أقوال العُلماءِ: الله موجود بلا مكان ولا جهة
(42)- وقال لسان الـمتكلـمين الشيخ أبو الـمعين ميمون بن محمد النسفي (508هـ) ما نصه: " القول بالـمكان - أي في حق الله - منافيٌ للتوحيد " [تبصرة الأدلة (1/171 و182)].
(43)- وقال أبو الوفاء علي بن عقيل البغدادي شيخ الحنابلة في زمانه (513 هـ) ما نصه: " تعالى الله أن يكون له صفة تشغل الأمكنة، لأنّ هذا عين التجسيم، وليس الحق بذي أجزاء وأبعاض يعَالج بِها " [الباز الأشهب: الحديث الحادي عشر (ص/ 86)].
(44)- وقال القاضي الشيخ أبو الوليد محمد بن أحمد قاضي الجماعة بقُرطُبَة الـمعروف بابن رُشْد الجَدّ الـمالكي (520 هـ) ما نصه : " ليس -الله- في مكان، فقد كان قبل أن يَخْلُقَ الـمكان ". ذكره ابن الحاج الـمالكي في كتابه الـمدخل " [الـمدخل : فصل في الاشتغال بالعلـم يوم الجمعة (2/ 149)].
(45)- وقال ابن رُشْد أيضا : " فلا يقال أين ولا كيف ولا متى لأنه خالق الزمان والـمكان " [الـمدخل : نصائح الـمريد (3/ 181)].
(46)- وقال أيضاً ما نصه [الـمدخل: فصل في الاشتغال بالعلـم يوم الجمعة (2/ 149)]: " وإضافته -أي العرش- إلى الله تعالى إنَّما هو بمعنى التشريف له كما يقال: بيتُ الله وحرمه، لا أنه محلٌّ له وموضع لاستقراره ".
وذكر ذلك أيضا الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه "فتح الباري" [فتح الباري ( 7/124 ) ] موافقًا له ومقرًّا لكلامه.
(47)- وقال الـمحدّث أبو حفص نجم الدين عمر بن محمد النسفي الحنفي (537هـ) صاحب العقيدة الـمشهورة بـ" العقيدة النسفية " ما نصه: " والـمحْدِثُ للعالـم هو الله تعالى ، لا يوصف بالـماهيَّة ولا بالكيفية ولا يَتمكَّن في مكان " [العقيدة النسفية (ضمن مجموع مهمات الـمتون) ( ص/28)].
(48)- وقال أيضا ما نصه: " وقد ورد الدَّلِيلُ السمعيُّ بإيجاب رؤية الـمؤمنين اللهَ تعالى في دار الآخرة، فَيُرَى لا في مكان، ولا على جهة من مقابلة أو اتصال شُعاعٍ أو ثبوتِ مَسافةٍ بين الرائي وبين الله تعالى " [الـمصدر السابق (ص/29)].
(49)- وقال الشيخ إمام الصوفية العارف بالله السيد أحمد الرفاعي الأشعري (578 هـ) ما نصه: " وطهِّروا عقائدكم من تفسير معنى الاستواء في حقه تعالى بالاستقرار، كاستواء الأجسام على الأجسام الـمستلزم للحلول، تعالى الله عن ذلك. وإياكم والقول بالفوقية والسُّفْلية والـمكان واليد والعين بالجارحة، والنـزول بالإتيان والانتقال، فإن كل ما جاء في الكتاب والسنة مِمَّا يدل ظاهره على ما ذُكر فقد جاء في الكتاب والسنة مثله مما يؤيد الـمقصود " [البرهان الـمؤيد (ص/17 و18)].
(50)- وقال أيضاً ما نصه: " غاية الـمعرفةِ بالله الإيقانُ بوجوده تعالى بلا كيفٍ ولامكانٍ " [أنظر كتاب حكم الشيخ أحمد الرفاعي الكبير (ص/35 – 36)].
(51)- وقال أيضاً ما نصه: " وأنه -أي الله- لا يَحِلُّ في شىء ولا يَحُلُّ فيه شىء، تعالى عن أن يحويه مكان، كما تقدَّس عن أن يَحُدَّه زمان، بل كان قبلَ خلق الزمان والـمكان، وهو الآن على ما عليه كان " [إجابة الداعي إلى بيان اعتقاد الإمام الرفاعي (ص/44)].
(52)ـ وقال أيضاً ما نصه: " لا يَحُدُّه -تعالى- الـمقدار، ولا تحويه الأقطار، ولا تحيط به الجهات، ولا تكتنفه السموات، وأنه مستوٍ على العرش على الوجه الذي قاله وبالـمعنى الذي أراده، استواءً منـزَّهاً عن الـمماسة والاستقرار والتمكن والتحول والانتقال، لا يحمله العرش، بل العرش وحملَتُهُ محمولون بلطف قدرته، ومقهورون في قبضته، وهو فوق العرش، وفوق كل شىء إلى تـخوم الثرى، فوقية لا تزيده قرباً إلى العرش والسماء بل هو رفيع الدرجات عن العرش كما أنه رفيع الدرجات عن الثرى " [الـمرجع السابق ( ص/43)].
(53)- وكذا كان على هذا الـمعتقد السلطان صلاح الدين الأيوبي رحمه الله (589هـ)، وقد كان له اعتناء خاص بنشر عقيدة الإمام الأشعري رحمه الله فقد قال السيوطي ما نصه: " فلـما وَليَ صلاح الدين بن أيوب أمر الـمؤذنين في وقت التسبيح أن يعلنوا بذكر العقيدة الأشعرية، فوظف الـمؤذنين على ذكرها كل ليلة إلى وقتنا هذا " أي إلى وقت السيوطي الـمتوفى سنة (911هـ) [الوسائل إلى مسامرة الأوائل (ص/15)].
ولـما كان للسلطان صلاح الدين الأيوبي هذا الاهتمام بعقيدة الأشعري ألف الشيخ الفقيه النحوي محمد بن هبة الله رسالة في العقيدة وأسماها "حدائق الفصول وجواهر الأصول" وأهداها للسلطان فأقبل عليها وأمر بتعليمها حتى للصبيان في الـمكاتب، وصارت تسمى فيما بعد "بالعقيدة الصلاحية". ومما جاء في هذه الرسالة [أنظر حدائق الفصول (ص/10)]:
وَ صَانِـعُ العَالـم لاَ يَحْوِيـهِ قُطْـرٌ تَعَالَى الله عَـن تَشْبِيهِ
قَدْ كَانَ مَوْجُوداً وَلاَمَكَاناَ وَحُكْمُـهُ الآنَ عَلَى مَا كَانَـا
سُبْحَانَهُ جَلَّ عَن الـمكَـانِ وَعَـزَّ عَن تَغَيُّـرِ الزَّمَــانِ
فَقَدْ غَلا وَزَادَ في الغُلُـوِّ مَـنْ خَصَّـهُ بِجَهَـةِ العُلُـوِّ
وَحَصَرَ الصَّانِعَ في السَّمَاءِ مُبْدِعَهَا وَالعَرْشُ فَـوْقَ المـاءِ
وَأَثْبَتُوا لِذَاتِهِ التَّحَيُّــزَا قَد ضَلَّ ذُو التَّشْبِيهِ فِيمَا جَوَّزا
(54)- قال الإمام الحافظ الـمفسّر عبد الرحمن بن علي المعروف بابن الجوزي الحنبلي (597 هـ) ما نصه: " الواجب علينا أن نعتقد أن ذات الله تعالى لا يحويه مكان ولا يوصف بالتغـيّر والانتقال " [دفع شبه التشبيه (ص/58)].
(55)- وقال أيضاً: " فترى أقواماً يسمعون أخبار الصفات فيحملونَها على ما يقتضيه الحس، كقول قائلهم: ينـزل بذاته إلى السماء ويتنقل، وهذا فهم ردىء، لأن الـمتنقـل يكون من مكان إلى مكان، ويوجب ذلك كون الـمكان أكبر منه، ويلزم منه الحركة، وكل ذلك محال على الحق عزَّ وجلَّ " [صيد الخاطر (ص/ 476)].
وابن الجوزي من أساطين الحنابلة وصاحب كتاب "دفع شبه التشبيه" الذي رد فيه على الـمجسمة الذين ينسبون أنفسهم إلى مذهب الإمام أحمد والإمام أحمد بريء مما يعتقدون. وقد بيَّنَ ابن الجوزي في هذا الكتاب أن عقيدة السلف وعقيدة الإمام أحمد تنـزيه الله عن الجهة والـمكان والحد والجسمية والقيام والجلوس والاستقرار وغيرها من صفات الحوادث والأجسام. واعلـم أنه لـم يصحَّ عن عالـم من علـماء السلف نسبة القول بالجلوس، بل عقيدة السلف كما قال الإمام الحافظ الفقيه أبو جعفر الطحاوي (توفي سنة 321 هـ) وهو أحد أئمة السلف: " ومن وصف الله بمعنىً من معاني البشر فقد كفر، فمن أبصر هذا اعتبر، وعن مثل قول الكفار انزجر، وعلـم أنه بصفاته ليس كالبشر ".
فتمسك أخي الـمسلـم بعقيدة أهل السنة ولا تلتفت إلى ما يقوله أهل البدع.
(56)- ومما قاله في هذا الكتاب: " كل من هو في جهة يكون مقدَّراً محدوداً وهو يتعالى عن ذلك، وإنما الجهات للجواهر والأجسام لأنَّها أجرامٌ تحتاج إلى جهةٍ، وإذا ثبت بطلان الجهة ثبت بطلان الـمكان " [الباز الأشهب (ص/57)].
(57)- وقال أيضاً ما نصه: " فإن قيل: نفي الجهات يحيل وجوده، قلنا: إن كان الـموجود يقبل الاتصال والانفصال فقد صدقتَ، فأما إذا لـم يقبلهما فليس خُلوه من طرق النقيض بمحال " [الـمصدر السابق (ص/59)].
(58)- وقال الـمبارك بن محمد الـمعروف بابن الأثير (606هـ) ما نصه: " الـمرادُ بقرب العبد من الله تعالى القُربُ بالذِّكْر والعملِ الصالح، لا قربَ الذات والـمكان لأن ذلك من صفات الأجسام، والله يتعالى عن ذلك ويتقدس " [النهاية في غريب الحديث (مادة ق ر ب ، 4/32)].
(59)- وقال المفسّر فخر الدين الرازي (606 هـ) ما نصه: " واعلـم أن المشبِّهة احتجوا على إثبات الـمكان لله تعالى بقوله { ءأَمِنتُم مَّن فيِ السَّمَاءِ }[أي أن اعتقاد أن الله في مكان فوق العرش أو غير ذلك من الأماكن هو اعتقاد الـمشبِّهة الذين قاسوا الخالق على الـمخلوق وهو قياسٌ فاسدٌ منشؤه الجهل واتباع الوهم] " [تفسير الرازي الـمسمى بالتفسير الكبير (سورة الـملك / ءاية 16-30/69)].
(60) _ وقال أيضًا : " قوله تعالى { وَهُوَ العَلِيُّ العَظِيمُ } لا يجوز أن يكون الـمراد بكونه عليًّا العلو في الجهة والـمكان لـما ثبتت الدلالة على فساده. ولا يجوز أن يكون الـمراد من العظيم العظمةَ بالجثةَ وكبرَ الجسم، لأن ذلك يقتضي كونه مؤلَّفًا من الأجزاء والأبعاض، وذلك ضد قوله: { قُل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } [سورة الإخلاص/ 1]، فوجب أن يكون الـمراد من العَلي الـمتعالي عن مشابَهة الـممكنات ومناسبة الـمحدَثات ، ومن العظيم العظمة بالقدرة والقهر بالاستعلاء وكمال الإلـهية " [الـمصدر السابق (سورة الشورى / ءاية 4- 27/144)].
https://www.islam.ms/ar/?p=43