تفسير سورة الفاتحة آية 4
مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ
4 - قال المؤلف: قرأ مَالِكِ عَاصِمٌ وَعَلِيٌّ [أي الكسائي]، (مَلِكِ): غَيْرُهُمَا. وَهُوَ الِاخْتِيَارُ عِنْدَ الْبَعْضِ ؛ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنِ الْإِضَافَةِ (ملك أحسنُ عند بعض المفسّرين من مالك لأن الملك تستغني عن الإضافةِ) وَلِقَوْلِهِ: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ [غَافِرٌ: 16] وَلِأَنَّ كُلَّ مَلِكٍ مَالِكٌ، وَلَيْسَ كُلُّ مَالِكٍ مَلِكًا، وَلِأَنَّ أَمْرَ الْمَلِكِ ينفذُ عَلَى الْمَالِكِ دُونَ عَكْسِهِ، وَقِيلَ: الْمَالِكُ أَكْثَرُ ثَوَابًا ؛ لِأَنَّهُ أَكْثر حُرُوفًا، وَقَرَأَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْحَسَنُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: (مَلَكَ) (ملَكَ بلفظِ الفعلِ) .
يَوْمِ الدِّينِ أَيْ: يَوْمَ الْجَزَاءِ، وَيُقَالُ: كَمَا تَدِينُ تُدَانُ، أَيْ: كَمَا تَفْعَلُ تُجَازَى، وَهَذَا إِضَافَةُ اسْمِ الْفَاعِلِ إِلَى الظَّرْفِ عَلَى طَرِيقِ الِاتِّسَاعِ، كَقَوْلِهِمْ: يَا سَارِقَ اللَّيْلَةَ أَهْلَ الدَّارِ (معناه أي الّذي سرقَ هذه اللّيلة أهلَ الدّارِ وسارق اسمُ الفاعل أضيفَ إلى الظّرفِ)، أَيْ: مَالِكِ الْأَمْرِ كُلِّهِ فِي يَوْمِ الدِّينِ. وَالتَّخْصِيصُ بِيَوْمِ الدِّينِ، لِأَنَّ الْأَمْرَ فِيهِ لِلَّهِ وَحْدَهُ. وَإِنَّمَا سَاغَ وُقُوعُهُ صِفَةً لِلْمَعْرِفَةِ مَعَ أَنَّ إِضَافَةَ اسْمِ الْفَاعِلِ إِضَافَةٌ غَيْرُ حَقِيقِيَّةٍ ؛ لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الِاسْتِمْرَارُ، فَكَانَتِ الْإِضَافَةُ حَقِيقِيَّةً، فَسَاغَ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِلْمَعْرِفَةِ.
وهَذِهِ الْأَوْصَافُ الَّتِي أُجْرِيَتْ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنْ كَوْنِهِ رَبًّا، أَيْ: مَالِكًا لِلْعَالَمِينَ، وَمُنْعِمًا بِالنِّعَمِ كُلِّهَا، وَمَالِكًا لِلْأَمْرِ كُلِّهِ يَوْمَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ بَعْدَ الدِّلَالَةِ عَلَى اخْتِصَاصِ الْحَمْدِ بِهِ فِي قَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ كانت هَذِهِ صِفَاتَهُ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَحَقَّ مِنْهُ بِالْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ.
https://www.islam.ms/ar/?p=887