تفسير سورة البقرة آية 158 - 159 - 160 - 161 - 162
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
من تفسير الإمام النسفي (ت 710 هـ) مدارك التنزيل وحقائق التأويل:
{ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ } همَا عَلَمَانِ لِلجَبَلَينِ.
{ مِنْ شَعَآئِرِ اللَّهِ } مِن أَعلَامِ مَنَاسِكِهِ ومُتَعَبَّدَاتِه جَمعُ شَعِيرَةٍ وهيَ العَلَامَةُ
{ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ } قَصَدَ الكَعْبَةَ
{ أَوِ اعْتَمَرَ } زَارَ الكَعْبَةَ ، فالحَجُّ : القَصْدُ ، والاعتِمَارُ : الزِّيَارَةُ ، ثمّ غُلِّبَا على قَصْدِ البَيتِ وزِيَارَتِه لِلنُّسُكَينِ المعرُوفَينِ
{ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ } فَلا إثمَ عَلَيهِ
{ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا } أي يتَطَوَّفَ وأَصْلُ الطَّوفِ الْمَشْيُ حَولَ الشّيءِ والمرادُ هُنَا السَّعْيُ بَينَهُمَا.
قِيلَ : كانَ على الصّفَا " إسَافٌ " وعلى الْمَروَة " نَائِلَة " وهمَا صَنَمَانِ يُروَى أنّهما كانَا رَجُلًا وامرَأةً زَنَيَا في الكَعبَةِ فمُسِخَا حَجَرَينِ فَوُضِعَا عَلَيهِمَا لِيُعتَبرَ بهِما ، فَلَمّا طَالَتِ الْمُدَّةُ عُبِدَا مِن دُونِ اللهِ.
وكانَ أَهلُ الجَاهِليّةِ إذَا سَعَوا مَسَحُوهُما فَلَمَّا جَاءَ الإسلامُ وكُسِرَتِ الأَوثَانُ كَرِهَ المسلِمُونَ الطّوافَ بَينَهُما لأجْلِ فِعلِ الجَاهلِيّةِ فرَفَعَ عَنهُمُ الجُنَاحَ بقَولِه فَلا جُنَاحَ .
{ وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا } أي بالطَّوافِ بِهما،
{ فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ } مُجَازٍ على القَلِيلِ كَثِيرًا
{ عَلِيمٌ } [البقرة : 158] بالأشيَاءِ صَغِيرًا أو كَبِيرًا.
{ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ } مِن أَحبَارِ اليَهُودِ
{ مَآ أَنزَلْنَا } في التّورَاةِ
{ مِنَ الْبَيِّنَـاتِ } مِنَ الآيَاتِ الشّاهِدَةِ على أَمرِ محَمَّدٍ علَيهِ السَّلامُ
{ وَالْهُدَى } الهِدَايَةِ إلى الإسلامِ بوَصْفِه علَيهِ السَّلامُ
{ مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّـاهُ } أَوْضَحْنَاهُ
{ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ } في التّورَاةِ لم نَدَعْ فِيهِ مَوضِعَ إشْكَالٍ، فعَمَدُوا إلى ذلكَ الْمُبَيَّنِ فَكَتَمُوهُ
{ أولئكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ } [البقرة : 159] الذينَ يتَأتَّى مِنهُمُ اللَّعْنُ وهُمُ الملائكةُ والمؤمنُونَ مِنَ الثَّقَلَينِ
{ إِلا الَّذِينَ تَابُوا } عنِ الكِتْمَانِ وتَرْكِ الإيمَانِ
{ وَأَصْلَحُوا } مَا أَفْسَدُوا مِن أَحْوَالِهم وتَدَارَكُوا مَا فَرَطَ مِنهُم
{ وَبَيَّنُوا } وأَظْهَرُوا مَا كَتَمُوا
{ فَأُولَـئكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ } أَقْبَلُ تَوبَتَهُم
{ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } [البقرة : 160]
{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أولئك عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ }[البقرة : 161] يَعني الذينَ مَاتُوا مِن هؤلاءِ الكَاتِمينَ ولم يَتُوبُوا
ذَكَرَ لَعْنَتَهُم أَحيَاءً ثم لَعْنَتَهُم أَمْوَاتًا.
والمرادُ بالنّاسِ المؤمنُونَ، أو المؤمنُونَ والكَافِرُونَ إذْ بَعضُهُم يَلعَنُ بَعضًا يَومَ القِيَامَةِ قالَ اللهُ تَعالى : { كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا }
{ خَـالِدِينَ فِيهَآ } في اللّعنَةِ، أو في النّارِ إلا أنّها أُضْمِرَت تَفخِيمًا لِشَأنِها وتَهوِيلًا
{ لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنظَرُونَ } [البقرة : 162] مِنَ الإنْظَارِ أي لا يُمهَلُونَ. أو لا يُنتَظَرُونَ لِيَعتَذِرُوا.
https://www.islam.ms/ar/?p=543