدرك ثبوته أونفيه ابتداءً بلا تأمل وإلى نظري وهو ما يدرك بعد التأمل
فمثال الواجب الضروري التحيز للجرم وهو أخذه قدر ذاته من الفراغ فإن ثبوت هذا المعنى له لا يفتقر إلى تأمل وكذا كون الاثنين أكثر من واحد
ومثال الواجب النظري ثبوت القِدَم لمولانا جل وعز فإنه لا يتصور في العقل نفيه عنه تعالى ولكن لا يدرك ذلك أبتداءً من غير تأملٍ بل بعد التأمل فيما يترتب على نفيه من المستحيلات كالدور والتسلل وتعدد الإله وتخصيص كل واحدٍ منهم بنوع من الممكنات بلا مخصص ونظيره في الوجوب النظري كون الواحد ربع عشر الأربعين.
ومثال المستحيل الضروري تعري الجسم عن الحركة والسكون معاً أي تجرده عنهما بحيث لا يوجد فيه واحدٍ منهما فإن العقل ابتداءً لا يتصور ثبوت هذا المعنى للجرم ومثال المستحيل النظري كون الذات العلية جرماً تعالى الله عن ذلك فإن استحالة هذا المعنى عليه جل وعز إنما يدركه العقل بعد أن يسبق له النظر فيما يترتب على ذلك من المستحيل وهو الجمع بين النقيضين وذلك أنه قد وجب لمولانا جل وعز القدم والبقاء لئلا يلزم الدور والتسلسل لو كان تعالى حادثاً فلو كان جرماً لوجب له الحدوث لما تقرر من وجوب الحدوث لكل جرمٍ فلزم إذن لو كان تعالى جرماً أن يكون واجب القدم لألوهيته واجب الحدوث لجرميته تعالى عن ذلك وذلك جمع بين النقيضين لا محالة.
ومثل الجائز الضروري اتصاف الجرم بخصوص الحركة مثلاً فإن العقل يدرك ابتداء صحة وجودها للجرم وصحة عدمها له.
ومثال الجائز النظري تعذيب المطيع الذي لم يعص الله قط فإن ذلك في الابتداء قد ينكر العقل جوازه بل يتوهمه مستحيلاً كما توهمته المعتزلة وأما بعد النظر في وحدانيته تعالى وانفراده بخلق جميع الممكنات وإرادتها بلا واسطة خيراً كان أوشراً وأن الأفعال كلها بالنسبة إليه تعالى سواء لا نفع له في طاعةٍ ولا ضرر ولانقص يلحقه جل وعلا بكفر كافرٍ أو معصية عاصٍ ولا حرج عليه ولاحكم لأحد عليه فتعلم حينئذٍ على القطع إنما يترتب منه سبحانه على الكفر من العذاب الأليم وعلى الطاعة من النعيم المقيم لو عكس تعالى في ذلك أو لم يرتب جل وعلا عليهما شيئاً أصلاً لم يلزم على ذلك بالنظر إلى حقيقة الطاعة والكفر والمعصية نقص ولا محال أصلاً.
قال في شرح الصغرى واعلم إن الحركة والسكون للجرم يصح أن يمثل بهما لأقسام الحكم العقلي الثلاثة فالواجب العقلي ثبوت أحدهما لا بعينه للجرم والمستحيل نفيهما معاً عن الجرم والجائز ثبوت أحدهما بالخصوص للجرم
واعلم أن معرفة هذه الأقسام الثلاثة وتكريرها وتأنيس القلب بأمثلتها حتى لا يحتاج الفكر في استحضار معانيها إلى كلفةٍ أصلاً مما هو ضروري على كل عاقلٍ يريد أن يفوز بمعرفة الله تعالى ورسله عليهم الصلاة والسلام بل قال إمام الحرمين وجماعة إن معرفة هذه الأقسام الثلاثة هي نفس العقل فمن لم يعرف معانيها فليس بعاقل اهـ
(تنبيهان) الأول المراد بالواجب المذكور هو الواجب الذاتي وأما الواجب العرضي وهو ما يجب لتعلق علم الله تعالى به كتعذيب أبي جهل فإنه بالنظر إلى ذاته جائز يصح في العقل وجوده وعدمه وبالنظر إلى ما أخبر به الصادق المصدوق صلاة الله وسلامه عليه من إرادة الله تعالى لعذابه هو واجب لا يتصور في العقل عدمه وإنما لم يقيد الناظم الواجب بكونه ذاتياً لأنه عند الإطلاق لا يحمل إلا على الذاتي ولا يحمل على العرضي إلا بالتقييد على أنه لا يبعد أن يكون تساهل في حذف ما يدل عليه من هذا القسم اعتماداً على ما أثبته في الثاني حيث قال وما أبى الثبوت عقلاً فيكون معنى قوله هنا فواجب أي عقلاً ولا إشكال بعد هذا في حذفه من قسم الجائز لا سيما والتقسيم إنما هو في الحكم العقلي وما وجب أو استحال أوجاز عقلاً فهو الذاتي وكذلك المستحيل المذكور هو أيضاً الذاتي
وأما المستحيل لعارضٍ منفصلٍ عنه فهو من قبيل الجائز كاستحالة إيمان أبي لهب فإنها لما عرض لإيمانه من إرادة الله تعالى لعدمه
والمراد بالجائز أيضاً ما يصح في العقل وجوده وعدمه أي لا يلزم من هذين التقديرين فيه محال لذاته ويدخل فيه ثلاثة أقسام الأول الجائز المقطوع بوجوده كاتصاف الجرم المطلق بخصوص البياض وخصوص الحركة ونحوها وكالبعث والثواب والعقاب ونحو ذلك وهذا هو الواجب العرضي.
الثاني الجائز المقطوع بعدمه كإيمان أبي لهب وأبي جهل ودخول الكافرين الجنة ونحو ذلك وهذا هو المستحيل العرضي.
الثالث المحتمل للوجود والعدم كقبول الطاعات وفوزنا بحسن الخاتمة وسلامتنا من عذاب الآخرة ونحو ذلك وإنما قالوا لا يترتب على تقدير وجوده ولا على تقدير عدمه محال لذاته أي بالنظر إلى ذات ذلك الجائز أي حقيقته ليدخل فيه القسمان الأولان وهما المقطوع بوجوده والمقطوع بعدمه فإن كل واحدٍ منهما بالنظر إلى ذاته لا يلزم محال في وجوده ولا عدمه ولو نظرنا إلى ما تعلق بهما من أخبار الله تعالى ورسله عليهم الصلاة والسلام لترتب حينئذٍ على عدم الأول ووجود الثاني أمر محال وهو الكذب والخلف في خبر من يستحيل عليه ذلك
وليس المراد بالجائز هنا ما أذن الشرع في فعله وتركه فيكون مرادفاً للمباح كالبيع والنكاح ونحوهما ولا ما أذن في فعله وإن لم يأذن في تركه فيكون أعم من المباح لصدقه على الواجب والمندوب وحاصل هذا التنبيه أن المراد بالواجب الواجب لذاته لا لعارضٍ وبالمستحيل المستحيل لذاته لا لعارضٍ وبالجائز الجائز لذاته وإن عرض وجوبه بإخبار الشارع بوقوعه وهو الواجب العرضي أوعرضت استحالته بإخبار الشارع بعدم وقوعه وهو المستحيل العرضي وليس المراد بالجائز المباح أو المأذون في فعله
(التنبيه الثاني) قد تقدم في تقسيم الحكم بعض الكلام على الحكم العادي وأن الناظم لم تدعه حاجة لذكره ولا بد من زيادة بعض الكلام فيه لتشوف النفس عند التقسيم إلى معرفة جميع الأقسام فأقول قال في المقدمات وأما الحكم العادي فهو إثبات الربط بين أمرٍ وأمرٍ وجوداً أوعدماً بواسطة التكرر مع صحة التخلف وعدم تأثير أحدهما في الآخر ألبتة قال في شرحها يعني أن الحكم العادي هو إثبات الربط بين وجود أمرٍ وعدمه وبين وجود أمرٍ آخر فقولنا وجوداً أوعدماً راجع لكل واحدٍ من الأمرين لا لأحدهما فقط إذ لو كان كذلك ما دخل تحت هذا الكلام جميع الأقسام الأربعة الآتية واحترز بقوله التكرر من الربط بين أمرين عقلاً أو شرعاً كالربط العقلي بين قيام العلم بمحل وبين كون ذلك المحل عالماً وكالربط الشرعي بين زوال الشمس ووجوب صلاة الظهر مثلاً فهذان الربطان لا يسمى واحد منهما عادياً لعدم توقفه على تكرر وأما قولنا مع صحة التخلف وعدم تأثير أحدهما في الآخر ألبته فلم نذكره لبيان حقيقة الحكم العادي بل التنبيه على تحقيق علم ودفع جهالةٍ ابتلى بها الأكثر في الأحكام العادية حتى توهموا أنه لا معنى للربط الذي حصل في الحكم العادي إلا ربط اللزوم الذي لا يمكنه الانفكاك كاللزوم العقلي أو ربط التأثير من أحدهما في الآخر فنبهنا بهذه الجملة على أن الربط الذي حصل في الحكم العادي إنما هو ربط اقتران ودلالة جعلية لا ربط لزوم عقلي ولا ربط تأثير من أحدهما في الآخر فأشرنا إلى عدم الربط فيه بطريق اللزوم الذي يشبه اللزوم العقلي بقولنا مع صحة التخلف وفيه تنبيه على جهالة من فهم أن الربط في العاديات بطريق اللزوم الذي لا يصح معه التخلف فأنكر بسبب هذه الجهالة البعث وإحياء الميت في القبر والخلود في النار مع استمرار الحياة لأن ذلك كله على خلاف العادة المستمرة في الشاهد والربط المقترن فيها لا يصح فيه التخلف عندهم وأشرنا إلى عدم الربط فيه بطريق التأثير بقولنا وعدم تأثير أحدهما في الآخر ألبته وقد يقال إن ذكر هذين القيدين في تعريف الحكم العادي إنما هو لإفادة معرفته بناءً على أن الجهل بصفة حقيقية، وإثبات ضدها لتلك الحقيقة موجب للجهل بها وهو مذهب الشيخ أبي عمران الفارسي رضي الله عنه في المسألة المشهورة بالخلاف وهي الجهل بصفات المولى تبارك وتعالى وإثبات ضدها بما لا يليق به جل وعلا كإثبات الجسمية له والجهة ونحو ذلك مما هو مستحيل عليه تعالى هل يصدق على معتقد ذلك أنه جاهل بالمولى تبارك وتعالى أم لا والأظهر أنه جاهل به جل وعلا كما اختار أبو عمران رحمه الله فعلى هذا من جهل صفة الحكم العادي بأنه ربط اقتران جعلي يصح فيه التخلف واعتقد لجهله أن الربط فيه ربط تأثير أو لزوم ولا يمكن فيه التخلف فإنه يصدق عليه أنه جاهل بالحكم العادي بناءً على هذا القول الأظهر أن الجهل بالصفة جهل بالموصوف فإسقاط هذين القيدين إذاً من تعريف الحكم العادي قد يخل بمعرفته
قال في المقدمات أيضاً وأقسامه أربعة ربط وجود بوجود كربط وجود الشبع بوجود الأكل وربط عدم بعدم كربط عدم الشبع بعدم الأكل قال وربط وجود بعدم كربط وجود الجوع بعدم الأكل وربط عدم بوجود كربط عدم الجوع بوجود الأكل في الشرح قد عرفت أن الربط بين أمرين في الحكم العادي يصح في وجود كل واحدٍ منهما وعدمه فلزم انقسام الربط إلى أربعة أقسام من ضرب إثنين وهما وجود أحد الأمرين وعدمه في اثنين وهما وجود الأمر الآخر وعدمه اهـ.
محل الحاجة (تتمه) كما انقسم الحكم العقلي إلى ضروري ونظري فكذلك الحكم العادي فمثال الضروري من الحكم العادي حكمنا بأن النار محرقةٍ وأن الثوب ساتر ونحو ذلك ومثال النظري منه كون شراب السكنجبين مسكناً للصفراء والخبز الفطير ليس بسريع الانهضام ونحو ذلك وأكثر أحكام أهل الطب عادية نظرية وكذلك الشرعي ينقسم إلى ضروري ونظري وسيأتي.
قدرة الله تتعلق بالجائز العقلي
قدرة الله تتعلق بالجائز العقلي فالله بقدرته يوجد الأشياء ويعدم والجائز العقلي هو الذي يقبل الدخول في الوجود والعدم. فقدرة الله لا تتعلق بالمستحيل ولا بالواجب العقلي وليس هذا لقصور في القدرة بل لأن المستحيل العقلي لا يقبل الوجود فلم يصح أن يكون محلاً لتعلق القدرة. والواجب لا يقبل العدم فلم يصح أن يكون محلا لتعلق القدرة. إذن ليس في هذا نسبة العجز لله تعالى.
أما المخلوق فقدرته مثلا لا تتعلق بإيجاد شيء لقصور في قدرته فلا يقاس الخالق على المخلوق.
لو تعلقت القدرة بالمستحيل لما كان مستحيلا ولأدى ذلك إلى قلب الحقائق وذا محال وكذا نقول نفس الكلام في الواجب.
ج- الخبر المتواتر سبب للمعرفة
ج- الخبر المتواتر: هو الخبر الذي نقله جمع كثير عن جمع كثير بحيث تُحيلُ العادة تواطؤَهم على الكذب، بل يتحتّم موافقته للواقع، فإن ما كان بهذه الصفة في الطبقة الأولي والوسطى والأخيرة يوجب العلم اليقيني. وأما ما كان في الطبقة أقلّ من هذا القدر ثم حصلت تلك الكثرة فإنه ليس موجِبا للعلم (أي العلم اليقيني) كخبر النصارى بقتل عيسى عليه السلام وصلبه فإنّه لم يحصل تواترٌ بذلك في الطبقة الأولى ولا يُنظر إلى كثرة الطبقة التي بعدها فلا يُسمى هذا الخبر متواترا مفيدا للعلم.
والخبر المتواتر موجب للعلم الضروري كالعلم بالملوك الخلية في الأزمنة الماضية والبلدان النائية. إذا شخص أنكر الخبر المتواتر يكون وكأنّه يُنكر أن أمه ولدته لأنه لم يشاهدها وهي تلده.
أما الإشاعة فهي تُنقلُ عن جمع عن جمع أقل حتى نَصل إلى إثنين أو ثلاثة من الكذّابين.
2- إثبات أن العالم مخلوق أي له بداية:
قال النسفي (710) رحمه الله: والعالمُ بجميعِ أجزائِهِ مُحدَثٌ، إذ هو أعيانٌ وأعراضٌ. فالأعيانُ ما له قيامٌ بذاتِهِ، وهو إما مركبٌ وهو الجسمُ، أو غيرُ مركبٍ كالجوهرِ وهو الجزءُ الذي لا يتجزأ. والعَرَضُ ما لا يقومُ بذاتِهِ ويَحدُثُ في الأجسامِ والجواهرِ كالألوانِ، والأكوانِ، والطُّعُومِ، والروائحِ. والمحدِثُ للعالم هو الله تعالى الواحدُ القديمُ الحيُّ القادرُ العليمُ السميعُ البصيرُ الشائي المريدُ ليس بِعَرَضٍ، ولا جسمٍ، ولا جوهرٍ، ولا مُصوَّرٍ، ولا محدودٍ، ولا معدودٍ، ولا متبعِّضٍ، ولا متجزّ، ولا مُتَركّبٍ، ولا متناهٍ، ولا يُوصف بالماهيةِ، ولا بالكيفيةِ، ولا يتمكَّنُ في مكانٍ، ولا يجري عليهِ زمانٌ، ولا يُشبههُ شىءٌ، ولا يَخرُجُ عن علمِهِ وقدرتِهِ شىءٌ.
عندما نقول عن شىء مخلوق معناه أنه وجد بعد أن لم يكن موجودا. والدليل العقلي على حدوث العالم هو:
إن العالم مؤلف من جواهر وأعراض. فالجوهر أي الجسم هو ما يقوم بنفسه كالجدار، والعرَضُ ما لا يقوم بنفسه بل يقوم بغيره كاللون والحركة والسكون.
إن الجسم لا يخلو من الحركة والسكون وهما حادثان لأنه بحدوث أحدهما ينعدم الآخر فما لا يخلو من الحادث حادث فالأجسام حادثة.
وفي هذا البرهان ثلاث قضايا:
الأولي : أن الأجسام لا تخلو من الحركة والسكون وهي ظاهرة مدْركة بالبديهية فلا تحتاج إلى تأمل فإن من قال عن جسم إنه لا ساكن ولا متحرك كان للواقع مكابرا.
الثانية: قولنا إنهما حادثان يدل على ذلك تعاقبهما وذلك مشاهدٌ في جميع الأجسام فما من ساكن إلا والعقل قاض بجواز حركته كالسماء، وما من متحرك إلا والعقل قاض بجواز سكونه كالنجوم فالطارئ منهما حادث بطريانه والسابق حادث لعدمه لأنه لو ثبت قدمه لاستحال عدمه لأن القول بذلك يؤدي إلى التسلسل وهو محال.
الثالثة: قولنا ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث لأنه لو لم يكن كذلك لكان قبل كل حادث حوادث لا أول لها، ونقول في إبطال القول بحوادث لا أول لها ما كفى وشفى فنمثّل ذلك بمُلتَزِم قال: لا أعطي فلانا في اليوم الفلاني درهما حتى أعطيه درهما قبله ولا أعطيه درهما قبله حتى أعطيه درها قبله وهكذا لا إلى أول فمن المعلوم ضرورة أنّ إعطاء الدرهم الموعود به في اليوم الفلاني محال لتوقفه على محال وهو فراغ ما لا نهاية له بالإعطاء شيئا بعد شىء، ولا ريب أن من ادّعى وجود حوادث لا أول لها مطابق لهذا المثال.
فملخص ذلك نقول بإثبات حدوث الحركة والسكون يثبت حدوث الأجسام لأن ما قام به الحادث فهو حادث فإذا العالم مؤلف من حوادث فهو حادث.
3- إثبات وجود الله عقلا :
إن الذين ينفون وجود الله، ليبرروا اعتقادهم بعد أن أثبتنا لهم حدوث العالم على أقسام:
أ) بعضهم يقول إنّ الطبيعة خلقت العالم
ب) وبعضهم يقول إنّ العالم خلق نفسه
ج) وبعضهم يقول إنّ العالم وجد صدفة عن طريق انفجار
اعلم رحمك بتوفيقه أنّ وجود العالم دليل على وجود الله لأنه لا يصح في العقل وجود فعل ما بدون فاعل كما لا يصح وجود ضرب بلا ضارب ووجود نسخ وكتابة من غير ناسخ وكاتب أو بناء بلا بان فمن الأولى أنّه لا يصح في العقل وجود هذا العالم بلا خالق، والعلم بذلك مركوز في فطرة طباع الصبيان، فإنك إذا لطمت وجه الصبي من حيث لا يراك وقلت إنه حصلت هذه اللطمة من غير فاعل البتة لا يصدقك، وهذا الأمر أي حدوث العالم عليه كل الطوائف التي تنتحل الأديان ولم يخالف في ذلك إلا الفلاسفة.
أ) ولا يصح كون ذلك الفاعل طبيعة لأنّ الطبيعة لا إرادة لها فكيف تخلق ؟ كيف تخصص المعدوم بالوجود بدل العدم ثم بحالة دون حالة ؟
ومعلوم أنَّ الحوادث جائزة الوجود إذ يجوز عقلاً أن تستمر في العدم ولا توجد، فإذا اختصت بالوجود الممكن افتقرت إلى مخصص ثم يستحيل أن يكون المخصص طبيعة لا اختيار لها ولا إرادة فلا يتأتى منها تخصيص الجائز بالوجود بدلَ العدم وبوقت دون وقت أوبصفة دون صفة كتخصيص الإنسان بالمشي على رجليه بدل المشي على البطن كالحيّة.
فإن قال الملحدون كالشيوعيون إنها قديمة أزلية قلنا لا تصح الأزلية إلا لموجود ذي حياة وعلم وإرادة وقدرة والطبيعة ليست كذلك.
وإن قالوا حادثة قلنا الحادث محتاج لمحدِث فهي تحتاج في وجودها لمحدث أزلي فاعل بالإرادة والاختيار، وإلّا لزام احتياج ذلك المحدث إلى محدث ومحدثه إلى محدث إلى غير نهاية وذلك قول بوجود حوادث لا أول لها وقد تبين بطلان ذلك بالدليل العقلي.
ثم إنّ الطبيعة جزء من العالم، وسوف يظهر لنا بالدليل العقلي أن العالم كله لم يخلق نفسه فإذا جزء العالم لا يمكن أن يكون قد خلقه.
ب) وكذلك لا يصح في العقل أن يكون الشيء خالق نفسه لأن في ذلك جمعاً بين متناقضين: لأنك إذا قلت " خلق زيد نفسه " جعلت زيداً قبل نفسه باعتبار ومتأخراً عن نفسه باعتبار. فباعتبار خالقيته جعلته متقدما وباعتبار مخلوقيته جعلته متأخرا وذلك محال عقلا.
وكذلك لا يصح في العقل أن يخلق الشىء مثله أي مشابهه لأن أحد المِثلين ليس بأوْلى بأن يخلق مثله من الآخر فالأب والابن لا يصح أن يخلق أحدهما الآخر لأن كلا منهما كان معدوماً ثم وجد.
فمن فكّر بعقله علم أن ّ هذا العالم كان بعد أن لم يكن وما كان بعد أن لم يكن فلا بد له من مكون أي محدث من العدم (الخالق) موصوف بالحياة والعلم والقدرة والإرادة لأن من لم يكن بهذه الصفات كان موصوفاً بأضدادها، وأضدادها نقائص و آفات تمنع صحة الفعل.
ج) ولا يصح ّ أن يكون وجود العالم بالصدفة لأن العقل يحيل وجود شيء ما بدون فاعل لأنّه يلزَم من ذلك محالٌ وهو ترجّح وجود الجائز على عدمه بدون مرجّح وذلك لأن وجود الممكن وعدمه متساويان عقلاً فلا يترجّح أحدهما على مقابله إلا بمرجح. كما أنّه تبين بما تقدّم استحالة استناد وجود الممكن العقلي إلى ممكن حادث قبله بالتسلسل إلى غير نهاية.
وإن النظرية المسمّاة الانفجار الكبير نظريةٌ فاسدة تقول بأن الكون كان عبارة عن مادة واحدة مضغوطة، انفجرت انفجاراً كبيراً وأخذت الجزيئات الأولى تتجّمع بشكل إلكترونات وبروتونات، ثمّ ظهر غاز الهيدروجين وغاز الهليوم، فكان الكون، كما يزعمون عبارة عن تجمعات من هذين الغازين، ثمّ أخذت هذه الغازات الساخنة تتجمع وتتكاثف بفعل الجاذبية مشكلة ما يشبه الدخان وظهر منها النجوم والكواكب والأرض ونظامنا الشمسي الخ !!!
وهي مجرد نظرية لا يقبلها العقل السليم. الكيمائيون والفيزيائيون والبيولوجيون ونحوهم يُقسّمون العلم إلى حقائق علمية لا شك فيها وإلى نظريات. وتعريف النظرية عندهم أنّها مجموعة قوانين والقانون هو مجموعة فرضيات، والفرضية هي شيء غير أكيد. فلنأخذ الكيمياء على سبيل المثال: L1+L2 = L3+ PP3
هذه حقيقة (fact) يعني لو علمناها قبل 10 سنوات أو الآن أو بعد 10 سنوات نصل إلى النتيجة ذاتها لأنها حقيقة علمية.
ولكن في النظرية يعرضون رأيهم بما حصل داخل الأنبوب الذي فيه التفاعل لتفسير ما حصل كأن يتكلّموا عن الالكترونات والبروتونات، ولكن لم يُشاهد أحد منهم إلكترونا، كل هذه آراء ونظريات أشخاص. يقول إميل جبر ضومط في كتابه مرشد المعلمين في أصول تدريس العلوم (منشورات دائرة التربية في الجامعة الأميركية) الجزء الأول ص 100: أما النظريات فهي افتراضات غير قابلة للأثبات النهائي بالاختبار العملي كالافتراض عن منشأ الكون.
و نردّ على هذه النظرية بما يلي:
1- من أين أتت النجوم ؟
2- من أين أتى الغبار ؟
3- في الفيزياء يقولون إذا كان هناك جُسيْمان (particules) وصار هناك تنافر (repulsion) لا يقتربان من بعضهما أكثر من مسافة معينة، ولا يصير انفجار، فكيف سيقتربان أكثر من هذا حتى يصير انفجار من قوة التنافر.
4- لو جئنا ببالون مليء بالغاز وانفجر، ماذا يحصل للغاز، هل يتجمّع في مكان معيّن ؟ لا بل ينتشر!!
5- من نَفْس غيمة الغبار والغاز يخرج أشياء لها طبيعة متشابهة، ولكن الأرض لا تشبه الكواكب !!
وهذه النظرية مخالفةٌ لقول الله تعالى: ﴿ قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَٰلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ (10)﴾ [سورة فصلت].
ثم إنّ هذه النظرية يعتمد عليها كلّ النظريات الأخرى كنظرية النشوء والإرتقاء ونظرية اينشتاين وغيرها، فلمّا تبين فساد هذه النظرية ظهر لنا أنّ بقية النظريات المذكورة سابقا بُنيت على باطل وهي باطلة.
4- إثبات أن الله خالق العالم وأنه لا يشبه المخلوقات
واعلم أن الله واحد لا شريك له في الألوهية لأنه لو كان للعالم خالقان وجب أن يكون كل واحد منهما حيّا قادراً عالماً مريداً مختاراً، والمختاران يجوز اختلافهما في الاختيار لأنّ كل ّ واحد منهما غير مجبر على موافقة الأخر في اختياره. فلو أراد أحدهما خلاف مراد الآخر في شىء لم يَخلُ أن يتِم مراد أحدهما ولم يتم مراد الآخر فإنّ الذي لم يتم مراده عاجز ٌ ولا يكون العاجزُ إلهاً ولا قديماً وهذه الدلالة معروفة عند الموحّدين تسمى بدلالة التمانع، وهو مأخوذ من الآية ﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّـهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّـهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22)﴾ [سورة الأنبياء] أي لو كان لهما أي للسمـٰوات والأرض ءالهـة غـيرُ الله لفسدتا.
يجب لله القدم بمعنى الأزلية. أما برهان قدمه تعالى فهو لو لم يكن قديماً للزِم حدوثه فيفتقر إلى محدث فيلزَم الدور أو التسلسل وكلٌ منهما محال.
ولما ثبت وجوب القدم لله عقلاً وجب له البقاء لأنه لو أمكن أن يلحقه العدم لانتفى عنه القدم. ويجب لله المخالفة للحوادث لأن مماثلة شيء لآخر معناه كون الشيئين بحيث يسدّ أحدهما مسدّ الأخر أي يصلح كل لما يصلح له الآخر فإن شيئاً من الموجودات لا يسد مسدّه في شيء من الأوصاف.
5- إثبات وجود النبي محمد:
وذلك عن طريق الخبر المتواتر الذي هو أحد سُبُل المعرفة للعبد.
6- إثبات أنّ محمداً هو نبي:
بعث الله الأنبياء رحمة للعباد إذ ليس في العقل ما يُستغنى به عنهم لأن العقل لا يستقل بمعرفة الأشياء المنجية في الأخرة، ففي بعثة الأنبياء مصلحة ضرورية لحاجاتهم لذلك فالله متفضل بها على عباده. ثمّ السبيل إلى معرفة النبي المعجزة، وهي أمر خارق للعادة موافق للدعوى سالم من المعارضة بالمثل يظهر على يد من ادعى النبوّة، فما ليس بخارقٍ للعادة بأن كان معتادا لا يسمى معجزة.
فالمعجزة تثبت النبوة لمن ادعى الرسالة بالمشاهدة للمعاصر، ولغيره بالتواتر اللفظي والمعنوي ثم إن معجزاته قسمان:
أ) معجزة باقية دائمةٌ يشاهدها من كان في عصره ومن سيكون بعده وذلك هو القرآن العظيم:
من آيات رسول الله سيدنا محمد التي تحدّى بها كافة العرب: القرآن، فإنّهم مع تميزهم بالفصاحة والبلاغة لم يقدروا على معارضته بالمثل.
وعجزهم عن ذلك متواتر بانصرافهم عن المعارضة إلى المقارعة والمحاربة.
مع ما فيه من أخبار الأولين والإنباءِ عن الغَيْبِ في أمور كثيرة تحقق صدقه فيها في الاستقبال، مع كون النبي أميّا غير ممارس للكتب.
ب) معجزة غير دائمة وهو ما صدر عن النبي محمد من الخوارق الفعلية
إبطال شبهة يوردها بعض الملحدين: قال بعض الملاحدة: "وقوع الخارق على يد من ادّعى النبوة لا يكفي دليلا على صدقه لأننا نشاهد كثيرا من الخوارق يُتوصّل إليها بالسحر".
فالجواب: هذه الأشياء تُعارَض بالمثل فيعارض ساحرٌ ساحراً بخلاف المعجزة. فهل استطاع أحدٌ من المكذّبين المعارضين للأنبياء في عصورهم وفيما بعد إلى يومنا هذا أن يأتي بمثل معجزةٍ للأنبياء ؟
فإن قال الملحدُ إنّ هذه الحوادث من قبيل الخُرافات التي تروى من غير أساس.
فالجواب أنّ هذا من الخبر المتواتر الذي يفيد علماً قطعيا (وليس من الأخبار التي تحتمل الصدق والكذبَ) (كأخبار البلاد والأماكن النائية والملوك الماضية التيِ تناقلتها الكافةُ عن الكافةِ) فكما أنّ هؤلاء الملحدين يقطعون بصحّة بعض أخبار أئمتهم كلِينين وماركس، وبعض حوادث من قبلهما كنابليون، ولم يَرَوْهم ولم يشهدوا تلك الحوادثَ، كذلك نقطعُ بصحّة حوادثِ الأنبياء التي تناقلتها الكافةُ عن الكافة.
7- إثبات أنّ النبي محمد صادقٌ في جميع ما أخبر به وبلّغه عن الله
فإذا عُرِف معنى المعجزة كما شرحنا دلّ العقل على أنّ الذي قام بدعوى النبوّة يتحتم تصديقه فيما دعا إليه من وجود صانع للعالم هو الله الذي تجب عبادته وأنّ هذا النبيّ مُبلّغ عنه وكان ذلك في تقدير منزلة قول الله: " صدق عبدي في كلِّ ما يُبلّغُ عنّي "، أي لو لا أنّه صادق في دعواه لما أظهر الله له هذه المعجزةَ.
8- إثبات أنّ القرآن الكريم حقٌّ :
إنه من المعلوم والثابت الذي يُذعن له كل منصف ويصدق به كلّ عاقل أنّ القرآن الكريم استمرت وما زالت رُغم توالي الحُقُب ومرور السنين بما فيه من الإعجاز العظيم على مختلف أغراضِ العلم، كيف لا وهو الكتابُ الذي يقول الله فيه: ﴿ قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَـٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88)﴾ [سورة الإسراء آية 88]
وسنتكلم إن شاء الله عن ثلاثة وجوه من الإعجاز في القرآن الكريم:
أ) أحدها ما يتضمن الإخبار عن الغيب وذلك مما لا يقدِرُ عليه البشرُ، ولا سبيل لهم إليه.
من ذلك قوله تعالى: ﴿ غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّـهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4)﴾[سورة الروم]، فظهرت الروم على فارسَ بعدما هُزموا قبل ذلك ببضع سنين (تسع سنين).
ب) الوجه الثاني: الإعجاز اللغوي فهو في أعلى طبقات البلاغةِ والفصاحة التي لا يأتي بمثلها بشرٌ ولهذا كان فيه تحدٍ لكفّار قريش.
وإنّ من شواهد ما نقول ما ذكره الأصمعي أنه سمِع في البيداء (الأرض الفلاة) فتاةً تُنشدُ الشعر فقال: " يا جارية ما أبلغك "، قالت: وَيْحَكَ وهل هذا بلاغة في جَنْبِ قولهِ عزّ وجلّ: ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7)﴾ [سورة القصص]، فقد جمع فيها بين أمرين: قوله أرضعيه وقوله فألقه في اليم، ونهيَيْنِ قوله: ﴿وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي﴾ وبشارتين قوله: ﴿إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ في آية واحدة.
حتى أن بعض كفار قريش لما سمع القرآن مدحه وأثنى عليه منهم الوليد بن المغيرة لما سمع الآية: ﴿ إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)﴾ فقال: إن به لحلاوة وإن عليه لطلاوة، وإن أوله لمثمر وإن آخرَه لمُغدِقٌ وما هذا بقول بشر.
ج) الوجه الثالث: هو الإعجاز العلمي، فقد جاءت أبحاث وتجارب عديدة موافقةٌ لما نصّ عليه القرآن ومن ذلك:
1- أثبت أهل الطِبِ أن الإحساس بألم الحريق محصور بالجلد لأن نهايات الأعصاب المتخصصةِ بالإحساس بالحرارة والبرودةِ محصورة بالجلد ولو ذاب الجلد فلن يشعر الإنسان في الدنيا بألم الحريق والله تعالى يقول في القرآن: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (56)﴾ [سورة النساء].
2- أثبت الطِب الجَنينيُ أن الجنين يُحفظ في بطن أمه من وصول النور إليه بواسطة أغشية ثلاثةٍ وتُشكِل هذه الأغشية الثلاثة. ثلاث طبقاتٍ مظلمة تمنع وصول النور إلى الجنين. هذه الأغشية عُرفت بواسطة أجهزة مِخبريةٍ متطورة وهذه الأجهزة لم تكن في زمن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولا حتى قبل سبعين عاما لم تكن هذه الأشياء ُ معروفة وقد قال الله تعالى في القرآن: ﴿ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِّن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَٰلِكُمُ اللَّـهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ (6)﴾ [سورة الزمر].
https://www.islam.ms/ar/?p=37