الاعتبار بما جرى في حدوث بعض الزلازل والهزات الأرضية
الحمدُ للهِ نحمَدُه ونَسْتَعِينُه ونستَهْدِيهِ ونَسْتَغْفِرُه ونَسْتَرْشِدُه، ونعوذُ بِاللهِ من شرورِ أنفُسِنا وَمِنْ سيئاتِ أَعمالِنا، مَن يهدِ اللهُ فهوَ المهتَدِ ومَنْ يُضْلِلْ فلنْ تَجِدَ له وَلِيًّا مُرشدًا، وأشهدُ أن لا إلهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ولا شَبيهَ ولا مثيلَ لهُ، مهما تَصَوَّرْتَ ببالِكَ فاللهُ لا يُشْبِهُ ذلك، ومن وَصَفَ اللهَ بِمَعْنًى مِنْ مَعانِي البشرِ فقَدْ كفَرَ، وأشهدُ أنَّ سيدَنا وحبيبَنا وقائدَنا وقُرَّةَ أعيُنِنا محمدًا عبدُ اللهِ ورَسولُه وصَفِيُّه وحبِيبُه وخلِيلُه أرسلَهُ اللهُ بالهُدَى ودِينِ الحَقِّ هادِيًا ومُبَشِّرًا ونذِيرًا وداعِيًا إلى اللهِ بإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا.
قال اللهُ تعالى في سورةِ الإسراءِ (وَمَا نُرسِلُ بِٱلأيَٰتِ إِلَّا تَخوِيفا).
فَاخْشَوْا رَبَّكُمْ أيُّها الناسُ فما زَالَتْ علامَاتُ تَخْويفِ اللهِ تعالَى لنَا تَظْهَرُ وتَتَوَالَى شَيْئًا بعدَ شىءٍ لا سِيَّما الخُسُوفُ والبَراكِينُ والتسونامي والزَّلازِلُ والهَزَّاتُ ومعَ ذلكَ فَإِنَّ ما يَصْرِفُهُ اللهُ تعالَى عَنَّا أَكْبَرَ مِمَّا نُبْتَلَى بِه، وَمِصْدَاقُ هذَا في قولِ اللهِ تعالَى في سُورةِ البَقَرَةِ (وَلَنَبلُوَنَّكُم بِشَيء مِّنَ ٱلخَوفِ وَٱلجُوعِ وَنَقص مِّنَ ٱلأَموَال وَٱلأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَات وَبَشِّرِ ٱلصَّابرين ) آية 155.
روى البخاريُّ ومسلمٌ عن أمِّ المؤمنينَ زينبَ بِنْتِ جَحْشٍ رضيَ اللهُ عنها أنَّها قالَتْ خَرَجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَومًا فَزِعًا مُحْمَرًّا وَجْهُهُ يقولُ “لَا إلهَ إلَّا اللهُ وَيْل لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ فُتِحَ اليَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الإبهامِ والتِي تَلِيهَا قالَتْ فَقُلْتُ أَنَهلِكُ وَفِينَا الصَّالِحونَ؟ قالَ نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الخَبَث.
وَقَدْ وَقَعَتْ هَزَّة في زَمَنِ سيدِنا عمرَ رضي الله عنه في المدينةِ فقالَ « يَا أَهْلَ المدينةِ ما أَسْرَعَ مَا أَحْدَثْتُمْ وَاللهِ لَئِنْ عَادَتْ لَأَخْرُجَنَّ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِكُمْ » يعنِي خَشِيَ أَنْ يُصِيبَهُ شَىء مِنَ العُقُوبَةِ العَامَّةِ التِي تَنْزِلُ بِسَبَبِ ذُنُوبِ النَّاسِ.
قالَ اللهُ تعالى في سورةِ الأنفالِ (وٱتَّقُوا فِتنَة لَّا تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُم خَاصَّة وَٱعلَمُوا أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلعِقَابِ) آية 25. فَالْفِتْنَةُ إذَا عَمَّتْ هَلَكَ الكُلُّ إلّا أَنَّ البَلاءَ عِنْدَئِذٍ طهَارة لِلْمُؤْمِنِينَ وَنِقْمَة علَى الفَاسِقِينَ.
مَنْ بَقِيَ حَيًّا بعدَ اهْتِزَازِ الأَرْضِ مِنْ تَحْتِهِ فَلْيَتَّعِظْ بِمَنْ غَمَرَهُ الرُّكامُ وَلْيُصْلِحْ مِنْ نَفْسِهِ، وَانْصَحُوا مَنْ يَسُبُّ اللهَ أو يَسْتَهْزِئُ بِدِينِ اللهِ أَوْ يَشْتِمُ نَبِيًّا مِنْ أَنْبِياءِ اللهِ والعِياذُ باللهِ أَوْ مَلَكًا مِنَ مَلائكةِ اللهِ كَعَزْرَائِيلَ أَوْ يَرْمِي الْمُصْحَفَ في القَاذوراتِ أَنْ يَرْجِعَ لِلْإِسْلامِ بِالشَّهادَتَيْنِ، أَمَّا مَنْ عَصَى اللهَ بِمَا هُوَ دونَ ذلكَ فَلْيُبَادِرْ إلَى التَّوبةِ والرُّجوعِ إلى طاعةِ اللهِ تعالى بِالنَّدمِ والإِقْلاعِ عمَّا وَقَعَ فيهِ والعَزْمِ علَى أَنْ لا يَرْجِعَ إلى ذلكَ الذَّنْبِ، وَإِنْ كانَ عليهِ قَضَاءُ صَلاةٍ أَوْ صِيَامٍ فَلْيُبَادِرْ إلَى قَضَائِهِ بِلا تَأْخِيرٍ، وَإِنْ كانَ ظَلَمَ أَخَاهُ فَلْيُبَادِرْ إلَى اسْتِسْمَاحِهِ وَرَدِّ الحَقِّ إليهِ، وَبَادِرْ أَخِي لِتَعَلُّمِ الضَّروريِّ مِنْ عِلْمِ الدِّينِ لِتَعْلَمَ مَا فَرَضَ اللهُ عليكَ.
فَطُوبَى لِمَنِ اعْتَبَرَ بِغَيْرِه قَبْلَ أَنْ يَكُونَ عِبْرَةً لِغَيْرِه، وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الذينِ قالَ اللهُ تعالى فيهِمْ في سورةِ الإسراءِ (وَنُخَوِّفُهُم فَمَا يَزِيدُهُم إِلَّا طُغيَٰنا كَبِيرا ) آية 60. يتَمَادَى في غَيِّهِ وَلَا يتَّعِظُ بِآيةٍ وَلا عِبْرَةٍ فَنَسْأَلُ اللهَ أَنْ لَا يَجْعَلَنَا مِنَ الغَافِلِينَ، فَقَدْ رَوَى البخاريُّ عن عبدِ الله بنِ مسعودٍ رضي الله عنه أنهُ قالَ “إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَه كَأَنَّهُ قَاعِد تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ علَيْهِ وَإِنَّ الفَاجِرَ يَرَى ذُنوبَه كذُبَابٍ مَرَّ علَى أَنْفِهِ” فَالمؤمنُ الكامِلُ علَى وَجَلٍ يَخَافُ عَاقِبَةَ الذُّنوبِ وَيَرْجُو فَضْلَ اللهِ وَرَحْمَتَهُ فَهُوَ بَيْنَ الرَّجَاءِ وَالخَوْفِ، وأَمَّا الكَافِرُ فَكَأَنَّهُ لا يَرَى وَلَا يَسْمَعُ وَهُوَ كمَا قالَ اللهُ تعالى في سورةِ الأَعْرَافِ (وَلَقَد ذَرَأنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرا مِّنَ ٱلجِنِّ وَٱلإِنسِ لَهُم قُلُوب لَّا يَفقَهُونَ بِهَا وَلَهُم أَعيُن لَّا يُبصِرُونَ بِهَا وَلَهُم ءَاذَان لَّا يَسمَعُونَ بِهَا أُوْلَٰئِكَ كَٱلأَنعَٰمِ بَل هُم أَضَلُّ أُوْلَٰئِكَ هُمُ ٱلغَٰفِلُونَ ) آية 179.
معشرَ الإِخْوَة،
انْظُروا إلَى مَا خَلَّفَهُ الزِّلزالُ وتَرَدُّدَاتُهُ مِنْ هَزَّاتِه في تُرْكِيا وبعضِ القُرى السُّورِيَّةِ الحُدُودِيَّةِ، وشَاهِدُوا التَّسجيلاتِ بِالصَّوْتِ والصورةِ وَقْتَ الفَاجِعَةِ لِتَرَوْا تَمَاوُجَ الأَرْضِ وَتَضَعْضُعَهَا وَانْكِسَارَها وَانْزِلاقَهَا وَخُسُوفَها وَظُهورَ الوَهْدَاتِ العَميقَةِ السَّحِيقَةِ فيمَا بَيْنَهَا وقُولُوا تُبْنَا عُدْنَا فَاعْفُ عَنَّا يَا رَبَّ العَالَمِينَ.
تَأَمَّلُوا في هَذِهِ الهَزَّةِ التِي هَزَّتِ القُلُوبَ وَاعْلَمُوا أَنَّها إِشَارَةٌ كُبْرَى مَرَّتْ عَلَيْنا،فالحمدُ للهِ الذِي دَفَعَ مَا هُوَ أَعْظَمُ والحمدُ للهِ علَى سَلَامَةِ مَنْ نَجَا مِنْ أهْلِنا وإِخوانِنا وأَصدقائِنا وشَفَى اللهُ الْمُصَابِينَ وَنَجَّى الْمَحْجُوزِينَ تَحْتَ الرُّكَامِ.
هَزَّة مادَتْ بِها الأَرْضُ قَلِيلًا أَرْعَبَتْ وَأَقْلَقَتْ وَكَمْ مِنْ أُنَاسٍ تَعِبُوا وَجَمَعُوا مِنْ مَتَاعِ الدُّنيا وَحُطَامِهَا فَذَهَبَ مَا جَمَعُوهُ بِلَحَظَاتٍ وَكَمْ مِنْ أَنْفُسٍ قَضَتْ وَأُسَرٍ أَضْحَتْ بِلَا مَأَوْىً فَقَدْ ذَهَبُوا وَبَقِيتَ فَاحْمَدِ اللهَ.
مَاتُوا وَمَا زَالَ في عُمُركِ بَقِيَّة فَاغْتَنِمْ أَنْفَاسَكَ. هَلَكُوا وَنَجَّاكَ اللهُ فَاشْكُرْ لِرَبِّكَ. وَتَذَكَّرْ زَلْزَلَةَ القِيَامَةِ فَإِنَّ اللهَ تعالَى يقولُ في سُورةِ الحَجِّ (يَٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُم إِنَّ زَلزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيءٌ عَظِيم (1) يَومَ تَرَونَهَا تَذهَلُ كُلُّ مُرضِعَةٍ عَمَّا أَرضَعَت وَتَضَعُكُلُّ ذَاتِ حَملٍ حَملَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَٰرَىٰ وَمَا هُم بِسُكَٰرَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيد ) آية 2.
https://www.islam.ms/ar/?p=591