خصائص أمة النبي محمد. خطبة جمعة
بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى :
إنَّ الحَمدَ لله نحمدُهُ ونستعينهُ ونستهديهِ ونشكرُهُ ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنَا ومن سيئاتِ أعمالنا، مَن يهدِ الله فلا مُضِلَّ لهُ ومن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهدُ أنْ لا إلـهَ إلا الله وحدَهُ لا شريكَ لهُ، صَدَقَ وَعْدَهُ ونَصَرَ عَبْدَهُ وأعَزَّ جُنْدَهُ وهَزَمَ الأحزابَ وَحْدَهُ، وأشهدُ أنَّ سيّدَنا وحَبيبَنا وقائِدَنا وقُرَّةَ أَعْيُنِنا محمّدًا عبدُ الله ورسولُهُ وصَفِيُّهُ وحبيبُهُ، صلَّى الله وسلَّمَ عليهِ وعلى كلّ رسولٍ أَرْسَلَهُ.
أمّا بعدُ عبادَ الله فإنّي أوصيكُمْ ونفسي بِتَقوَى الله العظيمِ القائِلِ في مُحْكَمِ كتابِهِ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [سورة ءال عمران]. فالحَمْدُ لله الذي مَنَّ علينا بِأَعْظَمِ النّعَمِ نِعْمَة الإيمانِ والإسلامِ، والحمدُ لله الذي جعَلَنا مِنْ أمَّةِ سيّدِنا محمَّدٍ عليهِ الصلاةُ والسلامُ القائِلِ في حديثِهِ الشريفِ: « أنْتُمْ مُتِمّونَ سبعينَ أمَّةٍ أنتُمْ خيرُها وأَكْرَمُها على الله » رواه الطبراني في المعجم الكبير. إخوةَ الإيمانِ، إنَّ السلسلةَ الذهبيةَ التي مرَّتْ معنا في خطَبِ الجُمُعَةِ في موْسِمِ ذكرى وِلادَةِ سيّدِ العالمينَ وحبيبِ ربّ العالمينَ وأشْرَفِ المرسلينَ سيدِنا محمَّدٍ عليهِ الصلاةُ والسَّلامُ أرَدْنا مِنْها تبيانَ عظيمِ فَضْلِهِ وعُلُوّ قَدْرِهِ صلى الله عليه وسلم. وبَعْدَ الكلامِ عن عظيمِ فضْلِ الصلاةِ على النبيّ وجوازِ مدحِ النبيّ وقصَّةِ ولادةِ النبيّ صلى الله عليه وسلم كلامُنا اليومَ عن بعضِ خصائصِ النبيّ الأكرم وأمّتِهِ، فالله تعالى جَعَلَ شريعةَ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم أيْسَرَ الشرائِعِ فعلى سبيل المثال الأمم السابقة كانت صلاتهم لا تَصِحُّ إلا في مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ مَخْصوصٍ للصلاةِ إنْ بَعُدَ المكانُ أو قَرُبَ مِنْ مَنَازِلهِم، وفي ذلكَ مشقَّةٌ كبيرةٌ، مع التأكيد أنَّ الله ما فرضَ على عبادِهِ شيئًا لا يستطيعونَهُ. أمّا سيّدُنا محمَّدٌ صلى الله عليه وسلم فقدْ جُعِلَ لَهُ ولأُمَّتِهِ المكانُ الذي أدركَتْهُمْ فيهِ الصلاةُ أيْ وقتُها مسجدًا لهُمْ وفي ذلكَ يُسْرٌ كبيرٌ. وأنْزَلَ الله على سيّدِنا محمَّدٍ التَيَمُّمَ بالترابِ عندَ فَقْدِ الماءِ أو العَجْزِ عنِ استعمالِهِ ولم يَكُنْ ذلكَ في شرائِعِ الأنبياءِ قبلَهُ بلْ كانوا يتوضَّأونَ ويُصَلّونَ فَإِنْ لم يَجِدوا ما يَتَوضَّأونَ بِهِ تَوَقَّفوا عنِ الصّلاةِ حتى يجِدوا الماءَ. وفي بعضِ الشرائعِ التي مَضَتْ كانَ الشَّخْصُ إذا عَمِلَ مَعْصِيَةً في اللّيلِ يَجِدُها مَكْتوبَةً على بابِ دارِهِ في النَّهارِ. ثمَّ إنَّ مَنْ قبْلَنَا مِن أمم الأنبياءِ كانَ مِقدارُ الزكاةِ في شرائعهم رُبُعَ أمْوالِهِمْ. وأمَّا في شريعةِ سيدنا محمد فقدْ جَعَلَ الله زكاةَ المال في النّقودِ مِنَ الأثمانِ رُبُعَ العُشْرِ. وجَعَلَ الصيام أيْ صيامَ هذهِ الأمَّة ما بينَ الفجرِ وغروبِ الشَّمسِ أمّا بعضُ الأُمَمِ الذين كانوا قَبْلَ هذِهِ الأمَّةِ كانوا يُواصِلونَ اللّيلَ والنّهارَ بلا أكْلٍ ولا شُرْبٍ. وقد وَرَدَ في الحديثِ عَنِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم حينَ تَحَدَّثَ عمّا حصلَ معَهُ في ليلةِ المعراجِ قالَ: « فأَوْحَى الله إليَّ ما أَوْحى فَفَرَضَ عليَّ خمسينَ صَلاةً في كلِّ يومٍ وليلةٍ فَنَزَلْتُ إلى موسى صلى الله عليه وسلم فقالَ: ما فَرَضَ رَبُّكَ على أُمَّتِكَ ؟ فَقُلْتُ : خَمْسينَ صَلاةً. قالَ: ارْجِعْ إلى رَبّكَ، (أي إلى المكانِ الذي تَتَلَقَّى فيهِ الوَحْيَ مِنْ رَبّكَ. فالله موجودٌ بِلا مَكانٍ) فاسْأَلْهُ التخفيفَ فإنَّ أمَّتَكَ لا يُطيقونَ ذلكَ فإنّي قَدْ بَلَوْتُ بَني إسرائيلَ وخَبِرْتُهُمْ. قالَ : فَرَجَعْتُ إلى ربّي فَقُلْتُ يا ربّي خَفّفْ على أمَّتي. فَحَطَّ عني خمسًا فَرَجَعْتُ إلى موسى فَقُلْتُ حَطَّ عني خمسًا. قالَ: إنَّ أُمَّتَكَ لا يطيقونَ ذلكَ فارْجِعْ إلى رَبّكَ فاسْأَلْهُ التَّخفيفَ. قالَ: فَلَمْ أَزَلْ أَرْجِعُ بينَ ربّي تَبارَكَ وتعالى (أيِ المكانِ الذي كنتُ أتَلقَّى فيهِ الوحيَ مِنْ ربّي) وبينَ موسى عليهِ السَّلامُ حتّى قالَ يا محمَّدُ إنّهُنَّ خَمْسُ صلواتٍ كلَّ يومٍ وليلةٍ لِكُلّ صلاةٍ عَشْرٌ فَذَلِكَ خَمْسونَ صلاةً ». أما الوضوءُ فقد فُرِضَ عندَما فُرِضَتِ الصلاةُ وليسَ هُوَ مِنْ خصائِصِ هذِهِ الأمَّةِ بلْ كانَ قَبْلَ ذلِكَ، لَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ في غَيْرِ هذهِ الأُمّةِ الغُرَّةُ والتَّحجيلُ فإِنَّهُما مِنْ خَصائِصِ هذهِ الأمَّةِ. لذلكَ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : « إنَّ أمَّتي يُدْعَوْنَ يَوْمَ القِيامَةِ غُرًّا مُحَجَّلينَ مِنْ أَثَرِ الوُضوءِ ». أيْ أنَّهُمْ بِإطالَةِ الغُرَّةِ أيْ زِيادَةِ شىءٍ مِمَّا حَوْلَ الوَجْهِ في غَسْلِ الوَجْهِ في وُضوئِهِمْ، وزِيادَةِ شىءٍ مِمَّا فَوْقَ المِرْفَقَيْنِ والكَعْبَيْنِ في غَسْلِ أَيْديهِمْ وأَرْجُلِهِمْ تُنَوَّرُ لَهُمْ هَذِهِ المواضِعُ يوْمَ القيامةِ فَيَعْرِفُ رَسولُ الله مَنْ كانَ مِنْ أُمَّتِهِ بِهَذِهِ العلامةِ.
ومنْ خَصَائِصِ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أنَّه هُوَ أوَّلُ مَنْ يَأْخُذُ بِحَلْقَةِ باب الجَنَّةِ يَسْتَفْتِحُ فَيَقولُ المَلَكُ خازِنُ الجَنَّة الموَكَّلُ بِبَابِها: مَنْ ؟ فَيَقولُ: محمَّدٌ، فيقولُ المَلَكُ: « بِكَ أُمِرْتُ لا أَفْتَحُ لأَحَدٍ قَبْلَكَ ». ومِنْ خصائِصِ هذهِ الأمَّةِ ما وَرَدَ في الصَّحيحِ مِنْ قَوْلِهِ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: « نَحْنُ الآخِرونَ السَّابِقونَ » أيْ الآخِرونَ وُجودًا السَّابِقونَ دُخولا الجنَّة.
اللهُمَّ إنّا نَسْأَلُكَ الجَنَّةَ ونَسْأَلُكَ الفِردَوْسَ الأَعْلى يا ربَّ العالمينَ. هذا وأسْتَغْفِرُ الله لي ولَكُم.
الخطبةُ الثانيةُ :
إنَّ الحَمدَ لله نحمدُهُ ونستعينهُ ونستهديهِ ونشكرُهُ ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنَا ومن سيئاتِ أعمالنا، مَن يهدِ الله فلا مُضِلَّ لهُ ومن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهدُ أنْ لا إلـهَ إلا الله وحدَهُ لا شريكَ لهُ وأنَّ محمّدًا عبدُهُ ورسولُهُ صَلَواتُ الله وسلامُهُ عليهِ وعلى كلّ رسولٍ أَرْسَلَهُ. أمّا بعدُ عبادَ الله فإنّي أوصيكُمْ ونفسي بِتَقوَى الله العليّ القديرِ واعلَموا أنَّ الله أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ، أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ اللّهُمَّ صَلّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيم، وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ، إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، يقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾، اللّهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا، اللّهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ، ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ، اللّهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ، اللّهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ. عبادَ الله إنَّ الله يأمرُ بالعَدْلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبَغي، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون.اذكُروا الله العظيمَ يذكرْكُمْ، واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ، واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.
https://www.islam.ms/ar/?p=210