تفسير سورة البقرة آية 22

الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْـزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ

22 - الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ أَيْ: صَيَّرَ. وَمَحَلُّ الَّذِي نَصْبٌ عَلَى الْمَدْحِ، (إذا قلنا نصبٌ على المدحِ يُقدّر فعلٌ ويكون الذي مفعول ذلك الفعلِ المقدّر، يقدّر اعبدوا الذي جعل لكم) أَوْ رَفْعٌ بِإِضْمَارِ هُوَ (أو الذي خبرٌ لمبتدإ محذوف تقديرُه هو) فِرَاشًا بِسَاطًا تَقْعُدُونَ عَلَيْهَا، وَتَنَامُونَ، وَتَتَقَلَّبُونَ، وَهُوَ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِجَعَلَ، وَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ مُسَطَّحَةٌ أَوْ كُرِيَّةٌ إِذِ الِافْتِرَاشُ مُمْكِنٌ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ (يقول المفسِّرُ فراشًا ليس فيه دليلٌ على أنّ الأرضَ كُريّة ولا على أنّها مسطوحةٌ ، ولو ترك هذا كان خيرًا ، لأنّه لا تنافيَ بين كونِها مسطوحةً وبين كونِها كُرِيّة أي شبيهة لا حقيقةَ الكُريّة ، ومَن يقولُ بحقيقة الكرِيّة ؟!!) وَالسَّمَاءَ بِنَاءً سَقْفًا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: "وجعلنا السّماء سقفًا محفوظًا" (محفوظًا معناه من الهُويّ إلى أسفلَ لأنّه لولا أنّ اللهَ أمسكَ السّماءَ لهوت إلى الأرضِ ودمّرت الأرضَ) وهُوَ مَصْدَرٌ سُمِّي بِهِ الْمَبْنِيُّ (البناءُ في الأصل مصدرٌ والمرادُ هنا المبنيّ)  وَأَنْـزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مَطَرًا فَأَخْرَجَ بِهِ بِالْمَاءِ. نَعَمْ خُرُوجُ الثَّمَرَاتِ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَإِيجَادِهِ، وَلَكِن جَعْلَ الْمَاءِ سَبَبًا فِي خُرُوجِهَا، كَمَاءِ الْفَحْلِ فِي خَلْقِ الْوَلَدِ (منيّ الرجلِ سببٌ لخلقِ الله الولدَ، ليس المنيُّ يخلقُ الولدَ، ولو شاءَ اللهُ لخلقَ الولدَ بلا منيٍّ كما خلقَ آدمَ من دونِ منيٍّ وعيسى خلقَه بدونِ منيٍّ)، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى إِنْشَاءِ الْكُلِّ بِلَا سَبَبٍ، كَمَا أَنْشَأَ نُفُوسَ الْأَسْبَابِ (الله تعالى هو خلقَ الأسبابَ المنيَّ وغيرَه من الأسبابِ) وَالْمَوَادِّ، وَلَكِنَّ لَهُ فِي إِنْشَاءِ الْأَشْيَاءِ مُدرِّجًا لَهَا مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، وَنَاقِلًا مِنْ مَرْتَبَةٍ إِلَى مَرْتَبَةٍ، حِكَمًا وَعِبَرًا لِلنُّظَّارِ بِعُيُونِ الِاسْتِبْصَارِ. وَ "مِنْ" فِي مِنَ الثَّمَرَاتِ لِلتَّبْعِيضِ، أَوْ لِلْبَيَانِ رِزْقًا مَفْعُولٌ لَهُ إِنْ كَانَتْ "مِنْ" لِلتَّبْعِيضِ، وَمَفْعُولٌ بِهِ لِأَخْرَجَ إِنْ كَانَتْ لِلْبَيَانِ. وَإِنَّمَا قِيلَ: الثَّمَرَاتُ دُونَ الثَّمَرِ وَالثِّمَارِ -وَإِنْ كَانَ الثَّمَرُ الْمُخْرَجُ بِمَاءِ السَّمَاءِ كَثِيرًا-؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ جَمَاعَةُ الثَّمَرَةِ، وَلِأَنَّ الْجُمُوعَ يَتَعَاوَرُ بَعْضُهَا مَوْقِعَ بَعْضٍ لِالْتِقَائِهَا فِي الْجَمْعِيَّةِ لَكُمُ صِفَةٌ جَارِيَةٌ عَلَى الرِّزْقِ إِنْ أُرِيدَ بِهِ الْعَيْنُ، وَإِنْ جُعِلَ اسْمًا لِلْمَعْنَى (معناه يكون وصفًا  للرّزقِ)  فَهُوَ مَفْعُولٌ بِهِ (أي رزق الله العبدَ يعني المصدر) كَأَنَّهُ قِيلَ: رِزْقًا إِيَّاكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالْأَمْرِ، أَيِ: اعْبُدُوا رَبَّكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لَهُ أَنْدَادًا ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْعِبَادَةِ وَأَسَاسَهَا التَّوْحِيدُ، وَأَنْ لَا يُجْعَلَ لَهُ نِدٌّ وَلَا شَرِيكٌ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي رَفْعًا عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَخَبَرُهُ فَلا تَجْعَلُوا وَدُخُولُ الْفَاءِ (معناه دخول الفاء في الخبر) لِأَنَّ الْكَلَامَ يَتَضَمَّنُ الْجَزَاءَ، (فيه معنى الشّرط خبر مبتدأ، إذا كان بمعنى الشرطِ تدخل عليه الفاءُ) أَيِ: الَّذِي حَفَّكُمْ بِهَذِهِ الْآيَاتِ الْعَظِيمَةِ، وَالدَّلَائِلِ النَّيِّرَةِ الشَّاهِدَةِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ، فَلَا تَتَّخِذُوا لَهُ شُرَكَاءَ. وَالنِّدُّ: الْمِثْلُ، وَلَا يُقَالُ إِلَّا لِلْمِثْلِ الْمُخَالِفِ وَالْمُنَافِي وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ: لَيْسَ لِلَّهِ نِدٌّ وَلَا ضِدٌّ: نَفْيُ مَا يَسُدُّ مَسَدَّهُ، وَنَفْيُ مَا يُنَافِيهِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهَا لَا تَخْلُقُ شَيْئًا، وَلَا تَرْزُقُ، وَاللَّهُ الْخَالِقُ الرَّازِقُ، أَوْ مَفْعُولُ تَعْلَمُونَ مَتْرُوكٌ، (متروك ليس معناه محذوف بل له معنى آخر، متروك معناه قُطِع فيه ملاحظةُ المفعولِ)  أَيْ: وَأَنْتُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَجَعْلُ الْأَصْنَامِ لِلَّهِ أَنْدَادًا غَايَةُ الْجَهْلِ، وَالْجُمْلَةُ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي فَلا تَجْعَلُوا.

تفسير القرآن الكريم تفسير النسفي تفسير قرآن أهل السنة والجماعة تفسير قرآن كامل تفسير سورة البقرة آية 22