تفسير سورة البقرة من آية 31 إلى 33
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
من تفسير الإمام النسفي (ت 710 هـ) مدارك التنزيل وحقائق التأويل:
{وَعَلَّمَ آَدَمَ} هوَ اسمٌ أَعجَمِيٌّ واشْتِقَاقُهُم آدمَ مِن أَدِيمِ الأرضِ أو مِنَ الأُدْمَةِ كاشتِقَاقِهِم يَعقُوبَ مِنَ العَقْبِ وإدرِيسَ مِنَ الدَّرْسِ وإبلِيسَ مِنَ الإبْلاسِ. (يُقَالُ أبْلَسَ مِن رَحمَةِ اللهِ أي يَئِسَ ومِنهُ سُمّيَ إبلِيسُ وكانَ اسمُه عزَازِيلَ) (وقالَ بَعضٌ ءادمُ ليسَ مُشتَقًّا هوَ لَفظٌ غَيرُ عَربيّ)
{الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} أي أسماءَ الْمُسَمَّياتِ ولا يَصِحُّ أن يُقَدَّرَ وعَلَّمَ آدمَ مُسَمَّياتِ الأسماءِ على حَذفِ المضَافِ وإقَامَةِ الْمُضَافِ إليهِ مُقَامَه ، لأنّ التّعلِيمَ تَعلَّقَ بالأسماءِ لا بالْمُسَمَّيَاتِ لقَولِه تَعالى : أنبئوني بأسماءِ هؤلاءِ، وأنبئهُم بإسمائِهِم (ولذَلِكَ لا يَصِحُّ تَقدِيرُ وعَلَّمَ ءادَمَ مُسَمَّيَاتِ الأسمَاء)،
ومَعنى تَعلِيمِه أسماءَ المسَمَّياتِ أنّهُ تَعالى أراهُ الأجنَاسَ التي خَلَقَها وعَلّمَهُ أنّ هَذا اسمُه فَرسٌ وهَذا اسمُه بَعِيرٌ وهَذا اسمُه كَذا وهَذا اسمُه كَذَا. وعن ابنِ عبّاسٍ رضيَ اللهُ عَنهُما : عَلَّمَه اسمَ كُلِّ شَيءٍ حتى القَصْعَةَ والْمِغرَفَة. ("عَلّمَه اسمَ كُلِّ شَيءٍ" هَذا وَردَ في الحديثِ المرفُوعِ في البُخَاريّ)
{ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ} أيْ عَرَضَ الْمُسَمَّيَاتِ ، وإنّما ذَكَّرَ لأنَّ في المسَمَّيَاتِ العُقلاءَ فغَلَّبَهُم.
وإنّما اسْتَنبَأَهُم وقَد عَلِمَ عَجْزَهُم عن الإنبَاءِ على سَبِيلِ التّبْكِيتِ. (يَعني أنّ اللهَ استَنبَأ الملائكةَ وقَدْ عَلِمَ أنّهم لا يَستَطِيعُونَ أنْ يُجِيبُوا عن هَذا السّؤالِ ،للتّبكِيتِ أي لِيُظهِرَ عَجْزَهُم عمّا عَلِمَهُ ءادَمُ)
{فَقَالَ أَنْبِئُونِي} أَخْبِرُوني
{بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31)} في زَعمِكُم أنّي أَستَخلِفُ في الأرضِ مُفسِدِينَ سَفّاكِينَ للدّماءِ ، وفيهِ رَدٌّ علَيهِم وبَيَانُ أنّ فِيمَن يَستَخلِفُه مِنَ الفَوائِدِ العِلمِيّةِ التي هيَ أُصُولُ الفَوائدِ كُلِّها مَا يَستَأهِلُونَ لأَجْلِه أنْ يُسْتَخلَفُوا.
{قَالُوا سُبْحَانَكَ} تَنزِيهًا لَكَ أنْ يَخفَى علَيكَ شَيءٌ أو عن الاعتراضِ عَلَيكَ في تَدبِيرِكَ.
{لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} وليسَ فيهِ عِلْمُ الأسماءِ ، و" ما " بمعنى " الذي " ، والعِلمُ بمعنى الْمَعلُوم أي لا مَعلُومَ لنَا إلا الذي عَلّمْتَنَا.
{إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ} غَيرُ المعَلَّم
{الْحَكِيمُ (32)} فِيمَا قَضَيتَ وقَدَّرْتَ.
{قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ} سَمّى كُلَّ شَيءٍ باسمِه.
{قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أيْ أَعلَمُ مَا غَابَ فِيهِما عَنكُم مما كانَ ومما يَكُونُ.
{وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ} تُظهِرُونَ
{وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33)} تُسِرُّونَ.
https://www.islam.ms/ar/?p=456