خطبة جمعة: التمسكُ بالعادات الإسلامية وفضلُ الحياء في الدين
بسم الله الرحمن الرحيم
لحمد لله العليِّ القدير، المنـزه عن الشبيهِ والمثيل والنظير، الذي أنزل على قلبِ حبيبه محمدٍ أصرحَ ءايةٍ في القرءانِ في التنـزيهِ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مثيل له وأشهد أن سيّدَنا محمدا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه، بلَّغ الرسالة وأدى الأمانةَ ونصح الأمّةَ فجزاه الله عنا خير ما جزى نبيًّا من أنبيائه، اللهمّ صلِّ على سيدنا محمد صلاةً تقضي بها حاجاتنا وتفرجُ بها كرباتنا وتكفينا بها شر أعدائنا وسلِّم عليه وعلى ءاله سلاما كثيرا.
أما بعد عباد الله فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العلي القدير القائل في محكم كتابه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}.
إخوةَ الإيمان، اِعلموا رحمكمُ الله بتوفيقه أن تربيةَ الأولاد من أهم الأمور وأَوْكدِها، والولدُ أمانة عند والديه، وهو قابل لكل ما نُقش، ومائلٌ إلى كلِّ ما يُمال به إليه، فإن عُوِّدَ الخيرَ وعُلِّمَهُ نشأ عليه وسعِد في الدنيا والآخرة، وإن عُوِّدَ الشرَّ وأُهمل إهمالَ البهائم شَقِيَ وهلَك، والله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا}. ومهما كان الأبُ يصونُه عن نار الدنيا، فبِأَن يصونَه عن نار الآخرة أولى، فكم وكم من ءاباءٍ أهملوا تعليمَ أولادهم ضرورياتِ علمِ الدينِ فنشأ الولدُ على عقيدةٍ فاسدةٍ، بلغ وهو يعتقدُ أن الله قاعدٌ على العرش أو نورٌ يتلألأ والعياذُ بالله تعالى، ولا يخفاكُم أن منِ استمرَّ على هذه العقيدةِ الفاسدة ومات عليها خُلِّد في نار جهنّمَ والعياذُ بالله، لذلك أحببتُ إخوة الإيمانِ في خطبتي اليومَ أن أُذكّر نفسي وإياكم بعاداتِ المسلمين من التمسكِ بمجالسِ علمِ الدِّين، من التمسك بالآدابِ والأخلاق المحمدية، من التمسك بالحياءِ الممدوحِ عند الرجال والنساءِ ونبذِ العاداتِ القبيحةِ ونبذِ الرذائلِ والفواحش.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ مما أدركَ الناسُ من كلامِ النُّبوّةِ الأولى إذا لم تستحِ فاصنع ما شِئْتَ". أي مَن لم يستحِ صنعَ ما شاء على جهةِ الذمِّ لتركِ الحياء، وليس يأمرهُ بذلك، بل معنى الحديثِ أنه صلى الله عليه وسلم يأمرُ بالحياء ويحثُّ عليه ويَعيبُ تركَه، فيا أخي المسلمَ راقِبْ نفسَكَ وأهلَك وأولادَك، ولْيَكُنْ لسانُك رطْبًا بالحديثِ عن عاداتِ أجدادِكَ الصالحينَ، بالحديثِ عن الصحابةِ الكرامِ وعاداتِهم وأخلاقِهم كسيدنا عثمانَ بنِ عفانَ رضي الله عنه، الذي عُرف بشدة حيائه حتى قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: ألا أستحي مِن رجلٍ تستحي منه الملائكة. فتَرى بإذن الله تعالى أثرَ هذا الكلامِ بين أهلِ بيتِكَ وأولادِك، فالحياءُ بإذنِ الله تعالى سِياجٌ رادعٌ يصدُّ النفسَ ويزجُرُها عن الرذائل وارتكابِ المعاصي والآثام، أما كثرةُ الحديث عن أهلِ السوء بالمدحِ وتتبُّعُ عاداتِهِمُ القبيحةِ فعواقبُ ذلك وخيمة، فأينَ اليومَ الذينَ يُكثرونَ الكلامَ عن الحياءِ والحشمةِ والعفة والأدبِ إلا القليل، ولقد كان سيّدُ الناس صلى الله عليه وسلم أشدَّ حياءً من العذراء في خِدرها، كما جاء عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشدَّ حياءً من العذراء في خِدرها، فإذا رأى شيئا يكرَهُهُ عرَفناهُ في وجهه. (والخِدرُ هو سِترٌ يُمدُّ للجاريةِ في ناحية البيت، ثم صار كلُّ ما واراكَ من بيتٍ ونحوه).
والحياءُ إخوة الإيمان كما جاء في كتاب رياض الصالحين عن بعض العلماء: هو خُلُقٌ يَبعثُ على تركِ القبيح. فيا إخوتي في الله عاداتُ الساداتِ هي ساداتُ العادات، عاداتُ الأنبياءِ هي ساداتُ العاداتِ فعليكم بالأخلاقِ المحمدية، وبالآدابِ النبويةِ الشريفة، فقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المرأةُ عورةٌ فإذا خرجت استشرفَها الشيطانُ - أي حطَّ اهتمامَه عليها ليَفْتِنَ بها غيرَها - وأقربُ ما تكونُ المرأةُ من وجهِ ربها إذا كانت في قعر بيتها " أي أقربُ ما تكون المرأةُ من طاعة ربها إذا كانت في قعر بيتها، معناه المطلوبُ منها أن تبالغَ بالستر ولا تخرجَ من بيتها إلا لحاجةٍ، مع العلمِ أنه لا يحرمُ عليها خروجُها من بيتها إذا كانت ساترةً للعورة وملتزمةً بالشرع في ذلك. فعليكم بملازمة الشريعة وعليكم بالعادات الحسنة وبتربيةِ أولادكم على الآدابِ الإسلاميةِ الحميدة وعلى الحياء والحِشمة والعفة والتعفّف.
قالَ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: " الحياءُ لا يأتي إلا بخير " رواه مسلم. الحياء من الأخلاق التي حثنا عليها النبي العظيم وهو خُلقٌ حميد يبعثُ على ترك القبيح ويمنع من التقصير في حق ذي الحق، وأولی الحقوق توحيد الله وعدم الاشراك به سبحانه. وتعلم العلم الواجب من حقوق الله علی عباده، ولا سيما علم اصل الدين علی طريقة اهل السنة والجماعة.
وَكذَلِكَ مَدَحَتِ السَيّدَةُ الجليلَةُ عائِشَةُ أمُّ المؤْمِنينَ رَضِيَ الله عَنْها النّساءَ اللّواتي يَسْأَلْنَ عَنْ أُمورِ الدّينِ فَقالَتْ: "نِعْمَ النّساءُ نِساءُ الأنْصارِ لَمْ يَمْنَعْهُنَّ الحياءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ في الدّينِ". فَمن الحياء المذموم ترك بعض النساء تعلم امور الطهارة. هذا تعلمه واجب عليهن لتعلق امور شرعية بمعرفته. والحياء المحمود يحمل كذلك على الاستقامة على الطاعة، وعلى ترك المعصية ونبذ طريقها.
اللهم يسر لنا سبُلَ الخيرِ وألهمنا الرشادَ لما فيه مصلحتُنا في الدنيا والآخرةِ، إنك على كلِّ شيء قدير.
هذا وأستغفر الله لي ولكم
https://www.islam.ms/ar/?p=418