تفسير سورة البقرة من آية 63 إلى 66
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
من تفسير الإمام النسفي (ت 710 هـ) مدارك التنزيل وحقائق التأويل:
{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ} بقَبُولِ مَا في التّورَاةِ.
{وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ} أي الجَبَل حتى قَبِلتُم وأَعْطَيْتُمُ الْمِيثَاقَ.
وذلكَ أنّ مُوسَى علَيهِ السّلامُ جَاءَهُم بالألواحِ فرَأَوا مَا فِيهَا مِنَ الآصَارِ والتّكَالِيفِ الشَّاقّةِ فكَبُرَتْ علَيهِم وأَبَوا قَبُولَها ، فأَمَرَ اللهُ تَعالى جِبريلَ علَيهِ السّلامُ فقَلَعَ الطُّورَ مِن أَصْلِه ورَفَعَه فظَلَّلَهُ فَوقَهُم وقَالَ لهم مُوسَى: إنْ قَبِلْتُم وإلا أُلقِيَ علَيكُم حتى قَبِلُوا، وقُلنَا لَكُم.
{خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ} مِنَ الكِتَابِ أي التّورَاةِ
{بِقُوَّةٍ} بجِدٍّ وعَزِيمَةٍ
{وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ} واحْفَظُوا مَا في الكِتَابِ وادْرُسُوهُ ولا تَنسَوهُ ولا تَغْفُلُوا عَنهُ
{لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63)} لأَجْلِ أنْ تَكُونُوا مُتّقِينَ.
{ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ} ثم أَعْرَضْتُم عن الميثاقِ والوَفاءِ به.
{مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} مِنْ بَعدِ القَبُولِ
{فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} بتَأخِيرِ العَذابِ عَنكُم أو بتَوفِيقِكُم
{لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (64)} الهالِكِينَ في العَذابِ.
{وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ} عَرَفتُم
{الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ} هوَ مَصدَرُ سَبَتَتِ اليَهُودُ إذَا عَظَّمَتْ يَومَ السَّبْتِ.
وقَدِ اعْتَدَوا فيهِ أي جَاوَزُوا مَا حُدَّ لهم فيهِ مِنَ التَّجَرُّدِ للعِبَادَةِ وتَعظِيمِه واشْتَغَلُوا بالصَّيدِ.
وذلكَ أنّ اللهَ تَعالى نَهاهُم أنْ يَصِيدُوا في السَّبْتِ ثم ابتَلَاهُم فمَا كانَ يَبقَى حُوتٌ في البَحْرِ إلا أَخْرَجَ خُرطُومَهُ يَومَ السَّبْتِ ، فَإذَا مَضَى تَفَرَّقَتْ، فَحَفَرُوا حِيَاضًا عندَ البَحْرِ وشَرَعُوا إلَيهَا الجَدَاوِلَ ، فَكَانَتِ الحِيتَانُ تَدخُلُها يَومَ السَّبْتِ لأَمْنِها مِنَ الصَّيدِ فكَانُوا يَسُدُّونَ مَشَارِعَها مِنَ البَحْرِ فيَصطَادُونَها يومَ الأحَدِ ، فذَلكَ الحَبْسُ في الحِيَاضِ هوَ اعْتِدَاؤهُم.
{فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا} بتَكوِينِنَا إيّاكُم
{قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65)} أي كُونُوا جَامِعِينَ بَينَ القِردِيّةِ والخُسُوءِ وهوَ الصَّغَارُ والطَّرْدُ. (المعنى أنّهُ كَوّنَهم قِرَدَةً بسُرعَةٍ بَعدَما صَارُوا قِرَدَةً كَانُوا يَعرِفُونَ أَهْلِيهِم والأهلُ عَرَفوا أنّ هؤلاءِ أقربَاؤهُم لكن ليسَ كُلُّ واحِدٍ يَعرِفُ قَرِيبَهُ بالتّعيِين، ذاكَ الذي مُسِخَ يَعرِفُ يَأتي إلى قَرِيبِه هَذا يُقْبِلُ إلى قَرِيبَه وهَذا يُقْبِلُ إلى قَرِيبِه ولا يَنطِقُونَ كَمَا كانُوا يَنطِقُونَ بل كانُوا يُخرِجُونَ أَصْوَاتًا كالقِرَدَةِ العَادِيّينَ وبَعدَ ثَلاثَةِ أيّامٍ فَنُوا مَا تَوَالَدُوا.)
{فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا} يَعني الْمَسْخَةَ {نَكَـالًا} عِبرَةً تَنكُل مَن اعتَبَر بها أي تَمنَعُهُ.
{لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا} لِمَا قَبْلَهَا.
{وَمَا خَلْفَهَا} ومَا بَعْدَهَا مِنَ الأُمَمِ والقُرُونِ لأنّ مَسْخَتَهُم ذُكِرَتْ في كُتُبِ الأَوَّلِينَ فَاعْتَبَرُوا بِها واعْتَبَر بها مَن بَلَغَتْهُم مِنَ الآخَرِينَ.
{وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (66)} الذينَ نَهَوهُم عن الاعتِدَاءِ مِن صَالَحيْ قَومِهِم أو لِكُلِّ مُتَّقٍ سَمِعَها.
https://www.islam.ms/ar/?p=464