تفسير سورة البقرة من آية 92 إلى 95
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
من تفسير الإمام النسفي (ت 710 هـ) مدارك التنزيل وحقائق التأويل:
{وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ} بالآياتِ التِّسْعِ
{ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ} إلهًا
{مِنْ بَعْدِهِ} مِنْ بَعدِ خُرُوجِ مُوسَى علَيهِ السَّلامُ إلى الطُّور.
{وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (92)} أي عبَدْتُمُ العِجْلَ وأَنتُم واضِعُونَ العِبَادَةَ غَيرَ مَوضِعِها ، أو اعتِرَاضٌ أي وأنتُم قَومٌ عَادَتُكُم الظُّلمُ.
{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ} كَرَّرَ ذِكْرَ رَفْعِ الطُّوْرِ لِمَا نِيْطَ بهِ مِن زِيادَةٍ لَيسَت معَ الأُولَى.
{وَاسْمَعُوا} مَا أُمِرتُم بهِ في التَّورَاةِ.
{قَالُوا سَمِعْنَا} قَولَكَ
{وَعَصَيْنَا} أَمْرَكَ وطَابَقَ قَولُه جَوابَهم مِن حَيثُ إنّهُ قَالَ لهم اسمَعُوا ولْيَكُنْ سَمَاعُكُم سَمَاعَ تَقَبُّلٍ وطَاعَةٍ فقَالُوا سَمِعْنَا ولَكنْ لا سمَاعَ طَاعَةٍ.
{وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} أيْ تَدَاخَلَهُم حُبُّهُ والحِرْصُ على عِبَادَتِهِ كمَا يتَدَاخَلُ الصِّبْغُ الثَّوبَ، وقَولُه: في قلُوبِهم بيَانٌ لِمَكَانِ الإشْرَابِ والْمُضَافُ وهوَ الحُبُّ مَحذُوفٌ.
{بِكُفْرِهِمْ} بسَبَبِ كُفْرِهِم واعتِقَادِهِمُ التّشبِيهَ.
{قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ} بالتّوراةِ لأنّهُ ليسَ في التَّورَاةِ عِبَادَةُ العِجْلِ ، وإضَافَةُ الأَمرِ إلى إيْمَانِهم تَهكُّمٌ وكَذَا إضَافَةُ الإيمانِ إلَيهِم.
{إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (93)} تَشكِيْكٌ في إيْمانِهم وقَدْحٌ في صِحَّةِ دَعْوَاهُم لَهُ.
{قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآَخِرَةُ} أي الجنة.
{عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ} أي سَالِمَةً لَكُم لَيسَ لأَحَدٍ سِوَاكُم فيهَا حَقٌّ، يَعني إنْ صَحَّ قَولُكُم لَن يَدخُلَ الجنّةَ إلا مَن كَانَ هُودًا
{فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (94)} فيمَا تَقُولُونَ لأنّ مَن أَيْقَنَ أنّهُ مِن أَهلِ الجَنّةِ اشْتَاقَ إلَيهَا تَخَلُّصًا مِنَ الدّارِ ذَاتِ الشّوائِبِ كمَا نُقِلَ عن العشَرَةِ الْمُبَشَّرِينَ بالجَنّةِ أنّ كُلَّ واحِدٍ مِنهُم كانَ يُحِبُّ الموتَ ويَحِنُّ إلَيهِ.
{وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا} أيْ لَن يتَمَنَّوهُ مَا عَاشُوا
{بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} بما أَسْلَفُوا مِنَ الكُفْرِ بمحَمَّدٍ علَيهِ السّلامُ وتَحرِيفِ كِتَابِ اللهِ وغَيرِ ذلكَ، وهوَ مِنَ الْمُعجِزَاتِ لأنّهُ إخبَارٌ بالغَيبِ وكانَ كمَا أَخْبَر بهِ كقَولِه {وَلَن تَفْعَلُوا} ولَو تَمنَّوهُ لَنُقِلَ ذَلكَ كَمَا نُقِلَ سَائِرُ الحَوادِثِ. (مَا أَحَدٌ مِنهُم تَجَرَّأ)
{وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95)} تَهدِيدٌ لَهم.
https://www.islam.ms/ar/?p=517