شَرح أَحايث نبويّة عن الحِجامَةِ والفَصْدِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الأمين
كان رسول الله يَحتَجِمُ على هَامَتِه وبَينَ كَتِفَيْه ويقول: " مَن أَهْرَاقَ مِنْ هذه الدّمَاءِ فلا يَضُرُّه أنْ لا يَتداوَى بشَىءٍ لِشَىءٍ ". رواه أبو داود وابن ماجه. (على هَامَتِه أي رأْسِهِ والمُرادُ بالرّأسِ هُنَا مَا عَدَا النُّقْرَة).
وكانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَحتَجِمُ في الأخْدَعَيْنِ والكَاهِلِ ، وكان يحتَجِمُ لسَبْعَ عَشْرَةَ وتِسْعَ عشْرَةَ وإحْدَى وعِشرِيْنَ. رواه الترمذي والحاكم والطبراني. (الأخدعانِ عِرْقانِ في مَحلِّ الحِجامَةِ مِنَ العُنقِ، وهما في جَانبي العُنُقِ قَد خَفِيا وبَطَنا). (والكَاهِلُ هوَ مُقَدَّمُ أعْلَى الظَّهْرِ مما يَلِي العنُق وهو الثلُثُ الأعْلَى وفيه سِتّ فقَرَاتٍ ، وقيلَ ما بَينَ الكَتِفَينِ، وقيلَ مَوْصِلُ العُنقِ ما بينَ الكَتِفَينِ.)
وقال عليه الصلاة والسلام : " إذا اشْتدَّ الحَرُّ فاسْتَعِيْنُوا بالحِجامةِ لا يَتبَيَّغِ الدّمُ بأَحَدِكُم فيَقتُلَهُ ". رواه الحاكم. (قولُه فاستَعِينُوا بالحجَامَةِ أي على دَفْعِ أذَاه لِغَلَبَةِ الدّم حِيْنَئِذٍ، قولُه: لا يَتَبَيّغ، أيْ لِئَلا يَهِيْجَ.)
ورُوِيَ أنّه صَلّى الله عليه وسلم كانَ يَحْتَجِمُ في رَأسِه ويُسَمِّيْها: " أمَّ مُغِيْث ". رواه الخطيب البغدادي.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خَيرُ يَومٍ تَحتَجِمُونَ فِيهِ سَبْعَ عَشْرةَ وتِسْعَ عَشْرَةَ وإحْدَى وعِشرِينَ، ومَا مَررتُ بملإٍ مِنَ الملائِكَةِ لَيلَةَ أُسرِيَ بي إلا قَالُوا عَليكَ بالحِجَامَةِ يا محمّد " رواه أحمد والحاكم.
وقال عليه الصلاة والسلام: " خَيرُ مَا تَدَاوَيتُم بهِ الحِجَامَةُ " رواه أحمد والطبراني والحاكم.
وفي لفظٍ لأبي نُعيم: خَيرُ مَا تَدَاوَيتُم بهِ الحَجْمُ والفِصَادُ ".
قال شيخنا رحمه الله: الحجَامَةُ رُكنٌ مِنْ أَركَانِ الشِّفَاءِ.
وقالَ الإمامُ أحمَدُ تُكْرَهُ الحِجَامَةُ السّبْت والأربعاء.
ورُوِيَ عن رسولِ الله أنّه قال : " مَنِ احتَجَمَ يَومَ الأربعاءِ أو يَوم السّبْتِ وأصَابَه بَرَصٌ فَلا يَلُوْمَنّ إلا نَفسَهُ ". رواه البيهقي في سننه.
وعن أبي عُمَرَ محمّد بنِ جَعفَر بنِ مَطَر النّيسَابُورِيّ قالَ قُلتُ يومًا إنّ هَذا الحديثَ ليسَ بصَحِيحٍ فافتصدت يَومَ الأربعاءِ فأصَابَني البَرصُ فرأَيتُ رسولَ الله في النّومِ وشَكَوتُ إليهِ حَالي فقالَ إيّاكَ والاستهانةَ بحديثي، فقلتُ تُبْتُ يا رسولَ اللهِ. فانْتَبَهْتُ وقَدْ عَافَاني اللهُ وذَهَبَ ذلكَ عَنّي. وأخرجَ ابنُ عَساكرَ في تاريخهِ مِن طريقِ أبي عليٍّ مَهْرانَ ابنِ هَرْوٍ الحافظِ الهَازِجيّ قال سمعتُ أبا مَعينٍ الحسينَ بنَ الحسنِ الطّبريَ يقولُ أَردتُ الحِجامةَ يومَ السّبتِ فقلتُ للغُلام ادعُ الحَجّامَ فَلمّا وَلّى الغُلامُ ذَكَرتُ خَبرَ النّبيّ : " مَنِ احْتَجَمَ يَومَ السّبْتِ ويَومَ الأربعاءِ فأَصَابَهُ وَضَحٌ فَلا يَلُومَنَّ إلا نَفْسَهُ " رواه ابن أبي شيبة في مصنفه والبيهقي في السنن الكبرى والحاكم في المستدرك وعبدالرزاق في مصنفه. قالَ فدَعَوتُ الغُلامَ ثمّ تَفَكَّرتُ فقلتُ هذا الحديثُ في إسنادهِ بَعضُ الضَّعْفِ فقُلتُ للغُلامِ ادْعُ الحَجّامَ لي فدَعَاهُ فاحْتَجَمْتُ فأصابَني البرَصُ ، فرَأيتُ رسولَ اللهِ في النّوم فشَكَوتُ إليهِ حَالي فقَالَ إيّاكَ والاستهانةَ بالحديثِ ، فنَذرتُ لله لئنْ أَذْهَبَ اللهُ ما بي مِنَ البَرصِ لَن أتهاوَنَ في خبَرِ النّبيّ صَحِيْحًا كانَ أو سَقِيْمًا فَأَذْهَبَ اللهُ عَنّي ذلكَ البَرصَ اهـ. الوَضَحُ بَرَصٌ.
الرسولُ احتَجَم في رأسِه وفي يَدَيهِ وبَين كتفيه
مَنِ احتَجَم فَلْيَحْتَجِم يومَ الخميس أو يومَ الأحَد وكذلكَ يومَ الاثنينِ ويومَ الثّلاثاءِ فإنّه يومٌ دَفَع اللهُ فِيه عن أيّوبَ البَلاءَ. ويتجنّبُ الحِجَامةَ يومَ الأربعاءِ والجمعة والسّبت.
والحجامةُ على الرّيقِ أَمْثَلُ ، وهذا للحِجَامةِ والفَصْدِ.
الفَصْدُ شَقُّ العِرْقِ.
الحِجَامَةُ مِنَ الحَجْم الذي هوَ البَدَاءُ أي الظُّهورُ لأنّ اللّحْمَ يَنْتَبِرُ أي يَرتَفِعُ.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما مررت ليلة أسرى بى بملإ من الملائكة إلا قالوا يا محمد مُر أُمَّتَك بالحجامة " رواه الترمذى وابن ماجه عن ابن عباس ورواه الطبري.
عَن ابن عُمَر ، عَن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما مَررتُ بسَماءٍ مِن السّموات إلاَّ قالت الملائكةُ : يا محمّدُ مُر أُمَّتَك بالحجامة فإنه خَير ما تَداوَوا به الحجامة والكست والشونيز " رواه البزار.
قال أبو بكر : الكست يعني : القسط.
والشونيز الحبة السوداء وتسميها العامّة اليوم حبة البركة.
عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الشفاء في ثلاثة في شرطة مِحجم أو شرب عسل أو كيّة بنار وأنهى أمتي عن الكيّ " رواه البخاري.
هذا الحديث يتضمن جملة ما يتداوى به الناس، وذلك أن الحجم (استعمال الحجامة) يستفرغ الدم وهو أعظم الأخلاط، واستعمال الحِجامة أنجحها شفاء عند هيجان الدم، وأمّا العسل فهو مسهّل للأخلاط البلغمية، وأما الكيّ بالنار فإنما يُستعمل في الخلط الباغي الذي لا تُحسم مادته إلا به ولهذا وصفه النبيّ عليه الصلاة والسلام ثم نهى عنه وإنّما كرّهه صلى الله عليه وسلّم لِما فيه من الألم الشديد والخطر العظيم. أي لغير حاجة أمّا المحتاج إليه فلا كراهة إن استعمله.
ولهذا كانت العرب تقول في أمثالها: [ءاخر الدواء الكيّ]. ولم يُرد الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث حصر الشفاء في هذه الأمور الثلاثة المذكورة، فإنّ الشفاء قد يكون في غيرها، وإنّما نبّه صلى الله عليه وسلم بها على أصول العلاج، وذلك أنّ الأمراض الإمتلائية تكون دموية وصفراوية وبلغمية وسوداوية، وشفاء الأمراض الدموية يكون بإخراج الدم الفاسد عن طريق استعمال الحجامة، وشفاء الأمراض الإمتلائية الصفراوية وما ذُكر معه فدواؤه المُسهّل، وقد نبّه النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم عليه بذكر العسل، وأما الكيّ فإنه يقع ءاخراً لإخراج ما يتعسّر إخراجه من الفضلات وإنما نهى عنه صلى الله عليه وسلم للكيّ وبين استعماله له أنه لا يترك مُطلقاً بل يُستعمل عند تعيّنه طريقاً للشفاء مع مصاحبة اعتقاد أنّ الشفاء يحصل بإذن الله تعالى ومشيئته، لأن الله تبارك وتعالى هو خالق الأسباب ومسبّباتها وهو خالق كل شيء.
والحمد لله رب العالمين
https://www.islam.ms/ar/?p=164