التحذيرُ مِنَ الاعتراضِ على اللهِ تَعَالى. خطبة الجمعة
بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى :
الحمدُ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهْدِيهِ ونشكُرُه ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا وسيّئاتِ أعْمَالِنا مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هادِي لهُ. وأشهدُ أنْ لا إلـهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ولا مَثيلَ لهُ ولا ضِدَّ ولا نِدَّ لهُ، وأشهدُ أنَّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقرَّةَ أعينِنَا محمّدًا عبدهُ ورسولهُ وصفيُّه وحبيبُه من بعثه الله رحمة للعالمين هاديًا ومبشّرًا ونذيرًا، بلَّغَ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ ونَصَحَ الأمَّةَ فَجَزاهُ اللهُ عنَّا خيرَ ما جَزَى نَبِيًّا مِنْ أنْبِيائِهِ صلَّى اللهُ عليهِ صلاةً يَقْضي بِها حاجاتِنَا ويُفَرِّجُ بِها كُرُباتِنَا ويَكفِينَا بِها شَرَّ أعدائِنَا، وسَلَّمَ عليْهِ وعلى ءالِهِ سَلامًا كَثيرًا. أمّا بعدُ فيا عبادَ اللهِ أوصِي نفسِي وأوصيكُم بتقوَى اللهِ العليّ العظيمِ.
يقولُ اللهُ تعالى في القرءانِ الكريمِ: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لآِدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾ [سورة البقرة آية 34]. لقد أمر اللهُ تعالى الملائكةَ أنْ يَسْجُدوا لآدمَ عليهِ السلامُ سجودَ تَحِيَّةٍ لا سجودَ عبادَةٍ، سجودَ تحيّةٍ لأنَّ الأنبياءَ أفضلُ منَ الملائكةِ فسجَدُوا إلا إبليسَ الذي كانَ مِنَ الجِنّ (وَلمَ يَكنْ ملَكًا لأنَّ الملائكَةَ لا يَعْتَرِضونَ على اللهِ) أبى واسْتَكْبَرَ واعترضَ على اللهِ فصارَ من الكافرينَ الخاسرينَ باعْتِراضِهِ على ربّ العالمينَ.
فلا شكَّ إخوةَ الإيمانِ والإسلامِ أنَّ المُعْتَرِضَ على حُكْمِ اللهِ تعالى خارِجٌ مِنَ الإسلامِ وهوَ خاسِرٌ خاسِرٌ خاسِرٌ.
يقولُ اللهُ تعالى: ﴿ لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ﴾ [سورة الأنبياء آية 23]، اللهُ ءامِرٌ ناهٍ، ولا ءامِرَ ولا نَاهِيَ لهُ، هؤلاءِ الذينَ يَنْتَقِدونَ حُكْمَ اللهِ ويعتبرونَ أنفسَهُمْ مِنْ أهلِ الفَهْمِ والمعرفةِ، هؤلاءِ كأنَّهمْ ما عَرَفُوا أصْلَ خِلْقَتِهِمْ. سَيّدُنا عليٌ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: « ما لابْنِ ءادَمَ والفَخْرَ، أوَّلُهُ نُطْفَةٌ وءاخِرُهُ جيفَةٌ »، معناهُ لا يَنْبَغِي لابْنِ ءادَمَ أنْ َيَتَرَفَّعَ، اللهُ خَلَقَهُ مِنْ تلكَ النُّطْفَةِ التي هيَ قَدْرُ بَزْقَةٍ ثمَّ يُعيدُهُ إلى التُّرابِ.
فالْحَذَرَ الحَذَرَ منَ الاعتراضِ على الله عندَ نُزولِ المصائِبِ والبَلايا فإنَّ هذا هلاكٌ وضلالٌ والعياذُ باللهِ.
إخوةَ الإيمانِ إنَّ الدُّنْيا لوْ كانَتْ هيَ دارَ جزاءٍ ما أُصيبَ نَبِيٌّ مِنَ الأنبياءِ بِمَرَضٍ ولا فَقْرٍ، البلاءُ على الأنبياءِ في الدُّنْيا أكثَرُ مِنْ غَيْرِهِم.
رجلٌ قالَ لِرسولِ اللهِ: إنّي أُحِبُّكَ، فقالَ لهُ صلى الله عليه وسلم: « انظُرْ ماذا تَقولُ. قالَ: إنّي أُحبُّكَ. قالَ: انْظُرْ ماذا تَقولُ. قالَ: إنّي أحبُّكَ. قالَ: انْظُرْ ماذا تَقولُ فإنَّ البلاءَ أَسْرَعُ إلى من يحبني مِنَ السَّيْلِ إلى مُنْتَهاهُ »، أي من كان يريد الآخرة فليتهيَّأ لنزول البلاء عليه وليصبر كما صبر الأنبياء في الدنيا.
واسْمَعُوا مني قِصَّةَ فاطمَةَ الزُّبَيْرِيَّةِ التي كانَتْ تَقِيَّةً صالحةً حَجَّتْ ثُمَّ زارَتِ الرسولَ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ نَوَتِ الإقامَةَ في مَكَّةَ فصارَ لَها شُهْرَةٌ بالتقوَى والصَّلاحِ والعِلْمِ، ثُمَّ عَمِيَتْ سَنَتَيْنِ، ثُمَّ ذاتَ ليلةٍ أرادَتْ أنْ تَتَوَضَّأَ لصلاةِ اللَّيلِ فتَزَحْلَقَتْ على دَرَجٍ فانْكَسَرَ ضِلَعَانِ مِنْ أضْلاعِهَا، ومعَ ذلِكَ تَكَلَّفَتْ وصَلََّتْ، لم تَعْتَرِضْ على اللهِ، لم تَتَسَخَّطْ على اللهِ، لم تَتَخَلَّ عنْ طاعَةِ اللهِ، لم تَلْجَأْ إلى المعَاصِي عِنْدَ نزولِ البَلاءِ. تَوَضَّأَتْ وصَلَّتْ وفي تِلْكَ اللَّيْلَةِ رأَتْ حبيبَها، رأَتِ البدرَ الأَنْوَر، رأَتْ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ورأت أبا بَكْرٍ وعُمَرَ مُقْبِلينَ مِنْ جِهَةِ الكَعْبَةِ، بابُ بيتِها كانَ مواجِهًا للكَعبةِ، فجاءَ الرسولُ فبَصَقَ على طَرَفِ رِدَائِهِ وقالَ لَها: امْسَحِي بِهِ عيْنَيْكِ، فأَخذَتِ الرّداءَ فَمَسَحَتْ بهِ عيْنَيْها فأبْصَرَتْ في الحالِ أي في اليَقَظَةِ على الحقيقةِ أبْصَرَتْ ثمَّ وَضَعَتْهُ على مَوْضِعِ الكَسْرِ فتَعَافَى، ثمَّ اسْتَيْقَظَتْ مُبْصِرَةً.
عبادَ اللهِ اشْكُروا اللهَ تعالى على ما أنْعَمَ عليْكُمْ مِنَ النّعَمِ، فهِيَ فَضْلٌ مِنْهُ تعالى وليسَ واجِبًا عليهِ أنْ يُعْطِيَ عبادَهُ هذِهِ النّعَمَ. وكلُّ نِقمَةٍ أَنْزَلَها بعبادِهِ فهيَ بِعَدْلِ اللهِ تعالى أيْ لا يوصَفُ بالظلْمِ في إيلامِهِ عبادَهُ بالأمراضِ والمصائبِ والبلايا، لا يوصَفُ اللهُ بالظُّلْمِ، مهما كانَ ذلكَ الإنسانُ مطيعًا فأيُّ بلاءٍ يُصيبُهُ فهُوَ بِعَدْلِ اللهِ، لا يجوزُ لأَحَدٍ أنْ يَعْتَرِضَ على اللهِ.
وقدْ قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: « إنَّ اللهَ تعالى لوْ عذَّبَ أهْلَ أرضِهِ وسماواتِهِ لعذّبَهُمْ وهوَ غيرُ ظالِمٍ لهمْ، ولوْ رَحِمَهُمْ كانَتْ رَحْمَتُهُ خيرًا لهُم مِنْ أعمالِهِمْ، ولوْ أنْفَقْتَ مثلَ أُحُدٍ ذهبًا ما قَبِلَهُ اللهُ منكَ حتَّى تُؤْمِنَ بالقَدَرِ وتَعْلَمَ أنَّ ما أصَابَكَ لم يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ وما أَخْطَأَكَ لم يكنْ لِيُصيبَكَ، ولو مِتَّ على غيرِ هذا لَدَخَلْتَ النَّارَ ». رواه أحمدُ في مُسْنَدِهِ. اللهمَّ أمِتْنَا على دينِ الأنبياءِ والمرسَلينَ، دينِ الأنبياءِ العظيمِ.
هذا وأسْتَغْفِرُ اللهَ لي ولَكُم.
الخطبةُ الثانيةُ :
الحمدُ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهْدِيهِ ونشكُرُه ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا وسيّئاتِ أعْمَالِنا مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هادِي لهُ والصلاةُ والسلامُ على سيدِنا محمدٍ رسولِ اللهِ. عبادَ اللهِ أُوصِيْ نفسِيَ وإيّاكمْ بتقْوَى اللهِ العَليّ العظيمِ واعلَموا أنَّ اللهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾. اللّهُمَّ صَلّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ، وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، يقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾. اللّهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا، اللّهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ، ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ، اللّهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ، اللهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ. عبادَ اللهِ إنَّ اللهَ يأمرُ بالعَدْلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبَغي، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون. اذكُروا اللهَ العظيمَ يذكرْكُمْ، واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ، واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.
https://www.islam.ms/ar/?p=105