تفسير سورة البقرة آية 45 - 46
وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ
45 - وَاسْتَعِينُوا عَلَى حَوَائِجِكُمْ إِلَى اللَّهِ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ أَيْ: بِالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَأَنْ تُصَلُّوا صَابِرِينَ عَلَى تَكَالِيفِ الصَّلَاةِ، مُحْتَمِلِينَ لِمَشَاقِّهَا، وَمَا يَجِبُ فِيهَا مِنْ إِخْلَاصِ الْقَلْبِ، وَدَفْعِ الْوَسَاوِسِ الشَّيْطَانِيَّةِ، وَالْهَوَاجِسِ النَّفْسَانِيَّةِ، وَمُرَاعَاةِ الْآدَابِ، وَالْخُشُوعِ، وَاسْتِحْضَارِ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ انْتِصَابٌ بَيْنَ يَدَيْ جَبَّارِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، أَوِ اسْتَعِينُوا عَلَى الْبَلَايَا وَالنَّوَائِبِ بِالصَّبْرِ عَلَيْهَا، وَالِالْتِجَاءِ إِلَى الصَّلَاةِ عِنْدَ وُقُوعِهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ فَزِعَ إِلَى الصَّلَاةِ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّهُ نُعِيَ إِلَيْهِ أَخُوهُ قُثَمُ، وَهُوَ فِي سَفَرٍ، فَاسْتَرْجَعَ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَقِيلَ: الصَّبْرُ: الصَّوْمُ ؛ لِأَنَّهُ حَبْسٌ عَنِ الْمُفَطٌِرَاتِ، وَمِنْهُ قِيلَ لِشَهْرِ رَمَضَانَ: شَهْرُ الصَّبْرِ. وَقِيلَ: الصَّلَاةُ: الدُّعَاءُ، أَيِ: اسْتَعِينُوا عَلَى الْبَلَايَا بِالصَّبْرِ، وَالِالْتِجَاءِ إِلَى الدُّعَاءِ، وَالِابْتِهَالِ إِلَى اللَّهِ فِي دَفْعِهِ وَإِنَّهَا الضَّمِيرُ لِلصَّلَاةِ، أَوْ لِلِاسْتِعَانَةِ.
لَكَبِيرَةٌ لَشَاقَّةٌ ثَقِيلَةٌ، مِنْ قَوْلِكَ: كَبُرَ عَلَيَّ هَذَا الْأَمْرُ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ لِأَنَّهُمْ يَتَوَقَّعُونَ مَا ادَّخَرَ لِلصَّابِرِينَ عَلَى مَتَاعِبِهَا، فَتَهُونُ عَلَيْهِمْ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ:
الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ
46 - الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ أَيْ: يَتَوَقَّعُونَ لِقَاءَ ثَوَابِهِ، وَنَيْلَ مَا عِنْدَهُ، وَيَطْمَعُونَ فِيهِ. وَفُسّّرَ يَظُنُّونَ بِيَتَيَقَّنُونَ لِقِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: (يَعْلَمُونَ) أَيْ: يَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ لِقَاءِ الْجَزَاءِ فَيَعْمَلُونَ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ. وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُوقِنْ بِالْجَزَاءِ، وَلَمْ يَرْجُ الثَّوَابَ كَانَتْ عَلَيْهِ مَشَقَّةً خَالِصَةً. وَالْخُشُوعُ الْإِخْبَاتُ والتَّطَامُنُ، وَأَمَّا الْخُضُوعُ: فَاللِّينُ وَالِانْقِيَادُ. وَفُسِّرَ اللِّقَاءُ: بِالرُّؤْيَةِ، وَمُلَاقُو رَبِّهِمْ: مُعَايِنُوهُ بِلَا كَيْفٍ (أي يرون الله بلا كيف ولا مكان ولا جهة) وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ لَا يَمْلِكُ أَمْرَهُمْ فِي الْآخِرَةِ أَحَدٌ سِوَاهُ.
https://www.islam.ms/ar/?p=931