تفسير سورة البقرة آية 40
يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ
40 - يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ هُوَ يَعْقُوبُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَهُوَ لَقَبٌ لَهُ، وَمَعْنَاهُ فِي لِسَانِهِمْ: صَفْوَةُ اللَّهِ، أَوْ عَبْدُ اللَّهِ. فَإِسْرَا هُوَ الْعَبْدُ، أَوِ الصَّفْوَةُ، وَإِيل: هُوَ اللَّهُ بِالْعِبْرِيَّةِ. وَهُوَ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ لِوُجُودِ الْعَلَمَيَّةِ وَالْعُجْمَةِ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ ذكرهم النِّعْمَةَ أَنْ لَا يُخِلُّوا بِشُكْرِهَا، وَيُطِيعُوا مَانِحَهَا، وَأَرَادَ بِهَا: مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَى آبَائِهِمْ، مِمَّا عَدَّدَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْإِنْجَاءِ مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَذَابِهِ، وَمِنَ الْغَرَقِ، وَمِنَ الْعَفْوِ عَنِ اتِّخَاذِ الْعِجْلِ، وَالتَّوْبَةِ عَلَيْهِمْ (لمّا عبدَ العجلَ قسمٌ منهم ثمّ عفا الله عنهم بتوبتِهم برجوعهم عن عبادةِ العجلِ) مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ إِدْرَاكِ زَمَنِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُبَشَّرِ بِهِ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ (معناه أنّ اليهودَ الذين كانوا في زمنِ نزولِ القرءانِ الله تعالى أمرَهم بأن يذكروا نعمته التي أنعمها عليهم وهي أنّ أجدادَهم الذين كانوا مع موسى الله تعالى أنجاهم من فرعون وعذابِهِ ومن الغرقِ وعفا عمّن عبدَ العجلَ منهم فتابَ عليه ثمّ هؤلاء موجودون في زمن النّبيّ عليه السّلام جعلهم أدركوا بِعثة محمّدٍ، معناه اشكروا أنتم ربّكم بالإيمانِ محمّدٍ)
وَأَوْفُوا أَدُّوا وَافِيًا تَامًّا. يُقَالُ: وَفَيْتُ لَهُ بِالْعَهْدِ، فَأَنَا وَافٍ بِهِ، وَأَوْفَيْتُ لَهُ بِالْعَهْدِ، فَأَنَا مُوفٍ بِهِ. وَالِاخْتِيَارُ: أَوْفَيْتُ، وَعَلَيْهِ نَزَلَ التَّنْزِيلُ بِعَهْدِي بِمَا عَاهَدْتُمُونِي عَلَيْهِ مِنَ الْإِيمَانِ بِي، وَالطَّاعَةِ لِي، أَوْ مِنَ الْإِيمَانِ بِنَبِيِّ الرَّحْمَةِ وَالْكِتَابِ الْمُعْجِزِ أُوفِ بِعَهْدِكُمْ بِمَا عَاهَدْتُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ حُسْنِ الثَّوَابِ عَلَى حَسَنَاتِكُمْ. وَالْعَهْدُ يُضَافُ إِلَى الْمُعَاهَدِ وَالْمعَاهِدِ جَمِيعًا. وَعَنْ قَتَادَةَ هُمَا: لَئِنْ أَقَمْتُمُ و لأُكَفِّرَنَّ [الْمَائِدَةُ:12] وَقَالَ أَهْلُ الْإِشَارَةِ (أهل التّصوّف) : أَوْفُوا فِي دَارِ مِحْنَتِي، عَلَى بِسَاطِ خِدْمَتِي (هذه أمورٌ معنويّة)، بِحِفْظِ حُرْمَتِي، أَوْفِ فِي دَارِ نِعْمَتِي، عَلَى بِسَاطِ كَرَامَتِي، بِسُرُورِ رُؤْيَتِي
وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ فَلَا تَنْقُضُوا عَهْدِي، وَهُوَ مِنْ قَوْلِكَ: زَيْدًا رَهَبْتُهُ. وَهُوَ أَوْكَدُ فِي إِفَادَةِ الِاخْتِصَاصِ مِنْ إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الْفَاتِحَةُ: 5].
وَ "إِيَّايَ": مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ دَلَّ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ، وَتَقْدِيرُهُ: فَارْهَبُوا إِيَّايَ فَارْهَبُونِ، وَحُذِفَ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الثَّانِيَ يَدُلُّ عَلَيْهِ. وَإِنَّمَا لَمْ يَنْتَصِبْ بِقَوْلِهِ: فَارْهَبُونِ لِأَنَّهُ أَخَذَ مَفْعُولَهُ، وَهُوَ الْيَاءُ الْمَحْذُوفَةُ (فارهبون أخذ مفعولًا وهو الياء المحذوفة لكن هي تقديرًا موجودة ولو حذفت لفظًا) وَكَسْرَةُ النُّونِ دَلِيلُ الْيَاءِ (هذه الكسرةُ تدلّ على أنّ الياءَ مقدّرةٌ) كَمَا لَا يَجُوزُ نَصْبُ زَيْدٍ فِي: زَيْدًا فَاضْرِبْهُ بِاضْرِب الَّذِي هُوَ ظَاهِرٌ.
https://www.islam.ms/ar/?p=927