حدث في رمضان شهر الانتصارات والفتوحات
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
إخوة الإسلام، يمر شهر رمضان المبارك الكريم بأيامه ولياليه المباركة وطرق الخير سالكة للراغبين وأبواب التوبة مفتوحة للنادمين فطوبى لمن سلك طريق سيد المرسلين فإنه يوم القيامة من الناجين المفلحين.
إنّ المتتبع للانتصارات الباهرة التي أحرزها المسلمون في الماضي يجد أنّ كثيرا منها كان في شهر رمضان المبارك. فالمعركة الأولى بين أهل التوحيد وأهل الشرك معركة بدر الكبرى كانت في شهر رمضان.
ونصرُ الله والفتح المبين فتحُ مكة كان في شهر رمضان وفتحُ الأندلس على يد القائد طارق بن زياد ومعركةُ عين جالوت التي قضى فيها المسلمون على الزحف التتاري البغيض وانكسارُ الروم في تبوك كل ذلك وغيرُه كان في شهر رمضان العظيم.
حدث في شهر رمضان
أنزل القرءان الشريف ليلة القدر في الرابع والعشرين من رمضان دفعة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا.
وأنزلت صحف سيدنا إبراهيم عليه السلام في أول ليلة من شهر رمضان، وأنزلت التوراة على سيدنا موسى عليه السلام في السادس منه، وأنزل الإنجيل على سيدنا عيسى عليه السلام في الثالت عشر منه.
كان فتح مكة في 17 رمضان في السنة الثامنة للهجرة على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
مقتل سيدنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم وجهه بالكوفة على يد عبد الرحمن بن ملجم سنة أربعين للهجرة
وقعة عين جالوت في فلسطين يوم الجمعة في 25 رمضان سنة 658 هـ، انتصر فيها سلطان ديار مصر الملك المظفر سيف الدين قطز على كتبغانوين قائد التتار وكان نائباً لهولاكو على بلاد الشام، ومعنى نوين أمير عشرة ءالاف
وقعة بدر الكبرى في 17 رمضان سنة اثنتين للهجرة.
فتح الأندلس في 28 رمضان سنة 92 للهجرة بقيادة طارق بن زياد.
فرضت زكاة الفطر سنة اثنتين للهجرة قبل العيد بيومين.
النصر وفتح مكة المبين
قال الله تعالى: ﴿ إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً ﴾ [سورة النصر آية 1-2-3].
وقال الله تعالى: ﴿ لَّقَدْ صَدَقَ اللَّـهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ ۖ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّـهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ ۖ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَٰلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا ﴾ [سورة الفتح آية 27]
إنه ذلك الفتح العظيم فتحُ مكة الذي جعل الحرم الأمين في ظل الإسلام والمسلمين والذي ارتفعت فيه راية الإسلام عالية خفاقة على أفضل البلاد وأقدسها وأعزها مكانةً عند الله سبحانه وتعالى.
في شهر رمضان من السنة الثامنة للهجرة خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في عشرة آلاف من أصحابه قاصداً مكة المكرمة فلما فتحها الله لهم دخلوها ثم طافوا بالبيت آمنين محلقين رؤوسهم ومقصرين وكان فتحا مبيناً دخل الناس بعده في دين الله أفواجاً.
وكان ذلك بعد أن أخرجه قومه من مكة وآذوه وصحبَه فهاجر إلى المدينة المنورة في رعاية الله وحفظه حيث أمره الله تبارك وتعالى وأسس فيها أعظم الدعائم لقيام دولة الحق وربى فيها النفوسَ العظيمة التي كانت الرعيل الأول لخير أمةٍ أخرجت للناس.
خروج الرسول نحو مكة
لما عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم النيةَ على الجهاد لفتح مكة تجهز وأمر الناس للتجهز إلى مكة وقال: "اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها" ومضى رسول الله لسفره واستخلف على المدينة كلثوم بن حصين وخرج لعشر من رمضان فصام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصام الناس معه.
وكان جيش المسلمين يشتمل على الأنصار والمهاجرين وكثير من القبائل. وعندما وصل إلى موضع "مرّ الظهران" أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يوقد المسلمون على رؤوس المرتفعات المطلة على مكة.
ورأت قريش النيران المتوهجة فأسرع أبو سفيان وبعض القوم بالخروج باتجاه مصادر النيران وكان العباس بن عبد المطلب قد خرج ليلاً من معسكر المسلمين في مهمة فالتقى بأبي سفيان وقال له: هذا رسول الله دلف إليكم بما لا قِبَلَ لكم به بعشرة آلاف من المسلمين، فقال له أبو سفيان: "فبما تأمرني" فطلب العباس من أبي سفيان أن يذهب معه إلى رسول الله.
فلما كان الصباح جيء بأبي سفيان فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "ويحك يا أبا سفيان ألم يئن لك أن تعلم أنه لا إله إلا الله ويحك يا أبا سفيان ألم يئن لك أن تعلم أني رسول الله ؟" فتشهد أبو سفيان ودخل في دين الإسلام.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن"، ثم عاد أبو سفيان إلى مكة وكان كبار القوم في مكة مجتمعين يتشاورون في الأمر وبينما هم على هذه الحال إذا بصوت أبي سفيان قائلا: "يا معشر قريش هذا محمد جاءكم فيما لا قِبَلَ لكم به فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن"، فتفرّق الناس إلى ديارهم وإلى المسجد.
دخول مكة
وقسَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم الجيش إلى عدة أقسام لدخول مكة: الميسرة بقيادة الزبير بن العوام والميمنة بقيادة خالد بن الوليد وقوات الأنصار بقيادة سعد بن عبادة وقوات المهاجرين بقيادة أبي عبيدة بن الجراح.
دخل المسلمون مكة من جهاتها الأربع فلم يلقوا مقاومة باستثناء الرتل الذي يقوده سيدنا خالد بن الوليد فقد تجمع بعض القرشيين مع بعض حلفائهم من بني بكر وغيرهم في منطقة الخندمة فلما وصلتها قوات سيدنا خالد قذفوها بوابل من سهامهم ولكن المسلمين حملوا عليهم وشتتوهم وأرغموهم على الفرار وهكذا تم فتح مكة في شهر رمضان المبارك.
قل جاء الحق وزهق الباطل
ولما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة كانت عليه عمامة سوداء فوقف على باب الكعبة وقال: "لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده"، ثم قال: "يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم"، قالوا: "خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم"، قال: "فاذهبوا فأنتم الطلقاء"، وطاف بالكعبة سبعاً ودخلها وصلى فيها. وكان على الكعبة ثلاثمائة وستون صنماً وكان بيده قضيب فكان يشير به إلى الأصنام وهو يقرأ ﴿ وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ﴾ [سورة الإسراء آية 81].
فلا يشير على صنم منها إلا سقط لوجهه. ثم بايع الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولما جاء وقت الظهر أمر الرسول بلالاً الحبشي رضي الله عنه أن يؤذن على ظهر الكعبة.
وهكذا ارتفعت راية الإسلام وعلا نداء الحقِ والإيمانِ وجاء نصرُ الله والفتحِ ودخل الناس في الدين الحق أفواجاً.
كيف لا والإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله لنا وأمرنا باتباعه، فهو الدين الذي يُخرج الناس من ظلماتِ الكفر والضلال إلى أنوار الإيمان والهداية.
محطات قصيرة وفتوحات عظيمة
1- معركة بدر الكبرى: في السابع عشر من رمضان المبارك في العام الثاني للهجرة، مكَّن الله لسيوف المسلمين من رقاب أعدائهم فخرَّ الواحد منهم تلو الآخر صريعاً مُجندلاً.
2- غزوة تبوك: في شهر رمضان من السنة التاسعة من الهجرة.كانت آخر غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم. ففر الروم وولى المشركون رعباً.
3- فتح الأندلس: في شهر رمضان من سنة 93 هجرية. انتصر المسلمون بقيادة القائد طارق بن زياد وأقاموا الحكم الإسلامي فيها وبنوا حضارة عريقة.
4- موقعة عين جالوت: في شهر رمضان من سنة 658 هجرية. هب الجيش الإسلامي لملاقاة جحافل التتار الذين كانوا قد إنصبوا إنصباب السيل المدمر يُخربون ويُدمرون. وانتهت الموقعة بتمزيق جموع التتار وهزيمتهم شرَّ هزيمة.
أخي المسلم، حتى تكون أشهر رمضان المقبلة كتلك الماضية بسجلاتها الذهبية لا بد لنا من الاعتصام بحبل الله لأنّ قوتنا في اعتصامنا بحبل الله المتين. ولنقرأ قوله تعالى: ﴿ إِن يَنصُرْكُمُ اللَّـهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ۖ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ ۗ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [سورة آل عمران آية 160].
اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا صلينا ولا صمنا ولا تصدقنا، لك الحمد ربنا على ما أنعمت علينا ونسألك أن تتقبل منا صيامنا وصلاتنا وأعمالنا وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
https://www.islam.ms/ar/?p=154