الكُتب السّماوِيّة. الكتب المُنزلة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد الأمين وبعد،
فقد قال الله تعالى: ﴿إنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلاَمُ﴾ وقال الله تعالى: ﴿وَمَن يَّبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُّقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [سورة آل عمران آية 19 و85]. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « الأنبياءُ إخوةٌ لِعَلات دينُهم واحدٌ وأمهاتُهم شتى وأنا أولى الناسِ بعيسى بنِ مريمَ ليسَ بينِي وبينَه نبيٌ » رواه البُخَارِيُّ. النبيُّ صلى الله عليه وسلم شبَّهَ الأنبياءَ بالإخوةِ لعلات من حيثُ أنَّ الأنبياءَ دينُهم واحدٌ عقيدتُهم واحدةٌ جاؤوا بالإسلامِ دينِ اللهِ تعالى الذي ارتضاهُ اللهُ لعباده، وشرائعُهم متعددةٌ كما أن الإخوةَ لعلاتٍ أمهاتهُم متعددةٌ.
فالأنبياء كالأخوة الذين أبوهم واحد وذلك لأن دينهم واحد وهو الإسلام وإنما الفرق بينهم في الشريعة التي هي الفروع العملية كالزكاة والصلاة ونحو ذلك، وشريعة سيدنا محمد هي أحسن الشرائع وأيسرها، وهذا التغيُّر في الشريعة على حسب ما تقتضيه الحكمةُ والله أعلم بمصالح الناس من أنفسهم. ومن الغلط الشنيع في قول بعض الناس الأديان السماوية الثلاثة. فإنه لا دينَ صحيح إلا الإسلام وهو الّدينُ السّماوِيُّ الوحيدُ.
الكتب المُنزلة على بعض الأنبياء
يجب الإيمان بكل الكتب المنزلة على بعض الأنبياء. الكُتب السّماوِيّة دعت كلها إلى دين الإسلام، الّذي هو الدّينُ السّماويُّ الوحيد.
إن أشهر الكتب السماوية التي أنزلها الله تبارك وتعالى على أنبيائه هي : القرءان الكريم، التوراة، الإنجيل، الزبور. الكتاب الوحيد الذي لم يحرف هو القرآن الكريم.
ورد في حديث رواه ابن حبان في صحيحه، وكذا رواه ابن مَرْدَوَيْه وعبد بن حُمَيْد وابن عساكر كما ذكر ذلك السيوطي في الدر المنثور، والقرطبي في التفسير، كلهم عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم كم كتابا أنزل الله ؟ قال: « مائة كتاب، وأربعة كتب، أنزل على شيث خمسون صحيفة، وأنزل على أخنوخ (إدريس) ثلاثون صحيفة، وأنزل على إبراهيم عشر صحائف، وأنزل على موسى قبل التوراة عشر صحائف، وأنزل التوراة والإنجيل والزبور والفرقان » المجموع مائة كتاب وأربعةُ كتب سماوية
- النبي شيث: خمسون صحيفة
- النبي إدريس: ثلاثون صحيفة
- النبي إبراهيم: عشرة صحف
- النبي موسى: أحد عشر كتابا أحدها التوراة باللّغة العبريّة
- النبي داود: كتاب واحد هو الزبور باللّغة العبريّة
- النبي عيسى: كتاب واحد هو الإنجيل باللّغة السريانيّة
- النبي محمد: كتاب واحد هو القرءان الكريم باللّغة العربيّة
الإيمانُ بالكُتُبِ السماوية
قوله صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل الطويل: "الإيمانُ أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه".. الحديثَ الكتبُ السماويةُ نزلَ بها جبريلُ على أنبياءِ الله وأشهرها أربعة التوراةُ والإنجيلُ والزبور والقرءان وهو أفضلها وهذه الكتبُ أخذها جبريلُ من اللوح المحفوظ وخلق الله تعالى صوتاً بألفاظ هذه الكتب سمعه جبريلُ.
فالتوراةُ أنزل على موسى والإنجيلُ على عيسى والزبور على داود وفيهِ حِكمٌ ومواعظ والقرءانُ أنزِل على محمد صلى الله عليه وسلم، والكلامُ الذي في هذه الكتب ليس عينَ الكلام الذاتي القائم بذاتِ الله والذي هو صفة من صفاته إنما هو عباراتٌ عن ذلك الكلام فالعبارة شئ والمعبرُ عنه شئ ءاخر، العبارة التي هي حرفٌ وصوت ولغة مكتوبة في اللوحِ المحفوظ وقرأها جبريل على الأنبياء لا شك أنها مخلوقة حادثة أما ما عَبرت عنه وهو كلامُ الله الواحد الأزلي الأبدي فهو ليس ككلام العالمين ، وقد قال بوحدة كلام الله أبو عليٍّ السكوني المتوفى سنة 707هـ وكذلك الحافظ البيهقي في كتابين له وكذلك كل أهل السنة ومعنى وحدة الكلام : أن كلام الله الذي هو صفتهُ ليسَ كلاماً متعدداً بل هو كلام واحد وهذا الكلام الواحد هو وعدٌ ووعيد وأمرٌ ونهي وخبر واستخبار وتبشير وقد جاء في القرءان الكريم: ﴿قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي﴾ وليس معناهُ أن كلام الله متعدد إنما المعنى تعظيم كلام الله ومعنى الآية : ﴿لو كان البحر مداداً﴾ أي حبراً يكتب به ما يدل عليه كلامُ الله لكان هذا البحرُ ينفذ أي ينتهي ، وما دل عليه كلام الله لا ينفذ، هذا معنى ﴿قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفذ البحر قبل أن تنفذ كلمات ربي ولو جئنا بمثلهِ مدداً﴾ وكذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: "أعوذ بكلمات الله التامة" ذُكر الكلام بلفظ الجمع لتعظيم كلام الله ومعنى التامة : التي لا نقص فيها، معناه كلام الله لا نقص فيه وأما قول الله تعالى: ﴿لا تحرك به لسانك لتعجل به﴾ فمعناه: يا محمد لا تقرأ القرءان أثناء قراءة جبريل عليك خشية أن ينفلت منك وقول : ﴿إن علينا جمعه وقرءانه﴾ معناه : نحن ضمنا لك أن لا ينفلت منك القرءان أي أن تكون حافظاً له، وقوله: ﴿فإذا قرأناه فاتبع قرءانه﴾ قرأناه أي جمعناه لك في صدرك فاتبع قرءانه أي أعمل به، يقال في لغة العرب: قرأ الماء في الحوض أي جمعه فلا يجوز أن يكون الله تعالى نطق بالقرءان كما نحن ننطق به لذلك لا يسمى الله ناطقاً إنما يسمى متكلماً أي موصوفاً بالكلام الذي هو صفته الذي ليس حرفاً ولا صوتاً ولا لغةً والدليل على إثبات صفة الكلام لله من القرءان قوله تعالى: ﴿وكلم الله موسى تكليماً﴾ والدليل على أن هذه الآية أفادت إثبات الكلام حقيقة لله على ما يليق به أن الفعل في لغة العرب إذا أُكد بالمصدر كان ذلك دليلاً على الحقيقة (المصدر هو ما يأتي ثالثاً في تصريف الفعل يقال كلم يكلم تكليما) ومعنى هذه الآية أن الله أزال عن سمع موسى الحجاب المعنوي المانع من سماع كلامه حين كان موسى في طور سيناء فسمع كلام الله الموجود أزلاً وأبداً والذي ليس حرفاً ولا صوتاً ولا لغة وليس ككلامِ العالمين من غير أن يحُل كلام الله الذي هو صفة ذاته في أُذن موسى لأن ما حَل بالمخلوق مخلوق ومما يدل على حدوث الروح هو حلولها في المخلوق قال أهل السنة: "موسى وسمعه حادثان وكلام الله ليس حادثاً ". قال الإمام أبو حنيفة النعمانُ بنُ ثابت المولود سنة ثمانين للهجرة في كتابه الفقه الأكبر: " والله يتكلم لا كما نحن نتكلم نحن نتكلم بالآلة والحرف والله يتكلم بلا آلة ولا حرف " ومعنى الآلة: مخرج الحرف كالحلق، وهذا دليل على أن عقيدة أهل السنة سلفهم وخلفهم أن كلام الله الذي هو صفته ليس حرفاً ولا صوتاً ولا لغة.
وقد جاء في صحيح البخاري أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: " مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ وَلا حَاجِبٌ " معناه: في الآخرة الله هو يتولى حساب العباد بنفسه فيزيلُ عن سمع الخلق في موقف الحساب الحجاب المعنوي المانع من سماع كلامه الذاتي فيسمع كل الإنس والجن كلام الله الذي ليس حرفاً ولا صوتاً فيفهمون منه السؤال عن أعمالهم ونياتهم وأقوالهم فيفرح المؤمنون الأتقياء ويتنكد الكفار مع أن كلام الله واحد وهذا دليل على أن هذا الكلام الذاتي ليس حرفاً ولا صوتا ولا لغة، لأنه لو كان حساب الله عباده بالسؤال بالحرف واللغة لكان الله أبطأ الحاسبين والعياذ بالله ، والله يقول: ﴿ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين﴾ معنا : أنا أسرع من كل حاسب هذا معنى الآية وكذلك قول الله تعالى: ﴿سريع الحساب﴾ يدل على ذلك وقد ورد في صحيح البخاري: " أن البشر كلهم بالنسبة ليأجوج ومأجوج كواحد إلى ألف" فلو كان حساب هؤلاء بالحرف والصوت لأكل زماناً طويلاً ولما كان الله أسرع الحاسبين ، فثبت أن كلام الله الذي هو صفة ذاته ليس حرفاً ولا صوتاً ولا لغة ولا بداية له ولا نهاية وأن القرءان الكريم والتوراة والانجيلَ الأصليينِ وسائر الكتب المنزلة عباراتٌ عن ذلك الكلام ومع ذلكَ يسمى ما فيها كلام الله لأنه ليس من تأليف بشر ولا تصنيف ملك.
https://www.islam.ms/ar/?p=25