شرح حديث إنّ الله يبغضُ كلّ جعظريّ جواظٍ سَخّابٍ بالأسواقِ جيفةٍ بالليلِ حمارٍ بالنّهار عالمٍ بأمرِ الدنيا جاهلٍ بأمرِ الآخرةِ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ للهِ ربّ العالمينَ لهُ النّعمةُ وله الفضْلُ وله الثناءُ الحسنُ، صلواتُ الله البرِ الرحيمِ والملائكةِ المقربينَ على أشرفِ المرسلينَ سيدِنا محمّدٍ وعلى ءالِهِ الطيبينَ وعلى سائرِ المرسلينَ وسلام الله عليهِمْ أجمعينَ.
الجهلُ والتكبُّرُ وإنفاقُ المالِ في الحرامِ من الخصال المذمومة
أمّا بعدُ، فقدْ روي بالإسنادِ المتّصّلِ في صحيحِ ابنِ حبانَ رحمه الله منْ حديثِ أبي هريرةَ رضي الله عنهُ أنّهُ قالَ: « إنّ الله يبغضُ كلّ جعظريّ جواظٍ سَخّابٍ بالأسواقِ جيفةٍ بالليلِ حمارٍ بالنّهار عالمٍ بأمرِ الدنيا جاهلٍ بأمرِ الآخرةِ ».
في الحديثِ وَصَفَ رسول الله صلى الله عليهِ وسلَّم أناسًا بصفاتٍ، منها أنْ يكونَ المرءُ جَعْظريًا وأنْ يكونَ جَواظًا أي أنْ يكونَ الرجلُ جَموعًا مَنوعًا وأنْ يكونَ فظًّا غليظًا مستكبِرًا.
والجموعُ المـَنوعُ هو الذي يَحرِصُ على جمعِ المالِ بنيةٍ فاسدةٍ ويبخَلُ عن دفعِ المالِ فيما أمر الله تعالى بالإنفاقِ فيه أيْ هوَ الذي يكونُ جَمْعُهُ للمالِ حُبًا بالمالِ ويتكبرُ على عبادِ الله، ليسَ يجمعُ المالَ منْ طريقِ الحلالِ ليصرفَهُ فيما أحلّ الله.
لأنّ الذي يجمعُ المالَ ليصرفَه في الحلالِ فإن ذلكَ ليسَ بمذمومٍ، لأنّ المالَ منهُ ما يُذَمُّ ومنهُ ما يُمدحُ. فالمالُ المذمومُ هو المالُ الذي يجمَعُهُ المرءُ منْ حرامٍ أو يجمعُه ليقضِيَ به شهواتِهِ المحرمةَ أوْ ليَفْخَرَ بهِ على الناسِ أوْ لِيتَكبرَ فهذا هوَ المالُ المذمومُ.
وأما المالُ الذي يجمعُهُ المرءُ المسلِمُ منْ حلالٍ بنيةِ أنْ يستُرَ بهِ نفسَهُ وينْتفِعَ به أوْ ينفَعَ غيرَهُ أو ينفقَهُ على أولادِهِ أو على أبَوَيْهِ أو غيرِهِما منَ أقاربِهِ بغيرِ نيةِ التوصُّلِ إلى الفخْرِ والتّكبر على النّاسِ فإنّ ذلك المالَ ليسَ بمذمومٍ، ودليلُنا على ذلِكَ ما رُوي بالإسنادِ الصّحيحِ عنِ الإمامِ أحمدَ وابنِ حبانَ أنه صلى الله عليهِ وسلَّم قالَ لعمرِو بنِ العاصِ: « نِعْمَ المالُ الصّالحُ للرجلِ الصّالحِ ».
والمالُ الصّالحُ هو المالُ الذي يجمعُهُ المرْءُ ويكْتَسِبُهُ بطريقٍ حلالٍ، وأمّا الرجلُ الصالحُ فهو الإنسانُ المؤمنُ الذي يقومُ بحقوق الله تعالى وحقوقِ العبادِ بأنْ يعرفَ ما افترضَ الله تعالى عليهِ ويؤدّيَهُ ويعرِفَ ما حرّمَ الله عليهِ ويجتنبَهُ.
فإذا جمعَ الإنسانُ معْ صفةِ الجَعْظَريّ أنْ يكونَ جواظًا فقدِ ارتفعَ في الشرّ والفسادِ. ثمّ إنْ زادَ على ذلكَ أنْ يكونَ سخّابًا بالأسواقِ فقدْ زادَ فسادًا أيْ أنَّهُ من شدّةِ شُحّهِ وحِرْصِهِ على المالِ يُكثِرُ الصّياحَ والكلامَ في الأسواقِ في سبيلِ جمعِ المالِ.
ثمّ إنْ زادَ على ذلكَ أنْ يكونَ جيفةً بالليلِ حمارًا بالنَّهارِ فقدْ زادَ شرُّه أي إذا كانَ يستغرِقُ ليلَهُ بالنّوْمِ ولا يهتمُّ بأنْ يكسِبَ في ليلِهِ من الصّلوات ويتزودَ منَ الطاعاتِ وأنْ يجعلَ همّهُ التفننَ بالأكلِ في النّهارِ والإكثارِ منَ الملذّاتِ وينْشَغِلَ بذلِكَ عنِ القيامِ بما افترضَهُ الله عليهِ.
ثمّ إذا أُضيفَ إلى ذلكَ الوصفِ الأخيرِ وهو أنْ يكونَ عارفًا بأمرِ الدّنيا جاهِلا بأمر الآخرةِ فقدْ تَزايدَ شرُّهُ.
فمِنْ هنا يُعلمُ أنّ منْ ءاتاهُ الله عزّ وجلّ المالَ وكانَ غارقًا بطرُقِ جمْعِ المالِ وهو جاهلٌ بأمورِ الدّينِ أي بما افترضَ الله تعالى عليهِ معرفتَه من علمِ الدينِ فهو من شرّ خلقِ الله.
ثم لا سبيلَ إلى أداءِ ما افترضَ الله سبحانَهُ وتعالى واجتنابِ ما حرّمَ الله إلا بمعرفةِ العلمِ الضّروريّ منْ علمِ الدّينِ، فمنْ أَعْرَضَ عَنْ تعلُّمِ هذه الضّرورياتِ منْ علمِ الدّينِ فإنّهُ يهلِكُ وهو لا يشعرُ فإنا للهِ وإنا إليهِ راجعونَ.
وسبحانَ الله والحمدُ للهِ ربّ العالمينَ والله تعالى أعلمُ.
https://www.islam.ms/ar/?p=270