بيان كيفيّة الدُّخول في الإسلام أو الرّجوع للإسلام
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالَمينَ والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسولِ اللهِ
للدخول في الإسلام يكفي النطق بالشهادتين أشهدُ أنْ لا إله إلا الله وأشهد أنّ محمد رسول الله مع الاعتقاد الصحيح ولا يشترط حضور إمام أو شهود أو اغتسال. بل يكفر من أخّرَ من أراد الدّخول في الإسلام كأن اشترط عليه أن يغتسل قبل أمره بالنّطق بالشّهادتين، لأنّ في ذلك رضاء بالكفر. يقول الله تعالى: ﴿ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ ﴾ [سورة الزُّمر ءاية 39]، فهذا دليل على أنّ الرِّضاءَ بالكُفْر كفرٌ كما قال ذلك الإمام النووي في كتابه روضة الطالبين.
قد ذكر الإمام النووي في كتابه روضة الطالبين: « ولو قال كافر لمسلم: اعرض علي الإسلام، فقال: حتى أرى، أو اصبر إلى الغد، أو طلب عرض الإسلام من واعظ، فقال: اجلس إلى آخر المجلس، كفر، وقد حكينا نظيره عن المتولي »
في كفاية الأخيار لتقي الدين الحصني: « ولو قال شخص لخطيب أو واعظ أريد الإسلام فلقني كلمة الشهادة فقال أقعد حتى أفرغ وألقنك، كفر في الحال ». اهـ
قال الفقيه الحنبلي منصور بن إدريس البهوتي في كشاف القناع عن متن الإقناع ما نصه: « وتوبة المرتد إسلامه بأن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله … وهذا يثبت به إسلام الكافر الأصلي فكذا المرتد » اهـ
فإنَّ اللهَ تعالى قدْ بيّن في شرعهِ الذي أوحاهُ إلى سيّدنا محمدٍ صلى اللهُ عليهِ وسلّم طريقًا واضحًا للدخولِ في الإسلامِ وهوَ أنْ يقولَ الإنسانُ أشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وأشهدُ أنَّ محمدًا رسولُ اللهِ معَ اعتقادِ معنى هاتينِ الشهادتينِ جازمًا بقلبهِ. أو ينطق بما في معناهما ولو بلُغة أخرى.
وأما الأعجميُّ الذي لم يتعوّدْ إخراجَ حرفِ الحاءِ صحيحًا وإنما يخرجهُ هاءً أو غيرَها منَ الحروفِ الأخرى فإنهُ إذا أرادَ الدخولَ في الإسلامِ ولم يحسنِ النطق بلفظ محمد صحيحًا يقال له قل أبو القاسم رسول الله (ويصح بالقاف المعقودة ڨ abou l-Gaacim) ويعلّم أن المراد بأبي القاسم هو رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم إن فُرض عدم معرفته بذلك فإن لم يحسن ذلك يُعلّم.
قالَ النوويُّ في شرحه على مسلم واتفق أهل السنة من المحدثين والفقهاء والمتكلمين على أن المؤمن الذي يحكم بأنه من أهل القبلة ولا يخلد في النار لا يكون إلا من اعتقد بقلبه دين الإسلام اعتقادًا جازمًا خاليًا من الشكوك ونطق بالشهادتين فإن اقتصر على إحداهما لم يكن من أهل القبلة أصلاً إلا إذا عجز عن النطق لخلل في لسانه أو لعدم التمكن منه لمعاجلة المنية أو لغير ذلك فإنه يكون مؤمنًا.
فإن عجز مع ذلك عن النطق بالاسم صحيحًا أو لم يوجد من يعلمه كانت حاله حالاً خاصة به مختلفة عن الحال المذكورة في أصل المسألة ولا يُحمل عليها الحكم العام.
فمَن نطقَ بلسانهِ ولم يصدّقْ بقلبهِ فهوَ منافقٌ لكننا نحكمُ بإسلامهِ لخفاءِ ما يُبطنُ علينا ونعاملهُ معاملةَ المسلمِ أخذًا بظاهرِ حالهِ وأما عندَ اللهِ فهوَ كافرٌ خالدٌ في النارِ إنْ ماتَ منْ غيرِ التوبةِ كما قالَ ربُّنا تباركَ وتعالى ﴿إنَّ المنافقينَ في الدَّركِ الأسفلِ منَ النارِ﴾ ومَن صدَّقَ بقلبهِ ولم يَنطقْ بلسانهِ فهوَ أيضًا كافرٌ عندَنا وعندَ اللهِ عزَّ وجلَّ.
وقال النووي الشافعي في الروضة: " وقال أي الشافعي في موضع إذا أتى بالشهادتين صار مسلما "اهـ وقال في كتاب الكفارات: " المذهب الذي قطع به الجمهور أن كلمتي الشهادتين لا بد منهما ولا يحصل الإسلام إلا بهما "اهـ
وما تقدَّم لا يعني أنهُ يُشترطُ الإتيانُ بلفظِ أشهدُ لا غير بلْ نصَّ العلماءُ على أنَّ مَن نطقَ بمعنى الشهادتينِ صحَّ إسلامهُ وإن لم يأتِ بلفظِ أشهدُ قالَ الحليميُّ في كتابه المنهاج ولا خلاف أن الإيمان يصح بغير كلمة لا إله إلا الله حتى لو قال لا إله غير الله أو لا إله سوى الله أو ما عدا الله أو ما من إله إلا الله أو لا إله إلا الرحمن فكقوله لا إله إلا الله اﻫ وقالَ الأردبيليّ في الأنوارِ ويصح الإسلام بجميع اللغات اﻫ وقال : وقوله أحمد أو أبو القاسم رسول الله كقوله محمد رسول الله اﻫ
كلُّ هذا أخذهُ أهلُ العلمِ منْ نحوِ حديثِ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ المتواترِ: « أُمرتُ أنْ أقاتلَ الناسَ حتى يشهدُوا أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وأنَّ محمدًا رسولُ اللهِ » اﻫ الحديثَ.
وكذلك توبة المرتد هي الإقلاع عن الكفر فورا والنطق بالشهادتين بقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، ولا ينفعه قول أستغفر الله قبل الشهادتين، كما نقل الإجماع على ذلك الإمام المجتهد أبو بكر بن المنذر في كتابه الإجماع.
هذا هوَ الطريقُ الذي بيّنهُ اللهُ عزَّ وجلَّ للدخول في الإسلام ولم يرد في القرءان طريق غيره ولا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم غيره ولا قال واحد من الصحابة ما يخالف ذلك ولا من التابعين ولا من أتباعهم ولا قال الأئمة المجتهدون كأبي حنيفة والأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم ما يخالف هذا الكلام فمن ادعى أن هناك طريقا ءاخر للدخول في الإسلام يقوم على تحريف اسم الله أو اسم النبي صلى الله عليه وسلم فقد استدرك على الله وعلى الرسول وهو مطالَبٌ بالحجّةِ والبرهانِ كما قالَ اللهُ تعالى ﴿قلْ هاتوا بُرهانَكُم إنْ كنتُم صادقينَ﴾ وكما قالَ النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ البيّنةُ على من ادعى اﻫ ولنْ يجدَ على ما قالَ برهانًا ولاسيما أنه لا يجوز ابتداع أسماء لم يأت بها الشرع ثم ادعاء أنها أسماء للنبي صلى الله عليه وسلم، قال الشبراملسيّ الشافعي قوله فلا يجوز اختراع اسم أو وصف له تعالى ومثله النبي صلى الله عليه وسلم فلا يجوز لنا أن نسميه باسم لم يسمه به أبوه ولا سمى به نفسه كذا نقل عن سيرة الشامي ومراده بأبيه جده عبد المطلب لموت أبيه قبل ولادته اﻫ ونقله عنه الشروانيّ في حاشيته على التحفة وأقره. وقال في الفواكه الدواني من كتب المالكية لأن أسماءه تعالى وكذا صفاته توقيفية على المختار من الخلاف بخلاف أسماء النبي صلى الله عليه وسلم فإنها توقيفية اتفاقا.
وإذا كان العلماء لم يصححوا الدخول في الإسلام بقول وأشهد أن طه أو المصطفى رسول الله فكيف باسم محرّف لم يرد وليس في معناه أدنى دلالة على النبي صلى الله عليه وسلم.
هذا كله في الكافر إذا أراد الدخول في الإسلام وأما المسلم المولود بين أبوين مسلمين فلا يلزمه النطق بالشهادتين ليحكم بإسلامه وإذا حرّف اسم النبيّ صلى الله عليه وسلم أُرشِد إلى التلفظ به على الوجه الصحيح كما لو حرّف اسم الله تعالى.
ولا يخفى أن "أبا القاسم" مشهور كونه علمًا على النبيّ صلى الله عليه وسلم كمحمد وأحمد وقد صحت النصوص الدالة على ذلك بلا خلاف وانتشر ذلك بين المسلمين، روى مسلم عن جابر قال ولد لرجل منا غلام فسماه محمدا فقال له قومه لا ندعك تسمي باسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق بابنه حامله على ظهره فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ولد لي غلام فسمّيته محمدا فقال لي قومي لا ندعك تسمي باسم رسول لله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تسمّوا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي فإنما أنا قاسم أقسم بينكم، وروى ابن ماجه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبقيع فنادى رجل رجلا يا أبا القاسم فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني لم أعنك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي، وروى الشيخان وغيرهما عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال أنا محمد وأحمد اﻫ
ولا يخفى أيضًا أن أئمة المساجد الكثيرين وأساتذة المدارس الشرعية والمؤذنين المنتشرين في بلاد المسلمين كلها عربية وغير عربية كانوا وما زالوا يُقرئون القرءان ويدرّسونه ويؤمون في الصلاة ويعلمون قراءة الفاتحة ويؤذنون متلفظين بحرف الحاء صحيحًا في ذلك كله ويبيّنون سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويذكرون أسماءه وشمائله الشريفة في دروسهم وعظاتهم وخطبهم كما في ذكرى المولد وغيرها من المناسبات الدينية والاحتفالات العظيمة فمن أراد أن يتعلم اللفظ الصحيح فالباب واسع مفتوح أمامه والله الموفق وعليه التُّكلانُ.
https://www.islam.ms/ar/?p=1