تفسير سورة البقرة من آية 49 إلى 52
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
من تفسير الإمام النسفي (ت 710 هـ) مدارك التنزيل وحقائق التأويل:
{وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ} أَصْلُ آلٍ أَهْلٌ ولِذَلكَ يُصَغَّرُ بأُهَيلٍ فأُبدِلَتْ هَاؤه ألِفًا وخُصَّ استِعمَالُه بأُولِى الخَطَرِ (أي الشَّأنِ، يُقَالُ خَطَرُ الرَّجُلِ بمَعنَى قَدرِه ومَنزِلَتِه) كالْمُلُوكِ وأَشْبَاهِهِم فَلا يُقَالُ آلُ الإسكَافِ والحَجّام ، وفِرعَونُ عَلَمٌ لِمَن مَلَكَ العَمَالِقَةَ كقَيصَر لِمَلِكِ الرُّومِ وكِسْرَى لِمَلِكِ الفُرْسِ.
{يَسُومُونَكُمْ} حالٌ مِن آلِ فِرعَونَ أيْ يُوْلُونَكُم مِن سَامَهُ خَسْفًا إذَا أَوْلَاهُ ظُلمًا ، وأَصْلُهُ مِنْ سَامَ السِّلْعَةَ إذَا طَلَبَها كأَنّها بمعنى يَبغُونَكُم
{سُوءَ الْعَذَابِ} ويُرِيدُونَكُم علَيه،ِ ومُسَاوَمَةُ البَيع مَزِيدَةٌ أو مُطَالَبَةٌ ،
يُقَالُ : أَعُوذُ باللهِ مِن سُوءِ الخُلُقِ وسُوءِ الفِعْلِ يُرَادُ قُبحُهُمَا ، ومَعنى سُوءِ العَذابِ ، والعَذَابُ كُلُّهُ سَيّءٌ أشَدُّه وأَفظَعُهُ.
{يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ} بَيَانٌ لقَولِه يَسُومُونَكُم ولِذَا تُرِكَ العَاطِفُ
{وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ} يَتركُونَ بنَاتِكُم أحيَاءً للخِدمَةِ ، وإنّما فَعَلُوا بِهم ذلكَ لأنّ الكَهَنَةَ أَنْذَرُوا فِرعَونَ بأنّهُ يُولَدُ مَولُودٌ يَزُولُ مِلكُهُ بِسَبَبِه كَمَا أَنْذَرُوا نُمرُودَ فَلَم يُغْنِ عَنهُمَا اجتِهَادُهُما في التَّحَفُّظِ وكانَ مَا شَاءَ اللهُ
{وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ} مِحنَةٌ إنْ أُشِيرَ بذَلِكُم إلى صُنْعِ فِرعَونَ ، ونِعمَةٌ إنْ أُشِيرَ بهِ إلى الإنْجَاءِ. (بلاءٌ يَأتي بمعنى النّعمَةِ بَلاءٌ عَظِيمٌ أيْ نِعمَةٌ عَظِيمَةٌ ويَأتي بمعنى المصِيبَةِ.)
{مِنْ رَبِّكُمْ} صِفَةٌ لِبَلَاءٍ.
{عَظِيمٌ (49)} صِفَةٌ ثَانيَةٌ
{وَإِذْ فَرَقْنَا} فَصَلْنَا بَينَ بَعضِه وبَعضٍ حتى صَارَت فِيهِ مَسَالِكُ لَكُم. وقُرىء فَرَّقْنا أي فَصَّلْنَا يُقَالُ : فَرَقَ بَينَ الشَّيئَينِ وفَرَّقَ بَينَ الأشيَاءِ لأنّ الْمَسَالِكَ كانَت اثْنَي عَشَرَ على عَدَدِ الأسبَاطِ.
{بِكُمُ الْبَحْرَ} كَانُوا يَسلُكُونَهُ ويَتفَرَّقُ الماءُ عندَ سُلُوكِهِم فكَأَنّما فُرِقَ بِهم ، أو فَرَقْنَاهُ بسَبَبِكُم ، أو فَرَقْنَاهُ مُلتَبِسًا بِكُم فيَكُونُ في مَوضِعِ الحَالِ.
رُوِيَ أنّ بَني إسرائيلَ قَالوا لموسى علَيهِ السّلامُ : أينَ أَصْحَابُنَا فنَحنُ لا نَرضَى حَتى نَراهُم ، فأَوحَى اللهُ إلَيهِ أنْ قُلْ بعَصَاكَ هَكَذَا ، فقَال بها على الحِيطَانِ فصَارَت فِيها كُوًى فَترَاءَوا وتَسَامَعُوا كَلامَهُم.
{فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50)} إلى ذلكَ وتُشَاهِدُونَهُ ولا تَشُكُّونَ فِيهِ.
{وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى} لأنَّ اللهَ تَعالى وَعَدَهُ الوَحْيَ ووَعْدُه هوَ المجِيءُ لِلمِيقَاتِ إلى الطُّور. لَمّا دَخَلَ بَنُو إسرائيلَ مِصرَ بَعدَ هَلاكِ فِرعَونَ ولم يَكُن لهم كِتَابٌ يَنتَهُونَ إلَيهِ ، وعَدَ اللهُ تَعالى مُوسَى أنْ يُنَزِّلَ علَيهِ التّورَاةَ وضَرَبَ لهُ مِيقَاتًا ذَا القَعدَةِ وعَشْرَ ذِي الحِجّةِ ، وقَالَ
{أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} لأنّ الشُّهُورَ غُرَرُها باللَّيَالي، وأَربَعِينَ مَفعُولٌ ثَانٍ لـ " وَاعَدْنَا لا ظَرفٌ لأنّهُ ليسَ مَعنَاهُ وَاعَدنَاهُ في أربَعِينَ لَيلَةً . "
{ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ} أي إلهًا، فحُذِفَ المفعول الثاني لـ " اتّخَذتُم
{مِنْ بَعْدِهِ} مِنْ بَعدِ ذَهَابِه إلى الطُّورِ
{وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (51)} أي بوَضْعِكُمُ العِبَادَةَ غَيرَ مَوضِعِها والجُملَةُ حَالٌ أي عبَدتُموهُ ظَالِمينَ.
{ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ} مَحَونَا ذُنُوبَكُم عَنكُم.
{مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} مِن بَعدِ اتّخَاذِكُمُ العِجْلَ.
{لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52)} لِكَي تَشْكُرُوا النّعْمَةَ في العَفْوِ عَنكُم.
https://www.islam.ms/ar/?p=485