نِعَمُ الله على عبادِهِ والتي منها الشمسُ والقمر. تفسير سورة إبراهيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمين لَهُ النِّعْمَةُ وَلَهَ الْفَضْلُ وَلَهُ الثَّنَاءُ الحَسَن صَلَوَاتُ اللَّهِ البَرِّ الرَّحيم وَالملائِكَةِ المُقَرَّبين عَلى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ أشْرَفِ الْمُرْسَلين وَخَاتَمِ النَّبِيين وَحَبيبِ رَبِّ العَالَمين وَعَلَى جَميعِ إخْوَانِهِ مِنَ النَّبيينَ وَالمُرْسَلين وَءَالِ كُلٍّ وَالصَّالِحين وَسَلامُ اللهِ عَلَيْهِم أجْمَعين
يقولُ الله تعالى: ﴿اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمٰوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ {32} وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ {33} وَءاتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ {34}﴾ [سورة إبراهيم].
إنَّ اللهَ سبحانَهُ وتعالى يخبِرُ عبادَهُ بأنه هو خالِقُ السَّمٰواتِ والأرض فلا خالقَ سواهُ سبحانه، وأنه ﴿أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء﴾ أي السَّحابِ الذي في السَّماءِ مَطَرًا ﴿فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ﴾ تَنتفِعونَ به ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ﴾ بإذنِهِ وإرادَتِهِ ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ﴾ لِتَنتَفِعوا بها.
﴿وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ﴾ أي دائمين أي يدأبانِ في سَيرِهِما وإنارَتِهما ودَرئِهما الظُّلُمَات وإصلاحِهِما ما يُصلِحانِ مِنَ الأرضِ والأبدانِ والنبات، ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ﴾ يتعاقبانِ خُلفَةً لِمعاشِكُم وسُباتِكم.
﴿وَءاتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ﴾ أي ءاتاكم بعضَ جَميعِ ما سألتموهُ، أو المعنَى وءاتاكُم مِنْ كلِّ ذلكَ ما احتجتُم إليه فكأنكُم سألتموهُ أو طلبتموهُ بلسانِ الحال. ﴿وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا﴾ أي لا تُطيقوا عدَّها وبلوغَ ءاخرِها، هذا إذا أرادوا أنْ يَعُدُّوها على الإجمَال وأما التفصيلُ فلا يعلَمُهُ إلا الله، ﴿إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ﴾ بظُلمِ النعمَةِ بإغفالِ شُكرِها إذ الشُّكرُ الواجِبُ يكونَ بأداءِ الفرائض واجتنابِ المحرّمات، وأَوْلى الواجباتِ تعلُّمًا وتعليمًا هو عِلمُ العقيدةِ علمُ التنزيهِ لقولِهِ عليه الصَّلاةُ والسَّلام: "أفضَلُ الأعمالِ إيمانٌ بالله ورسولِهِ" [رواه البخاري] فمَعرِفَةُ الله أهمُّ الأعمال ولا تَصِحُّ العِبادَةُ مِنْ جاهلٍ لا يَعرِفُ ربَّه، قال الغزاليُّ رحِمَهُ الله: "لا تَصِحُّ العبادَةُ إلا بعدَ معرفةِ المعبود" ومعرفةُ اللهِ تكونُ باعتقادِ أنه موجودٌ لا يُشبِهُ شيئًا ولا يُشبِهُهُ شىء، ليس جسمًا كثيفًا كالإنسانِ ولا جسمًا لطيفًا كالنورِ والرُّوحِ والهواء. وقولُهُ تعالَى: ﴿كَفَّارٌ﴾ شديدُ الكُفرَانِ لها أو ظلومٌ في الشِّدةِ يشكو ويجزَعُ، كَفَّارٌ في النعمَةِ يجمَعُ ويَمنَعُ فلا يدفَع.
اللهم اجعلنا من عبادِك الشكورين الذين يستمعونَ القول فيتّبعونَ أحسنَهُ
وعلّمنا ما ينفعُنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما يا أرحم الراحمين
https://www.islam.ms/ar/?p=555