خطبة جمعة عن عاشوراء العاشر من محرم
بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ الحَمدَ لله نحمدُهُ ونستعينُهُ ونستهديهِ ونشكرُهُ ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالنا، مَن يهدِ الله فلا مُضِلَّ لهُ ومن يُضلِلْ فلا هاديَ له، نَحْمَدُهُ سبحانَهُ وتعالى فإنَّهُ لم يَزَلْ حليمًا غَفورًا، ونشهدُ أنْ لا إلـهَ إلا الله شهادةً نكونُ بها يومَ الحسابِ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ إلى أهلِهِ مسرورًا، ونشهدُ أنّ سيّدَنا محمّدًا رسولُهُ ومُصْطَفاهُ الذي انْجَلَتْ محاسِنُهُ شمُوسًا وبُدورًا، صلى الله عليه وسلم وعلى الذينَ أظْهَرَ الله بِهِم دينَهُ من الأنبياء وجَزاهُمْ بما صَبَروا جَزاءًا مَوْفُورًا.
أمّا بعدُ فإِنّي أوصيكُم ونَفْسي بتقوَى الله العليّ القديرِ، القائلِ في مُحْكَمِ كِتابِه: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [سورة ءال عمران] . فالإسلامُ هوَ الدّينُ الحقُّ، هو الدّينُ العظيمُ الذي رَضِيَهُ الله تعالى لعبادِهِ، هوَ الدِّينُ الذي جاءَ بهِ كلُّ الأنبياءِ مِنْ لَدُنْ ءادَمَ أَوَّلِ الأنبياءِ والرُّسُلِ إلى خاتَمِ الأنبياءِ محمَّدٍ صَلواتُ ربّي وسَلامُهُ عليهِم أجْمَعينَ.
فالحمدُ لله الذي هَدانَا لهذا الدّينِ الذي يَعْلو ولا يُعْلَى عليهِ فمَهْمَا كَثُرَ الظُّلْمُ والظلاَمُ والظَّالمونَ ومهْما كَثُرَ الفسادُ والمُفسِدونَ ومهْما كَثُرَ الجهْلُ والجاهِلونَ فإنَّ دينَ الله لا بدَّ أنْ ينتَصِرَ، دينُ الله لا بدَّ أنْ ينتصرَ، دينُ الله لا بدَّ أنْ ينتصرَ، وإنَّنَا نأْخذُ مِنَ الحوادِثِ التي حَصَلَتْ في يومِ العاشرِ مِنْ محرَّمٍ عِبَرًا عَظيمَةً. فيومُ العاشِرِ منْ محرَّمٍ أيْ يومُ عاشوراءَ مَشْحُونٌ بالخيراتِ والفضائِلِ والحوادِثِ والعِبَرِ والدّروسِ، وهو مشهورٌ عندَ الأواخِرِ والأوائِلِ، وقد جَعَلَ الله صوْمَ يومِ العاشِرِ مِنْ المُحَرَّمَ سُنَّةً وليسَ بواجبٍ وإنَّما لَمْ يَجِبْ صومُهُ لِخَبَرِ الصّحيحَيْنِ: « إنَّ هذا اليومَ يومُ عاشوراءَ ولمْ يكتبِ الله عليكُمْ صِيامَهُ فَمَنْ شاءَ فَلْيَصُمْهُ ومنْ شاءَ فليُفْطِرْ ».
في هذا اليوم تابَ الله على سيدنا ءادمَ، وفيهِ نَجَّى سيدنا نوحًا وأنْزَلَهُ مِنَ السَّفينةِ مَحْفُوفًا بالنَّصْرِ، وفيهِ أنْقَذَ الله سيدنا إبراهيمَ من نُمرودَ، وفيهِ رَدَّ الله سيدنا يوسُفَ على سيدنا يعقوبَ، وفيه أظْهَرَ سيدنا موسى على فِرعونَ وفَلَقَ لهُ ولِبَنِي إِسرائيلَ البحرَ، وفيهِ أُخْرِجَ سيدنا يونُسُ مِنْ بَطْنِ الحوتِ وكُشِفَ ضُرُّ سيدنا أيُّوبَ (الأنبياء ﻻ تصيبهم اﻷمراض المنفِّرَةُ كالبَرَصِ و خُروج الدُّودِ، فغير صحيح أنّ سيِّدنا أيُّوب خرج منه الدُّود وغير صحيح أنّه كان يأخذ الدُّود ويقول كولي ممّا رزقك اللّه، فمن قال ذلك فقد كذّب الدِّين. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « مَا بَعَثَ الله نَبِيًّا إِلاَّ حَسَنَ الْوَجْهِ حَسَنَ الصَّوْتِ وَإِنَّ نَبِيَّكُم أَحسَنُهُمْ وَجْهًا وَأَحْسَنُهُمْ صَوْتًا » رواه التِّرميذي).
وفي يوم عاشوراءَ حَصَلَتْ غَزْوَةُ ذاتِ الرّقَاعِ في السنة الرابعة للهجرة، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة ومعه من أصحابه سبعمائة مقاتل يريد قبائل من نجد وهم بنو محارب وبنو ثعلبة من بني غطفان ( واستعمل على المدينة أبا ذر الغفاري ) وكانوا قد غدروا بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقتلوا سبعين من الدعاة الذين أرسلهم النبي للدعوة إلى دين الإسلام وتعليم الناس الخير، وبعد أن تهيأ المشركون لقتال النبي وأصحابه لما علموا بخروجه وتقارب الفريقان قذف الله الرعب في قلوب قبائل المشركين فهربوا تاركين وراءهم نساءهم، فلم تقع حرب وقتال وكفى الله نبيه ومن معه من الصحابة شرّ هذه الجموع الكافرة.
وفيهِ أيْ في يومِ عاشوراءَ في يومِ الجمعةِ في سَنَةِ إِحْدَى وسِتِّينَ من الهجرةِ كانتِ الفاجِعَةُ التي ألَمَّتْ بالمسلمينَ بِمَقْتَلِ سِبْطِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، بِمَقْتَلِ أبي عبدِ الله الحُسينِ ابنِ عَلِيّ حفيدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ابنِ ابْنَتِهِ فاطِمَةَ رضيَ الله عنْها على أيْدِي فِئَةٍ ظالِمَةٍ فَمَاتَ الحسينُ شَهيدًا وهوَ ابنُ سِتّ وخمسينَ سَنَةً وهُوَ الذي قالَ فيهِ جَدُّهُ صلى الله عليه وسلم وفي أَخِيهِ « الحسنُ والحسينُ سيّدا شبابِ أهلِ الجنةِ » رواه الترمذيُ وأحمدُ والطبرانيُ. وقال: « حسينُ مِنّي وأنا مِنْ حُسيْن » أيْ محبَّتِي لهُ كامِلَةٌ.
ولقدْ حصل في يومِ العاشِرِ منَ المحرَّمِ عبرَ الزمانِ أحداثٌ وأمورٌ مِنْها: أَنَّ الله أعْطَى المُلْكَ لسليمانَ عليهِ السلامُ الذي أكرَمَهُ الله عزَّ وجَلَّ بِنِعَمٍ كثيرةٍ وخَصَّهُ بِمَزايَا رائعةٍ كانتْ عُنْوانًا لِلْعَظَمَةِ والمَجْدِ ومَظْهَرًا ِمنْ مظاهِرِ المُلْكِ العظيمِ والجاهِ الكبيرِ والدَّرَجَةِ العاليةِ عندَ الله سبْحانَهُ ؛ فَقَدْ فَضَّلَهُ الله تعالى بالنُّبُوَّةِ وتَسْخِيرِ الشياطينِ والجنّ والإنسِ، وأعطاهُ الله عزَّ وجَلَّ عِلْمًا بالقَضاءِ وتسبيحِ الجبالِ، وَقَدْ علَّمَهُ الله تبارَكَ وتعالى مَنْطِقَ الطَيْرِ ولُغَتَهُ وسائِرَ لُغاتِ الحيواناتِ، فكانَ يَفهَمُ عنْها ما لا يَفْهَمُهُ سائِرُ النَّاسِ. وقد سخَّرَ الله تعالى لنبِيّهِ سُليمانَ عليهِ السّلامُ الرّيحَ فكانَت تَنْقُلُهُ إلى أيِّ أطرافِ الدّنيا شاءَ.
ومن نِعَمِ الله تعالى على سُليمانَ عليهِ السّلامُ أنَّ جنودَهُ كانوا مِن الجِنّ والإنْسِ والطَّيْرِ، وكان سليمانُ عليهِ السّلامُ قَدْ نَظَّمَ لهمْ أعمالَهُم ورَتَّبَ لهُمْ شئونَهُمْ، فكانَ إذا خَرَجَ خَرَجُوا مَعَهُ في موكِبٍ حافِلٍ مَهِيبٍ يُحيطُ بهِ الجُنْدُ والخَدَمُ مِنْ كلّ جانِبٍ ؛ فالإنْسُ والجِنُّ يسيرونَ معَهُ سامِعِينَ مُطِيعينَ، والطَيْرُ بأنواعِها تُظِلُّهُ بأَجْنِحَتِها مِنَ الحَرّ وغيرهِ، وهذا كُلُّهُ مِنْ فَضْلِ الله على عبْدِهِ ونَبِيّهِ سُلَيْمانَ عليهِ السلامُ الذي كانَ عبْدًا مُطيعًا زاهدًا، طعامُهُ خُبْزُ الشعيرِ، أَوَّابًا داعِيًا إلى عبادةِ الله وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وكانَ مِنْ عبادِ الله الشاكرينَ فهوَ القائِلُ للفَلاَّحِ الذي نَظَرَ إليهِ وهوَ على بِساطِ الرّيحِ وقالَ: « إنَّ الله أعْطى ءالَ داودَ مُلْكًا عَظيمًا » فرجَعَ إليهِ وقالَ لهُ: « لَتَسْبيحةٌ واحدةٌ يَقْبَلُها الله منكَ خيرٌ لكَ منَ الدُّنْيا وما فيها » . يقولُ الله تعالى: ﴿ وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾ [سورة ص] . اللهمَّ انْفَعْنَا بالأنبياءِ والأولياءِ والصالحينَ يا ربَّ العالمينَ. هذا وأسْتَغْفِرُ الله لي ولَكُم.
الخطبةُ الثانيةُ: إنَّ الحَمدَ لله نحمدُهُ ونستعِينُهُ ونستهديهِ ونشكرُهُ ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنَا ومن سيئاتِ أعمالنا، مَن يهدِ الله فلا مُضِلَّ لهُ ومن يُضلِل فلا هاديَ له ، والصلاةُ والسلامُ على سيّدِنا محمّدِ ابنِ عبدِ الله وعلى ءالِهِ وصحبِهِ ومنْ والاه.
أما بعدُ عبادَ الله، فإنّي أوصيكُمْ ونفسي بتقوى الله العليّ القديرِ الذي أمرَنا بالأمرِ بالمعروفِ وأمرَنا بالنَّهيِ عنِ المنكرِ، فقالَ عزَّ وجلَّ: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [سورة ءال عمران] .
فعَمَلاً بما أمرَنَا الله تعالى بهِ نُحَذّر اليومَ من قَوْلِ بعضِ الناسِ في مؤلفاتِهِمْ بأنَّ الكافرَ إذا أرادَ أنْ يُسْلِمَ يغْتَسِلُ ثمَّ يتشهَّدُ، وهذا والعياذُ بالله باطِلٌ باطِلٌ بلِ الواجبُ عليهِ أولاً أنْ ينطِقَ بالشهادتيْنِ بقولِهِ: « أشهدُ أنْ لا إلـهَ إلا الله وأشهدُ أنَّ محمَّدًا رسولُ الله » أو ما يُعطي معناهُما كأنْ يقولَ : « لا ربَّ إلا الله محمَّدٌ نبيُّ الله » ثمّ يغتسِلَ إنْ كانَ أجْنَبَ في حالِ كفرِهِ وجوبًا، وندْبًا أيْ مِن بابِ السُنَّةِ إنْ كانَ لم يُجْنِبْ.
وهكذا المرأةُ التي كانَتْ تَحِيضُ فهذِهِ تتشَهَّدُ ثمَّ تَغْتَسِلُ وجُوبًا. ولا يجوزُ تأخيرُ الإسلامِ لأجْلِ الغُسْلِ أو غيرِهِ ولو لِلَحْظَةٍ، ولا يجوزُ أنْ يقالَ لهُ: « اذهبْ فاغتَسِلْ ثمَّ نلقّنُكَ الشَّهادةَ » ومنْ قالَ ذلكَ للكافِرِ الذي طلبَ منهُ أنْ يُلَقّنَهُ كيْفيَّةَ الدخولِ في الإسلامِ كَفَرَ والعياذُ بالله كما نصَّ على ذلكَ الإِمامُ النوويُّ في روضةِ الطالبينَ، لأنّهُ رضِيَ للكافر أنْ يبقى على كفرِهِ ولو لِلَحْظَةٍ. فقدْ قالَ الفقهاءُ: مَنْ أشارَ لمنْ يريدُ الدخولَ في الإسلامِ بالتأخيرِ وقالَ لهُ « انتظِرْ إلى وقتٍ » كفَرَ وَالعياذُ بالله تعالى.
وللأسف فإن بعض من يدَّعونَ الإرشادَ إلى الدّينِ يؤخِّرونَ مَنْ يطلبُ منهمُ الدخولَ في الإسلامِ بقولِهِم « فَكّرْ مدَّةً ثمَّ تُسْلِم إنْ شِئْتَ » أو « اذْهَبْ واغْتَسِلْ ثمَّ ارجِعْ » أو يقولون لهُ: « لماذا تُرِيدُ أنْ تُسْلِمَ ؟ الإسلامُ فيهِ أشياءُ صعبةٌ عليكَ فَكّرْ في الأمرِ أوَّلا » وهذا دليلٌ على شدَّةِ الجهْلِ وهوَ كفرٌ والعياذُ بالله تعالى. اللهمَّ إنَّا نَسْألُكَ عِلْمًا نافعًا ولِسانًا ذاكرًا يا أَرحمَ الراحمينَ. أنظر: بيان كيفيّة الدُّخول في الإسلام أو الرّجوع للإسلام
واعلَموا أنَّ الله أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ، أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ اللّهُمَّ صَلّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيم، وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ، إنّكَ حميدٌ مجيدٌ. يقول الله تعالى ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ ، اللّهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا، اللهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ، ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ، اللّهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ، اللّهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ. عبادَ الله إنَّ الله يأمرُ بالعَدْلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبَغي، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون.اذكُروا الله العظيمَ يذكرْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ، واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.
https://www.islam.ms/ar/?p=325