رجله في الحديث معناه مَنْ قَدَّمَهُ اللّهُ لَهَا مِنْ أَهْلِ الْعَذَابِ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وصلَّى الله على رسول الله وسلَّم وعلى ءاله وأصحابه الطيبين وبعد.
صحيح مسلم بشرح النووي - كِتَاب الْجَنَّةِ وَصِفَةِ نَعِيمِهَا وَأَهْلِهَا - أحاديث الصفات " - ص 311 - "
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَأَمَّا النَّارُ فَلَا تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رِجْلَهُ ) وَفِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَهَا لَا تَزَالُ جَهَنَّمُ تَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ حَتَّى يَضَعَ فِيهَا رَبُّ الْعِزَّةِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدَمَهُ فَتَقُولُ : قَطْ قَطْ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى ( فَيَضَعُ قَدَمَهُ عَلَيْهَا ) هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ مَشَاهِيرِ أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ، وَقَدْ سَبَقَ مَرَّاتٍ بَيَانُ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهَا عَلَى مَذْهَبَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ وَطَائِفَةٍ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ : أَنَّهُ لَا يُتَكَلَّمُ فِي تَأْوِيلِهَا بَلْ نُؤْمِنُ أَنَّهَا حَقٌّ عَلَى مَا أَرَادَ اللَّهُ ، وَلَهَا مَعْنَى يَلِيقُ بِهَا، وَظَاهِرُهَا غَيْرُ مُرَادٍ.
وَالثَّانِي : وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّهَا تُتَأَوَّلُ بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِهَا ، فَعَلَى هَذَا اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ ، فَقِيلَ : الْمُرَادُ بِالْقَدَمِ هُنَا الْمُتَقَدِّمُ ، وَهُوَ شَائِعٌ فِي اللُّغَةِ وَمَعْنَاهُ : حَتَّى يَضَعَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا مَنْ قَدَّمَهُ لَهَا مِنْ أَهْلِ الْعَذَابِ، قَالَ الْمَازِرِيُّ وَالْقَاضِي : هَذَا تَأْوِيلُ النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ ، وَنَحْوُهُ عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ .
الثَّانِي : أَنَّ الْمُرَادَ قَدَمُ بَعْضِ الْمَخْلُوقِينِ ، فَيَعُودُ الضَّمِيرُ فِي قَدَمِهِ إِلَى ذَلِكِ الْمَخْلُوقِ الْمَعْلُومِ .
الثَّالِثُ : أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ فِي الْمَخْلُوقَاتِ مَا يُسَمَّى بِهَذِهِ التَّسْمِيَةِ ، وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الَّتِي فِيهَا ( يَضَعُ اللَّهُ فِيهَا رِجْلَهُ ) [...] قَدْ رَوَاهَا مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ فَهِيَ صَحِيحَةٌ وَتَأْوِيلُهَا كَمَا سَبَقَ فِي الْقَدَمِ ، وَيَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يُرَادَ بِالرِّجْلِ الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ ، كَمَا يُقَالُ : رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ ، أَيْ : قِطْعَةٌ مِنْهُ ، قَالَ الْقَاضِي : أَظْهَرُ التَّأْوِيلَاتِ أَنَّهُمْ قَوْمٌ اسْتَحَقُّوهَا ، وَخُلِقُوا لَهَا ، قَالُوا : وَلَا بُدَّ مِنْ صَرْفِهِ عَنْ ظَاهِرِهِ ؛ لِقِيَامِ الدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ الْعَقْلِيِّ عَلَى اسْتِحَالَةِ الْجَارِحَةِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَلَا يَظْلِمُ اللَّهُ مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا ) قَدْ سَبَقَ مَرَّاتٍ بَيَانُ أَنَّ الظُّلْمَ مُسْتَحِيلٌ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ، فَمَنْ عَذَّبَهُ بِذَنْبٍ أَوْ بِلَا ذَنْبٍ فَذَلِكَ عَدْلٌ مِنْهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى .
https://www.islam.ms/ar/?p=49