تفسير سورة البقرة من آية 111 إلى 113
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
من تفسير الإمام النسفي (ت 710 هـ) مدارك التنزيل وحقائق التأويل:
والضَّمِيرُ في {وَقَالُوا لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَـارَى} لأهلِ الكِتَابِ مِنَ اليَهُودِ والنّصَارَى أي وقَالَتِ اليَهُودُ : لن يَدخُلَ الجنّةَ إلا مَن كَانَ هُودًا ، وقَالَتِ النّصَارَى : لَن يَدخُلَ الجَنّةَ إلا مَن كَانَ نَصَارَى ، فَلَفَّ بَينَ القَولَينِ ثِقَةً بأنَّ السّامِعَ يَرُدُّ إلى كُلِّ فَرِيقٍ قَولَه ، وأَمْنًا مِنَ الإلْبَاسِ لِمَا عُلِمَ مِنَ التّعَادِي بَينَ الفَرِيقَينِ وتَضلِيلِ كُلِّ واحِدٍ مِنهُمَا صَاحِبَه ، أَلا تَرَى إلى قَولِه تَعالى : { وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَـارَى عَلَى شَىْءٍ وَقَالَتِ النَّصَـارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَىْءٍ } وهُودٌ جَمعُ هَائِدٍ
{تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ} أُشِيرَ بِها إلى الأمَانيّ الْمَذكُورَةِ وهيَ أُمنِيَتُهُم أَلّا يَنزِلَ على المؤمنِينَ خَيرٌ مِن رَبِّهم وأُمنَيَّتُهُم أنْ يَرُدُّوهُم كُفَّارًا ، وأُمنِيَّتُهُم أنْ لا يَدخُلَ الجَنّةَ غَيرُهم أي تِلكَ الأمَانيُّ البَاطِلَةُ أمَانِيُّهُم.
{قُلْ هَاتُوا بُرْهَـانَكُمْ} هَلُمُّوا حُجَّتَكُم على اختِصَاصِكُم بدُخُولِ الجَنّةِ.
وهَاتِ بمنزِلَةِ هَاءِ بمعنَى أَحْضِرْ وهوَ مُتَّصِلٌ بقَولِهم "لَن يَدخُلَ الجَنَّةَ إلا مَن كَانَ هُودًا أو نَصَارَى"
{إِن كُنتُمْ صَـادِقِينَ} [البقرة : 111] في دَعْوَاكُم.
{بَلَى} إثْبَاتٌ لِمَا نَفَوهُ مِن دُخُولِ غَيرِهم الجنّةَ. ورَدٌّ لقَولِهم.
{مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ} مَنْ أَخْلَصَ نَفْسَهُ لَهُ لا يُشْرِكُ بهِ غَيرَه.
{وَهُوَ مُحْسِنٌ} مُصَدِّقٌ بالقُرآنِ. (وقال ابن الجوزي في تفسيره: وهوَ مُحسِنٌ أيْ في عَمَلِه)
{فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ} جَوابُ مَنْ أَسْلَمَ
(قال ابن الجوزي في تفسيره: فلَهُ أَجْرُه. قَالَ الزّجّاجُ يُرِيدُ فَهوَ يَدخُلُ الجنّةَ )
{وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة : 112].
{وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَـارَى عَلَى شَىْءٍ وَقَالَتِ النَّصَـارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَىْءٍ} أي على شَىءٍ يَصِحُّ ويُعتَدُّ بهِ.
{وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَـابَ} أي قَالُوا ذَلكَ وحَالُهم أنَّهم مِن أهلِ العِلْم والتِّلاوَةِ لِلكُتُب ، وحَقُّ مَن حمَلَ التَّورَاةَ والإنجِيلَ وآمَنَ بهِ ألّا يَكفُرَ بالبَاقِي لأنّ كُلَّ واحِدٍ مِنَ الكِتَابَينِ مُصَدِّقٌ للآخَر.
{كَذَلِكَ} مِثلَ ذَلكَ القَولِ الذي سمِعتَ بهِ
{قَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ} أي الجَهَلَةُ الذينَ لا عِلمَ عِندَهُم ولا كِتَابَ كعَبَدةِ الأصنَام والمعطِّلَةِ ، قَالُوا لأَهْلِ كُلِّ دِينٍ لَيسُوا على شَيءٍ ، وهَذا تَوبِيخٌ عَظِيمٌ لَهم حَيثُ نَظَمُوا أَنفُسَهُم معَ عِلمِهِم في سِلْكِ مَن لا يَعلَمُ
{فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَـامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [البقرة : 113] أي بَينَ اليَهُودِ والنّصَارَى بما يَقسِمُ لِكُلِّ فَرِيقٍ مِنهُم مِنَ العِقَابِ اللّائِقِ بهِ.
https://www.islam.ms/ar/?p=525