عذاب القبر ونعيمه وسُؤال الملكَين مُنكر ونكير. خطبة جمعة
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
إن الحمد لله نحمده ونستغفره ونستعينه ونستهديه ونشكره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، أشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له ولا مثيل ولا شبيه ولا ضدّ ولا ندّ له. وأشهد أنّ سيدنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا وقرّة أعيننا محمّدًا عبدُهُ ورسوله وصفيّه وحبيبه مَن بعثَه اللهُ رحمةً للعالمين هاديًا ومبشرًا ونذيرًا بلّغَ الرسالةَ وأدى الأمانةَ ونصحَ الأمّةَ وجاهد في الله حق جهاده فجزاهُ اللهُ عنا خيرَ ما جزَى نبيًّا مِن أنبيائه. اللهّم صلّ على سيدنا محمّد وعلى ءال سيدنا محمّد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى ءال سيدنا إبراهيم وبارك على سيدنا محمّد وعلى ءال سيدنا محمّد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى ءال سيدنا إبراهيم إنك حميد مجيد.
عباد الله أوصى نفسي وأوصيكم بتقوى الله العلي القدير القائل في محكم كتابه { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ }(سورة ءال عمران ءاية 185 ) .
إخواني تفكروا في الحشر والمعاد، وتذكروا يوم يقوم الأشهاد فإن في القيامة لحسَرَات، وإن في الحشر لزَفَرَات، وإن عند الصراط لعَثَرات، وإن عند الميزان لعَبَرات، وإن الظلم يومئذ ظلمات، والكتب تحوِى حتى النظرات، وإن الحسرة والندم على السيئات، والفرحة والسرور على الحسنات، ففريق في الجنة يرتقون الدرجات، وفريق في السعير يهبطون الدركات، وما بينك وبين هذا إلا أن يقال ” فلان مات “، نعم أيها الأحبة فلان مات كلمة يرددها كثير من الناس ويسمعها كثير لكن السؤال لمن سمعها هل فكر واعتبر ولنفسه حاسب ولتقصيره جَبَر وسأل نفسه ماذا حَضّر إذا قيل يومًا عنه فلان مات.
أيها الأحبة قال الله عزّ وجلّ { قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ } ( سورة السجدة ءاية 11 ) مَلَكُ الموت بإجماع الأمة هو سيدنا عزرائيل عليه السلام وهو ملك كريم على الله كسائر الملائكة موكل بقبض الأرواح فإذا قبض نفس المؤمن دفعها إلى ملائكة الرحمة فيبشرونها بالثواب وبرحمة الله ورضوانه وإذا قبض نفس الكافر دفعها إلى ملائكة العذاب فيبشرونها بالعذاب وبسخط الله وعقابه، فلا يتركون الروح في يد سيدنا عزرائيل بعدما يقبضها طرفة عين، بل يذهبون بها إلى السماء إن كانت الروح لمؤمنٍ تقيّ، وإلى الأرض السابعة إن كانت لكافر شقيّ.
فإذا وضع الميت على النعش وحمله الناس إلى القبر رجعت الملائكة بالروح تحملها وتمشى بها مع الجنازة فإن كانت للرجل الصالح قال كما ورد في الحديث « قَدّمونِي قَدّمونِي وإن كانت للرجل السوء وفي رواية الكافر قال يا ويلِى أين تذهبون بِى لكن لا يسمع ذلك الإنسان ولو سمعها الإنسان لصَعِقَ » ( روى هذا الحديث البخاري والنسائي وأحمد وغيرهم بألفاظ متقاربة. )
ثم يوضع الميتُ إخوةَ الإيمان في قبره ويتركه الولد والمال والأهل والخلان ولا يبقى معه إلا العمل فقد قال عليه الصلاة والسلام « يَتْبَعُ المَيّتَ ثَلاثَةٌ فَيَرْجِعُ اثْنانِ وَيَبْقَى مَعَهُ وَاحِدٌ يَتْبَعُهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ فَيَرْجِعُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَيَبْقَى عَمَلُهُ »اهـ ( رواه البخاري ).
ثم يكون سؤال الملكين منكر ونكير لهذا الميت فقد ورد في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا وُضِعَ فِى قَبْرِهِ وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ أَتَأهُ مَلَكَانِ فَيُقْعِدَانِهِ فَيَقُولانِ لَهُ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِى هَذَا الرَّجُلِ مُحَمَّدٍ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ فَيُقَالُ لَهُ انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِن النَّارِ قَدْ أَبْدَلَكَ اللهُ بِهِ مَقْعَدًا من الجنَّةِ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا وَأَمَّا الْكَأفِرُ أَو المُنَافِقُ فَيُقَالُ لَهُ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِى هَذا الرَّجُلِ فَيَقُولُ لا أَدْرِى كُنْتُ أَقُولُ كَمَا يَقُولُ النَّاسُ فَيُقَالُ لَهُ لا دَرَيْتَ وَلا تَلَيْتَ ثُمَّ يُضْرَبُ ضَرْبَةً بَيْنَ أُذُنَيْهِ فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ غَيْرَ الثَّقَلَيْنِ » اهـ. ( رواه البخاري والترمذي والنسائي وغيرهم بألفاظ متقاربة واللفظ هنا للنسائي. )
أيها الأحبة، الإيمان بسؤال الملكين منكر ونكير أي التصديق به واجبٌ على كل مكلف وهو يحصل للمؤمن والكافر من أمة الدعوة أي الذين أُرسل إليهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. ثم المؤمن الكامل لا يـحصل له فزع ولا انزعاج من سؤالهما لأن الله يثبت قلبه فلا يرتاع من منظرهما المخيف لأنهما كما جاء في الحديث أسودان أزرقان لهما أعين حمراء كقُدُورِ النُّحاس وأنيابٌ كصَيَاصِي البقَر أي تُشبِهُ قُرونَ البقر يشُقَانِ الأرض بأنيابهما شقا وصوتهما كالرعد، (انظر فتح الباري) مع هذا المؤمن الكامل يفرح برؤيتهما وسؤالهما لأنه يعرف أنه ناجٍ فيقول مجيبًا عن سؤالهما عن حبيب رب العالمين أشهد أنه عبد الله ورسوله فيقال له انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِن النَّارِ قَدْ أَبْدَلَكَ اللهُ بِهِ مَقْعدًا خَيْرًا مِنْهُ وفي رواية انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنْ النَّارِ فَقَدْ أَبْدَلَكَ اللهُ بِهٍ مَقْعَدًا فِي الْجَنّةِ أما المنافق أو الكافر فإنه يرتاع ويضطرب من شدة خوفه منهما حتى إنه يجرى على لسانه كلام هو لا يريد أن يقوله حتى يصير يقول لا أَدْرِى كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ فيقولان له لا دَرَيْتَ وَلا تَلَيْتَ وهى كلمة تقال للتقريع ثم يضربانه بالمطرقة يضربانه على رأسه بمطرقة من حديد ضربة يصيح بها صيحة عظيمة يسمعها كل من يليه إلا الثقلين أي إلا الإنس والجن.
إخوة الإيمان سؤال الملكين في القبر من خصائص هذه الأمة سواء كان مؤمنًا أم كافرًا كما مرّ لكن يُستثنى من السؤال النبي صلى الله عليه وسلم لشرفه فالملائكة لا تسأله وكذلك شهيد المعركة الذي يموت في قتال الكفار لا يُسأل لأن روحه تصعد مباشرة إلى الجنة وكذلك الطفل لا يُسأل وهو من مات دون البلوغ لأنه ليس مكلفًا وقد ورد في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر سؤال الملكين فقال سيدنا عمر أَتُرَدُّ علينا عقولُنا يا رسول الله قال ” كهيئتكم اليوم “ فحالُ الإنسان في القبر يشبه حاله في الدنيا فإنه يشعر بالنعيم ويشعر بالألم وهذا يكون بالروح والجسد وإن أُخْفِىَ عنا هذا في الدنيا.
أيها الأحبة تذكروا أنّ الدنيا سائرة إلى انقطاع ومصيرنا إلى القبور وكلٌّ يُفضِى إلى ما قدّم ولا يكون مع الإنسان في قبره إلا عملُهُ فالعاقل هو الذي يتذكّر الموت ويعدّ للآخرة فيتزود من هذه الدنيا بالعمل الصالح فالقبر صندوق العمل وقد قال بعضهم:
النفس ترغب في الدنيا وقد علمت أنَّ السلامة فيها ترك ما فيها
لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت يبنيها
فإن بناها بخير طاب مسكنهُ وإن بناها بشرّ خاب بانيها
أين الملوك التي كانت مسلطَنة حتى سقاها بكأس الموت ساقيها
أموالنا لذوى الميراث نجمعها ودورنا لفناء الدهر نبنيها
اللهم زهّد قلوبنا في الدنيا واملأ قلوبنا رغبة في ما عندك وثبتنا في القبر ويوم العرض يا أرحم الراحمين.
هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهْدِيهِ ونشكُرُه ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا وسيِّئاتِ أعْمَالِنا مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هادِي لهُ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد الصادق الوعد الأمين وعلى إخوانه النبيّين والمرسلين، ورضي الله عن أمهات المؤمنين وءال البيت الطاهرين وعن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ وعن الأئمة المهتدين أبي حنيفة ومالك والشافعيّ وأحمد وعن الأولياء والصالحين، أما بعدُ عبادَ الله فإنِّي أوصيكم ونفسي بتقوى الله العليّ العظيم فاتقوه.
واعلَموا أنَّ الله أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ، أمرَكُمْ بالصلاة والسلام على نبيِّهِ الكريم فقال { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } ( سورة الأحزاب ءاية 56 ) اللهُمَّ صَلِّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنَّكَ حميدٌ مجيدٌ، يقول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ } ( سورة الحج ءاية 1 – 2 ) اللهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفِرِ اللهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا، اللهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ، ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسنَةٌ وفي الآخِرَةِ حسنةٌ وقِنا عذابَ النارِ، اللهُمَّ اجعلْنا هُداةٌ مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ، اللهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّف.
عبادَ الله إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ اذكُروا الله العظيم يُثبكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ واتَّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.
https://www.islam.ms/ar/?p=68