توحيد الله. إيمان بالله
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد الأمين وبعد،
قَالَ اللهُ تَعَالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ﴾ [سورة الشورى] أيْ أنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لا يُشْبِهُ المخْلُوقَاتِ.
قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلِلَّهِ المَثَلُ الأَعْلَى (60)﴾ [سورة النحل] أي الوَصْفُ الَّذِي لا يُشْبِهُ وَصْفَ غَيْرِهِ، فَكُلُّ مَا سِوى اللهِ مَخلُوقٌ (وَهُو جُملَةُ العَالَمِ). أمَّا اللهُ تَعَالَى فَهُوَ وَحْدَهُ الأزَلِيُّ الَّذِي لا ابْتِدَاءَ لَهُ وَكَذَلكَ صفَاتُهُ أزَلِيَّةٌ لا ابْتِدَاءَ لَهَا، وَصِفاتُ غَيْرِهِ مَخْلُوقَةٌ تَتَحوَّلُ مِنْ حَالٍ إلى حالٍ، أمَّا اللهُ تَعَالَى فَلا يَطْرَأ عَلَيْهِ تَحَوُّلٌ وَلا تَغَيُّرٌ، فَهُوَ تَعَالى يُغَيّرُ وَلا يَتَغَيَّرُ وَيُطَوّرُ وَلا يَتَطَوَّرُ.
ويُسَاعِدُ النَّظَرُ إلى العِباراتِ التَّالِيةِ في فَهْمِ هذا الموضُوعِ الذي هُوَ مِنْ مواضيع التوحيد.
اللهُ أزَلي لا بدايَةَ لَهُ. المخْلُوقَاتُ كلُّها لها بدايةٌ، اللهُ خَلَقَهَا.
اللهُ أبَدِيٌّ لا نِهَايَةَ لَهُ. المخْلُوقَاتُ كُلُّها يَجُوزُ عليها أنْ تَفنَى مِنْ حَيْثُ العَقْلُ.
صِفَاتُ اللهِ أزَلِيَّةٌ لا بِدَايَةَ لَهَا، صِفَاتُ اللهِ أبَدِيَّةٌ لا تَفنى. صِفَاتُ المخْلُوقَاتِ مَخْلُوقَةٌ لَهَا بِدَايَةٌ وَيجوزُ عليها الفناءُ.
صِفَاتُ اللهِ لا تَتَغَيَّرُ وَلا تَتَحَوَّلُ وَلا تَتَبَدَّلُ وَلا تَتَطَوَّرُ لأنَّ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ المخْلُوقَاتِ. صِفَاتُ المخْلُوقَاتِ تَتَغَيَّرُ وَتَتَحَوَّلُ وَتَتَبَدَّلُ وتَتَطَوُّرُ مِنْ حَالٍ إلى حَالٍ لأنَّ اللهَ خَلَقَهَا.
اللهُ خَالِقُ العَالَمِ ومَا فِيهِ، خالِقُ الضُّر وَالنَّفْعِ، خَالِقُ أفْعَالِ العِبَادِ، وَرَازِقُهُمْ. المخْلُوقَاتُ لا تَخْلُقُ ضُرًّا وَلا نَفْعًا وَلا تَخْلُقُ شَيْئًا مِنَ الأفْعَالِ، فَمَنْ قَطَّعَ تُفَاحَةً لا يَستَطِيعُ أن يُعِيدَهَا كَما كانت.
اللهُ وَاحِدٌ لا شَرِيكَ لَهُ، وَاحِدٌ فِي ذَاتِهِ وَصفَاته وَأفْعَاله. المخْلُوقَاتُ ذَوُو أشْكَالٍ مُتَعَدّدَةٍ وَألوَانٍ مُخْتَلِفَةٍ. حَتَّى الثَّمَرُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فيهِ الحامِضُ وفيه الحُلْوُ.
اللهُ ليس جسمًا، ليس له حجمٌ، ليس له مكانٌ. المخْلُوقَاتُ لها أحجامٌ ولها أمكنةٌ تستقرُّ فيها.
اللهُ لا يحتاجُ للمخلوقاتِ. المخْلُوقَاتُ تحتاجُ إلى من خَلَقَهَا، تحتاجُ إلى الله.
اللهُ وحدَهُ يستحقُّ أن يُعبدَ لا إله إلا هو. المخلوقاتُ لا تستحقُّ أن تُعبدَ، لأنها عاجزةٌ ومحتاجةٌ لمن خَلَقَهَا.
قال الإمامُ الجنيدُ رحمَهُ اللهُ: التوحيدُ هو إفرادُ القديمِ (أي الأزلي) من المحدَثِ (أي المخلُوقِ).
وَرَدَ أن الكُفّار أتَوْا إلى النَّبِيّ، فَقَالُوا: يا مُحَمَّدُ صِفْ لَنَا رَبَّكَ الَّذِي تَعْبُدُهُ، فَنَزَلَتْ ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أحَدُ (1) اللهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدُ (4)﴾ [سورة الإخلاص] فَقَالَ رَسُولُ اللهِ: « هذِهِ صِفَةُ رَبّي عَزَّ وَجَلَّ » وقَدْ كَانَ سُؤالُ الكُفّار هذا تَعَنُّتًا وَاستِهْزَاءً، وَلَيْسَ طَلَبًا لِلْعِلْمِ.
وَهذَا يدلُّ على أن اللهَ تَعالى موصوفٌ بصفاتٍ، وكما أنّه عزَّ وجلَّ لا يشبِهُ المخلوقات فكذلك صفاتُهُ لا تشبِهُ صفاتِ المخلوقاتِ، فهو تعالى موصوفٌ بكلّ كمالٍ يليقُ بِهِ، منزّهٌ عَنْ كُلّ نَقْصٍ فِي حَقّهِ.
قال الله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾. وقال رسول الله: « طَلَبُ العِلْمِ فَرِيضَةٌ على كُلِّ مُسْلِمٍ ».
سبحان الله وبحمده والحمد لله رب العالمين
https://www.islam.ms/ar/?p=17