مجيء عذاب الكفار - شكر الله على نعمهِ - تفسير سورة النحل
بسم الله الرحمن الرحيم
الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمين لَهُ النِّعْمَةُ وَلَهَ الْفَضْلُ وَلَهُ الثَّنَاءُ الحَسَن صَلَوَاتُ اللَّهِ البَرِّ الرَّحيم وَالملائِكَةِ المُقَرَّبين عَلى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ أشْرَفِ الْمُرْسَلين وَخَاتَمِ النَّبِيين وَحَبيبِ رَبِّ العَالَمين وَعَلَى جَميعِ إخْوَانِهِ مِنَ النَّبيينَ وَالمُرْسَلين وَءَالِ كُلٍّ وَالصَّالِحين وَسَلامُ اللهِ عَلَيْهِم أجْمَعين.
يقولُ الله تبارَك وتعالى: ﴿أَتَى أَمْرُ اللهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ {1} يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ {2} خَلَقَ السَّمٰوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ {3} خَلَقَ الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ {4} وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ {5} وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ {6} وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ {7} وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ {8}﴾ [سورة النحل].
﴿أَتَى أَمْرُ اللهِ﴾ أي هو بمنزِلَةِ الآتي الواقِع وإنْ كانَ مُنتَظَرًا لقُربِ وقوعِهِ ﴿فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ وذلكَ أنهم كانوا يستَعجِلونَ ما وُعِدوا مِنْ قِيامِ السّاعَةِ ونزولِ العذابِ بِهم يومَ بَدرٍ استهزاءً وتكذيبًا بالوعدِ فقيلَ لَهم: ﴿أَتَى أَمْرُ اللهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ تبَرَّأ جلَّ وعزَّ عن أنْ يكونَ له شريكٌ وعن إشراكِهم.
﴿يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء﴾ أي بالوَحيِ أو بالقرءان، لأنَّ كُلاًّ منهُما يقومُ في الدّينِ مَقامَ الرُّوحِ في الجسَد، أو يُحيِي القلوبَ الميّتةَ بالجهَل، ﴿مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ﴾ أي أَعلِموا بأنَّ الأمرَ ذلك، والمعنَى أعلِموا الناسَ قولِي: ﴿لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ﴾ أي فخافون.
ثم دلَّ على وَحدانيّتِهِ وأنه لا إلـٰه إلا هو بما ذَكَرَ مما لا يقدِرُ عليهِ غيرُهُ مِنْ خَلقِ السَّمٰواتِ والأرض وهو قولُهُ: ﴿خَلَقَ السَّمٰوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ أي تنَزَّهَ عمَّا يقولُ المشركون.
وخلقَ الإنسَانَ وما يكونُ منه وهو قولُهُ: ﴿خَلَقَ الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ﴾ أي خلَقَهُ مِنْ نُطفَةٍ لا روحَ فيها فإذا هو مِنطِيقٌ مجادِلٌ عن نفسِهِ مُكافِحٌ لخصومِهِ مُبيّنٌ لِحُجَّتِهِ، بعدَ ما كانَ نُطفَةً لا حِسَّ به ولا حَركَة، أو فإذا هو خَصِيمٌ لرَبِّهِ مُنكِرٌ على خالِقِهِ قائلٌ: ﴿مَنْ يُحيى العِظامَ وَهِيَ رَميم﴾ [سورة يس] وهو وصفٌ للإنسِانِ بالوقاحَةِ والتمادي في كُفرانِ النِّعمة التي منها خَلْقُ البهائمِ لأكلِهِ وركوبِهِ وحَملِ أثقالِهِ وسائرِ حاجاتِهِ وهو قولُهُ: ﴿وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ﴾ وهي الإبلُ والبقرُ والغنَم، أي خلقَ الإنسانَ والأنعام ثم قال: ﴿خَلَقَهَا لَكُمْ﴾ أي ما خَلَقها إلا لكم يا جِنْسَ الإنسَان ﴿فِيهَا دِفْءٌ﴾ وهو اسمُ ما يُدَفّأُ به مِنْ لِباسٍ معمولٍ مِنْ صوفٍ أو وَبَرٍ أو شَعَر، ﴿وَمَنَافِعُ﴾ وهي نَسلُها ودَرُّها ﴿وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ وهو يؤذِنُ بالاختِصَاص لأنه قد يؤكَلُ مِنْ غيرِها لأنَّ الأكلَ منها هو الأصلُ الذي يعتمِدُهُ الناسُ في مَعايِشِهِم، وأمَّا الأكلُ مِنْ غيرِها كالدَّجاجِ والبطِّ وصَيدِ البرِّ والبحر فكغيرِ الْمُعتدِّ به وكالجارِي مَجرى التفكّه.
﴿وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ﴾ أي تَردّونَها مِنْ مراعيها إلى مَراحِها بالعَشِيّ ﴿وَحِينَ تَسْرَحُونَ﴾ أي تُرسِلونَها بالغَداةِ إلى مسَارِحِها، مَنَّ الله تعالى بالتجَمُّلِ بها كما مَنَّ بالانتفاعِ بها لأنه مِنْ أغراضِ أصحَابِ المواشي، لأنَّ الرُّعيانَ إذا رَوّحُوها بالعَشيّ وسرَّحوها بالغَداةِ تزيَّنت بإراحَتِها وتسريحِها الأفنية وفَرِحَت أربابُها وأكسَبَتهُم الجاهَ والحُرمَةَ عندَ النّاس، وإنما قُدّمت الإراحَةُ على التسريح لأنَّ الجمَالَ في الإراحَةِ أظهر إذا أقبَلَت مَلأى البطونِ حافِلَةَ الضُّروع. ﴿وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ﴾ أي أحمالَكُم ﴿إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ﴾ والمعنَى: وتَحمِلُ أثقالَكم إلى بلَدٍ لَم تكونوا بالِغيهِ لَو لَم تُخلَق الإبلُ إلا بجُهدٍ ومشقَّةٍ، فَضْلاً عن أن تَحمِلوا أثقالَكم على ظهورِكم، أو معناه: لَم تكونوا بالغيهِ إلا بشِقِّ الأنفُسِ والشِّقُّ: النصفُ، كأنه يُذهِبُ نِصفَ قوّتِهِ بِما ينالُ مِنَ الجهد، ﴿إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ حيثُ رَحِمَكم بِخَلقِ هذهِ الحوامِل وتيسيرِ هذه المصَالِح.
﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً﴾ أي وخَلَقَ هذهِ للرُّكوبِ والزّينة، وخَلَقَ ما لا تعلمون مِنْ أصنافِ خلائقِهِ وهو قولُهُ: ﴿وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ ومَنْ هذا وصفُهُ يتعالى عن أن يُشرَكَ بهِ غيرُهُ.
اللهم إنا نسألُكَ العفو والعافية في الدنيا والآخرة
يا أرحمَ الراحِمين
https://www.islam.ms/ar/?p=563