مشروعية وجواز تلقين الميت المسلم في القبر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد الأمين وبعد ،
فقد قال جماعة كثيرون من العلماء باستحباب تلقين الميت بعد الدفن، وممن نص على استحبابه: الحافظ الفقيه النووي الشافعي في كتابه روضة الطالبين وعمدة المفتين، كتاب الجنائز، باب الدفن، قال ما نصه: هذا التلقين استحبه جماعات من أصحابنا منهم القاضي حسين وصاحب التتمة والشيخ نصر المقدسي في كتابه التهذيب وغيرهم ونقله القاضي حسين عن أصحابنا مطلقا، والحديث الوارد فيه ضعيف لكن أحاديث الفضائل يتسامح فيها عند أهل العلم من المحدثين وغيرهم، وقد اعتضد هذا الحديث بشواهد من الأحاديث الصحيحة كحديث:” اسألوا له التثبيت“، ووصية عمرو بن العاص: أقيموا عند قبري قدر ما تنحر جزور ويقسم لحمها حتى أستأنس بكم وأعلم ماذا أراجع به رسل ربي. رواه مسلم في صحيحه، ولم يزل أهل الشام على العمل بهذا التلقين من العصر الأول وفي زمن من يقتدى به. اهـ
وقال الحافظ النووي في فتاويه (1): وأما التلقين المعتاد في الشام بعد الدفن فالمختار استحبابه، وممن نص على استحبابه من أصحابنا القاضي حسين وأبو سعيد المتولي والشيخ أبو الفتح نصر المقدسي الزاهد وأبو القاسم الرافعي وغيرهم.اهـ
الفقيه علاء الدين المرداوي الحنبلي في كتابه الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، كتاب الجنائز، باب تلقين الميت بعد دفنه وتطييبه، قال ما نصه: فائدة: يستحب تلقين الميت بعد دفنه عند أكثر الأصحاب.(2) اهـ
الفقيه الحنفي أبو بكر بن علي بن محمد الحدادي العبادي اليمني الزبيدي في الجوهرة النيرة شرح مختصر القدوري في فروع الحنفية، باب الجنائز، قال ما نصه: وأما تلقين الميت في القبر فمشروع عند أهل السنة. اهـ
الفقيه المالكي أبو عبد الله محمد بن يوسف العبدري الشهير بالـمواق في كتابه التاج والإكليل لمختصر خليل، كتاب الجنائز، باب زيارة القبور، قال ما نصه: قال أبو حامد: ويستحب تلقين الميت بعد الدفن .وقال ابن العربي في مسالكه: إذا أدخل الميت قبره فإنه يستحب تلقينه في تلك الساعة وهو فعل أهل المدينة الصالحين من الأخيار. اهـ
فقد روى الطبراني في المعجم الكبير عن سعيد بن عبد الله الأودي قال: شهدت أبا أمامة الباهلي وهو في النزع فقال: إذا أنا مت فاصنعوا بي كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: “إذا مات أحد من إخوانكم فسويتم التراب عليه فليقم أحدكم على رأس قبره ثم ليقل: يا فلان ابن فلانة فإنه يسمعه ولا يجيب ثم يقول: يا فلان ابن فلانة، فإنه يستوي قاعدا. ثم يقول: يا فلان ابن فلانة، فإنه يقول: أرشدنا رحمك الله، ولكن لا تشعرون فليقل: اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأنك رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا وبالقرءان إماما، فإن منكرا ونكيرا يأخذ كل واحد منهما بيد صاحبه يقول: انطلق بنا ما نقعد عند من لقن حجته فيكون الله حجيجه دونهما“. قال رجل: يا رسول الله فإن لم يعرف أمه ؟ قال: “فينسبه إلى حواء يا فلان بن حواء“.
قال الحافظ النووي في الأذكار(3): وسئل الشيخ الإمام أبو عمر بن الصلاح رحمه الله عن هذا التلقين فقال في فتاويه: التلقين هو الذي نختاره ونعمل به، وذكره جماعة من أصحابنا الخراسانيين قال: وقد روينا فيه حديثا من حديث أبي أمامة ليس بالقائم إسناده، ولكن اعتضد بشواهد وبعمل أهل الشام به قديما. اهـ
وقال الحافظ النووي في شرح المهذب(4): فهذا الحديث وإن كان ضعيفا فيستأنس به، وقد اتفق علماء المحدثين وغيرهم على المسامحة في أحاديث الفضائل والترغيب والترهيب، وقد اعتضد بشواهد من الأحاديث كحديث: واسألوا له التثبيت، ووصية عمرو بن العاص، وهما صحيحان، سبق بيانهما قريبا، ولم يزل أهل الشام على العمل بهذا في زمن من يقتدى به وإلى الآن. انتهى
وقال الحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير(5): وإسناده صالح وقد قواه الضياء في أحكامه وأخرجه عبد العزيز في الشافي والراوي عن أبي أمامة سعيد الآزدي بيض له بن أبي حاتم ولكن له شواهد منها ما رواه سعيد بن منصور من طريق راشد بن سعد وضمرة بن حبيب وغيرهما قالوا: إذا سوي على الميت قبره وانصرف الناس عنه كانوا يستحبون أن يقال للميت عند قبره يا فلان قل لا إله إلا الله قل أشهد أن لا إله إلا الله ثلاث مرات قل ربي الله وديني الإسلام ونبيي محمد ثم ينصرف.اهـ
قال المحدث إسماعيل العجلوني في كتابه كشف الخفاء(6): قال في اللآلئ حديث تلقين الميت بعد الدفن قد جاء في حديث أخرجه الطبراني في معجمه، وإسناده ضعيف، لكن عمل به رجال من أهل الشام الأولين مع روايتهم له، ولهذا استحبه أكثر أصحاب أحمد انتهى، وأقول: كذا أكثر أصحابنا كما يأتي. اهـ ثم قال: قواه الضياء في أحكامه، ثم الحافظ ابن حجر أيضا بـما له من الشواهد، ونسب الإمام أحمد(7) العمل به لأهل الشام. وابن العربي لأهل المدينة، وغيرهما لقرطبة، قال في المقاصد وأفردت للكلام عليه جزءا.اهـ
قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير ج2/135 ما نصه [قوله: ويستحب أن يلقن الميت بعد الدفن فيقال: يا عبد الله يا ابن أمة الله اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وأن الجنة حق وأن النار حق وأن البعث حق وأن الساعة ءاتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور وأنك رضيت بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبالقرءان إمامًا وبالكعبة قِبلة وبالمؤمنين إخوانًا، ورد به الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم. روى الطبراني عن أبي أمامة: إذا أنا مت فاصنعوا بي كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصنع بموتانا، أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إذا مات أحد من إخوانكم فسويتم التراب على قبره فليقم أحدكم على رأس قبره ثم ليقل: يا فلان ابن فلانة فإنه يسمعه ولا يجيب ثم يقول يا فلان ابن فلانة فإنه يستوى قاعدًا ثم يقول: يا فلان ابن فلانة فإنه يقول: ارشدنا يرحمك الله، ولكن لا تشعرون فليقل اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله وأنك رضيت بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد نبيًّا وبالقرءان إمامًا، فإن منكرًا ونكيرًا يأخذ كل واحد منهما بيد صاحبه ويقول: انطلق بنا ما يقعدنا عند من لقن حجته. قال: فقال رجل: يا رسول الله فإن لم يعرف أمه ؟ قال: ينسبه إلى أمه حواء يا فلان ابن حواء. وإسناده صالح وقد قواه الضياء في أحكامه] ا.هـ.
وانظر كتاب إتحاف السادة المتقين للحافظ الزبيدي ج10/368 ونقل النووي في كتابه الأذكار ص173 استحباب التلقين عن جماعة من الفقهاء ومنهم القاضي حسين في تعليقه وأبو سعيد المتولي في كتابه التتمة والشيخ أبو الفتح نصر بن إراهيم بن نصر المقدسي والإمام أبو القاسم الرافعي والإمام أبو عمرو بن الصلاح وغيرهم كثير. والأدلة في هذا كثيرة
حتى زعيم الوهابية ابن تيمية نقل عن الإمام أحمد وغيره الترخيص بالتلقين كما في كتاب مجموع فتاوى ابن تيمية المجلد الرابع والعشرون الجزء الرابع ص296 وكذلك زعيمهم ابن قيم الجوزية استحسن التلقين وأقره كما في كتابه مشروعية زيارة القبور ص21 و22. و ابن عبد الوهاب نفسه أقر ذلك أيضًا كما في كتابه "أحكام تمني الموت" ص19.
(1) فتاوى الإمام النووي المسماة بالمسائل المنثورة (1/42، مطابع الروز اليوسف)
(2) وإلى أولئك الذين يمنعون التلقين ويقدسون ابن تيمية نقول لهم: قال ابن تيمية: تلقينه بعد دفنه مباح عند أحمد، وبعض أصحابنا، وقال: الإباحة أعدل الأقوال ولا يكره.اهـ انظر كتاب الانصاف للمرداوى الحنبلي(1/409، طبع بيت الأفكار الدولية).
(3) الأذكار،كتاب أذكار المرض والموت وما يتعلق بهما، باب ما يقوله بعد الدفن، (1/188،مكتبة الباز)
(4) المجموع شرح المهذب، تعزية أهل الميت سنة.(5/304، الطباعة المنيرية)
(5) تلخيص الحبير في تلخيص أحاديث الرافعي الكبير، كتاب الجنائز، (2/270، مؤسسة قرطبة)
(6) كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس، حرف المثناة الفوقية، (1/316، مكتبة القدسي)
(7) انظر كتاب المغني للحنابلة، كتاب الجنائز، فصل في تلقين الميت، (3/438، طبع دار عالم الكتب)، وتلخيص الحبير للحافظ ابن حجر (2/271،مؤسسة قرطبة).
https://www.islam.ms/ar/?p=6987