ءاداب المعاشرة الزوجية بين الزوجين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وصلَّى الله على رسول الله وسلَّم وعلى ءاله وأصحابه الطيبين وبعد.
إنَّ العلاقة الزوجية في الشريعة الإسلامية جعلها الله عز وجل قائمة على المودة والعطف والسَّكِيْنة والرحمة بين كِلا الزوجين ليسكن كل منهما للآخر ولتتوطد أواصر المحبة والرحمة والعطف بينهما، وليتعاون الزوجان في الحياة الزوجية فيما يُرضي الله تعالى ورسوله، يقول الله سبحانه وتعالى ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ (سورة الروم ءاية 21).
ءاداب معاشرة الأزواج
هناك ءاداب وأخلاق حضَّتْ عليها الشريعة الإسلامية في معاملة الأزواج حتى تدوم حسن المعاشرة بين الزوجين، ويبقى بيت الزوجة سعيدًا، ثابت الدعائم قوي البنيان، غير مهدد بالسقوط والانهيار، والفشل والضياع وما يترتب على ذلك من نتائج وخيمة على كل من الزوجين والأولاد.
وتستقر الحياة الزوجية ويسعد الزوجان عندما يعرف الزوجان ما لهما وما عليهما من حقوق، ويؤدي كل طرف حقه تجاه الآخر ويحسن إليه المعاملة.
ومن هذه الآداب والأخلاق : حسن معاشرة الزوجة لزوجها وتأدية حقوقه، وحسن معاملتها له، وطاعته فيما يرضي الله تعالى ورسوله. يقول النبي العظيم صلى الله عليه وسلم " أعظمُ الناس حقًّا على المرأة زوجها " ويقول أيضًا عليه الصلاة والسلام " أيّما امرأة ماتت وزوجها عنها راضٍ دخلت الجنة ".
فالزوجة العاقلة الرصينة هي التي تلتزم بحق زوجها، يقول الله تبارك وتعالى : ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّـهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾ (سورة النساء ءاية 34). والمرأة الصالحة هي المرأة التقية التي تؤدي الواجبات وتجتنب المحرمات، فتراعي حق الله تبارك وتعالى وتراعي حق زوجها فلا تُضَيّعُ حقوقه، وهذا الصنف قليل بين النساء هذه الأيام، يقول صلى الله عليه وسلم "لا تؤدي المرأة حقَّ الله حتى تؤدي حقَّ الزوج".
إنّ حق الزوج على زوجته عظيم عند الله تبارك وتعالى، لذلك قال الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم "لو كنتُ ءامرًا أحدًا أن يسجد لأحد (أي سجود تحية) لأمرتُ المرأة أن تسجد لزوجها".
ومن جملة حقوق الزوج على زوجته والتي مطلوب شرعًا على الزوجة أن تراعيها : ... أن لا تمنعه حقَّه من الاستمتاع بها إلا فيما حرّم الشرع كالجماع في أيام الحيض أو النفاس كما هو معلوم في الشريعة. فلا يجوز للزوجة أن تصدَّ زوجها عن الاستمتاع بها وأن ترفض رغبته في مقاربتها، فإن لم تستجب لزوجها في الاستمتاع بها بغير عذر فهي فاسقة وتلعنها الملائكة، فقد قال النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبتْ فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح"، وقال أيضًا عليه الصلاة والسلام "إذا دعا الرجل زوجته لحاجته فلتأته وإن كانت على التَّنُور" (التنور هو الذي يخبز فيه).
إنَّ حق استمتاع الزوج بزوجته ضمن حدود الشرع هو من أهم حقوق الزوج على زوجته، لأنَّ اهتمام المرأة بحاجة زوجها إليها في فراشه سبب مهم جدًا لسعادة الزوجين وإنَّ إهمالها لهذا الحق يُسبب النكد والشقاق بين الزوجين، وكثيرًا ما يؤدي هذا إلى انهيار الحياة الزوجية وبالتالي إلى الطلاق والضياع، ومن الملاحظ أن كثيرًا من الزوجات، يُهملن حق الزوج في الاستمتاع بها في وقت يكون فيه الزوج بحاجة ماسة إلى ذلك فتهجر هذه الزوجة فراش زوجها بغير عذر شرعي ويكون الزوج في حاجة إليها، وتوليه ظهرها ولا تلقي له بالاً وكأنه ليس زوجها، فتكون بذلك سببًا للنكد والتعاسة والحزن لدى الزوج وما يترتب على ذلك من ءاثار سلبية على الحياة الزوجية.
فائدة : ومن المفيد هنا أن نذكر أنه فرض على الزوجة إذا طلب منها زوجها أن تتزين له (في البيت) للاستمتاع أن تطيعه في ذلك.
ومن حقوق الزوج على زوجته : أن لا تُدخل أحدًا بيت زوجها إلا بإذنه، وأن لا تصوم تطوعًا (أي غير الفرض) إلا بإذنه، لأن الصوم مانع عن الاستمتاع فإذا صامت تطوعًا بغير إذنه لم يكن باستطاعة زوجها أن يقاربها، لأنها عادة تبتعد منه، والمقاربة بالاستمتاع حقه، لهذا يقول النبي العظيم صلى الله عليه وسلم "لا يحلُّ لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد (أي حاضر) إلا بإذنه" أي في غير صيام الفرض.
ومن حقوق الزوج على زوجته : أن لا تخرج من بيته أو تسافر مع أحد محارمها إلا بإذن زوجها، ومن المفيد المهم في هذا المقام أن نذكر أن الفقهاء قالوا إنَّ ملازمة المرأة وخاصة الزوجة لبيتها وعدم الخروج منه لغير ضرورة أحسن وأفضل لها، وهذا لمصلحة المرأة، لأنه ستر وصيانة لها ولأن أمر المرأة كما يقول العلماء مبنيّ على المبالغة في الستر وفي هذا مصلحة عظيمة الفائدة للمرأة، يقول النبي العظيم صلى الله عليه وسلم : "أقرب ما تكون المرأة إلى وجه الله (أي إلى طاعة الله) إذا كانت في قعر بيتها".
ومن حقوق الزوج على زوجته : أن تقدّم الزوجة حق زوجها على حق سائر أقاربها، لأن حقّه عليها عظيم عند الله تعالى. فالمرأة إن أمرها أهلها بشىء وأمرها زوجها بشىء مما ليس فيه معصية، تطيع زوجها ولا تطيع أهلها، وهذا هو معنى قوله عليه الصلاة والسلام "أحق الناس بالمرأة زوجها".
وقد روي عن السيدة الجليلة عائشة رضي الله عنها أنها قالت : "قلت يا رسول الله من أعظمُ الناس حقًا على الرجل ؟ قال : أمُّه، قلت من أعظم الناس حقًّا على المرأة ؟ قال : زوجها".
ومن حق الزوج على زوجته : أن لا تتأفف ولا تتسخط لضيق المعيشة أو سوء الحال، ولا تكثر الشكوى فتؤذيه في كلامها وتكسر قلبه وخاطره، بل المطلوب منها شرعًا أن تظهر له الرضا والقناعة بالمقسوم من الرزق، وتُقدّر تعب زوجها في تحصيل الرزق ولا تطلب منه فوق الحاجة خشية أن يقع في كسب الحرام، والمرأة الصالحة العاقلة التي تبتغي رضا خالقها والجنة تبتعد بكليتها عن الحرام وترضى بالمقسوم من الرزق الحلال وتحذر زوجها من مسالك الحرام وطرقه، ورحم الله تعالى نساء السلف الصالح حيث كانت الزوجة الصالحة إذا خرج زوجها من منزله للكسب تقول له : إياك وكسب الحرام فإنا نصبر على الجوع والضُّرِ ولا نصبر على النار. ومن المفيد أن نذكر في هذا المقام أنَّ إنفاق الزوجة الغنية على زوجها وأولادها الفقراء والمحتاجين ابتغاء الثواب من الله عز وجل لها في ذلك ثواب عظيم عند الله تعالى.
ومن حقوق الزوج على زوجته : حسن معاشرة الزوج وحسن معاملته، وهذا أصل عظيم في السعادة الزوجية. فمن حق الزوج على زوجته أن تُحسن عشرته بحسن الأدب والحديث والانبساط في أسباب اللذة والاستمتاع بأن تتطيب له وتتزين كما يحب منها ويرضى.
الزوجة العاقلة التي تريد رضا خالقها تُطيع زوجها فيما يُرضي الله عز وجل ولا تؤذيه في أقوالها وأفعالها، ولا تفشي سره الذي ائتمنها عليه ولو لأقاربها، وتكون مشفقة على أولادها، راعية لهم بالتربية الإسلامية التي يحبها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم حافظة للسانها عن كل ما يؤذي زوجها ويسخط خالقها، كأن تصرخ في وجهه وتقول له مثلا : "أنت ثقيل لا تفهم" ونحو ذلك مما يتأذى به الزوج وينكسر به قلبه وخاطره.
ومن الفوائد التي نُذَكّرُ بها الزوجات للاتعاظ في حسن عشرة الأزواج وبيان عظيم حق الزوج أنَّ أحد العلماء والمربين الأجلاء نَصَحَ إحدى تلميذاته المتزوجات كيف تُكلّمُ زوجها وتحسن صحبته وعشرته فقال لها : كلميه وقفي أمامه وكأنك أمام مَلِكٍ عظيم.
يقول الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم " لا تُؤذي امرأةٌ زوجَها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين لا تؤذيه قَاتَلَكِ الله فإنما هو عندك دخيل يوشك أن يُفَارِقَكِ إلينا ".
ومن حقوق الزوج على زوجته : أن لا تنكر الزوجة فضل الزوج وإحسانه. فعلى الزوجة العاقلة أن تحجم عن نكران فضل الزوج وجميله وإحسانه وهذه خصلة مهمة جدًا في استقرار الحياة الزوجية، ولا يراعيها من النساء المتزوجات إلا القليلات. إذ أن كثيرًا من النساء يُكْثِرنَ من نكران إحسان الزوج لأدنى إساءة تبدر عنه، ولهذا كانت النساء أكثر أهل النار كما أخبر بذلك النبي عليه الصلاة والسلام. فقد روى البخاري ومسلم وأحمد وغيرهم بروايات متقاربة مجمل معناها أنَّ الله تبارك وتعالى أرى النبي صلى الله عليه وسلم أن النساء أكثر أهل النار، فسُئِل عليه الصلاة والسلام من قِبَلِ بعض الصحابيات عن السبب فأجاب عليه الصلاة والسلام "لأنكن تكثرن اللعن وتَكْفُرْنَ العشير" أي تتلفظن باللعن كثيرًا كلعن أولادهن أو أزواجهن، ويَكْفُرْنَ العشير (والعشير هو الزوج) أي يُنْكِرْنَ فضل ونعمة الزوج وإحسانه ويستقللن ما كان من الإحسان والجميل منه، وهذا هو الواقع المشاهد من الكثير من الزوجات مع أزواجهن في الحياة الزوجية، وقد بيّن الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم هذه المسئلة فقال : " فلو أحسنتَ إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك سوءًا قالت ما رأيت منك خيرًا قَطُّ ".
إنَّ المطلوب شرعًا تعليم البنت منذ نشأتها وتمييزها أمور دينها الضرورية التي يجب عليها معرفتها بعد البلوغ من أمور العقيدة والأحكام، وكذلك تربيتها تربية إسلامية صالحة مبنيةً على الأخلاق الحميدة والخصال الحسنة لتكون ركيزة فعالة في بناء المجتمع النافع، ولتكون أمًا صالحة وزوجة صالحة تعرف حق زوجها عليها فتؤديه، وتعرف فضله وإحسانه عليها فلا تنكره، كما قال الله تبارك وتعالى ﴿ وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ﴾[سورة البقرة آية 237] وبذلك تُرضي ربها عز وجل وتنال ثوابه ورحمته في جنات النعيم.
وما أجمل أن نختم موضوعنا بكلام سيد المرسلين وإمام المتقين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي فيه حسن البشارة للمرأة والزوجة الصالحة التي تؤدي حق الله عليها وحق زوجها، يقول الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم " إذا صَلّت المرأة خَمسَها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها ادخلي من أي أبواب الجنة شئت ".
حُسْنُ الخُلُق والتواضعُ في معاشرة الزوجات
ومن هذه الآداب والأخلاق التي يطلب من الزوج أن يراعيها في معاملة زوجته ومعاشرتها : حُسن الخُلُق والتواضع في معاشرة الزوجة، فعلى الأزواج أن يراعوا حسن الخُلُق مع زوجاتهم واحتمال الأذى منهن.
وكما أمر الله بالمعروف في معاملة الوالدين وحسن صحبتهما فقال ﴿ وصاحبهما في الدنيا معروفًا ﴾ أمر الله تعالى بالمعروف في معاملة الزوجات فقال سبحانه ﴿ وعاشروهنَّ بالمعروف ﴾.
وقال الله سبحانه وتعالى في تعظيم حقّهن ﴿ وأخذنَ منكم ميثاقًا غليظًا ﴾ أي عهدًا مؤكدًا شديدًا، وقد قيل في تفسير هذا العهد إنّه عقد الزّواج الّذي به تحلّ المرأة للرّجل، ولقد ثبتَ أن الرسول صلى الله عليه وسلم وصّى في حجة الوداع بالنساء وصية بالغة، وحضّ حضًّا شديدًا على حُسْن معاشرتهن ومعاملتهن، فقال عليه الصلاة والسلام : " فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله " رواه مسلم، وقال صلوات الله وسلامه عليه : " استوصوا بالنساء خيرًا ".
ومن أعظم ما ورد عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم في الوصية وحسن المعاشرة مع الزوجات قوله عليه الصلاة والسلام " خيركم خيركم للنساء "، وقوله صلى الله عليه وسلم : " أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنُهُم خُلُقًا، وخيارهم خيارهم لنسائهم " رواه الإمام أحمد.
إخوة الإيمان... إن من صفات المؤمن الكامل صاحب الدرجات العلى أن يحسن معاملة زوجته، فيعاملها بالعطف والرحمة وبشاشة الوجه والإحسان والتواضع والعفو عند الإساءة، فلا يقابل الإساءة بالإساءة بل يعفو ويصفح ويتواضع معها ولا يترفع عليها ويعاملها بالمداراة والحكمة والشفقة والرحمة.
وصاحب حُسنِ الخُلُق من أهل الدرجات العلى ودرجته عند الله كدرجة المسلم الذي يُكثر من صيام النوافل ويكثر من قيام الليالي بالصلاة والعبادة، يقول عليه الصلاة والسلام : " إنَّ المؤمن ليدرك بحُسْنِ خُلُقه درجة الصائم القائم ".
إن الذي يتتبَّعُ حالة مجتمعاتنا هذه الأيام ليدرك أن القليل من الرجال والأزواج من يحسن معاملة زوجته ويُحْسِنُ مدارتها ومعاملتها، فالكثير من الأزواج هذه الأيام لا يحسنون معاملة زوجاتهم كما أمر الرسول عليه الصلاة والسلام فلا يتواضعون في خدمتهن ولا يصفحون ولا يعفون عن سيئاتهنّ بل يقابلون الإساءة بالإساءة، وهذا كله يؤدي إلى أن يمتلئ قلبا كلّ من الزوجين بالحقد والضغينة والكراهية ويكون هذا من أسباب انهيار حسن العلاقة والمعاشرة بين الزوجين، وبالتالي إلى خراب وانهيار بيت الزوجية وضياع الأبناء، وما يترتب على ذلك من ءاثار سلبية وعواقب وخيمة.
ولنا معاشر المؤمنين، قدوة حسنة في نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم في معاشرته زوجاته. كيف لا، والله عز وجل أمرنا بالاقتداء به والسير على منهاجه وطريقته صلى الله عليه وسلم فقال تبارك وتعالى ﴿ لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّـهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّـهَ كَثِيرًا ﴾[سورة الأحزاب آية 21]. وقد قال عليه الصلاة والسلام : " خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي " ومعناه أنا أحسنُ معاملةً لأزواجي منكم، وأنتم من كان معاملته للنساء وأزواجه حسنة فهو من أفضل المسلمين، ومن حُسن خُلُقه ومعاشرته صلى الله عليه وسلم لزوجاته أنه كان لما يبيتُ في بيت إحداهن لأجل الدَّور والقَسْم كان يخرج صباحًا يدور على كل واحدة منهن، فيقف على بابها ويسلم عليها ويقول : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهل البيت، فكان عليه الصلاة والسلام يبدأهنَّ بالسلام من غير أن ينتظر حتى يأتينَ هُنَّ فَيُسَلِّمن عليه، فانظر يا أخي المسلم إلى حُسْنِ خُلُقِهِ صلى الله عليه وسلم وتواضعه في معاملته لزوجاته، فأيُّ سرورٍ يدخل على زوجاته صلى الله عليه وسلم عندما يبدأهنَّ بالسلام.
ومن حُسن ءادابه ومعاشرته صلى الله عليه وسلم لزوجاته تواضعُه معهن وخدمته لهنَّ في بيوتهنَّ رضي الله عنهنَّ، فقد سئلت السيدة الجليلة عائشة رضي الله عنها : ما كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته ؟ فقالت : كان يكون في مهنة أهله (تعني خدمة أهله) فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة.
أخي المسلم... لقد أثنى الله عز وجل في القرءان على حُسن خُلُقِ رسوله محمد صلى الله عليه وسلم فقال عَزَّ مِنْ قائل ﴿ وإنَّك لعلى خُلُق عظيم ﴾، ومن حسُنْ خُلُقِهِ عليه الصلاة والسلام تواضعه مع زوجاته وحسن معاشرته لهن، فكان صلى الله عليه وسلم داخل بيوتهن يقوم في خدمتهنَّ، وكان صلى الله عليه وسلم في بيت زوجاته يحلبُ شاته بيده من غير أن ينتظر من زوجته أن تحلب له، وكان عليه السلام يتولى خدمة البيت مع زوجته بنفسه تواضعًا لله عز وجل، وكان صلى الله عليه وسلم يغسل ثوبه ويُصْلِحُ نعله بنفسه مُعلِّمًا أمته التواضع وحسن المعاشرة والمعاملة مع الزوجات، وقد قال عليه الصلاة والسلام : " إنكم لتغفلون عن أفضل العبادة التواضع "، ويقول عليه السلام : " إنَّ الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف ".
إخوة الإيمان، إنّ التواضع لله تعالى مع الأزواج والأهل والناس والأقارب من العبادات العظيمة التي يحبها الله عز وجل في عباده المؤمنين لأن فيه قهرًا وكسرًا للنفس ومخالفةً لها ابتغاء للثواب من الله عز وجل وقد قال أحدهم :
إنَّ التواضع من صفات المتقي * وبه التقيُّ للمعالي يرتقي
وفي الختام نوجه هذه الفائدة إلى كل من الأزواج والزوجات فنقول لهم : إنَّ الزوج الذي يُحسنُ معاشرة زوجته في الدنيا فلا يعاملها بالظلم بل يعاملها بالعدل، وإنَّ الزوجة التي تطيع زوجها ولا تقصر في حقوقه، بل تعامله بالحسنى ولا تؤذيه في أفعالها وأحاديثها معه، يوم القيامة لا ينفر ولا يَفِرُّ هو منها ولا تَنْفر ولا تَفِرُّ هي منه، وأما إن كان الزوجان يتعاملان فيما بينهما بالظلم في الدنيا ويؤذي كل منهما الآخر، فيوم القيامة هو يفرُّ منها وهي تفر منه خَوْفَ أن يطالب أحدهما الآخر بِمَظْلَمَة، وقد قال صلى الله عليه وسلم : " اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ". وقال أيضًا صلى الله عليه وسلم : " من كانت عنده مَظْلَمَةٌ لأخيه، من عرضه أو من شىء، فَلْيَتَحَلَّلْهُ منه اليومَ قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إنْ كان له عمل صالح أًخِذَ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أُخِذَ من سيئات صاحبه فَحُمِلَ عليه " رواه البخاري.
فَهَلا أحسنا معاملة ومعاشرة زوجاتنا وأزواجنا في البيوت، وهَلا تواضع الزوج في بيته في معاشرة زوجته اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، فبذلك تستقر الحياة الزوجية وتسلم بيوتنا من كثير من الآفات والويلات، ونحفظها من الويلات والخراب والانهيار، ونحفظ أولادنا من الضياع والشتات والتشرد.
...اللهمَّ كما حَسّنْتَ خَلْقَنَا فحَسِّنْ خُلُقَنَا.
...اللهم ءات نفوسنا تقواها وزكّها أنت خيرُ من زكاها أنت وليها ومولاها.
وءاخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
https://www.islam.ms/ar/?p=163